وضع داكن
28-03-2024
Logo
طريق الهدى - الحلقة : 22 - مظاهر ضعف الإيمان13 - الفزع والخوف عند نزول المصيبة.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 المذيع:
 بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، الحمد لله على نعمة الإيمان والإسلام، وكفى بها نعمة، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
 إخوة الإيمان والإسلام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، طريق الهدى، وهذه حلقة جديدة من هذا البرنامج، يسرني أن أرحب بفضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي، أحد أبرز دعاة وعلماء دمشق، أهلاً ومرحباً بكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 الأستاذ:
 وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
 المذيع:
 فضيلة الشيخ، تحدثنا عن مظاهر كثيرة من ضعف الإيمان، ونتوقف اليوم عند آخر هذه المظاهر التي قد لا تحصى، ولكن حاولنا وسعنا أن نحصي بعض الحالات، وبعض المظاهر البارزة في مجتمعاتنا، وبين أقراننا من المؤمنين الذين ضعف، أو وهن إيمانهم للأسف، نسأل الله عز وجل السلامة للجميع، من مظاهر ضعف الإيمان الفزع والخوف عند نزول المصيبة، والله سبحانه وتعالى يقول في الآية:

﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156)﴾

[ سورة البقرة ]

 الفزع والجزع هل هما مظهران من مظاهر ضعف الإيمان، أم أن النفس البشرية جبلت على ذلك ؟
 الأستاذ:
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
 الآية الحاسمة في هذا الموضوع أن الله عز وجل يقول:

 

﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ(22)﴾

 

[ سورة المعارج ]

 هناك استثناء في أصل التركيب البشري في أصل جبلة الإنسان شديد الفزع من المصيبة، لكن الله استثنى المصلين، النقطة الدقيقة هو أن السيارة لماذا صنعت ؟ من أجل أن تسير، علة صناعتها السير، وفيها مكبح يتناقض مع أصل صناعتها، لكن المكبح مهم جداً لسلامتها، كذلك الإنسان خلق ليسعد، خلق ليرحمه الله، خلق ليكون معافى سليماً مطمئناً آمناً موفور الكرامة، أما إذا خرج عن منهج الله فلابد من مكبح يكبحه عن الاسترسال في هذا الطريق، فتأتي المصيبة للإنسان كالمكبح للسيارة حينما تنحرف عن الطريق، فإما إلى هاوية ما لها من قرار، وإما إلى سلامة.
 فحينما نفهم المصائب فهماً بهذا المعنى، أنها مكبح في سيارة من أجل سلامتها، من أجل سعادة أصحابها نفلح في الدنيا، البطولة ليس أن تدرك نزول مصيبة، هذه يدركها أي إنسان، يقع زلزال في بلد، تقع حرب أهلية في، بلد يقع اجتياح في بلد، تقلّ الأمطار في بلد، تغلو الأسعار في بلد، هذه كلها مصائب يدركها جميع الناس من دون استثناء، لكن فضل المؤمن أنه يفهم حكمتها، فإذا كشف الله لك الحكمة بالمنع عاد المنع عين العطاء، وربما أعطاك فمنعك، وربما منعك فأعطاك:

 

﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216)﴾

 

[ سورة البقرة: الآية 216]

 المصيبة لها خمسة تفسيرات، لغير المؤمن، للعاصي، للكافر مصيبة ردع أو قصم، لأن الله جل جلاله من سننه مع عباده أنه يبدأ بالهدى البياني، والإنسان عليه أن يستجيب، قال تعالى:

 

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾

 

[ سورة الأنفال: الآية 24]

 فإن لم يستجب دخل في مرحلة أخرى، يأتيه تأديب تربوي، عليه أن يتوب، فإذا لم يتب تأتيه مرحلة ثالثة، الإكرام الاستدراجي، فإن لم يشكر يقسم، فمصيبة الكفار المنحرفين والعتاة الظالمين قصم أو ردع.
 الآن مصائب المؤمنين، قال تعالى:

 

﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ﴾

 

[ سورة البقرة ]

 معنى هذا أن مصائب المؤمنين مصائب دفع أو مصائب رفع، الدفع كان في سرعة بطيئة، فجاءت مصيبة فحفزته إلى سرعة عالية، كان يصلي صلاةً شكلية، فجاءت مصيبة فصار يصلي صلاةً ممتلئة بالحرارة.
 كانت هذه المصيبة دافعاً له إلى الله، إلى مستوى أرقى، ذكرته بأن الله سبحانه وتعالى يمهل ولا يهمل، هذا يعني أن هذه المصيبة دفعته من مستوىً ضعيف إلى مستوىً قوي، هذه المصيبة جعلته يتقن عباداته، جعلته يغض بصره عن محارم الله، جعلته يضبط لسانه، فحينما كان مقصراً، كان متفلتاً من بعض الأوامر التفصيلية، فجاءت هذه المصيبة، وحملته على الطاعة، إذاً هي مصيبة دفع، وحينما يكون للإنسان عند الله رتبة لم ينلها بعمله لابد أن ينالها بصبره، تأتيه مصيبة، وترفع مقامه إلى المستوى الذي يليق به، فمصائب المؤمنين مصائب دفع ورفع، بينما مصائب الأنبياء مصائب كشف، هناك كمال ينطوي عليه الأنبياء، لا يمكن أن يظهر إلا بمصيبة، كما كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في الطائف، مشى إليهم ثمانين كيلومتراً على قدميه، وردوه شر رد، فجاءه جبريل وملَك الجبال بإمرته فلو شاء لأطبق عليهم الجبلين، قال:  لا يا أخي، اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون.
 فالأنبياء مصيبتهم كشف، والمؤمنون مصيبتهم دفع ورفع، والكفار والعتاة والظالمون مصيبتهم ردع أو قصم.
 هذه فلسفة المصائب، وفلسفة أخرى حينما طاف على أصحاب الجنة طائف على بستانهم، فأصبحت كالصريم، وفي اليوم التالي تنادوا مصبحين، ورأوا أن محاصيلهم قد بادت وأتلفت، قال تعالى:

 

﴿قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ (28) قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (29)﴾

 

[ سورة القلم ]

 قال تعالى:

 

﴿كَذَلِكَ الْعَذَابُ﴾

 

[ سورة القلم: الآية 33]

 ما من عذاب أسوقه لكم في الدنيا يا عبادي إلا من أجل أن تعودوا إلي، وأن تتوبوا، فهذه فلسفة المصيبة في الإسلام، قال تعالى:

 

﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19)﴾

 

[ سورة المعارج: الآية 19]

 هذا ضعف لصالحه، لأنه لو لم يخف لم يتب إلى الله، لو أن إنساناً عمل فحصاً فوجد كتلة، يسارع إلى الصلاة، إلى قيام الليل، إلى الدعاء، لأن القضية خطيرة، لو أنه لا يخاف لا يتوب، خلق هلوعا من أجل أن يتوب.
 أخ زياد ـ جزاك الله خيراً ـ أنت عندما ترى كومبيوتراً غالياً جداً، يوجد كومبيوترات صناعية غالية جداً، ثمنها بالملايين، فيها وصلة ضعيفة، اسمها بالتعبير الاصطلاحي فيوز، عبارة عن خط كهربائي ضعيف جداً، لو جاء التيار عالياً يسيخ هذا الخط، وينقطع التيار، هذا الفيوز يحفظ هذا الجهاز الغالي من العطب، وكذلك المصيبة تحول بين الإنسان وبين التدهور، وكأن يد الله الرحيمة تدخلت، فأنقذت هذا الإنسان، قال تعالى:

 

﴿وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً﴾

 

[ سورة لقمان: الآية 20]

 المصائب من النعم الباطنة، فكلما كنت أقرب إلى الله فهمت على الله حكمته، عَنْ صُهَيْبٍ قَالَ:

(( بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدٌ مَعَ أَصْحَابِهِ إِذْ ضَحِكَ، فَقَالَ: أَلَا تَسْأَلُونِي مِمَّ أَضْحَكُ ؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمِمَّ تَضْحَكُ ؟ قَالَ: عَجِبْتُ لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، إِنْ أَصَابَهُ مَا يُحِبُّ حَمِدَ اللَّهَ، وَكَانَ لَهُ خَيْرٌ، وَإِنْ أَصَابَهُ مَا يَكْرَهُ، فَصَبَرَ كَانَ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ أَمْرُهُ كُلُّهُ لَهُ خَيْرٌ إِلَّا الْمُؤْمِنُ ))

[ مسلم، أحمد، الدارمي ]

 هو يرى حكمة الله، يرى أن عطاء الله يكون تارةً بالإمداد، وتارةً بالمنع، إذا كشف الله لك حكمة المنع عاد المنع عين العطاء، فالمؤمن يستسلم لله.
 ومن مظاهر ضعف الإيمان هذا الخوف والجزع عند نزول المصيبة، لا يسلم أمره إلى الله، ولا يقول: أصبر، وأستغفر، وأتوب إلى الله.
 فضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي، عندما تقول الأم في لحظة حنون على ولدها: لو أنه لا قدر الله أصابه مكروه سوف ألحق به أو سوف.. من هذه العبارات التي يتداولها البعض، لو أصاب ولدي مكروه، أو توفي، هذه مصيبة كبيرة لا حياة لي بعده.
 هذا من ضعف الإيمان، أما لو أنك آمنت أن الله سبحانه وتعالى حكيم عليم، وأنه قدر، فأحسن التقدير، وأن هذا قراره، وأن هذه حكمته، وأنه عليك أن تستسلم لله عز وجل لما كنا في هذا الوضع.
 الحقيقة الانهيار المفاجئ لمصيبة نزلت دليل ضعف الإيمان الحقيقة والدليل قوله تعالى:

 

﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ(22)﴾

 

[ سورة المعارج ]

 لكن ما كل مصلٍّ يصلي، إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي، وكف شهواته عن محارمي، ولم يصر على معصيتي، وأطعم الجائع، وكسا العريان، ورحم المصاب، وآوى الغريب، كل ذلك لي.
 الله سبحانه وتعالى أعطانا المواصفات: وعزتي وجلالي إن نور وجهه لأضوأ عندي من نور الشمس، على أن أجعل الجهالة له حلماً، والظلمة نوراً، يدعوني فألبيه، ويسألني فأعطيه، يقسم علي فأبره.
 يوجد نقطة دقيقة جداً، كلمة ليس كل مصل يصلي، ماذا قال الله عز وجل ؟

﴿إِلاَّ الْمُصَلِّينَ ﴾

 هو كل واحد يصلي يظن نفسه أنه ضمن هذه الدائرة ؟ لا نحن عندنا قاعدة في المنطق: إن الصفة، قيد أنا أقول لك الآن: إنسان، هذه تنطبق على ستة آلاف مليون، لو كتبت كلمة أخرى إنسان مسلم، تنطبق على مليار ومئتي مليون، لو كتبت إنساناً مسلماً عربياً تنطبق على خمسمئة مليون، لو كتبت إنساناً مسلماً عربياً مثقفاً تنطبق على مليون، لو كتبت إنساناً عربياً مسلماً مثقفاً طبيباً خمسمئة ألف، طبيب قلب صاروا مئة، مقيم في بيروت مثلاً خمسة، كلما أضفت صفةً ضيقت الدائرة، هذه واضحة، الآن:

 

﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ(22)﴾

 

[ سورة المعارج ]

 دائرة واسعة جداً، قال تعالى:

 

﴿الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23) وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26) وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (27) إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (28) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (31) ﴾

 

﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (32) وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ (33) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (34) أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ (35)﴾

[ سورة المعارج ]

