وضع داكن
28-03-2024
Logo
طريق الهدى - الحلقة : 21 - مظاهر ضعف الإيمان12 - انفصام عرى الأخوة بين المؤمنين.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 المذيع:
 بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، الحمد لله على نعمة الإيمان والإسلام، وكفى بها نعمة، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، نستفتح بالذي هو خير، ربنا عليك توكلنا، وإليك أنبنا، وإليك المصير.
 أيها الإخوة المستمعون، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أرحب بفضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي معنا في هذا البرنامج، نتابع الحديث عن مظاهر ضعف الإيمان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فضيلة الشيخ.
 الأستاذ:
 وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
 المذيع:
 فضيلة الشيخ، من مظاهر ضعف الإيمان انفصام عرى الأخوة بين المتآخيين، لنشرح هذه الحالة، وللأسف يعاني منها الكثير، كيف يقوى إيمان المؤمن عندما تكون الضغينة في قلبه اتجاه أخيه المؤمن ؟
 الأستاذ:
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
 الأخ الكريم زياد ـ جزاك الله خيراً ـ الملاحظ أننا في هذا الزمان هناك مظاهر صارخة للدين، مساجد ضخمة جداً، فخمة جداً، فيها ترف، كتب لا تعد ولا تحصى، تسجيلات، مؤتمرات، المظاهر بأعلى درجة، ومع ذلك فالمؤمنون ليسوا في هذا المستوى، ما الذي حمل بضعة آلاف من الصحابة على أن يفتحوا العالم، ونحن اليوم مليار ومئتا مليون ؟ المسلمون مليار ومئتا مليون، ومع ذلك ليست كلمتهم هي العليا، وليس أمرهم بيدهم، ما هذه المفارقة العجيبة ؟ من بعض المفارقات ليس هناك حب بين المؤمنين، لا يتعاونون، قال تعالى:

﴿تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى﴾

[ سورة الحشر: الآية 14]

 الشهوات فرقتهم، بينما قوة الإيمان جمعت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبينما تجد الواحد كألف، تجد ألفاً كأف، بينما تجد إخوةً مؤمنين متعاونين، متضامنين، متكافلين، هم كالبنيان المرصوص، وقد تجد ملايين مملينة متفرقين، مبعثرين، مشرذمين.
 النقطة الدقيقة جداً، أنه حينما نطيع الله جميعاً يحب بعضنا بعضاً، وحينما نعصيه يكره بعضنا بعضاً، ولعل في هذا الموضوع آية حاسمة، وهي قوله تعالى:

 

﴿فَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾

 

[ سورة المائدة: الآية 14]

 على إطلاقها، بالمناسبة الآية لها سياق، لها سباق وسياق ولحاق، أما إذا نزعت من سياقها فهي قانون مستقل، مثلاً في سورة الطلاق يقول الله عز وجل:

 

﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2)﴾

 

[ سورة الطلاق: الآية 2]

 لو نزعت هذه الآية من سورة الطلاق فهي قانون، من يتقِ الله في اختيار زوجته يجعل الله له مخرجاً من الشقاء الزوجي، من يتقِ الله في تربية أولاده يجعل الله له مخرجاً من عقوقهم، من يتقِ الله في كسب ماله يجعل الله له مخرجاً من إتلاف ماله.
 هذه الآية بسياق السورة تعني الطلاق، فمن طلق طلاقاً سنياً يجعل الله له مخرجاً إلى إرجاعها، ومن طلق طلاقاً بدعياً ليس له مخرجاً لإرجاعها، هذا معناها السياقي، أما لو أن نزعتها من سياقها لأصبحت قانوناً ينطبق على كل شيء.
 طبعاً هذه الآية لها سياق آخر، قال تعالى:

 

﴿فَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾

 

[ سورة المائدة: الآية 14]

 الآن أي مجتمع مسلم عاصٍ، أسرة مجموعة أشخاص، أهل حيّ، أرباب صنعة، زملاء في عمل، أي مجموعة، سمّها ما شئت، لو أن بعضهم تفلت من منهج الله لكانت بينهما العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة، وهذا شيء واقع، تجد شرخاً في الأسرة الواحدة، في القبيلة، في العشيرة، في البلد المسلم الواحد، في المجتمع المسلم، في أي مكان، شروخ، وعداوات، وبغضاء، وأحقاد، ومكر، وكيد، هذه الحياة والله لا يعاش فيها، أما لو استقمنا جميعاً على أمر الله، لو أطعنا الله جميعاً لكان بيننا من الود ما لا يوصف، قال الله عز وجل:

 

﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً (96)﴾

 

[ سورة مريم: الآية 96]

 في بعض التفاسير: فيما بينهم، المؤمنون بعضهم لبعض نصحة متوادون، ولو ابتعدت منازلهم، والمنافقون بعضهم لبعض غششة متحاسدون، ولو اقتربت منازلهم.
 أنا أريد أن أبحث عن قانون الحب، حينما تطيع الله أنت، وأطيعه أنا، أحبك وتحبني.
 من هنا قوة الإيمان تأتي عندما يحب المرء لا يحبه إلا لله.
 الحديث الشريف الصحيح عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ:

((... وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، مَا تَوَادَّ اثْنَانِ فَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا إِلَّا بِذَنْبٍ يُحْدِثُهُ أَحَدُهُمَا... ))

 كلام النبي صلى الله عليه وسلم قوانين.
 مرة ثانية، حينما أطيع الله، وتطيعه فأنت أحبك وتحبني، وحينما أقصر مع الله أبغضك، وتبغضني، هذه قاعدة عامة، فحينما تجد في مجتمعنا عداوات وبغضاء، وأحقاد ومؤامرات، وشروخ، هذا مجتمع عاص لله، قال تعالى:

 

﴿تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى﴾

 

[ سورة الحشر: الآية 14]

 وحينما تجد إيماناً واستقامةً، وإنابةً إلى الله تجد الحب الذي لا يوصف، بالمناسبة حينما أحبك، وتحبني فنحن لسنا اثنين، نحن مئة، لأن هذه الطاقات إذا اجتمعت لا تحسب حسابياً، تحسب بسلسلة هندسية، فهذه قاعدة مهمة جداً.
 الآن أحد أسباب ضعف المسلمين، قال تعالى:

 

﴿وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾

 

[ سورة الأنفال: الآية 46]

 هكذا علّمنا ربنا عز وجل، فما الذي يعيق محبتنا ؟ معاصينا، فما من معصية إلا كانت شرخاً بين المؤمنين، لذلك قَالَ عُبَادَةُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ:

(( حَقَّتْ مَحَبَّتِي عَلَى الْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ، وَحَقَّتْ مَحَبَّتِي عَلَى الْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ ))

[ أحمد]

 عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:

(( الْمُتَحَابُّونَ فِي جَلَالِي لَهُمْ مَنَابِرُ مِنْ نُورٍ، يَغْبِطُهُمْ النَّبِيُّونَ وَالشُّهَدَاءُ ))

 أخ زياد، نقطة دقيقة جداً، هي أن الله عز وجل قال للنبي الكريم:

 

﴿لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ﴾

 

[ سورة الأنفال: الآية 63]

 هذا الود بين المؤمنين من خَلق الله عز وجل، انظر إلى سيدنا الصديق وسيدنا عمر بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال له الصديق: يا عمر، أبسط يدك لأبايعك، فقال عمر: أي أرض تقلُّني، وأي سماء تظلني إذا كنت أميراً على أناس فيهم أبو بكر ؟ أي هذا فوق طاقتي، قال له: يا عمر، أنت أقوى مني، قال: يا أبا بكر، أنت أفضل مني، قال له عمر: قوتي إلى فضلك.
 نتعاون، لذلك قال عمر: كنت خادم رسول الله، وسيفه المسلول، وجلواذه، فكان يغمدني، إذا شاء، وتوفي عني، وهو عني راض، وأنا به أسعد، ثم كنت خادم أبي بكر، وسيفه المسلول، وجلواذه، فكان يغمدني إذا شاء، وتوفي عني، وهو عني راض.
 حينما صعد عمر المنبر نزل درجة، لماذا ؟ قال: ما كان الله ليراني أن أرى نفسي في مقام أبي بكر، أرأيت هذا الأدب ؟ لكن لحكمة أرادها سيدنا عثمان لم ينزل درجة، لماذا ؟ خليفة أموي سأل وزيره، لمَ لمْ ينزل درجة سيدنا عثمان ؟ قال: والله لو فعلها لكنت في قعر بئر.
 وهذه حكمة بالغة، ولكن أنا أريك أدب الصحابة مع بعضهم بعضاً، هذا لا تجده اليوم، عهد المسلمين منازعات، وخصومات، وعداوات، وأحقاد، وطعن، وتكفير، وتشريك، فما هذا المجتمع ؟ لأنه فقدت منه طاعة الله عز وجل، شعار المؤمن: أطيع الله، وتطيعه، فأحبك وتحبني، لأن ما الذي يحصل ؟ لأنك أنت حينما تكون مع الله فلك مواصفات، لك نقاط بارزة، هذه تتوافق عفواً مع نقاط أخيك، فيكون الود بينكم.
 من أطرف ما سمعت أنه يوجد برنامج على الكومبيوتر في أمريكا للزواج، ما الذي يعيق نجاح الزواج ؟ هو ضعف نقاط الاشتراك بين الرجل والمرأة، فتأتي فتاةٌ تسأل ألف سؤال، وتجيب عنه، وتغيب شهرًا، تسأل هذا الجهاز أي شاب القواسم بيني وبينه كبيرة جداً، قضية تقاطع، فكلما كانت القواسم المشتركة بين الزوجين عاليةً جداً كان الوفاق بينهما، لأن كل مؤمن منيب مطيع مقبل على الله كل صفاته تنطبق على صفات أخيه، هذه القواسم المشتركة العالية جداً تسبب حباً، ووئاماً، ورحمةً، ووداً، فالود بين المؤمنين من خلق الله تعالى، قال تعالى:

 

﴿لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ﴾

 

[ سورة الأنفال: الآية 63]

 وفضلاً عن ذلك ما من شيء يضعف العلاقة بين المؤمنين إلا نهى النبي عنه الغيبة النميمة، السخرية، المحاكاة، التقليد، الاستهزاء الطعن، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

((... بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنْ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ... ))

[ البخاري، مسلم، الترمذي، النسائي، أبو داود، ابن ماجه، أحمد، مالك ]

 وما من شيء يمتن هذه العلاقة إلا أمر النبي عليه الصلاة والسلام بردّ السلام، وتلبية الدعوة، ومعاونة الأخ المؤمن في حاجاته، في حمل أثقاله، في وفاء ديونه، لعل الحديث المشهور حديث الجار:

(( إذا استعان بك أعنته، وإذا استنصرك نصرته، وإذا استقرضك أقرضته، وإذا مرض عدته، وإذا مات شيعته... ))

 حديث رائع جداً، شأن المؤمنين التعاون والمحبة بينهما، فحينما تجد العداوة والبغضاء تكون النتيجة الفرقة والشقاق.
 وكيف الحال إذا كانت العداوة والبغضاء في مجال الأسرة الواحدة بين الإخوة والأخوات، يقطع بعضهم أرحام البعض ؟
 لأن فيها مشارب متعددة، وفيها تغذيات متناقضة، وفيها ثقافات متباينة، وفيها حظوظ، وفيها شهوات، وفيها تفلت، طبيعي جداً أن تكون هذه الأسرة كتلة من العداء، أما لو أنهم كانوا يتلقون من مشكاة واحدة مشكاة الدين، لو أنهم جميعاً أطاعوا الله لكان بينهم من الود ما لا يوصف.
 نحن بحاجة إلى الحب، ولكن نحن الذي فرقنا البغضاء والعداوة فيما بيننا، ونتمنى أن نقوي هذا الحب بطاعة الله، أن نقوي هذا الحب بالبذل والعطاء، الإنسان له طبيعة، ورد في بعض الأحاديث القدسية:

(( يا داود، ذكر عبادي بإحساني إليهم، فإن النفوس جبلت على من أحسن إليها، وبغض من أساء إليها ))

 يوجد لفتة لطيفة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، إنسان له جار يؤذيه كثيراً، قال له: اقطع لسانه، ما معنى هذا الحديث ؟ اقطع لسانه بالإحسان إليه، أنت حينما تحسن إلى جارك يثني عليك.
 أنا لا أنسى أحد خلفاء بني أمية جاءته رسالة من مواطن عادي، قال له: أما بعد، فيا معاوية، إن رجالك قد دخلوا أرضي، فانههم عن ذلك، وإلا كان لي ولك شأن والسلام، مواطن يجترئ على مقام الخلافة، فعنده ابنه يزيد، قال: يا يزيد، ماذا نفعل ؟ يزيد شاب، قال: أرى أن ترسل له جيشاً أوله عنده، وآخره عندك، يأتوك برأسه، فقال: غير هذا أفضل، فأمر كاتبه أن يكتب: أما بعد، فقد وقفت على كتاب ولد حواري رسول الله، ولقد ساءني ما ساءه، والدنيا كلها هينة جنب رضاه، لقد نزلت له عن الأرض ومن فيها، يأتي الجواب من ابن الزبير عبد الله: أما بعد، فيا أمير المؤمنين، قال له من قبل معاوية، أما بعد: فيا أمير المؤمنين، أطال الله بقاءك، ولا أعدمك الرأي الذي أحلك من قومك هذا الرأي، استدعى ابنه، وقال له: انظر ماذا جاء الجواب، تريد أن نرسل له جيشاً أوله عنده وآخره عندنا يأتونا برأسه، قال له: يا بني من عفا ساد، ومن حلم عظم، ومن تجاوز استمال إليه القلوب.
 حينما أؤمن بالله، وأطيعه ينبغي أن أحبك وتحبني، نحن في أمسّ الحاجة إلى الحب، يوجد تكنولوجيا، تقدم حضاري، مركبات، طائرات، اتصالات، ولكن لا يوجد حب، والحب روح الحياة الاجتماعية.
 إذاً مظهر من مظاهر ضعف الإيمان انفصام عرى الأخوة بين المتآخيين، وربما أبرز هذا هو قطع الأرحام، وحذر منه القرآن الكريم، ونهى عنه النبي عليه الصلاة والسلام، وهذا ما نهى عنه الباري عز وجل، وحذر منه رسوله صلى الله عليه وسلم، قطع الأرحام هذه معصية كبيرة، ويجب أن نقوي إيماننا بصلة الرحم، وأن نصل من قطعنا، وأن نعفو عمن ظلمنا، وأن نعطي من حرمنا، هذه أخلاق المؤمن، قال تعالى:

 

﴿فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34)﴾

 

[ سورة فصلت: الآية 34]

 إذاً أن نقابل السيئة بالحسنة، أود أن أتوقف عند مسألة قطع الأرحام وعلاقتها بضعف الإيمان، يقول: أزوره، ولا يزورني، لماذا أعود وأزوره؟
 أنا أقول له: أدِّ الذي عليك، واطلب من الله الذي لك، هذه قاعدة.
 ومن قوة إيمانه يقول: سأصل رحمي لله عز وجل.
 أنت حينما تتعامل مع الأشخاص إن لم يزرك لا تزره، قاعدة، أما إذا تعاملت مع الله عز وجل تقدم الذي عليك، ولا تعبأ بالذي لك، لذلك لا تحاسبوا الناس بعدها على تقصيرهم، عليك أن تؤدي ما عليك اتجاههم، فأنا أسلم عليه، وأزوره، هو حر أن يقابل هذا بالإحسان، أو بالإساءة، شأنه مع الله، أنا شأني مع الله أن أقوم بواجبي اتجاهه، بالمناسبة أكثر من ثلاثين حديثًا صحيحًا تؤكد على صلة الرحم، والذي أفهمه من صلة الرحم هناك من يتوهم أنه لمجرد أن تزوره فقد وصلته، لا الأمر أعقد بكثير، ينبغي أن تزوره أولاً، وأن تتفقد أحواله الدينية والاجتماعية والمعيشية ثانياً، وأن تمد له يد العون ثالثاً، وأن تأخذ بيده إلى الله رابعاً، هذه صلة الرحم، أما إنسان غني يزور ابن عمه الفقير، كيف الصحة، كيف حال أولادك، ثم ينصرف، ما هذه الصلة ؟ لابد من أن تقدم شيئاً من مالك، من علمك، من جاهك، لابد من أن يكون المجتمع كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً.
 فصلة الرحم تبدأ بالزيارة، وتنتهي بالهداية، أنت عم، ولك أولاد أخ أيتام، أنت حينما ترعاهم، وتأخذ بيدهم إلى الله، وترشدهم، وتعلمهم هذا معنى صلة الرحم، أما أزورهم في العيد، كيف حالك يا أولاد، هل أنتم مسرورون الصحة، جيدة، هذا كلام مرفوض، هذه صلة شكلية لا تقدم ولا تؤخر.
 لذلك أنا أقول: زيارة الأقوياء والأغنياء من الدنيا، أما زيارة الفقراء والضعفاء من الآخرة، من عمل الآخرة.
 المذيع:
 نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أشكركم فضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي، وأشكر الإخوة المستمعين لحسن إصغائهم، نتابع غداً أيضاً الحديث عن مظاهر ضعف الإيمان.
 أشكركم، وإلى اللقاء، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

إخفاء الصور