وضع داكن
18-04-2024
Logo
فاسألوا أهل الذكر - الندوة : 21 - الجهاد وأنواعه.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين، أيها الأخوة:
 السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلاً ومرحبا بكم إلى هذا اللقاء الجديد من برنامجكم أسلوا أهل الذكر، أعزائي المستمعين، يقول الله سبحانه وتعالى:

﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111)﴾

( سورة التوبة )

 أيها الأخوة:
 لقد شرع الإسلام الجهاد بالنفس والمال واللسان، وبين فضل المجاهدين وأعلى مكانتهم، واعتبر أسمى الجهاد الشهادة في سبيل الله، ولنا في المسلمين الأوائل المثل والقدوة آيات الجهاد في القرآن كثيرة، والأحاديث النبوية الشريفة في الجهاد أكثر بكثير، نلتقي اليوم في هذه الحلقة تحت عنوان ((الجهاد وأنواعه )).
 وباسمكم جميعاً نرحب بالفضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي الأستاذ المحاضر في كلية التربية بدمشق، وإمام وخطيب جامع النابلسي، والمدرس الديني في معاهد دمشق، السلام عليم دكتور.
 وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
 آيات الجهاد كثيرة والأحاديث النبوية كثيرة، يقول الله سبحانه وتعالى وَجَاهِدُوا

﴿فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ﴾

( سورة الحج الآية: 78 )

 دكتور كيف نحقق معنى الآيات الكريمة، وما هي أبواب الجهاد ؟
 الأستاذ راتب:
 بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد.
 فما من كلمة في الإسلام ظلمت ككلمة الجهاد، ذلك أن معظم المسلمين لا أن ينطقوا بهذه الكلمة حتى يقفز إلى أذهانهم الجهاد القتالي مع أن الجهاد القتالي نوع من أنواع الجهاد، لكن كيف أنه في التعليم مراحل، هناك مرحلة أساسية ثم مرحلة ثانوية، ثم مرحلة جامعية، ثم دراسات عليا، ثم دكتوراه، كذلك في الجهاد مراحل، المرحلة الأولى في الجهاد، الجهاد الدعوي، ذلك أن الله سبحانه وتعالى يقول في القرآن الكريم:

 

﴿وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً (52)﴾

 

( سورة الفرقان )

 هذا الذي لا يعرف لماذا هو مخلوق في الدنيا، لا يعرف سر وجوده، ولا غاية وجوده، لا يعرف المهمة التي أنيطت به كإنسان، لا يعرف الرسالة التي ينبغي أن يحملها لا يعرف الهدف البعيد الذي ينبغي أن يتجه نحوه، لا يعرف أن الدنيا مزرعة الآخرة، أن الدنيا دار تكليف والآخرة دار تشريف، أن الدنيا دار عمل وأن الآخرة دار أمل، أن الدنيا دار جهد وبذل وأن الآخرة دار سعادة واستمتاع، فهذا الجاهل كيف يضحي بحياته ؟ هذا الجاهل كيف يبذل ماله، كيف يقاوم عدواً، الجهاد الدعوي هو الجهاد الأساسي، ينبغي أن تصح عقيدتك ذلك أن الله سبحانه وتعالى في آية محكمة دقيقة جداً، يقول:

 

﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى(10)﴾

 

( سورة الليل )

 يعني الناس على اختلاف ألوانهم وأعراقهم وأجناسهم وانتماءاتهم ومللهم ونحلهم وطوائفهم ومذاهبهم في القرآن الكريم لا يزيدون عن رجلين، رجل عرف الله فانضبط بمنهجه وبنى حياته على العطاء فسعد في الدنيا والآخرة، ورجل غفل عن الله فتفلت من منهجه وأساء إلى خلقه فشقي في الدنيا والآخرة.

 

﴿أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) ﴾

 الحسنى هي الجنة، من مسلمات العقيدة أنك مخلوق للجنة، لذلك هذا الذي يقاتل يعلم علم اليقين أن الله سبحانه وتعالى سيكافئه في الجنة ما دام يسعى لتكون كلمة الله هي العليا، فلا يمكن أن يكون الإنسان شجاعاً إلا إذا آمن بالجنة، لا يمكن أن يضحي الإنسان بحياته إلا إذا آمن بالجنة، فهذا المؤمن صدق بالحسنة، وما دام قد صدق بالحسنى فإن أول حقيقة صارخة تقف أمامه أن يتقي أن يعصي الله، ينضبط بمنهجه، ليس الولي الذي يمشي على وجه الماء ولا الذي يطير في الهواء ولكن الولي كل الولي الذي تجده عند الحلال والحرام، أن تجده حيث أمر الله، وأن تفتقده حيث نهاه الله، فهذا الذي أعطى واتقى وصدق بالحسنة في ترتيب تنازلي، فصدق بالحسنة فبنى على تصديقه بالحسنة أنه مخلوق للجنة أنه انضبط وفق منهج الله، ثم أنه بنى حياته على العطاء، إن أردت أن تعرف ما إذا كنت من أهل الدنيا أم من أهل الآخرة، ما الذي يسعدك أن تعطي أم أن تأخذ، أهل الإيمان يسعدهم أن يعطوا، والجود بالنفس أقصى غاية الجود بينما أهل الدنيا يسعدهم أن يأخذوا، فهذا:

 

 

﴿أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) ﴾

 الآن رد الإله عليه أن الله ييسره لليسرى، لما خلقه من سعادة الدنيا والآخرة من السلامة والسعادة، إذاً هذا القسم الأول، كما قلت قبل قليل على اختلاف انتماءات البشر وأعراقهم، وألوانهم، وأجناسهم، وطوائفهم، ومذاهبهم، ومللهم، ونحلهم، هم رجلان مؤمن آمن أنه مخلوق للجنة بني على إيمانه انضباطه وفق منهج الله، وبني على إيمانه أنه بنى حياته على العطاء، يعطي كل شيء، يعطي من وقته، يعطي من ماله، يعطي من خبرته، يعطي من جهده، يعطي من عضلاته، يعطي حياته، أما الثاني:

 

﴿وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9)﴾

 صدق بالدنيا فقط.

 

﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾

 

( سورة الروم الآية: 10 )

 لن يتعدى نظره الدنيا، هي منتهى آمالهم، في محط رحالهم، أهل الدنيا كفروا بالآخرة، وأمنوا بالدنيا، إذاً هم يستغنون عن طاعة الله، ولأنهم استغنوا عن طاعة الله وأمنوا في الدنيا بنوا حياتهم على الأخذ، فلذلك الإنسان الشارد عن منهج الله عز وجل يتمنى أن يعيش على أنقاض الآخرين، يتمنى أن يغتني على إفقار الآخرين، يتمنى أن يسعد على شقاء الآخرين، يتمنى أن يكون عزيزاً على إذلال الآخرين، يتمنى أن يغتني على إفقار الآخرين، بنى حياته على الأخذ، والحقيقة أيها الأخ الكريم جزاك الله خيراً.
 يعني قبل خمسين عام أو أربعين عام، هناك أبيض وأسود، وهنك آلاف الألوان الرمادية بينهما، لكن الآن في ظاهرة غريبة، لم يبقَ إلا اللون الأبيض والأسود، يعني مؤمن وكافر، منضبط ومتفلت، مخلص وخائن، صادق وكاذب، يخاف من الله و يخاف مما سوى الله، ولي وإباحي، رحماني وشيطاني، هذا الذي حصل، فلذلك أنا أرى أنه ما لم يتعرف الإنسان إلى الله عز وجل، وما لم يتعرف إلى سر وجوده وغاية وجوده، ما لم يتعرف إلى الهدف الذي خلق من أجله.

 

﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)﴾

 

( سور الذاريات )

 والعبادة في أدق تعاريفها " طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تفضي إلى سعادة أبدية " هذا الضائع، هذا الغافل، هذا الجاهل، هذا الشارد هذا الشهواني، هذا الوصولي، هذا الخائف، هذا الجبان، أن له أن يجاهد، والدليل أن الذين يجاهدون هم المؤمنون، وأن التاريخ يثبت أن الذي يمكن أن يقف في وجه أكبر قوة عاتية هو المؤمن، لأنه يعتمد على الله عز وجل، وهو يوقن يقيناً قطعياً أن الله إذا كان معه فمن عليه وأن الله إذا كان عليه فمن معه، إذا كان الله معك لان لك عدوك، وإذا كان الله عليك تنكر لك قريبك، ويا ربي ماذا فقد من وجدك، وماذا وجد من فقدك، هذا هو الجهاد الدعوي، ما لم نعرف الناس بالله عز وجل، بمنهجه، بسر وجودهم، بغاية وجودهم بحقيقة وجودهم، بحقيقة الكون بحقيقة الدنيا، بحقيقة الإنسان، بحقيقة ما ينتظره بعد الموت فإنسان لا يضحي بحياته، بل لن يضحي بمتعة يستمتع بها ولو أن فيها ضعفاً لبدنه.
 أنا مرة كنت في بلد من بلاد المسلمين، وتحدثنا عن مقاطعة البضائع الأمريكية فقال أحدهم: هات لي بديل للبيبسي، ليس مستعداً أن يدع مشروباً صنعه من يدعم أعدائنا فالمشكلة إذا الإنسان ما عرف الله عز وجل فالطريق إلى الجهاد أمامه مسدود، هذا نوع من الجهاد.
 الجهاد الثاني:
 هو جهاد النفس والهوى، يعني المهزوم أمام نفسه لا يمكن أن يقاوم نملة الضعيف أمام شهواته، أمام المال.

 

﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ﴾

 

( سورة آل عمران الآية: 14 )

 الذي ينظر أمام نفسه لا يمكن أن يقاتل عدواً، ولا يمكن أن يضحي بوقت ولا بمال، ولا بجهد إطلاقاً، لأن نفسه تحكمت به، ولأن شهواته قادته إلى طريق هلاكه، فلذلك الجهاد الثاني جهاد النفس والهوى، قال تعالى:

 

﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)﴾

 

( سورة العنكبوت )

 هذا جهاد بالله عز وجل هو ثمن الجنة.

 

﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40)﴾

 

( سورة النازعات )

 الإنسان ما له مستعد أن يضحي بشهوة محرمة من أجل طاعة الله أن له أن يجاهد إنسان ما له مستعد يغض بصره عن محارم الله أن له أن يجاهد، إنسان ما له مستعد أن يضبط لسانه عن الغيبة والنميمة، أن له أن يجاهد، كما قلت قبل قليل مراحل التعليم تبدأ بالابتدائي، وتنتهي بالدكتوراه، أنا أرى كما قال عليه الصلاة والسلام:

 

(( ذروة سنام الإسلام الجهاد في سبيل الله، لا يناله إلا أفضلهم ))

 

[ رواه الطبراني عن أبي أمامة ]

 الدكتوراه، وقبلها في ابتدائي، وإعدادي، وثانوي، وجامعة، وماجستير، وفي نهاية المطاف أعلى شهادة، لذلك الذين يضحون بحياتهم لو طالعت تاريخ حياتهم كلهم طلاب علم، وهذه حقيقة، وكلهم ممن يقرؤون القرآن، ويحفظونه، وقد حصلوا على شهادات عالية شرعية، معنى ذلك الإنسان حينما يعرف سر وجوده وغاية وجوده، إذاً بعد الجهاد الدعوي لا بد من الجهاد الأكبر جهاد النفس والهوى، وقد قال عليه الصلاة والسلام حينما عاد من غزوة:

 

(( رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر ))

 

[ أخرجه البيهقي عن جابر ]

 جهاد النفس والهوى.
 معنا اتصال:
 السؤال الأول:
 أسأل عن كلمة أنا عندما يقولها الإنسان ويتعوذ منها، هذه الكلمة ملعونة، وفي ذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بخصوص هذا الشيء ؟
 الأستاذ راتب:
 هو في قول لبعضهم أربع كلمات مهلكات أنا ونحن ولي وعندي، قال إبليس:

 

﴿قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ﴾

 

( سورة الأعراف الآية: 12 )

 فأهلكه الله، وقال قوم بلقيس:

 

﴿قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ﴾

 

( سورة النمل الآية: 33 )

 وقال فرعون:

 

﴿أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ﴾

 

( سورة الزخرف الآية: 51 )

 وقال قارون:

 

﴿إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي﴾

 

( سورة القصص الآية: 78 )

 يعني إذا قلت أنا وتقصد بها الكبر و الاستعلاء، والسمو، و أن ترى أنك شيء كبير، هذا الذي ينبغي ألا نتلفظ به، أما قد تقول، من كتب هذه الوظيفة ؟ أنا كتبتها، هذه عادية جداً، لا تكن متشنجاً، أنا التي ينبغي ألا نتلفظ بها هي الأنا التي تعني الكبر، وتعني الاستعلاء، وتعني السمو على الآخرين، أما أن تقول أنا البارحة جئت إلى البيت الساعة التاسعة، وأردت أن أنام فلم أستطع، فهذه كلمة عادية فلا تقصد بها الكبر.

 

(( إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى ))

 

[ متفق عليه ]

 أما في أشخاص يتعبونك، كل ما قال أنا يقول لك أعوذ بالله من كلمة أنا، يهلكنا بها، ثلث حديثه أعوذ بالله من كلمة أنا، هذا الشيء الإنسان يطلع من جلده منها.
 سؤال الثاني:
 هل التعليم على عزف على بعض الآلات الموسيقية للتسلية وقت الفراغ فقط حرام شرعاً ؟
 الأستاذ راتب:
 والله قضية الموسيقا فيها تحريم، الحقيقة أنا قلت قبل قليل، إذا الإنسان عرف سر وجوده وغاية وجوده ن إذا عندك امتحان ثاني يوم ممكن تعمل عمل ما فيه خطأ مثلاً لكن تضييع الوقت أكبر خطأ، ما دام العمر محدود، الإنسان بضعة أيام كلما انقضى يوم انقضى بضع منه، أنت حينما تعلم لماذا أن في الأرض موجود، حينما تعلم سر وجودك وغاية وجودك لا تستهلك من الوقت إلا ما كان في طاعة الله، وفي عمل يقربك إلى الله، حتى لو درست دراسة عالية هذا العمل ينفع الأمة، حتى لو جلست مع أولادك أو مع أهلك هذا العمل يمتن العلاقة بينكم، أما الشيء الذي لا يرضي الله عز وجل ولا طائل منه إلا أن تعيش في وهم، وإن شاء الله التقيت وجئت إلى جامع النابلسي أعطيك بحث عن الموسيقا كيف أنها تجعل الإنسان يعيش بوهم كبير جداً.
 السؤال الثالث:
 أنا عندي الحبيبتين لا أرى بهما، وعندما أسمع القرآن الكريم بالأشرطة الكاسيت في كلمات لا أفهما حتى لو أعيدها كذا مرة، الواحد عندما يقرأ القرآن المفسر يبين معه الكلام في اللفظ، أما أنا دكتور في كلمات لا أفهمها.
 الأستاذ راتب:
 أنا سأقدم لك، مثلاً قول لي أريد سورة البقرة، أعطيك تفسيرها، اسمع تفسيرها ثم اقرأها، تنحل المشكلة، إن أتيت إلى جامع النابلسي أقدم لك بعض الهدايا من تفسير القرآن الكريم.
 وهل هو أخذ نفس الثواب.
 الأستاذ راتب:
 والله وقد تكون أكثر لك أجر، لأن الله عز وجل قال:

((إذا أحب الله عبداً ابتلاه فإن صبر اجتباه وإن شكر اقتناه ))

 أناس عظام كبار فقدوا أبصارهم، دعاة إلى الله كبار تركوا أثر في الأرض يفوق حد الخيال ابتلاهم الله بفقد أبصارهم، فالدنيا دار ابتلاء، إن هذه الدنيا دار التواء لا دار استواء، ومنزل ترح لا منزل فرح، فمن عرفها لم يفرح لرخاء ولم يحزن لشقاء، قد جعلها الله دار بلوى، دقق فيما يقول النبي: وجعل الآخرة دار عقبة، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سببا، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضا، فيأخذ ليعطي ويبتلي ليجزي، فإذا أحب الله عبده ابتلاه، إذا قلت يا ربي لك الحمد على هذه المصيبة تكون حققت النجاح الأكبر، لأنه:

 

﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (10) ﴾

 

( سورة الزمر الآية: 10 )

 الأعمال الصالحة كلها لها أجار معينة من قبل الله إلا الصابر معه بالتعبير المعاصر شك مفتوح، يملي الرقم كيفما يريد.

