وضع داكن
28-03-2024
Logo
درس تلفزيوني قناة سوريا - الدرس : 20 - جهاز المناعة المكتسب
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 أعزائي المشاهدين أخوتي المؤمنين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
في سورة التين في القرآن الكريم، آية جاءت جواب لقسم قال تعالى:

﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (6)﴾

أيها الأخوة الكرام:
 مع أن الله جل جلاله، أتقن كل شيء صنعه، وأحسن كل شيء خلقه، وأنك.

﴿ مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ﴾

( سورة الملك: 3 )

 من حيث كمال الخلق، فقد خص الله الإنسان في هذه الآية وفي آيات أخرى بحسن التركيب:

 

﴿ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ (8)﴾

 

( سورة الإنفطار: 8 )

 وبحسن التقويم:

 

﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4)﴾

 وبحسن التعديل:

 

 

﴿ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7)﴾

 

( سورة الإنفطار: 7 )

وهذا يا أيها الأخوة الكرام:
 فضل عناية بهذا المخلوق، فضل عناية بهذا المخلوق الأول والمخلوق المكرم، وإشارة إلى أن لهذا الإنسان شأناً عند الله جل جلاله، وأن له وزناً في نظام الكون.
فهذا الإنسان الذي هو أعقد آلة في الكون، ففي خلاياه وأنسجته، وفي أعضائه، وأجهزته، من التعقيد، والدقة، والإتقان ما يعجز عن فهم بنيتها وطريقة عملها أعلم العلماء.
وفي هذا الإنسان نفس تعترج فيها المشاعر والعواطف وتصطرع فيها الشهوات والقيم، والحجات، والمبادئ، بحيث يعجز عن إدراك خصائصها أعلم علماء النفس.
وفي هذا الإنسان عقل، فيه من المبادئ والمسلمات والقوى الإدراكية، والتحليلية، والإبداعية، ما أهله ليكون سيد المخلوقات.

﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾

( سورة الإسراء: 70 )

 ومما يبين، ويوضح أن خلق الإنسان في أحسن تقويم، جهاز المناعة المكتسب، أو خط الدفاع الثالث في جسم الإنسان.
أيها الأخوة المشاهدون:
 لقد خص المولى جل وعلا، الإنسان بأجهزة دفاع بالغة الدقة أول هذه الأجهزة، الجلد، وهو درع سابغة على البدن، ترد عنه الجراثيم، والأوبئة، وهو خط الدفاع الأول، وخص المولى جل وعلا كل عضو في الإنسان، وكل جهاز، وكل حاسة، بجهاز دفاع خاص به.
فاللعين مثلاً الأهداب، والأجفان، والدمع، وهذه الأجهزة الخاصة هي خط الدفاع الثاني.
 وأما خط الدفاع الثالث: فهو الدم بجنوده من الكريات البيضاء وعدد هذه الكريات ؛ التي هي جنود خط الدفاع الثالث، خمسة وعشرون مليون كرية، في أيام السلم، ويتضاعف هذا العدد، في حال الإستنفار، وقد يصل إلى مئات الملايين، في حال القتال، في فترة لا تتجاوز الساعات، أو الأيام، ولهذه الجيوش الجرارة، من الكريات البيضاء سلاح إشارة مؤلف من بضع مواد كيماوية يعد وسيلة الاتصال، والتفاهم فيما بينها.
 أما خطة جهاز المناعة، في الدفاع عن الجسم، فهي من الدقة والتنسيق والفعالية، بحيث يصعب تصديقها، ذكية جداً، خلايا الدم البيضاء، كما يقول بعض العلماء، إن في نظام عملها، أو في توزيع الأدوار القتالية على أفرادها، أو في تحقيق المهمات المنوطة به، فبعد ثوان معدودة، من اجتياز أي جسم غريب، لخطوط الدفاع الأولى والثانية، تتوجه إلى الجسم الغريب، كرايات مهمتها، أخذ الشفرة الكيماوية الخاصة بهذا العدو، والاحتفاظ بها، ثم نقلها، إلى المراكز الليمفاوية، حيث تقوم الخلايا المحصنة بتفكيك رموز الشفرة، تمهيد لصنع المصل المضاد.

 

﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4)﴾

 

 وبعد صنع المصل المضاد، تتوجه الخلايا المقاتلة حاملة هذا السلاح، وهو المصل لتهاجم به الجسم الغريب، وبعد أن تصرعه بهذا السلاح الفعال تأتي الخلايا اللاقمة، لتنظيف ساحة المعركة من بقايا جثث الأعداء خلايا مستطلعة، تأخذ الشفرة، وتنقلها إلى المراكز وخلايا مصنعة تفكك رموز هذه الشفرة، وتصنع السلاح الفعال وخلايا مقاتلة تحمل السلاح وتهاجم العدو، وخلايا منظفة، تلتقم الجثث وبقايا المعركة ليعود الدم كما كان نقياً سليما، وهذه الكريه البيضاء التي هي العنصر الأساسي، في جهاز المناعة، لا يزيد قطرها عن خمسة عشر ميكروناً.

﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4)﴾

أما قوله تعالى:

﴿ ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5)﴾

 فحينما ينحرف الإنسان عن منهج ربه، ويستجيب لنداء غريزته من دون ضابط من شرع، أو رادعٍ من فطرة، أو زاجر من عقل حينما ينحرف الإنسان يبطل عمل هذا الجهاز، ويموت الإنسان لأدنى مرض، وما مرض نقص المناعة المكتسب، الذي يهدد العالم المتفلت إلا تأكيد لهذه الحقيقة.

 

﴿ ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5)﴾

أيها الأخوة المشاهدون:
 ربما كان تركيز الآيات على الجانب الروحي من الإنسان، فهو مهيأ إذا عرف ربه، وسار على منهجه، وتقرب إليه بالعمل الصالح إن يبلغ من الرفعة ما يفوق الملائكة المقربين، لقد خلقنا الإنسان في أحس تقويم، أما إذا أعرض الإنسان عن ربه، وتفلت من منهجه وأساء إلى خلقه، هوى إلى دركات لا يصل إليه مخلوق قط.

 

 

﴿ ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5)﴾

حيث تصبح البهائم، أرفع منه وأقوم لاستقامتها على فطرتها وتسبيحها لربها، وحسن أدائها لوظيفتها.
 يقول الإمام علي كرم الله وجه: ركب الملك من عقل بلا شهوة، وركب الحيوان من شهوة بلا عقل، وركب الإنسان من كليهما فإن سما عقله على شهوته، أصبح فوق الملائكة، وإن سمت شهوته على عقله، أصبح دون الحيوان.
أيها الأخوة المشاهدون: أرجو أن تكونوا قد أفدتم من هذه الحقائق، وإلى لقاء آخر، إن شاء الله تعالى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

تحميل النص

إخفاء الصور