وضع داكن
19-04-2024
Logo
منهج التائبين - الحلقة : 29 - الوقاية من الذنب 2 - لاتنظر إلى صغر الذنب ولكن انظر على من اجترأت.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع :
  بسم الله ، والحمد لله ، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه .
 أيها الأخوة المستمعون ؛ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، نحييكم في مستهل هذه الحلقة من برنامج : "منهج التائبين" ، وهي الحلقة ما قبل الأخيرة في هذه السلسلة من الحوارات مع فضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي ، أحد أبرز علماء دمشق ودعاتها ، أهلاً ومرحباً بكم فضيلة الشيخ ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
الدكتور محمد راتب :
 وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .
المذيع :
 نتابع الحديث عن سببٍ مِن أسباب الوقاية من معصية الله سبحانه وتعالى ، ألا وهو معرفة الخالق عز وجل ، معرفة الآمر سبحانه وتعالى من خلال التدبر والتفكر في آياته ، وتحدثنا أمس عن آية من هذه الآيات في أنفسنا ، ألا وهي الغدة النخامية ، كمثال على عظمة خلق الله ، ليتنا نتحدث اليوم عن أمر آخر من تلك الأسباب الموجبة لعدم معصية الله سبحانه وتعالى .

آيات الله في الإنسان طريق للتفكر والتدبر :