 

﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (10) ﴾

 آخر مداخلة:
 أتمنى من إذاعة القدس الإذاعة العربية الفلسطينية لتحرير الأرض والإنسان تقيم برنامج لتلاوة القرآن الكريم بكل أجزاءه يكون تحت إشراف دكاترتنا وشيوخنا الأكارم من أجل أن أسمعه أنا لأن الحبيبتين عندي لا أرى بهما.
 الأستاذ إبراهيم:
 سيدنا أيوب عليه والسلام ابتلاه الله سبحانه وتعالى بمرض وصبر على هذا المرض.
 الأستاذ راتب:
 الدنيا دار ابتلاء، يعني أنا كنت أظن أنه ممكن إنسان يبتلا وإنسان لا يبتلا، ثم ثبت أنه لا بد من أن نبتلا، الإمام الشافعي سئل أندعو الله بالابتلاء أم بالتمكين، قام ابتسم وقال لن تمكن قبل أن تبتلا.

 

 

﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142)﴾

 

( سورة آل عمران )

 مستحيل:

 

﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2)﴾

 

( سورة العنكبوت )

 حينما نوطن أنفسنا على أن هذه الدنيا دار ابتلاء نتفاعل مع الابتلاء تفاعل إيجابي ونرضى به.
 سؤال:
 أنا عندي مداخلة من أجل الجهاد في سبيل الله ـ لكننا الموضوع ما استكملناه نحن لعله عندما ينتهي الموضوع ـ الجهاد، علينا أن نبني أسس الجهاد قبل أن نطالب الإنسان بالجهاد، أن نتمسك بدين الله سبحانه وتعالى ومبادئه، الابتعاد عن الرياء والغوغائية كيف لنا أن نجاهد في بلاد المسلمين أصبحت مرتعاً للغزاة، ومرتعاً للفحشاء والمنكر، وما نلاحظه من ملاهي، ومناظر مزرية في شوارع بلاد المسلمين، كيف لنا أن نجاهد في سبيل الله، يجب أن نجاهد أول شيء النفس، نفس الإنسان، يجب أن يقيم الصلاة، ويأتي الزكاة نبتعد عن الكذب والغش والنفاق، والسلام عليكم ورحمة الله.
 الأستاذ راتب:
 أنا هذا الذي ذكرته في هذا اللقاء، إذاً الجهاد الدعوي وصفه الله عز وجل أنه جهاد كبير.

 

﴿ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ ﴾

 أي بالقرآن.

 

 

﴿ جِهَادًا كَبِيرًا ﴾

 والجهاد الذي يبنى على الجهاد الدعوي هو جهاد النفس والهوى وسماه النبي الكريم الجهاد الأكبر، فقال:

 

 

(( رجعنا من الجهاد الأصغر ))

 من جهاد العدو.

 

 

(( إلى الجهاد الأكبر ))

 جهاد النفس والهوى.
 الآن في عندنا الجهاد الثالث هو الجهاد البنائي، لأن الله سبحانه وتعالى يقول:

 

 

﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ﴾

 

( سورة الأنفال الآية: 60 )

 هؤلاء الغزاة وهؤلاء الأقوياء ما بلغوا قوتهم وهم نائمون، وهم متخاصمون وهم شاردون، نظموا حياتهم، وضعوا الإنسان المناسب في المكان المناسب، قدسوا العمل وضعوا مقاييس موضوعية لتقييم الناس، شجعوا الناس على طالب العلم، هناك وسائل كبيرة جداً حققوها حتى ملكوا القوة، وبعد أن ملكوا القوة فرضوا إرادتهم وإباحيتهم على كل الشعوب، فلذلك أن تواجه عدواً قوياً جداً، ذكياً جداً، غنياً جداً، بوسائل بدائية، أن تبقى نائماً، وأن نقول لا حول ولا قوة إلا بالله.
 سيدنا عمر رأى رجل معه ناقة جرباء، فقال يا أخا العرب ماذا تفعل في هذه الناقة، قال والله أدعو الله أن يشفيها، فقال هلا جعلت مع الدعاء قطراناً، ألم يدعو المسلمون في كل بلاد المسلمين في أثناء حرب العراق، في المساجد، وفي أثناء كل الصلوات على أعدائهم، لم يستجب الله عز وجل، لأن الله عز وجل يقول:

 

﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ﴾

 وكل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب ما لم تقم قرينة على خلاف ذلك، هذا الأمر نحن مقصرون فيه، يعني مثلاً ينبغي أن نعد العدد، وأن نعد العدد، وأن نعد التدريب وأن نعد الخطط، وأن نعد المعلومات، والإعلام، والتغطية، يعني آلاف البنود، لأن الآية تقول:

 

﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ﴾

 قوة كلمة نكرة في اللغة، وهذا التنكير هو تنكير الشمول، يعني كل أنواع القوة ينبغي أن نعدها، وقد يكون الإعلام قوة، وقد يكون أن نوصل آراءنا وقضيتنا العادلة إلى الطرف الآخر هذا من القوة، وقد يكون الإعداد البشري قوة، والإعداد السلاح قوة، إلخ...

 

﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ﴾

 هذه المن تفيد استغراق أفراد النوع، لها معنى دقيق في اللغة، لو أنني قلت لك أمعك مال نقيم به مشروع يحتاج إلى مليونين، أنت معك مئة ألف، تقول لي ما معي هذا المال، أما إذا قلت لي ما معي من مال ولا قرش سوري، إذا جاءت من قبل النكرة تفيد استغراق أفراد النوع، فكلمة:

 

 

﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ﴾

 من تفيد استغرق أفراد النوع، وقوة جاءت نكرة، تنكير شمول، يعني كل أنواع القوى، لكن ليفهم الصحابة الكرام ما هي القوة، جاءهم بالقوة التي بين أيديهم قال:

 

 

﴿وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ﴾

 

( سورة الأنفال الآية: 60 )

 هذا اسمه عطف الخاص على العام، فنحن حينما نجاهد جهاداً بنائياً، يعني كل مواطن، أو كل مسلم له موقع في الحياة إذا أتقنه، وطوره، وحسنه، ووهبه لخدمة أمته هذا الجهاد نقطف ثماره بعد حين، الجهاد القتالي قد نقطف ثماره الآن، لكن لا ينجح، لا بد من جهاد بنائي، لكن رحمة الله عز وجل تقتضي أنه ما كلفنا أن نعد القوة المكافئة للعدو وهذا قد يبدو مستحيلاً، لكنه كلفنا أن نعد القوة المتاحة لنا، إذا استنفذنا الجهد في إعداد القوة المتاحة، وكان إيماننا إيماناً كبيراً حملنا على طاعة الله، استكملنا أسباب النصر لأن الله سبحانه وتعالى يقول:

 

﴿وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47)﴾

 

( سورة الروم )

 أين إيمان هذا، إبليس مآمن، ألم يقل ربي:

 

﴿فَبِعِزَّتِكَ﴾

 

( سورة صاد الآية: 82 )

 ألم يقل:

 

﴿خَلَقْتَنِي﴾

 

( سورة صاد الآية: 76 )

 آمن به خالقاً، ألم يقل:

 

﴿أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14)﴾

 

( سورة الأعراف )

 معنى إذا آمنت بالله ولم تستجب له هذا الإيمان لا قيمة له إطلاقاً، لأن الله سبحانه وتعالى ما ذكر الإيمان في القرآن إلا وقرنه بالعمل الصالح.

 

﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾

 

( سور فصلت الآية: 30 )

 نحن إذا أمنا الإيمان الذي ينجي، أو هو الإيمان الذي يحملنا على طاعة الله الإيمان الذي ينعكس ضبطاً لسلوكنا ولجوارحنا ولأعضائنا، ولبيوتنا ولبناتنا ولزوجاتنا ولقبض أموالنا ولإنفاق أموالنا، الإيمان الذي ينعكس ضبطاً، ينعكس استقامةً، ينعكس عطاءً هذا هو الإيمان الذي ينجينا، فالإيمان شرط لازم غير كافي، والإعداد للعدو شرط لازم غير كافي، إذا أمنا الإيمان المنجي، وأعددنا لأعدائنا القوة المتاحة فقد استكملنا أسباب النصر أما أن نصرخ وننادي وندعو ونحن نائمون مقصرون فإسلام بهذه الطريقة أصبح ظاهرة صوتية لا تقدم ولا تأخر.
 سؤال:
 إذا في جامع لتحفيظ القرآن وهو في قلب الجامع، وتدخل فتاة ليس لها صلاة هل يجوز ؟
 الأستاذ راتب:
 يعني إذا ما كان لا يصلى فيه، ليس متعلقاً بالمسجد ما في مانع، إذا معهد ما في مانع أبداً.
 سؤال:
 بعض العرب عندما ذهبوا إلى العراق جاهدوا في سبيل الله، في بعض المشايخ نصحوهم ألا يذهبوا، لكن أريد من فضيلتكم أن أعرف لماذا نصحوهم ألا يذهبوا.
 الأستاذ راتب:
 إذا الإنسان مخلص واجتهد وأصاب له أجران، وإذا اجتهد وأخطأ له أجر واحد أما الإنسان حينما يضحي بحياته العلماء قالوا ينبغي أن يحدث نكاية بالعدو كبيرة، يعني ليس القتل مطلوباً لذاته، لما أنت تستيقظ على صلاة الفجر وفي صنبور ماء بارد لا يحتمل وصنبور ماء دافئ وتتوضأ بالبارد ما لك أجر، لأن الله غني عن تعذيب الإنسان نفسه، أما حينما لا يكون إلا الماء البارد أتوضأ ولي أجر كبير، فكما أن المشقة في الإسلام ليست مطلوبة لذاتها كذلك أن تموت بلا سبب بلا ثمن دون أن تحدث شيئاً ليس مطلوباً لذاته، أما حينما تحدث نكاية في العدو وتهز أركانه عندئذٍ ينبغي أن تخرج، ليس القصد أن تموت فقط هذا الإسلام منهج أكبر من ذلك بكثير، الحياة ثمينة جداً، ليس القصد أن تموت، القصد أن تحدث نكاية كبيرة في العدو تهز أركانه، فلعل الذي أمر بالخروج يرى أن الجهاد يحدث نكاية بالعدو كبيرة، ولعل الذي كان متردداً لعله ظن أن الذي لا يحدث عمل نكاية بالعدو لكل مجتهد نصيب من اجتهد وأصاب له أجران ومن اجتهد فأخطأ فله أجر.
 الأستاذ إبراهيم:
 هناك العدد من المجاهدين العرب الذين ذهبوا للمقاتلة في العراق لم يشتركوا بالقتال للكنهم استشهدوا أثناء قصف حافلاتهم وهم ذاهبون.
 الأستاذ راتب:
 القصد أن نحدث نكاية بالعدو، هذا الغلام الذي لم يستطع الملك أن يقتله، وقد جاء في السنة، في صحيح البخاري، قال للملك لن تقتلني إلا إذا أخذت سهماً من جعبتي وجمعت الناس كلهم في ساحة عامة، وأطلقت هذا السهم ثم قلت باسم رب الغلام، ما الذي حصل، هو يدعي الألوهية هذا الملك، لكن الناس جميعاً حينما أصاب السهم الغلام، بعد أن قال باسم رب الغلام أمنوا بالله عز وجل فالإنسان يقدم حياته رخيصة جداً مقابل هدف كبير فإذا غلب على ظن الإنسان أن خروجه للجهاد يحدث نكاية في العدو، ويحدث هز بأركانه ينبغي أن يخرج، أما إذا رقم، خرج ليموت فقط دون أن يحدث شيئاً ليس القتل في الإسلام هو الهدف، القصد النصر.
 سؤال:
 للجنة ثمان أبواب ولجهنم ثمان أبواب، ما هي تلك الأبواب، وما هو باب المجاهدين، وهل يتوقف الجهاد مجرد خيانة البعض وخسارة أول معركة من المعركة في العراق ؟
 الأستاذ راتب:
 لا، لا يتوقف، اسمع هذا الكلام أيها الأخ الكريم، خطأ كبير جداً أن يظن أن الجهاد سلوك مرتجل لمواجهة خطر داهم، لا الجهاد سلوك يومي، مستمر وواعي وملخص سلوك يومي، مشكلة أمتنا بردود الأفعال، كلما داهمها خطر تتحرك، ينبغي أن تجاهد بهذه المعاني الدقيقة، الجهاد الدعوي، وجهاد النفس والهوى، والبنائي يومياً بشكل مستمر، فإذا نجحت في جهادها الدعوي، وفي جهاد النفس والهوى الجهاد الأكبر، وفي الجهاد البنائي ينتظر أن تنجح في الجهاد القتالي، فنحن إذا في خبرة إن لم تكن سارة لا يتوقف الجهاد الخطأ الكبير أن يظن أن الجهاد سلوك مرتجل لمواجهة خطر داهم، الجهاد سلوك يومي والجهاد كما قلت ذروة سنام الإسلام.
 سؤال:
 هناك بعض المجاهدين معتقلين وفي معتقلات أمريكية في البصرة نرجو من فضيلة الشيخ وعلماء الشام الدعاء لهم في فك أسرهم، والإجابة عن السؤال الأول الجنة وأبوابها ما هي.
 يعني أبواب الجنة، مثلاً الجهاد أحد أبواب الجنة، إطعام الطعام، إنفاق المال التعليم، الدعوة إلى الله، أبواب الجنة، يعني الأعمال الصالحة الكبرى التي تعد سبباً لدخول الجنة، هكذا.
 سؤال:
 أنا سؤالي يتعلق بسؤال الأخت سعاد، أنا أقول إذا كان المعهد هو بمكان مصلى النساء، يعني إذا كان المعهد هنا، يجوز تدخل التي ليس لها صلاة ؟
 الأستاذ راتب:
 أختي بشكل دقيق، دعينا من المعهد، أنت طالبة بالصف الثانوي، وفي مادة قرآن كريم، ويوجد بنت من البنات لا تصلح للصلاة مثلاً، لا تصلي، فإذا سألتها المدرسة ماذا حفظت من كتاب الله ؟ هل تستطيع أن تدعي أنها ليس لها صلاة فلا تقرأ، العلماء الأربعة اتفقوا على أن القرآن يقرأ تعبداً ويقرأ تعلماً، ففي القراءة قراءة التعلم يجوز للمدرسة إن لم يكن لها صلاة أو للطالبة إن لم يكن لها صلاة أن تقرأ القرآن، فهذا الجواب دقيق جداً ما دام في معهد انتهى.
 الأستاذ إبراهيم:
 نحن أمة جهاد، ونحن في رباط إلى يوم القيامة كما قال عليه الصلاة والسلام هل يتحتم علينا تغيير نمط الجهاد ضد الغزاة المحتلين ضد العروبة والإسلام ؟ وهذا ما يحصل الآن في فلسطين المحتلة.
 الأستاذ راتب:
 والله القرآن الكريم ذكر آيات دقيقة جداً، من هذه الآيات قال تعالى:

 

﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً﴾

 

( سورة التوبة الآية: 55 )

 الحقيقة وأنا أقول دائماً يجب أن ننطلق من حقيقة مرة لا من وهم مريح، هل نحن مستخلفون ؟ لا والله، هل نحن ممكنون في الأرض ؟ لا والله، هل نحن أمنون ؟ لا والله، لسنا مستخلفين ولا ممكنين ولا آمنين، في عنا خلل إن لم نبحث عن هذا الخلل ـ أين يكمن الخلل ـ الخلل أن الله سبحانه وتعالى أجاب عن هذا السؤال قال:

 

﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً(59)﴾

 

( سورة مريم )

 ولقد لقي المسلمون ذلك الغي، أضاعوا الصلاة ؛ أجمع العلماء على أن إضاعة الصلاة لا يعني ترك الصلاة بل يعني تفريغها من مضمونها.

 

(( ليس كل مصل يصلي، إنما أتقبل صلاة ممن تواضع لعظمتي، وكف شهواته عن محارمي، ولم يصر على معصيتي، وأطعم الجائع، وكسا العريان، ورحم المصاب وآوى الغريب كل ذلك لي، وعزتي وجلالي إن نور وجهه لأضوء عندي من نور الشمس على أن أجعل الجهالة له حلما، والظلمة نورا يدعوني فألبيه، ويسألني فأعطيه، ويقسم علي فأبره، أكلأه بقربي، وأستحفظه ملائكتي، مثله عندي كمثل الفردوس لا يتسنى ثمرها ولا يتغير حالها.))

 

[ أخرجه الديلمي عن حارثة بن وهب ]

 إضاعة الصلاة لا يعني تركها، ولكن يعني تفريغها من مضمونها.

 

(( يؤتى برجال يوم القيامة لهم أعمال كجبال تهامة يجعلها الله هباء منثورا، قيل يا رسول الله جلهم لنا، قال إنهم يصلون كما تصلون، ويأخذون من الليل كما تأخذون ولكنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها ))

 رسول الله سئل:

 

 

(( قالُوا مَنْ المُفْلِسُ ؟ قالُوا المُفْلِسُ فِينَا يَا رَسُولَ الله من لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: المُفْلِسُ مِنْ أَمّتِي مَنْ يَأتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةِ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَد شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا، فيقعُدُ فَيَقْتَصّ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْتَصّ عَلَيْهِ مِنَ الْخَطَايَا أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَ عَلَيْهِ ثُمّ طُرِحَ في النّارِ ))

 

[ رواه مسلم ]

 حينما يفهم المسلمون أن الدين مجرد عبادات شعائرية فقط، ولهم أن يكذبوا وأن يغشوا، وأن يتجاوزا الحدود، وأن يعتدوا على أعراض بعضهم، وأن يأكلوا أموال بعضهم ظلماً، حينما تمتلئ بلاد المسلمون بالظلم لا نستحق أن ينصرنا الله عز وجل، فالله عز وجل يقول:

﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً(59)﴾

 ولقد المسلمون ذلك الغي، هذا التفسير الأول.
 التفسير الثاني:

 

﴿وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ ﴾

 أي دين وعد بتمكينه، ليس أي دين، وعد بتمكين الدين الذي يرتضيه، فإن لم نكمن معنى ذلك أن فهمنا لهذا الدين، وأن تعاملنا معه، وتطبيقنا لأحكامه، وعرضنا له لم يرضِ الله عز وجل، إذاً أول سبب الكرة عندنا في ملعبنا، الخلل عندنا، لأن زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين دقق في الوعود:

 

 

﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ ﴾

 لسنا مستخلفين.

 

﴿ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ ﴾

 لسنا ممكنين.

 

﴿ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ﴾

 لسنا أمنين.

 

﴿ وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47) ﴾

 لم ننتصر.

 

﴿وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173)﴾

 

( سورة الصافات )

 لم نغلب.

 

﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً (141)﴾

 

( سورة النساء )

 لهم علينا ألف سبيل وسبيل، إذاً زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين، وما دامت هذه الوعود لم تحقق إذاً نحن لسنا في المستوى الذي نستحق نصر الله عز وجل، والله عز وجل لا يحابي أحداً، يعني تصور أستاذنا الكريم أن سيد الخلق وحبيب الحق في معركة أحد، معه نخبة البشر.

 

(( إن الله اختارني واختار لي أصحابي ))

 لأنهم عصوا أمراً تنظيمياً لم ينتصروا، لو أنهم انتصروا مع معصيتهم لهذا الأمر النبوي لسقطت طاعة رسول الله.
 وفي حنين سيد الخلق، وحبيب الحق، ومعه نخبت الخلق لأنهم وقعوا في شرك اعتقداي فقالوا لبعضهم: لن نغلب اليوم من قلة، لم ينتصروا، فإذا كان سيد الخلق وحبيب الحق، معه نخبة البشر، لم ينتصروا مرتين، مرة لأنهم عصوا، ومرةً لأنهم اعتقدوا اعتقاداً شركياً، فكيف بالمسلمين وفيهم مليون شبهة في عقيدتهم ؟‍‍ وفيهم مليون معصية في سلوكهم من السذاجة بمكان أن تتوهم أن الله سبحانه وتعالى يعد المؤمنين وهم ليسوا كذلك ويحقق هذه الوعود، هذا شيء مستحيل.
 سؤال:
 سيدي الكريم سبحان الله، والله لقد أجاب فضيلة الدكتور عن كلامي قبل أن أتكلم فلا إله إلا الله سيدنا محمد رسول الله، سيدي نحن رأينا في بداية الانتفاضة في أول ستة أشهر منها انتصاراً ساحقاً من المسلمين، ولكنه سلب بعد ذلك، ثم رأينا في أول عشرة أيام من حرب العراق بداية نصر مذهل لأهلنا في العراق، ولكنه سلب منا بعد ذلك، نكون قاب قوسين أو أدنى من النصر ثم يسلب منا، فسبحان الله أتى الجواب من فضيلة الدكتور، ولكن أنظر أنا إلى أخوتنا الذي يباركون لنا هذا الخذلان، يباركون لنا التراجع، كيف يستقبل عتاة الأرض، كيف يبارك لعتاة الأرض احتلالهم، كيف نبارك لهم سلبهم أراضينا، كيف نبارك لهم سلبهم ديننا، الآن سلخوا شمال العراق ليصبح كبريهات وكزينوهات تصدر منها آلات الكفر مجتمعة، سلبوا عدة مناطق، بدؤوا لنا ذلك في أريحا قبل، يدخلون إلينا بتغلغل كما الحية التي تسعى دون أن ندري ولا أن نشعر، ونتبعهم على عمانا، نفتح كل مناطق اللهو وإضاعة الوقت، وإضاعة الشباب، كيف لنا أن نقبل أن نفتح بلادنا مراقص، كيف لنا أن نترك ديننا ونهجره، أين نربي أبناءنا للجهاد طالما نتفتح هذه المراكز، هذا ما أردت أن أشير له فقط.
 الأستاذ راتب:
 أعقب على كلامكم بارك الله بكم، أن أعرابياً سأل النبي عليه الصلاة والسلام قال يا رسول الله " عظني ولا تطل، فقال له: قل أمنت بالله ثم استقم " ـ هذا الأعرابي وجد الاستقامة صعبة ـ قال له أريد أخف من ذلك قال له فاستعد للبلاء. فإذا المسلمون رأوا الاستقامة صعبة عليهم فليستعدوا للبلاء.
 سؤال:
 أنا أشكر السيد محمد نبيل على هذه الكلمات الرائعة، وما يحمله من مآسي من أجل شبابنا في هذا الوقت، وباسمي وباسم جميع الفلسطينيين الموجويدن في سوريا وعبر أثير إذاعة القدس نقدم بطاقة حب ووفاء وإخلاص وولاء إلى السيدة الأولى أسماء الأسد عقيلة الدكتور بشار الأسد لقدومها إلى إحدى المخيمات الفلسطينية، لأن زعيمنا قال أنا من الشعب وإلى الشعب، فأطال الله في عمره فهذا شرف كبير لنا بقدومها إلينا، والسلام عليكم ورحمة الله.
 الأستاذ إبراهيم:
 الأخ محمد نبيل يقول في بداية الانتفاضة انتصر الفلسطينيون على العدو الصهيوني، لكن بعد ذلك الأمور اختلفت كذلك العراقيون في بداية المعركة في العشرة أيام انتصروا لكن الأمور اختلفت، ما مرد ذلك ؟
 الأستاذ راتب:
 هذا الكلام تفسره آية واحدة، قبل أن أذكر الآية مشروعات كثيرة للتغير شهدها المسلمون في شتى أقطارهم في المئة عام الأخيرة، مشروعات تغيير، بعض هذه المشروعات تنتمي إلى الدين وبعضها لا ينتمي إلى الدين، ولكن المشكلة أن كل هذه المشروعات لم تنجح، ما تفسير ذلك ؟ تفسير ذلك الآية الكريمة:

 

 

﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾

 

( سورة الرعد الآية: 11 )

 إن لم يبدأ التغيير من داخل النفس فإن التغيير الخارجي لا يصلح، قال العلماء هناك نصر استحقاقي كما انتصر المسلمون في بدر، وهناك نصر تفضلي كما انتصر الروم على الفرس بحسب وعد الله لهم، ولكن هناك نصراً كونياً الفريقان شاردان عن الله، الأقوى ينتصر، سلاح مداه المجدي 7كلم وسلاح ثاني 5كلم، السلاح الأول ينتصر، فحينما ننحي معرفتنا بالله واستقامتنا على أمره، وطاعتنا له، وتوكلنا عليه، وإقبالنا عليه، وإخلاصاً له وانضباطاً لمنهجه، إذا نحينا هذا من حياتنا الأقوى هو الذي ينتصر، قضية واضحة جداً لذلك قالوا الحرب بين حقين لا تكون، لأن الحق لا يتعدد، وبين حق وباطل لا تطول لأن الله مع الحق، وبين باطلين لا تنتهي، وهذه الحقيقة المرة التي ينبغي أن نستوعبها، إن لم نرجع إلى الله عز وجل، إن لم نصطلح معه، إن لم نغير ما في أنفسنا، إن لم تكن عقيدتنا صحيحة، إن لم نربي أولادنا، هؤلاء الأولاد الشاردون، وهؤلاء الفتيات الشاردات، أليس لهم آباء وأمهات، أين آبائهم وأمهاتهم ؟

 

(( كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ))

 

[ أخرجه البخاري ومسلم وأبو داوود عن عمر ]

 هذا الذي يتحجج أنه في فساد عام هذا لا يكفي، إن القرار الذي يتخذه الإنسان في شأن مصيره قلما تنقضه الأيام، إذا كان صابراً حقاً عن إرادة وإيمان، في ضياع، في تفلت من منهج الله، في تساهل، الحقيقة أنا ممكن أن ألخص كل هذا الذي قلته بكلمتين، هان أمر الله على المسلمين فهانوا على الله، أن لا أحب بهذا اللقاء الطيب أن أدغدغ العواطف أن أتكلم كلام غير واقعي، لأن أمر الله هان علينا فهنا على الله، وحينما نعظم أمر الله عز وجل يكون الحال غير هذا الحال إن شاء الله.
 الأستاذ إبراهيم:
 يقول الأخ عماد شموط يقول هناك حب وإخلاص للسيدة الأولى عقيلة السيد الرئيس بافتتاحها على ما يبدو أن هناك بنك مركزي أو إلخ... أو مصرف تجاري في مخيم اليرموك للأخوة الفلسطينيين أيضاً، يتحدث عن الشباب وعن الصيف وكذلك هؤلاء كيف يقتلون أوقات فراغهم.
 الأستاذ راتب:
 سيدنا عمر عين والياً فامتحنه، قال ماذا تفعل إذا جاءك الناس بسارق أو ناهب قال أقطع يده، بحسب الشريعة، فقال عمر فإن جاءني من رعيتك من هو جائع أو عاطل فسأقطع يدك، قال إن الله استخلفنا عن خلقه لنسد جوعتهم، ونستر عورتهم، ونوفر لهم حرفتهم، فإن وفينا لهم ذلك تقاضيناهم شكرهم، إن هذه الأيدي خلقت لتعمل، فإذا لم تجد في الطاعة عملاً التمست في المعصية أعمالاً، فاشغلها بالطاعة قبل أن تشغلك بالمعصية.
 نحن حينما نتعاون إن شاء الله على إقامة منهج الله عز وجل الأمر يتغير، أنا لست متشاءماً لكن ما دام الوضع هكذا، والمسلمون لا يغيرون أنا متشاءم، أما إذا رجعوا إلى دينهم واصطلحوا مع الله عز وجل، إذا تاب العبد العاصي، إذا تاب العبد العاصي نادى مناد في السماوات والأرض أن هنئوا فلاناً فقد اصطلح مع الله، الصلحة بلمحة، والأمر في فرق دقيق جداً بينما يسمى بالقهر وبينما يسمى بالتسليط، القهر في معه يأس، معه انهيار معه خنوع، لكن التسليط ليس معه كذلك، التسليط ؛ إله عظيم لحكمة بالغة سلط عدواً على المسلمين.

 

﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ(4)﴾

 

( سورة القصص )

 دقق:

 

﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا﴾

 

( سورة القص الآية: 5 )

 نسأل الله عز وجل أن نكون مشمولين بهذه الآية.

 

﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ﴾

 

( سورة القصص )

 أنا لست متشائماً إذا كان في تغيير حقيقي، في عودة حقيقية، أنا متفاءل جداً لأن الأمور كلها بيد الله.

 

﴿يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾

 

( سورة الفتح الآية: 10 )

﴿مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً (26)﴾

( سورة الكهف )

﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ﴾

( سورة هود الآية: 123 )

﴿وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَ

إخفاء الصور