 الدائرة تضيق جداً، هذا المصلي صلاة حقيقية هذا ناجٍ من الهم والحزن، والخوف والقلق، مستسلم لله تعالى، راض بقضائه وقدره.
 هذه المرأة الصحابية الجليلة التي كان زوجها في الجهاد هذه وكان ابنها مريضاً مرضاً عضالاً هذه فلما جاء زوجها من الجهاد سألها عن الصغير، قالت له: هو في أهدأ حال، وهو قد مات، لم تخبره، استقبلته، وأطعمته، وتزينت له، وفي الصباح قالت له: لو أن جاراً لنا أعطانا وديعةً، ثم استردها، أنغضب ؟ قال: لا، قالت: وهكذا فعل الله عز وجل.
 الصحابة علمونا أن المصيبة يجب أن تستقبلها بالرضا بالسرور الصحابة لأن الله عز وجل كله خير، قال تعالى:

 

﴿تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ﴾

 

[ سورة آل عمران: الآية 26]

 والله إنني قرأت في بعض الآثار أن بعض الصحابة كان يتزين إذا ألمت به مصيبة حتى يعبر على من حوله أنه راض عن الله.
 كان أحد الرجال يطوف حول الكعبة قال: يا ربِ، هل أنت راض عني ؟ يمشي وراءه الإمام الشافعي قال له: يا هذا هل أنت راض عن الله حتى يرضى الله عنك ؟ قال: يا سبحان الله من أنت ؟ قال له أنا محمد بن إدريس قال له: كيف أرضى عن الله، وأنا أتمنى رضاه ؟ قال: يا هذا إذا كان سرورك بالنقمة كسرورك بالنعمة فقد رضيت عن الله، البطولة أن أرضى بالمصيبة وهذا وسام شرف كبير طبعاً هناك مصائب تأتي من تقصيري أنا حينما أطبق ما علي، وآخذ بالأسباب، وشاءت بعدها حكمة الله أن يكون شيء فأنا أقبله من الله عز وجل، أما إذا قصرت ولم تأتِ بالأسباب، فهذا من تقصيري وعجزي.
 موضوع آخر، هذا جاء التقصير، النقطة الدقيقة أن الإنسان حينما يفزع بالمصيبة يصاب بما يسميه الأطباء الشدة النفسية، والشدة النفسية وراء الأمراض كلها، حتى إن الشدة النفسية تضعف جهاز المناعة، وجهاز المناعة مسؤول عن الأمراض السرطانية والجرثومية، فأنت حينما تثق بالله، ولك معنويات عالية جداً هذا يعين على شفائك من مرضك، وهذا يعين على مقاومة الأمراض ومقاومة الأحزان، عظمة المؤمن أنه راض عن الله، لا ينهار أمام مصيبة.
 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَلَا تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ: قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ ))

[ مسلم، ابن ماجه، أحمد ]

 نعم، هنا قوة الإيمان تكمن في بعض جوانبها في هذا الأمر، أن يكون قابلاً، صابراً راضياً على قضاء الله وقدره، والإيمان من أركانه الإيمان بالقضاء والقدر، خيره وشره من الله.
 وكلمة ( شره ) كلمة نسبية، قد يأتي فقر طارئ، هذا الفقر حملني على طاعة الله، هو بالنسبة إلي مصيبة وشر، لكن حينما أرى نتائجه خير، حينما يغضب الأب من ابنه الذي يلهو بلعبة يحطمها من أجل أن يدرس، ويدرس، ويصبح في مقام عالٍ في المجتمع، يشكر والده على تحطيم هذه اللعبة، مع أن في سنه تحطيمها شر، يحبها كثيراً، فحطمها أبوه، لأنها ألهته عن الدراسة هكذا.
 نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أشكركم فضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي، وأشكر الإخوة المستمعين لحسن إصغائهم، نعد بإذن الله تعالى أن نتناول أسباب ضعف الإيمان بعد أن تناولنا مظاهر ضعف الإيمان، فالأسباب متعددة وكثيرة، ويأتي بعد الأسباب عرض العلاجات إذا صح التعبير، نسأل الله العلي القدير أن نكون من المؤمنين حقاً، ومن الأقوياء في إيمانهم بإذنه تعالى، أشكركم فضيلة الشيخ وإلى لقاء قريب بإذن الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

إخفاء الصور