وضع داكن
29-03-2024
Logo
محفوظات - مقدمات الكتب : 17 - فضائل آل البيت في ميزان الشريعة الإسلامية.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 طُلب مني أن أقدم كتاباً في " فضائل آل البيت في ميزان الشريعة الإسلامية " لمؤلفه الأخ الكريم الأستاذ عمر الحاجي، فقد ورد في الفصل الثاني من كتابه: إن المكانة السامية لآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، التي أعطاهم إياها الله جل جلاله في كتابه، وأعطاهم إياها رسوله (ص) في سنته القولية والعملية ؛ إن هذه المكانة تجعل المسلم ـ أي مسلم ـ يعظمهم، ويجلهم، ويعدّ هذا التعظيم والإجلال جزءاً من دينه، وقد ذكر الفخر الرازي: أن أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ساووه في خمسة أشياء: في الصلاة عليه وعليهم في التشهد، وفي السلام، وفي الطهارة، وفي تحريم الصدقة، وفي المحبة
 ولقد آثرت أن يكون التقديم في موضوع عام، أصولي، هو منهج البحث الإسلامي لأنه يلقي ضوءاً كاشفاً على حقيقة الاختلاف بين المسلمين، وما ينبغي أن يكونوا عليه
 فانطلاقاً من أن الدين في حقيقته نقل عن الله ورسوله، وأن أخطر ما في النقل صحته، لذلك لو حرص المسلمون على اعتماد النصوص الصحيحة وجعلوها أساساً لتصوراتهم، وعقائدهم، وموافقهم ؛ لما اختلفوا فيما بينهم، فالنصوص الصحيحة تجمع ؛ والنصوص الضعيفة والموضوعة تفرق، فالنص الصحيح أولاً والحكم مأخوذ منه ومبني عليه ثانياً، أما إذا عكسنا الأمر؛ فجئنا بالرأي أولاً ثم بحثنا عن نص يؤيده، فقبلنا من النصوص ما يؤيده، ورفضنا مالا يؤيده، وقعنا في ضلالات أهل الرأي، قال تعالى:

﴿ " إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ "﴾

(سورة الأنعام)

 ويمكن أن نلخص منهج البحث الإسلامي بالقاعدة:
" إن كنت ناقلاً فالصحة، مدعياً فالدليل"
 وبما أن العلم ـ في الأصل ـ حكم، مقطوع بصحته، يطابق الواقع، وعليه دليل؛ فلو لم يكن الحكم مقطوعاً بصحته، كان الوهم والشك والظن، ولو لم يطابق الواقع كان جهلاً، لأن حقيقة العلم هو الوصف المطابق للواقع، ولو لم يؤيده الدليل ـ ولو كان الحكم صحيحاً ـ كان تقليداً، فانطلاقاً من هذا ... أؤكد أن الحق ما جاء به النقل، ومن البديهي أن يقبله العقل الصريح، وأن ترتاح له الفطرة السليمة، وأن يؤكده الواقع الموضوعي
ثم إن الاختلاف على أنواع ثلاثة ؛ منه ما يرد إلى نقص المعلومات، وهذا اختلاف طبيعي، علاجه توضيح الحقائق، قال تعالى:

 

﴿ كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ﴾

 

(سورة البقرة)

وهناك الاختلاف الذي يرد إلى الحسد والبغي وتنازع المصالح الدنيوية
 وهو اختلاف مذموم، وقد تعزى بعض اختلافات المسلمين إلى هذا النوع الممقوت الذي وصف الله به أهل الكتاب، قال تعالى:

﴿ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ﴾

(سورة البقرة)

 وهناك اختلاف التنافس على الفوز بأعلى درجات الآخرة، وهذا الاختلاف محمود عند الله لأنه يستحث الخطى ويضاعف الجهود، ويعود بالخير العميم على المسلمين، قال تعالى:

 

﴿ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾

 

(سورة البقرة)

 ثم إن هناك دعوة إلى الذات مغلفة بدعوة إلى الله، وهذه الدعوة من خصائصها: الابتداع، والتنافس، والجحود ؛ وهناك دعوة إلى الله خالصة، وهذه الدعوة من خصائصها: الاتباع، والتعاون، والإنصاف
 والإنسان فردي الطبع، وهو مكلف بالتعاون، وهذا التناقض بين الطبع
والتكليف هو ثمن الجنة، قال تعالى:

﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى﴾

(سورة النازعات)

 فالمسلم يتعاون مع أخيه المسلم بقدر طاعته لله، وبقدر إخلاصه في طاعته، ويتنافس مع أخيه المسلم، ويتنازع بقدر تقصيره في طاعة الله، وبقدر ضعف إخلاصه
 وما من مرحلة في حياة المسلمين، هم في أمس الحاجة إلى أن يعودوا إلى أصول دينهم، إلى الجذع الواحد الموحد، وأن ينزعوا عن دينهم كل ما ألصق به مما ليس منه، لتعود إليهم وحدتهم، وقوتهم، فيتعاونوا على البر والتقوى ؛ على صلاح دنياهم وأخراهم

إخفاء الصور