وضع داكن
20-04-2024
Logo
طريق الهدى - الحلقة : 17 - مظاهر ضعف الإيمان8 - فرح المنافق بمن أصابته مصيبة من المؤمنين.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 المذيع:
 الحمد لله رب العالمين، الحمد لله على نعمة الإيمان والإسلام وكفى بها نعمة وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
 أيها الإخوة المستمعون، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، يتجدد اللقاء بحمد الله تعالى ضمن برنامجنا طريق الهدى، ويسرني أن أجدد اللقاء والترحيب بفضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي، أحد أبرز علماء ودعاة دمشق، أهلاً ومرحباً بكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 الأستاذ:
 وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
 المذيع:
 فضيلة الشيخ من مظاهر ضعف الإيمان بعد أن تحدثنا عن النفاق لا أدري ما أطلق عليه من تسمية، ولكن يمكن بأن أصفه بشعور السرور والغبطة، عندما يشعر به ضعيف الإيمان إذا أصاب أحدَ إخوانه سوء أو مكروه أو مصيبة، هل هي شماتة، أم ماذا ؟
 الأستاذ:
 الحقيقة أن هذا الموضوع ينطلق من قوله تعالى:

﴿إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا﴾

(سورة آل عمران)

 هذه أولى صفات المنافقين، الحقيقة هو في خندق الكفر، لا في خندق الإيمان، ما من أمّ على وجه الأرض تتمنى فضيحة ابنتها، فإن شهدت بفتاة فضحت معنى ذلك أنها ليست ابنتها، هي غريبة عنها، فالمنافق حينما يسمع بخبر سيئ عن المؤمنين يرتاح، يفرح، ثم إن الله عز وجل وفي آية من آيات الله العظيمة يبين أن الله يحاسب على شعور داخلي فقط.

 

﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا﴾

 

(سورة النور)

 ما فعل شيئاً، ما تكلم، ما قال كلمة، فقط ارتاح.

 

﴿أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾

 عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

 

(( ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ، مَنْ كَانَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ مِنْهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ ))

(صحيح مسلم)

 المؤمن يحب المؤمنين، ولو كانوا ضعافاً وفقراء، ويكره الكفار، ولو كانوا أقوياء وأغنياء، بل إن بعض العلماء الكبار كابن القيم رحمه الله تعالى يقول: " إذا أساء إليك مؤمن تظل على محبته، ولو أنك تألمت من إساءته، وإذا أحسن إليك كافر تبقى على كرهه، ولو أحسن إليك ".
 المذيع:
 إنك تحبه لله، وفي الله، وتكرهه لله، وفي الله.
 الأستاذ:
 فقضية الانتماء، أنا أنتمي إلى من ؟ إن كان انتمائي للمؤمنين فيجب أن أفرح لخير أصابهم، وأن أتألم لسوء نزل بهم، إن كنت مؤمناً حقاً، أما إذا كان الإنسان وفق خندق آخر ينبغي أن يتحرك وفق خندقه الجديد.

 

﴿إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ﴾

 في القرآن والسنة شيء لطيف، أن في هذه النصوص مقاييس لنا، أنا حينما أفرح لمصيبة نزلت بمؤمن فهذا مؤشر خطير على أنني لست مؤمناً، وحينما أتألم ألماً شديداً لمصيبة نزلت بكافر، أو بمنحرف معنى ذلك أنني في خندقي، وأنني موالٍ له، والعبرة الولاء والبراء، وهذا من أعظم ميزات المؤمن، يوالي المؤمنين، ولو كانوا ضعافاً، ويتبرأ من الكفار، ولو كانوا أقوياء، والذي يعين الإنسان يوم القيامة على دخول الجنة أنه كان مع المؤمنين، يقول الله عز وجل مخاطباً زوجات النبي صلى الله عليه وسلم:

 

 

﴿إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ(4)﴾

 

(سورة التحريم)

 قد يعجب الإنسان، امرأتان، حفصة وعائشة، أيعقل أن يكون الرد:

 

﴿فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ (4)﴾

 بعض علماء التفسير رأى في الآية ملمحاً لطيفاً، هو أنك حينما تريد أن تناهض الدين، أو أهل الحق، أو من كان على صواب يجب أن تعلم من هو الطرف الآخر، وأنا أقول: أشقى الناس قاطبة من كان في خندق مُعادٍ للدين، مبدئياً من كان في خندق معاد للدين يفرح بكل مصيبة ألمت بالمؤمنين، ويشمت بهم، أما المؤمن فيتألم لألمهم، هو واحد منهم، ومن علامات إيمانك أن اهتماماتك تزيد على مصالحك، تهتم بأمر المسلمين، وقد ورد في بعض الأحاديث:

 

(( من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم ))

[الحاكم في المستدرك عن ابن مسعود]

 المؤمن الصادق يحمل هموم المسلمين، يتحرك لتخفيف آلامهم، يتحرك لحل مشكلاتهم، لا أنسى أن ابن عباس رضي الله عنه كان في معتكفه، فرأى رجلاً كئيباً كآبة شديدة، قال: مالي أراك مكتئباً ؟ قال: ديون ركبتني، لا أطيق سدادها، فقال له ابن عباس لمن ؟ قال: لفلان، قال: أتحب أن أكلمه لك ؟ قال: إذا شئت ".
 الآن ابن عباس كان معتكفاً في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج من معتكفه، قال له أحدهم: يا ابن عباس، أنسيت أنك معتكف ؟ قال: لا والله، ولكن سمعت صاحب هذا القبر، وأشار إلى النبي عليه الصلاة والسلام والعهد به قريب، قال: والله هكذا قال النبي: لأن أمشي في مع أخ في حاجته خير لي من صيام شهر، واعتكافه في مسجدي هذا !
 هذا يعني أن عظمة الإيمان أن المؤمن لكل المؤمنين، وأن كل المؤمنين للمؤمن، لست وحدك في الحياة، أنت بين مؤمنين محبين صادقين.
 المؤمنون بعضهم نصحة متوادون، ولو ابتعدت منازلهم، والمنافقون بعضهم لبعض غششة متحاسدون، ولو اقتربت منازلهم.
 العبرة أن يكون انتماؤك واضحا، تنتمي لمن ؟ إن كنت تنتمي للمؤمنين فينبغي أن تفرح لخير أصابهم، وأن تتألم أشد الألم لمصيبة ألمّت بهم، أما إن عكس فهذا الإنسان قطعاً ليس مع المؤمنين، مع أعدائهم.
 المذيع:
 وهناك من لا يكون فرحاً، ولا حزيناً يقول: ما لي لشأنهم ؟ أنا بخير، وكفى، فما حكمه ؟ هل هذا المظهر من ضعف الإيمان ؟
 الأستاذ:
 طبعاً لا ينتمي، الانتماء مهم جداً، من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم، ليس له اهتمامات إطلاقاً، هذا انتمائه ذاتي، والمشكلة أن هذا الشيء واقع في معظم بلاد المسلمين، الاهتمام شخصي.
 مرة سيدنا عمر بن الخطاب أدخل شاعراً السجن، لأنه قال بيتاً في رجل يعدّ في تاريخ الأدب أهجى بيت قاله شاعر، ماذا قال له ؟ قال له:

 

دع المكارم لا ترحل لبغيتها  واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي

 المطعَم المكسو، هذا البيت شعار كل إنسان الآن ! بيت دخل من أجله الشاعر السجن، لأنه عدّ وقتها أهجى بيتٍ قاله شاعر !
 أليس هذا حال معظم المسلمين ؟ وهذا سبب تأخرهم، أنه مادام بيته فخمًا، ودخله كبيرًا وأولاده أصحاء لا يعبأ بأحد، انتماء فردي، لن تكون مؤمناً إلا إذا كان انتماؤك جماعياً.

 

 

﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾

 

(سورة الحشر)

 أنت ترى ما يصيب المسلمين من تشرد من ألم، وجوع، وعري، ولا تتحرك إطلاقاً، ولا حركة، ولا كلمة، ولا بذل، ولا عطاء، هذه مشكلة، ولا تقاطع عدوان من أوقع هذا في إخوانك المؤمنين، مثلاً، الحد الأدنى أن تقاطع بضاعة صنعها أناس يظلمون الناس، فأما من دون أية حركة، هذا يؤكد أنه لا إيمان عنده، من علامات الإيمان أن تتألم لمصاب المسلمين، وأن تفرح لخير نزل بهم.
 المذيع:
 هناك من يذهب إلى المسجد، وهي الخلية الاجتماعية، إذا صح التعبير، التي تحرك المجتمع الإسلامي، يذهب إلى المسجد يصلي، يؤدي الصلاة جماعة، ويخرج، لا يسأل عن حال المسجد، ولا عن حال المسلمين الذين يسكنون هذا الحي، ولا يسأل عن حال إخوانه، لا يفتقد أحداً منهم، لا يقرأ ماذا هناك من توجيه، أو إعلان على لائحة الإعلانات في المسجد، إذا صح التعبير، هذا يعتبر إيمانه إيماناً سلبياً.
 الأستاذ:
 ضعف إيمان شديد، لأنه اكتفى بالبحث عن مصالحه، ولن ينتمي لمجموع المؤمنين.
 الحقيقة لمجرد أن تستقر حقيقة الإيمان في قلب عبد مؤمن لابد من أن تعبر عن ذاتها بحركة نحو الخلق، إيمان سكوني لا يوجد، إيمان سكوني، انتماء فردي غير مقبول، لا يمكن إلا أن تكون مع الجماعة.
 عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

((... عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ، وَهُوَ مِنَ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ ))

(سنن الترمذي)

 الإنسان الذي يحب أن يعيش وحده هذا شيء مخالف لقواعد الدين، أمرنا أن نصلي في المسجد، فضل صلاة الجماعة على صلاة الفرد بسبع وعشرين ضعفاً، أمرنا أن نتعاون، أمرنا أن نتزاور، أمرنا أن نتبادل العطاء، من هنا ورد في بعض الأحاديث القدسية،

(( وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ، وَالْمُتَجَالِسِينَ فِيَّ، وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ، وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ ))

[أحمد]

 النقطة الدقيقة: أنه لابد من أن تعيش مع الجماعة من أجل أن تعمل صالحاً، لأن العمل الصالح هو العملة الرائجة في الجنة، فإن كنت وحدك فلا معاونة، ولا دعوة إلى الله، ولا بذل، ولا تضحية، ولا تحمل الأذى، بل إن في حديثٍ صحيح عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(( الْمُسْلِمُ إِذَا كَانَ مُخَالِطًا النَّاسَ، وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ خَيْرٌ مِنَ الْمُسْلِمِ الَّذِي لَا يُخَالِطُ النَّاسَ، وَلَا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ ))

(سنن الترمذي)

 ورد في بعض الآثار: اصنع المعروف مع أهله ومع غير أهله، فإن أصبت أهله أصبت أهله، وإن لم تصب أهله فأنت أهله.
 أنا لست مكلفاً أن أتحرى مكاناً إن فعلت فيه خيراً أن يأتيني الرد، لا، مع أهله، ومع غير أهله، فإن أصبت أهله أصبت أهله، وإن لم تصب أهله فأنت أهله، العبرة أن المسلم اجتماعي.
 أحدنا يتقن شيئاً واحداً، ويحتاج إلى مليون حاجة، فلابد من أن يكون مع المجتمع، هل نحسن ؟ هل نسيء ؟ هل نصدق، أو نكذب؟ هل نخلص، أم نخون ؟ هل نعطي، أم نمنع ؟ هذا شيء لا يمكن أن يكون إلا في جماعة، فلذلك من ملامح الآية الدقيقة أنك إذا كنت في معركة، والمواجهة بالسلاح الأبيض، ودخل وقت الصلاة ينبغي أن نصلي جماعة، وفي القرآن آية تبين صلاة الجماعة في الحرب، فإذا كنت في الحرب فينبغي أن تكون في الصلاة مع إخوانك، فلأن تكون في السلم مع إخوانك من باب أولى.
 المذيع:
 نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من الذين يستمعون القول، فيتبعون أحسنه، أشكركم فضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي، نتابع غداً بإذن الله تعالى هذه السلسلة من الحوارات حول مظاهر ضعف الإيمان ـ والعياذ بالله ـ أشكركم، وأشكر الإخوة المستمعين لحسن إصغائهم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

إخفاء الصور