الدكتور محمد راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
 قبل أيام وقع تحت يدي مقالة علمية فيها ملمح دقيق وخطير ، ذلك أن فرنسا قبل خمس وثلاثين سنة أقامت في صحراء الجزائر تفجيراً نووياً ، هذا التفجير النووي كما تعلمون لهيب حارق ، وضغط ماحق ، لا يبقي شيئاً ، لا نباتًا ولا حيوانًا ولا إنسانًا ، فجرت هذه القنبلة قبل خمسة وثلاثين عاماً في صحراء الجزائر ، وشكّل هذا الانفجار حفرة كبيرة جداً ، وشكّل كرة من النار تعلو مساحة شاسعة ، ثم فوجئ بعض العلماء في نهاية هذا الانفجار بعقرب يمشي على أرض الانفجار ، شيء لا يصدق ! عكف علماء الحيوان ربع قرن على دراسة العقرب ، فوجدوا أن العقرب يستطيع أن يبقى بلا طعام ولا شراب ثلاث سنوات متتالية ، ووجدوا أن العقرب يستطيع كتم أنفاسه تحت الماء لمدة يومين كاملين ، ووجدوا أن العقرب إذا وضع في ثلاجة في الدرجة العاشرة تحت الصفر ، ثم نقل إلى رمل الصحراء المحرقة في درجة ستين يتكيف مع هذا التبدل الطارئ ، ثم وضع في حمام من الجراثيم فلم يتأثر بها إطلاقاً ، وكأنه في حمام بارد ، ثم عرضوه لأشعة نووية تزيد ثلاثمئة ضعف عما يتحمله الإنسان فتحملها ، شرّحوه، ليس فيه دم ، بل فيه مصل أصفر ، ماذا يعلّمنا هذا البحث العلمي ؟ يعلمنا أنه يمكن ألا نمرض إطلاقاً ، إذا كان هذا العقرب عنده هذه الخصائص ، وهذه من خلق الله عز وجل ، لذلك يجب أن نؤمن أن الله سبحانه وتعالى حينما جعل الإنسان سريع العطب كي يحمله على التوبة ، الله جلّ جلاله ثبت أشياء كثيرة ، ثبّت حركة الأفلاك ، أنا أقول لك : بعد خمسمئة عام الشمس تشرق يوم ثلاثة أيلول في الساعة الخامسة وثلاث دقائق ، فحركة الأفلاك ثابتة ، بل إن ساعة بيغ بن الشهيرة تضبط على حركة نجم من النجوم ، ثبّت خصائص المواد ، وخصائص المعادن ، وخصائص البذور ، ثبّت ملايين الأشياء والقوانين والأنظمة ، كي يستقر النظام في الأرض ، لكنه حرك الصحة والرزق كي يحملنا بهما على التوبة ، فهذا العقرب مثلاً لا يمكن أن نتصور أن يمرض ، كان في مكان الانفجار النووي ، ولم يتأثر ، هذا ينقلنا إلى شيء آخر إن الأشياء البسيطة جداً ، والتي لا ننتبه إليها قد تكون آية من آيات الله الدالة على عظمته ، أنت إذا كنت تمشي في طريق ، وسمعت صوت بوق سيارة دون أن تشعر تتجه إلى الجهة المعاكسة لمصدر الصوت ، ما الذي حصل ؟ في الدماغ جهاز بالغ التعقيد ، هو الذي يستقبل الصوت من الأذنين ، ويكشف التفاضل بين وصول الصوتين إليهما ، فالتفاضل واحد على ألف وستمئة جزءاً من الثانية ، فحينما تكون السيارة نحو اليمين ، وتصدر صوتاً من خلال بوقها يصل إلى الأذن اليمنى قبل اليسرى ، بفارق يساوي واحداً على ألف وستمئة وعشرين جزءاً من الثانية ، هذا الجهاز يدرك التفاضل فيعرف جهة الصوت ، فيعطي أمراً للعضلات أن تتجه إلى الجهة المعاكسة .
 أنا حينما تقدم لي وردة ، أو تعطرني بنوع من العطر ما الذي يحصل ؟ يوجد عشرون مليون نهاية عصبية ، كل نهاية تنتهي بسبعة أهداب مغمسة بمادة مخاطية ، هذه المادة المخاطية تتفاعل مع الرائحة ، ويتشكل من تفاعلها شكل هندسي مثلث ، مكعب ، مستطيل ، أسطوانة ، فهذا الشكل الهندسي هو الرائحة ، ينتقل إلى الدماغ ليعرض على عشرة آلاف ذاكرة شمية ، فحيثما كان التوافق بين شكلين عرفت الرائحة ، تقول : هذه رائحة الياسمين ، أو رائحة الفل ، أو زهر الحمضيات ، كيف حصل هذا ؟ شيء بسيط جداً ، فهناك أشياء تلفت النظر .
 إنسان سافر إلى بلاد بعيدة كأمريكا ، وعاد إلى بلده ، يقول : بقي يومين مضطرباً، ليله نهار ، ونهاره ليل ، ما الذي حصل ؟ العلماء قالوا : الإنسان في النهار يزداد استهلاك جسمه من الطاقة ، وفي النهار ترتفع درجة حرارته نصف درجة عن المعدل الوسطي ، وفي الليل تنخفض نصف درجة عن المعدل الوسطي ، وفي النهار تزداد ضربات قلبه من عشر إلى عشرين ضربة في الدقيقة عنها في الليل ، وفي النهار يزداد إدرار البول إلى ضعفين ، أو إلى أربعة أضعاف عنه في الليل ، وفي النهار يزداد نشاط الدماغ ، ويضعف في الليل ، وفي النهار تزداد كريات الدم البيضاء عنها في الليل ، ويزداد استهلاك السكر ثلاثين بالمئة عنها في الليل ، وفي الليل يزداد هرمون النمو ، وهرمون الإخصاب ، الإنسان بعقله يعرف أن الوقت نهار ، والوقت ليل ، لكن القلب كيف يعرف ؟ والرئتين ؟ والاستقلاب ؟ والغدد ؟ كل هذه الاختلافات بين الليل والنهار ، الأجهزة الموكلة بإحداث هذا الاختلاف من يعرفها أن هذا الوقت ليل أو نهار كي تمارس نشاطها وفق الوقت ؟
 الإنسان يدرك بعقله ، لكن هذه الأجهزة لا تدرك بعقلها ، في الإنسان ساعة بيولوجية تستمد معلوماتها من قاع العين ، فأنت في النهار تفتح عينيك ، وتستقبل ضوء الشمس ، فالوقت نهار ، الساعة البيولوجية تبرمج هذه الأجهزة على أن ترفع نشاطها في النهار، وأن تخفضه في الليل ، فيبرمج الإنسان في الليل قد تهبط ضربات القلب إلى خمسين ضربة ، أو خمس وخمسين، لكن في النهار تكون ثمانين ، لكن حينما نسافر إلى بلاد بعيدة في ساعاتك البيولوجية الوقت ليل، فأنت ترغب أن تنام ، وهناك الوقت نهار ، وفي ساعتك البيولوجية الوقت نهار ، ترغب أن تعمل ، الوقت هناك ليل ، فإلى أن تعدل هذه الساعة برنامجها على التوقيت الجديد تحتاج إلى يومين ، وهذه سماها علماء الطب : الساعة البيولوجية ، وهذه الظاهرة يعاني منها كل من سافر إلى بلاد بعيدة .
 في الحقيقة في النهار يحب أن ينام ، وفي الليل لا ينام أبداً ، لأن ساعته البيولوجية تؤكد لكل أجهزته أن الوقت ليل أو أن الوقت نهار ، هذا من آيات الله الدالة على عظمته .
المذيع :
 عندما نعرف هذه الآيات الجدير بنا والأولى ألا نعصي الخالق عز وجل ، وتكون هناك توبة استدراكاً للمعصية .

آيات الله الدالة على عظمته في طعامنا :

الدكتور محمد راتب :
التوبة ظنية .
 شيء آخر ، أن القرآن الكريم هو كلام رب العالمين ، ذكر الله فيه ثلاثة توابل حصراً ، من هذه التوابل الزنجبيل والمسك والكافور ، فالزنجبيل ورد في قوله تعالى:

﴿وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلاً﴾

[ سورة الإنسان : 17]

 والمسك ورد في قوله تعالى:

﴿خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾

[ سورة المطففين : 26]

 والكافور ورد في قوله تعالى:

﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً﴾

[ سورة الإنسان : 5]

 لو أخذنا الزنجبيل على أنه مادة وردت في القرآن الكريم ، ماذا قال عنه الأطباء ؟ ورد في كتب الطب القديمة أن الزنجبيل مسخن للجسم ، معين على الهضم ، مليّن للبطن ، مطهّر ومقوٍّ ، ينفع الزنجبيل في التهاب الحنجرة والرشح ، ومسكن قوي لالتهاب المفاصل والمغص المعوي ، ومضاد للغثيان ، خلاصته المائية دواء جيد لأمراض العين .
 هذا ما ورد في الكتب القديمة ، ولكن ماذا في الكتب الحديثة ، وهذا شيء يلفت النظر ؟ قال العلماء : الزنجبيل موسع للأوعية ، والمرض القاتل هو تصلب الشرايين .
 فضيق الشرايين لو أن الإنسان نجا من كل الأمراض ما الذي يميته في النهاية ؟ تصلب الشرايين ، فالزنجبيل موسع للأوعية ، منعش للقلب والتنفس ، مقوٍّ لتقلص عضلات القلب، هناك حسابات دقيق لقوة عضلات القلب ، أي هو مماثل تماماً لدواء شهير اسمه الديكوكسين ، هذا الدواء مقوٍّ للقلب ، إن آثار الزنجبيل في الجسم تشبه آثار هذا الدواء ، ثم إن هذا الزنجبيل يمنع تجمع الصفيحات الدموية ، أي يمنع الجلطات ، إذاً هو مميع للدم ، يفيد في أمراض الجلطات الدماغية والقلبية ، وخثرات الأطراف ، والذي يسافر إلى أماكن بعيدة محتمل أن يصاب بجلطة في رجله أو أطرافه لطول الجلوس ، لذلك ينصح ركاب طائرات الخطوط الطويلة جداً أن يتحركوا طوال هذه الرحلة ، أو أن يلبسوا جوارب مطاطية ، شيء لا يصدق ، أنه يخفض من ارتفاع الضغط الدموي ، والكوليسترول ، لذلك العلماء قالوا : خير الدواء ما كان غذاءً ، وخير الغذاء ما كان دواءً .
 فهذه الآيات الدالة على عظمة الله عز وجل إنْ في أنفسنا ، وإنْ في طعامنا ، وإنْ في المخلوقات التي حولنا .

آيات الله في المخلوقات التي حولنا :

 البعوضة ، إن الله عز وجل يقول :

﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا﴾

[ سورة البقرة : 26]

 البعوضة لها ثلاثة قلوب ، قلب مركزي ، وقلب لكل جناح ، والبعوضة عندها جهاز رادار ، فهي في وسط الظلام تتجه إلى جبين الإنسان مباشرة ، وعندها جهاز تخدير ، فإذا وقعت على جسمه تخدره لئلا يقتلها ، ثم عندها جهاز فحص دم هناك دم لا يناسبها ، تأخذ عينة من دمه وتفحصها ، ثم عندها جهاز تمييع ، لأن الدم اللزج لا يمر في خرطومها ، فمن جهاز رادار، إلى جهاز فحص للدم ، إلى جهاز تمييع للدم ، إلى جهاز فحص واكتشاف له ، ثم إن أجنحتها ترف أربعة آلاف رفة في الثانية الواحدة ، إلى مستوى الطنين ، ثم إن هذه البعوضة إن أرادت أن تقف على سطح أملس فلها في أطرافها محاجم مبنية على الضغط ، كيف أنك تعلق على البلور مشجباً أساسه تفريغ الهواء ، ولها في أطرافها مخالب ، إذا كان السطح خشناً تستخدم مخالبها ، وإن كان السطح ناعماً تستخدم محاجمها ، ولها ثلاثة قلوب ، ويرف جناحاها أربعة آلاف في الثانية ، وعندها جهاز رادار ، وجهاز فحص ، وجهاز تخدير ، وجهاز تمييع ، فإذا قال الله عز وجل:

﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا﴾

[ سورة البقرة : 26]

 فهذه آية من آيات الله الدالة على عظمته ، بل إن بعضهم قال :

وفي كل شيء له آية  تدل على أنه واحد
***

خاتمة وتوديع :

المذيع :
 سبحان الخالق العظيم ! فضيلة الشيخ ، نكرر مقولة بلال بن رباح رضي الله عنه وأرضاه : " لا تنظر إلى صغر الذنب ، ولكن انظر على من اجترأت " ، نسأل الله عز وجل أن يقينا المعصية ، وما يتبعها من عقاب وعذاب .
 أشكركم ، وأشكر الأخوة المستمعين لحسن متابعتهم لبرنامجنا منهج التائبين ، غداً بإذن الله تعالى سيكون الحوار الأخير في هذه السلسلة ، ليتنا نتحدث عن ثمرات التوبة ، ونعطي مثالاً عن قصة أحد التابعين ، بإذن الله تعالى ، حتى الملتقى لكم التحية ، أشكركم فضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور