وضع داكن
28-03-2024
Logo
أمثال القرآن الكريم - الدرس : 27 - الحديث الشريف - مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

سلامة المؤمنين كلٌ لا يتجزأ :

أيها الأخوة الكرام، لا زلنا في موضوعات الأمثال في الكتاب والسنة، والحديث الشريف الصحيح الذي فيه مثل بليغ قول النبي صلى الله عليه وسلم:

((مَثَلُ القَائِم في حُدُودِ اللَّه والْوَاقِع فيها، كَمثل قَومٍ اسْتَهَموا على سَفِينَةٍ، فَأَصابَ بَعْضُهم أعْلاهَا، وبعضُهم أَسْفلَهَا، فكان الذي في أَسفلها إذا استَقَوْا من الماء مَرُّوا على مَنْ فَوقَهمْ، فقالوا: لو أنا خَرَقْنا في نَصِيبِنَا خَرقا ولَمْ نُؤذِ مَنْ فَوقَنا؟ فإن تَرَكُوهُمْ وما أَرَادوا هَلَكوا وهلكوا جَميعا، وإنْ أخذُوا على أيديِهِمْ نَجَوْا ونَجَوْا جَميعا))

[رواه البخاري عن النعمان بن بشير]

هذا المثل بليغ جداً، أن المصلحة مشتركة، وأن سلامة المؤمنين كلٌ لا يتجزأ، فإذا أخطأ بعضهم انسحب هذا الخطأ على الباقين.
لذلك قومٌ ركبوا سفينة وتقاسموا الأماكن، فالذين في أسفلها رأوا أنهم إذا خرقوا مكان وجودهم في أسفلها وأخذوا ماءً أراحوا من فوقهم، لكن الذين فوقهم إن تركوهم هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا جميعاً، قال تعالى:

﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ﴾

[سورة الأنفال الآية:25]

الإنسان مقهور أن يعيش في جماعة :

أحياناً إن لم تسهم في درء هذه التهم وتلك الفتن أصاب الناس جميعاً أخطار هذه الفتنة، إذاً أراد الله سبحان وتعالى أن تكون في جماعة، وسمح الله لك أن تتقن حاجة، وأحاجك إلى مليون حاجة، تتقن حاجة وتحتاج إلى مليون حاجة، فأنت مقهورٌ من قبل الله عز وجل أن تكون في جماعة، سمح لك أن تتقن حرفة، لكن بحاجة إلى طعام وشراب، إلى طبيب، إلى صيدلي، إلى مدرس، إلى حداد، إلى نجار، إلى خزاف، أنت بحاجة لملايين الجهود الفردية.

إذاً نحن مقهورون في جماعة، فالخطأ الذي يرتكبه الفرد لا يصيب صاحبه فقط بل يصيب المجموع، أوضح مثل حينما تتفلت البنت، وتتعرى، وتبرز مفاتنها، تؤذي المجتمع بأكمله، تؤذي شاباً في ريعان الشباب، بينه وبين الزواج عدة سنوات، ينبغي أن يبني مستقبله، أن يلتفت إلى دراسته، حينما تثيره بهذه المظاهر، وتلك التجاوزات، تسيء إلى كامل الأمة، إلى مجموع الأمة، فحينما ندرك أن خطأ واحداً ينسحب على المجموع، وأن المجموع في قارب واحد، فإذا أصاب هذا القارب العطب غرق كل ركابه، أي إنسان يقول: أنا لا علاقة لي وقع في خطأ كبير، لأن هذه الأمة التي وصفها القرآن الكريم بأنها خير أمة، قال:

﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾

[سورة آل عمران الآية:110]

هذه الخيرية التي وصفنا بها والفضل لله عز وجل، لها علة، أي لها سبب، قال:

﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾

علة خيرتكم أنكم:

﴿ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾

[سورة آل عمران الآية:110]

الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر علة خيرية هذه الأمة :

تصور أن مجتمعاً لا يأمر أهله بالمعروف ولا ينهون عن المنكر، ما الذي يحصل؟ الذي يحصل كما قال النبي عليه الصلاة والسلام:

(( كيف بكم إذا لمْ تأمروا بالمعروفِ ولم تَنْهَوْا عن المنكر؟ قالوا: أو كائن ذلك يا رسول الله؟))

[أخرجه زيادات رزين عن علي بن أبي طالب]

كأن الصحابة لم يصدقوا، هل يعقل أن يأتي زمان أهله لا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر؟ فقال عليه الصلاة والسلام:

(( وأشدُ منه سيكون، قالوا: وما أشدُ منه؟ قال: كيف بكم إذا أمرتُم بالمنكر ونهيُتم عن المعروف؟ قالوا: أو كائن ذلك يا رسول الله؟ قال: وأشد منه سيكون ـ الآن ما الذي هو أشد منه ـ قال: كيف بكم إذا أصبح المعروفُ منكراً والمنكر معروفاً؟))

[أخرجه زيادات رزين عن علي بن أبي طالب]

هذه مصيبة المصائب أن تتبدل القيم، أن يصبح الكاذب صادقاً، والصادق كاذباً، أن يؤتمن الخائن ويخون الأمين.

(( يصبح المعروف منكراً, والمنكر معروفاً))

وقعت الأمة في مصيبة ماحقة.

 

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصلٌ من أصول الدين :

لذلك أيها الأخوة، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصلٌ من أصول الدين، بل هو كما يقول بعض العلماء: الفريضة السادسة

فإذا سكت الناس، وجاملوا بعضهم البعض، ولم يأمروا بالمعروف، ولم ينهوا عن المنكر، فقدت الأمة خيرتها، وإذا فقدت خيرتها أصبحت أمة كأية أمة خلقها الله، لا شأن لها عند الله، ولا وزن لها عند الله، بل لها صغارٌ عند الله، عندئذ تفقد هذه الأمة كل الوعود التي جاءت بالقرآن والتي تتضمن نصرها، أي أليس في القرآن :

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ ﴾

[سورة النور الآية:55]

هل نحن مستخلفون في الأرض؟ لا والله:

﴿ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ ﴾

[سورة النور الآية:55]

هل نحن ممكنون في الأرض؟ لا والله:

﴿وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً ﴾

[سورة النور الآية:55]

هل نحن آمنون؟ لا والله، أقول عن مجموع المسلمين: ليسوا مستخلفين ولا ممكنين، ولا آمنين، لأن الله عز وجل يقول:

﴿ يَعْبُدُونَنِي ﴾

[سورة النور الآية:55]

ما دمنا نعبد الله عز وجل فوعود الله قائمة، وعدنا بالاستخلاف، وبالتمكين، وبالتطمين، فإن لم نؤدِ ما علينا من عبودية فقدنا خيريتنا، وفقدنا كل وعود الله لنا.

 

من هان أمر الله عليه هان على الله :

لذلك هؤلاء الذين قالوا:

﴿ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ﴾

[سورة المائدة الآية:18]

ردّ الله عليهم فقال:

﴿ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ ﴾

[سورة المائدة الآية:18]

استنبط الإمام الشافعي من هذه الآية أن الله لا يعذب أحبابه، لو أن الله قَبِل دعواهم أنهم أحبابه لما عذبهم، إذاً لم يقبل الله دعواهم أنهم أحبابه.

تعصي الإله وأنت تظهر حبه ذاك لعمري في المقال شنيعُ
لو كان حبك صادقاً لاطعتـه إن المحب لمن يحب يطيـعُ
* * *

إذاً هذه الوعود الثلاث، الوعود بالاستخلاف، والوعود بالتمكين، والوعود بالتطمين ليست محققة، والكرة في ملعبنا والخلل عندنا، قال تعالى:

﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً ﴾

[سورة مريم]

ولقد لقي المسلمون ذلك الغي.

 

من طبق سنة النبي في حياته فهو في مأمن من عذاب الله :

لذلك لو أن الله قبل دعواهم لما عذبهم، وهناك آية أوضح :

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾

[سورة الأنفال الآية:33]

أي ما دامت سنة النبي صلى الله عليه وسلم قائمة في حياتهم، هم في مأمن من عذاب الله، أما إذا لم يطبقوا سنة النبي الكريم فهم أمة كأي أمة خلقها الله، لا وزن لها عند الله، وليس لهم أي ميزة تستأهل نصر الله عز وجل، إذاً يقول عليه الصلاة والسلام :

((مَثَلُ القَائِم في حُدُودِ اللَّه والْوَاقِع فيها، كَمثل قَومٍ اسْتَهَموا على سَفِينَةٍ فَأَصابَ بَعْضُهم أعْلاهَا، وبعضُهم أَسْفلَهَا ـ استهموا أي اقتسموا الأماكن على هذه السفينة بعضهم في الأعلى وبعضهم في الأسفل ـ فكان الذي في أَسفلها إذا استَقَوْا من الماء مَرُّوا على مَنْ فَوقَهمْ، فقالوا: لو أنا خَرَقْنا في نَصِيبِنَا خَرقا ولَمْ نُؤذِ مَنْ فَوقَنا؟ فإن تَرَكُوهُمْ وما أَرَادوا هَلَكوا وهلكوا جَميعا، وإنْ أخذُوا على أيديِهِمْ نَجَوْا ونَجَوْا جَميعا))

أي قد تأتي ابنة أخيك إلى بيتك لتزورك، بثياب فاضحة تبرز كل مفاتنها، وأنت عمها فإن لم تنطق بأي كلمة قبولك لهذه الفتاة المتفلتة يغري ابنتك أن تقلدها، جاء الشر إلى بيتك، أما إذا نصحتها، مادمت قد نصحتها فأنت إنسان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.
فإما أن تغير المنكر بيدك، أو بلسانك، أو بقلبك، إذا كنت من أولي الأمر فيجب أن تغيره بيدك، وإن كنت من أولي العلم فبلسانك، وإن كنت لا من هؤلاء ولا من هؤلاء فبقلبك، وهذا أضعف الإيمان.

 

من فقد خيريته فقد وعود الله له بالتمكين و الاستخلاف و التطمين :

على كلٍّ ما لم نأمر بالمعروف، وما لم ننه عن المنكر، فنحن فقدنا كل الوعود الإلهية التي تعدنا بالنصر وبالتوفيق، إذاً الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر علة خيرية هذه الأمة.
أذكر قصة سائق سيارة عمومي، جاءه من يركب معه من بيروت إلى دمشق، شابٌ وشابة، لكنهما طلبوا منهما التريث قليلاً لأن إنساناً سوف يأتي لهم بحقيبة، انتظر ثلث ساعة، جاء رجل كبير في السن وعلى رأسه هذه الحقيبة، يبدو أنه تأخر، فهذا الشاب وكزه وقال له: لماذا تأخرت؟ ثم أخذ المحفظة و وضعها في الصندوق وانطلقا إلى الشام، في نصف الطريق سمع السائق الشابة التي تركب مع الشاب وهي زوجته، تقول لزوجها: لِمَ ضربت أباك؟ السائق لم يحتمل، وقف على اليمين، قال له: هذا الذي ضربته والدك؟ انزل، إنسان بسيط جداً لكن لم يحتمل أن يركب معه إنسان اعتدى على أبيه.
هذا مثل بسيط لو كل واحد منا رأى منكراً اعترض، أو أنكر، أو تكلم، أو تحرك، لكنا في حال غير هذا الحال، الآن الإنسان يرى كل الموبقات لا يتكلم ولا بكلمة، أنا لا أدعو أن تخاطب إنساناً لا تعرفه، لكن أقل شيء بناتك، شيء ملاحظ جداً أن امرأة محجبة معها بنت متفلتة، أغلب الظن أنها ابنتها، فكيف سمحت لها بالتفلت؟ فنحن إن لم نأمر بالمعروف وننه عن المنكر، حالنا صعب جداً، ونفقد بهذا خيريتنا، وإذا فقدنا خيريتنا فقدنا كل وعود الله لنا بالاستخلاف، وبالتمكين، وبالتطمين، إذاً يمكن أن نعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة سادسة.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور