وضع داكن
29-03-2024
Logo
الموضوعات الأدبية - درس تلفزيوني : 07 - الدراسة الفنية
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

أعزائي الطلاب أهلا بكم ومرحبا في هذا الدرس، وعدتكم في درس سابق أن أعالج موضوع الدراسة الفنية للنص الأدبي، وهاأنذا أفعل وأَفي بوعدي، وأعالج هذا الموضوع .
إخوتي الطلاب، إن اتصال الدارس أو القارئ بالنص الأدبي إنما يتم على مرحلتين ؛ مرحلة تحليلية، وفيها نفهم النص و نشرحه إذا كان شعرا، ونحدد أفكاره إذا كان نثرا، وقد وضحت طريقة الشرح في درس تلفزيوني سابق، و المرحلة الثانية هي المرحلة النقدية، و النقد يعني تذوق النص أولاً، ثم تقييمه وفق عناصره الأدبية ثانيا، وهذا هو المقصود من الدراسة الفنية للنص الأدبي موضوع درسنا اليوم.
أعزائي الطلاب، عناصر الأدب يمكن أن نستخلصها من أبيات المتنبي هذه، إذْ يقول :

***
من الحِلم أن تستعمل الجهل دونه إذا اتسعتْ في الأرض طرْق المظالم
و أن ترد الماء الذي شطـره دم فتُسقى إذا لم يُسقَ مَن لم يزاحـــمِ
و مَن عرف الأيام معرفتي بهـا وبالناس روَّى رمحه غير راحـــمِ
فلا هو مرحوم إذا ظفروا بــه ول ا في الردى الجاري عليهم بآثــمِ
***

أول ما يلقانا أيها الطلاب الأعزة في هذه الأبيات عاطفة سخط ونقمة من الظلم و الظلاَّم، ومن تردي القيم الاجتماعية، وهذه العاطفة تدعمها فكرة، وهي أن الجهل ضروري إذا لم ينفع الحِلم، والجهاد واجب إذا لم يكن منه بدٌّ، وهذان العنصران ؛ العاطفة و الفكرة هما مضمون النص الأدبي، و قد تعجز اللغة العادية عن تصوير القوة الانفعالية، أو توضيح الفكرة المجردة، فتأتي الصور الأدبية لتحتوي قوة الانفعال، ولتجسد الفكرة البعيدة، والصور الأدبية الخيال في النص هي العنصر الثالث، وأخيرا تأتي العبارة اللفظية لتحتوي وتنقل العاطفة والفكرة والصورة، وهي العنصر الرابع في النص، والعنصران الثالث والرابع هم شكل النص الفني .
والآن أيها الطلاب الأعزة، إلى عناصر الأدب عنصرا عنصرا، فالعاطفة أهم العناصر في جميع الأنواع الأدبية، وهي أول ما يميز طبيعة النص الأدبي عن النص العلمي، وهي الجانب الانفعالي من النص، و دراستها تعني تحليل الدوافع العاطفية لدى الأديب، والأثر الانفعالي لدى القارئ، ثم تقييم هذين الأثرين - لك أن تقول : تقويم أو تقييم - ثم تقييم هذين الأثرين، و تبدأ دراسة العاطفة بتحديد نوعها العام، فهناك العاطفة الإنسانية والقومية والوطنية و الاجتماعية والذاتية، و هذا النوع العام يتمثل بعواطف خاصة، فالذي يحب وطنه، وهذا نوع عام للعاطفة قد يألم أشد الألم لما يصيبه من محن و نكبات، و قد ينقم على المستعمر أو المستبد، وقد يتفاءل لوطنه بمستقبل مشرق، وقد يسخر من أعدائه المتربصين به، فالألم والنقمة والتفاؤل و السخرية كلها عواطف خاصة تنضوي تحت العاطفة الوطنية، وسأطبق أنواع العاطفة على هذا النص للشاعر القَروي :

***
خير المطابع تسليم على الشهدا أزكى الصلاة على أرواحهم أبدا
فلتنحنِ الهام إجلالا و تكرمـة لكل حر عن الأوطان مات فـدا
قد علقتكم يد الجاني ملفقـــة فقدست بكم الأعواد و المســدَا
وأنتم يا شباب اليوم يا سنــدا لأمة لا ترى في غيركم سنــدا
***

أيها الطلاب الأعزاء، ينطلق الشاعر من عاطفة قومية تمثلت في إكباره للشهداء، في البيت الأول والثاني، ونقمته على الجاني الذي لُطّخت يداه بدمائهم، في البيت الثالث، وثقته بالشباب الصاعد، في البيت الرابع، وأما صفات العاطفة فهي كثيرة، أبرزها شدتها، دراسة العاطفة، ندرس نوعها العام والخاص، ثم صفاتها، وأبرز صفاتها شدتها، فقد تكون العاطفة متقدة ومتأججة، و قد تكون هادئة فاترة، فمن العاطفة المتَّقدة عاطفة الأستاذ الشاعر سليمان العيسى في قوله :

***
لو كان في كفي قيادُ القدرْ غسلت جسمَي أمتي بالشررْ
ألهبتُ بالثورة حتى الحجرْ
طهرت أرضي من ظلام العبيد عندئذ ألقى عدويَّ العتيدْ
***

ومن العاطفة الهادئة الفاترة عتاب إيليا أبي ماضي لأخيه الإنسان الذي نسي أصله ومصيره، و غرَّته قوته و دنياه، فتاقَ كِبرًا على من دونه، يقول :

***
نسي الطين ساعة أنه طين حقير فصال تيهًا و عربـــد
وكسا الخزُّ جسمَه فتلاهـــى و حوى المال كيسُه فتمرّد
يا أخي لا تمِل بوجهك عنــي ما أنا فحمة ولا أنت فرقد
***

أيها الطلاب الأعزة، وقد تكون العاطفة صادقة أو كاذبة، و العاطفة الصادقة تكون حينما يصدر الأديب عن تجربة حقيقية، أو معاناة صادقة، أما إذا اتُّخِذ الأدبُ أداةً رخيصة للنفاق والتزلف، وكان وسيلة إلى المكاسب المادية فغالبا ما تكون العاطفة كاذبة، والكلام الذي يخرج من القلب يدخل إلى القلب بلا استئذان، أما الكلام الذي يخرج من اللسان قلا يتجاوز الآذان .
وهناك من صفات العاطفة عمقها أو سطحيتها، فالعواطف العميقة تتجاوز الانفعالات التي تطفو على سطح الحياة، إنها عاطفة منبعثة من إدراك عميق، ووعي شديد، فالشاعر كاظم جواد زار بعض المدن الغربية فلم يُؤخذ بعظمة المباني، وجمال الحدائق، و روعة المتاحف، بل رأى الوجه الآخر من الصورة فقال منفعلا :

***
ماذا سأكتب يا مدينة فعلى ملامحكِ العجاف تجوب أخيلةُ الظغينة
سأقول إنك توقدين مصباح عارك من دم الموتى وجوع الآخرين
مهلا وإنكِ تشربين مائي وبترولي وإنكِ تبصقين آلاف آلاف الرجال
وتقتلين الطيبين
***

فالعاطفة إذًا قد تكون عميقة، و قد تكون سطحية .
وثمة عاطفة مستمرة أو آنية، فحينما تعبِّر العاطفة عن مشاعر خالدة إنسانية تكون عاطفة مستمرة، أما العاطفة الآنية العابرة فيزول الشعور بها بزوال موضوعها، و ثمة عاطفة سامية، وأخرى منحطة، فالعاطفة السامية تصدر عن المشاعر السامية، كالمشاعر الإنسانية والاجتماعية والأخلاقية، والعاطفة المنحطة تصدر عن النزوات الفردية الشريرة .
عزيزي الطالب، عليك أن تحدد نوع العاطفة العام والخاص مع بعض الشرح، وأن تذكر بعضا من صفاتها كالشدة والصدق والعمق والاستمرار والسمو، مع التعليل والاستشهاد .
ننتقل الآن إلى العنصر الثاني من عناصر الدراسة الفنية، ألا وهو عنصر الأفكار والمعاني، وعنصر المعاني أيها الطلاب الأعزة هو القاسم المشترك بين الأدب وبين غيره من ضروب الثقافة، والحقيقة أن شرح المعاني شيء، ومناقشتها شيء آخر، ودراسة المعاني أو مناقشتها عملية تقويم لأفكار النص من عدة زوايا، كأن نبحث عن مصدر الأفكار والمعاني أهي من ثقافة الأديب أو من تجربته أو من بيئته أو من تصوراته وخياله، و بكلمة موجزة هل كان الأديب واقعيا في أفكاره أم خياليا ؟ .
ومن المناقشة أن نتعرف الطريقة التي تناول منها الشاعر أفكاره ومعانيه، فهل نظر إلى الأمور من خلال ذاته الحالمة ؟ أم أنه نحّى نفسه جانبا و نظر إلى المشكلة من كل أبعادها و بروح موضوعية ؟ أي هل كان ذاتيا في أفكاره أم موضوعيا ؟ ثم هل طبيعة أفكاره تعتمد على الكليات أم الجزئيات، أي هل يميل إلى المبالغة والتعميم، أم إلى الدقة والتخصيص ؟ وهل غلب على أفكار النص الطابعُ العاطفي، أم الطابع العقلي ؟ .
لاحظ أخي الطالب كيف أن الطابع العاطفي صارخ جدا في هذا البيت :

***
هل الوجد إلا أن قلبي لو دنا من الجمر قيدَ الرمح لاحترق الجمرُ
***
ولاحظ معي أيضا كيف أن الطاب ع العقلي يغلب على بيتي المعري :
***
زعم المنجم والطبيب كلاهما لا تُبعث الأمواتُ قلت إليكـما
إنْ صح قولكما فلست بخاسر أو صح قولي فالخسار عليكما
***

وقد تكون المعاني إيجابية حينما يعالج الأديب المشكلة، و يوجه الأنظار إلى حلها، وقد يكتفي بعض الأدباء بالتصوير والتسجيل، وساعتئذ نحكم على معانيه بأنها سلبية، ثم إن الأفكار العميقة تصل إلى أقصى أبعاد الموضوع، وتقدم التفسير الصحيح، أما الأفكار السطحية فتكتفي بالتحليل السريع، والتعليل السخيف، وقد تكون الأفكار إصلاحية، حينما تدعو إلى التغيير عن طريق الإقناع الهادئ، وقد تكون ثورية، حينما تؤمن بالعنف وسيلة، و بالتغيير الجذري هدفا، و ثمة أفكار جديدة لم يُسبق الأديب إليها، وأفكار استقاها الأديب من ثقافته، و الشعر أيها الإخوة الطلاب ليس ميدانا للأفكار، وإنما ميدان للمشاعر والعواطف، يقول توفيق الحكيم : " الشعر مصباح كمصباح علاء الدين، يكشف لك عن كنوزك أنت المخبوءة في أعماقك، ولكنه ليس بالكيس المملوء الذي يُفرغ في خزائنك الخاوية "، ومناقشة المعاني تحتاج إلى بعض هذه الأحكام مع تعليل واستشهاد إن أمكن.
ننتقل الآن إلى العنصر الثالث من عناصر الدراسة الأدبية الفنية، ألا وهو الخيال، فالخيال هو ملكة التصور و التصوير، و الخيال في النص الأدبي يعني الصور الأدبية، و الصورة الأدبية تجسد عاطفة الشاعر، و تثير مشاعر القارئ، وتدعم المعاني، و توضحها، ونحن من خلال الصور الأدبية نعرف خيال الشاعر .
و أما أنواع الصور الأدبية فهي كثيرة، نكتفي ببعضها في هذا الدرس، من الصور الأدبية الصورُ الوصفية التي لا تنطوي على تشبيه، أو استعارة أو كناية، إنما هي مجموعة أشياء حسية موصوفة بأبعادها وأشكالها وألوانها وأصواتها وروائحها وحركاتها و سكناتها، و تشكل بمجموعها مشهدا واقعيا مثيرا للخيال، يصف ابن الرومي حمّالا فيقول :

***
رأيت حمّالا مبين العمى يعثر في الأكم وفي الوهدِ
محتملا ثقلا على رأسه تضعف عنه قوة الجلــد
وما اشتهى ذاك و لكنه فرّ من اللؤم إلى الجهــدِ
***

وأما الصور البيانية فهي التشبيه والاستعارة والكناية، وقد مرت بك تفصيلاتها في سنوات سابقة، ولا سيما في الصف العاشر والحادي عشر، إليك عرضا سريعا لهذه الصور .
التشبيه أيها الطلاب الأعزة عقد مشاركة بين شيئين، لصفة تجمع بينهما، هي في الثاني أشد من الأول، عن طريق أداة ملفوظة أو ملحوظة، فقول الشاعر :

***
إن القلوب إذا تنافر ودُّهــا عند الأكارم جبرُها لا يعسـرُ
وقلوب أرذال الأنام إذا التوت مثل الزجاجة كسرُها لا يُجبر
***

"قلوب أرذال الأنام" مشبَّه، كلمة " مثل" أداة تشبيه، "الزجاجة" مشبه به، "كسرها لا يجبر" وجه الشبه، وهذا هو التشبيه التام، ومن التشبيه الضمني أي طرح فكرة و دعمها بمثال حسي قول شاعر آخر :

***
ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها إن السفينة لا تجري على اليبس
***

هذا عن التشبيه، أما الاستعارة فهي تشبيه بليغ حُذف أحدُ طرفيه، فالشاعر سليمان العيسى حينما قال :

***
للمعول الصمد عهدٌ في سواعدن ا ألاّ يقر وفي هذا الثرى صنمُ
***

كلمة "صنم" قصد بها الشاعر الحاكم المستبد الظالم، فقال : إن الحاكم كالصنم، حذف المشبه، وأبقى المشبه به وصرّح به، لذلك نسمي هذه الاستعارة استعارة تصريحية، وفي قول أبي ذؤيب الهذلي :

***
وإذا المنية أنشبت أظفارها ألفيت كل تميمة لا تنفعُ
***

هذه استعارة مكنية، لأن الشاعر شبه المنية بحيوان مفترس، وحذف الحيوان، وأبقى شيئا من لوازمه، على سبيل الاستعارة المكنية، أغلب الصور في النصوص الأدبية تأتي على شكل استعارة مكنية .
و الكناية هي النوع الثالث في الصور البيانية، فالكناية هي التعبير عن الشيء ببعض لوازمه، فمما يلازم الندمَ أن يعضّ الإنسان على أصبعه، فإذا قلت : ندم فلان على تقصيره فلقد سلكت أسلوب المباشر التقريري، أما إذا قلت : عضّ فلان أصبعه على تقصيره، فهذه هي الكناية، وكنّ شاعر آخر عن بخل قوم فقال :

***
بيض المطابخ لا تشكو إماؤهم طبخ القدور ولا غسل المناديلِ
***

فمما يلازم البخل نظافة المطبخ، و راحة الإماء .
عزيزي الطالب، من خلال هذا العرض تستطيع الصور الأدبية في النص، لكنك إذا كُلفت دراسة خيال الشاعر من خلال صوره الأدبية، فعليك أن تدرس هذه الصور، فتتحدث عن كثرتها، أو تنوعها، وهل هي وصفية كما مر بنا قبل قليل، أو بيانية، هل هي حسية أو عقلية، وهل انتزعها الشاعر من الواقع، أم ألَّفها تأليفا إبداعيا، وهل استقاها من ثقافته أو بيئته أو من شطحاته، وكم أتمنى لو يسمح الوقت لضرب الأمثلة .
وننتقل الآن إلى العنصر الرابع من عناصر الدراسة الفنية ألا وهو الأسلوب .
أيها الطلاب الأعزة، إن المعنى المعجب، و الخيال المطرب، والعاطفة المؤثرة، كلها تتلاشى إن لم يحتوها أسلوب يكون بمثابة القائد المادي لهذه العناصر كلها، وكلها تفقد قيمتها، إذا كان الأسلوب غير متقن، مفتقر إلى مقوماته الفنية، و كان أحد الزملاء الكرام يقول لطلابه : العمل الأدبي مركب عطري ثلاثي، معنى وعاطفة وخيال، في قارورة جميلة هي الأسلوب، إذا كانت هذه القارورة شفافة بسيطة فهي الأسلوب العلمي، أما إذا كانت القارورة جميلة جدا تلفت النظر إليها أكثر من مضمونها، فهذا هو الأسلوب الأدبي والأسلوب في كل ضروب الثقافة وسيلة إلا في الأدب فهو غاية بذاتها، أو وسيلة من نوع ممتاز، والأسلوب أيها الطلاب الأعزة بمعناه الواسع هو طريقة الأديب في التفكير والانفعال والتصوير والتعبير، أي هو نتاج عناصر الأدب كلها، أما المعنى الضيق للأسلوب فينصرف إلى الكلمات و التراكيب والموسيقى والصنعة البديعية، هذا معنى الأسلوب الضيق، أي إذا قيل في السؤال : حدّد صفات الأسلوب اللفظي، فالمقصود به المعنى الضيق، فالكلمات نتحدث عن وضوحها، أو غموضها، جزالتها أو رقتها، و الكلمة الجزلة هي الكلمة الفخمة القوية التي تملأ الفم والأذن، ومن الأمثلة قول الشاعر :

***
سائلِ العلياء عنا والزمانا هل خفرنا ذمة مذ عرفانـــا
المروءات التي عاشت بنا لم تزل تجري سعيرا في دمانا
***

كلمات هذين البيتين جزلة .
وندرس أيضا في الكلمات ما إذا كانت مناسبة للموضوع أو غير مناسبة، والكلمات في هذين البيتين للشاعر بشار بن برد ليست مناسبة للغرض، البيتان في الغزل، يقول بشار بن برد يصف سلمى :

***
إن سلمى خُلقت من قصب قصب السكر لا عظم الجمـل
و إذا قرّبتَ منها بصــلا غلب المسك على ريح البصل
***

كلمة "البصل" و"عظم الجمل" لا تناسب موضوع الغزل، وأما التراكيب فندرس وضوحها أو غموضها، فمن التراكيب المعقدة مع أن الكلمات واضحة قول الشاعر :

***
المجد لا يرضى بأن يرضى المؤمِّل فيك إلا بالرضى
***

الكلمات واضحة جدا، لكن طبيعة التركيب معقدة .
وفي التراكيب أيضا ندرس طولها أو قصرها، وهناك علاقة بين العاطفة والتركيب القصير، فكلما جاشت العاطفة كان التركيب قصيرا، وندرس في التراكيب أيضا ما إذا كانت خبرية أو إنشائية، و التراكيب الإنشائية على سبيل المثال لا الحصر الأمرُ و النهي و الاستفهام و النداء و التمني و الترجي، أما الخبر فالكلام الذي يصح أن يقال له كذِبٌ أو صدقٌ، قال الشاعر علي محمود طه :

***
أخي جاوز الظالمون المدى فحقَّ الجهاد و حقَّ الفدا
أنتركهم يغصبون العروبـة مجد العروبة و السؤددا
***

البيت الأول تركيبه خبري، و البيت الثاني تركيبه إنشائي .
أما الموسيقى فالحديث عنها يطول، لأنها المنعكس الصوتي لكل عناصر الأدب، فعاطفة الشاعر قد تنعكس على شعره موسيقى توحي بالبكاء أو الحماسة أو الضيق أو الفرح، والموسيقى الداخلية تنبع من ائتلاف الحروف في الكلمة الواحدة، ونلمحها في كلمات مثل بيت البحتري :

***
صنت نفسي عما يدنس نفسي وترفعت عن جَدا كل جبس
***

والموسيقى الخارجية تنبع من طريقة ائتلاف الكلمات في التراكيب :

***
مضناك جفاه مرقـده وبكاه ورحّم عــوَّده
ناقوس القلب يدق له و حنايا الأضلع معبده
***

وهناك موسيقى يفرضها البحر العروضي للنص، و قد تكون الموسيقى بمجموع هذه العناصر صاخبة، كما في الشعر الخطابي، و قد تكون هادئة كما في الشعر الغنائي، وقد تكون إيقاعية كما في الشعر التقليدي، وقد تكون انسيابية كما في الشعر الحديث، والصناعة البديعية فيها الجناس و الطباق والتورية والسجع، و ما إلى ذلك، وقلما يُعنى بها شعراؤنا المحدثون .
أعزائي الطلاب إن كل عنصر من عناصر الأدب يحتاج في شرحه إلى ساعات طويلة، لا يتسع له صدر هذا الجهاز الذي أمامكم، لذلك أحس وأنا أعرض عليكم هذه العناصر مجتمعة في هذه الدقائق الثلاثين أنني أحاول أن أدخل الجمل في ثقب إبرة، و لكن إعطاء القليل خير من ترك الكثير .
عزيزي الطالب، ابتعد عن العبارات التقليدية المحفوظة، و القوالب الجاهزة في نقدك، لأنها تنطبق على كل نص، و لا تصلح لأي نص، و حكم الإدراك السليم، والذوق المرهف، و اخْتَر الأحكامَ الإيجابية، وعلِّلها، وادعمها بالشواهد، والأَولى أن تصف ولا تحكم، وتحلل ولا تتهم، و تنصف ولا تتجنى، وتعتدل ولا تبالغ، و إذا لم يكن لديك ما تقول فلا غناء في القول .
أتمنى لكم نجاحا فائقا، و مستقبلا زاهرا، إخوتي الطلاب، وإلى لقاء آخر و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

إخفاء الصور