وضع داكن
19-04-2024
Logo
محفوظات - مقدمات الكتب : 13 - مقدمة تأملات في الإسلام.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد للّه الذي أخرجنا ـ بهذا الدين القويم ـ من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، والصلاة والسلام على سيد الخلق، وحبيب الحق، الذي أخرجنا ـ بسنته المطهرة ـ من وحول الشهوات إلى جنات القربات .
 لقد خلق اللّه الإنسان في أحسن تقويم، وكرمه أعظم تكريم، سخر له الكون تسخير تعريف وتكريم، ووهبه نعمة العقل، ليتعرف به على خالقه العظيم، وجعل له فطرة سليمة تدله على خطئه الجسيم، وأودع فيه الشهوات ليرقى بها صابراً أو شاكراً إلى رب الأرض والسماوات، وجعل له الشرع الحنيف ميزاناً دقيقاً، فأحل له من خلاله الطيبات، وحرم عليه الخبائث، ومنحه حرية الإرادة، ليثمن عمله، كل ذلك ... ليعرف ربه فيعبده، فيسعد بعبادته، في الدنيا والآخرة .
 لهذا لا يَسْلَم الإنسان ولا يسعد ـ وهما مطلبان ثابتان للإنسان في كل زمان ومكان ـ إلا إذا تطابقت حركته اليومية في حياته الدنيا، مع الهدف الحقيقي الذي خُلق من أجله، إذاً تعدُّ معرفة هذا الهدف، والتحرك نحوه، شرطين أساسيين لبلوغ هذين المطلبين الثابتين .
فإن لم يبحث الإنسان عن الهدف الحقيقي الذي خُلق من أجله، أو توهّم هدفاً آخر لم يُخلق له، أو لم تأت حركته اليومية مطابقة للهدف الصحيح، كان القلق والاضطراب، وكان الضلال والشقاء، وتحققت خسارة كبيرة أبدية .
 وجُعل في كيان الإنسان قبضة من طين الأرض، ونفخة من روح اللّه، فإذا سما عقله على شهوته أصبح فوق الملائكة المقربين، وإن سمت شهوته على عقله كان أسفل السافلين، وخلق فيه حاجات دنيا لا يقوم إلا بها، وخلق فيه حاجات عليا، لا يسعد إلا بتلبيتها، ومن أبرز هذه الحاجات العليا " العلم "، الذي هو القيمة المرجحة بين العباد، قال تعالى:

﴿ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ﴾

( سورة الزمر: آية " 9 " )

 وجعل منحة العلم أعظم النعم، قال تعالى:

 

﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ﴾

 

( سورة النساء: آية " 113 " )

* * *
 وانطلاقاً من حديث رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: " إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث ؛ صدقة جارية، وعلم ينتفع به، وولد صالح يدعو له " .
فقد تمّ بعون الله وتوفيقه تأليف كتاب جديد هو: " تأملات في الإسلام "، حيث تنوعت موضوعاته بين:
 العقائد، والعبادات، والمعاملات، ومكارم الأخلاق، وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وصحابته الكرام، وفيه أيضاً موضوعات أصولية، وتاريخية، وموضوعات أدبية، وقضايا معاصرة .
 وقد حرصت على أن يكون في الموضوع الواحد ؛ ركن عقدي فلسفي، وركن من النقل الصحيح ؛ كتاب وسنة مع الشرح الأصولي، وركن من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وسير صحابته الكرام، والجوانب المشرقة من التاريخ الإسلامي، وركن علمي يؤكد أن النقل الصحيح يتوافق مع العقل الصريح، وأن الذي خلق الأكوان، وخلق الإنسان هو الذي أنزل على عبده الفرقان، ليكون منهجاً للإنسان، بحيث إذا طبقه لا يضلُّ عقله، ولا تشقى نفسه، ولا يندم على ما فات، ولا يخشى مما هو آت .
* * *
 وقد بينت في موضوع " العبادة " أن العبادة علة وجودنا، وسرّ سعادتنا في الدنيا، وثمن جنة ربنا في الآخرة . إنها غاية الخضوع لأمره، وغاية محبته، فمن أطاعه، ولم يحبه، لا يكون عابداً له، ومن أحبّه، ولم يخضع له، لا يكون عابداً له . فلابد لهذه الطاعة الطوعية من معرفة يقينية تسبقها، كما أنه لابد لهذه الطاعة الطوعية من سعادة حقيقية تفضي إليها، تلك السعادة التي خُلق الإنسان من أجلها .
 وبينت في موضوع " الفطرة " أن في القلب شعثاً، لا يلمّه إلا الإقبال على الله، وفي القلب وحشة، لا يزيلها إلا الأنس بالله، وفيه حزن، لا يُذهبه إلا السرور بمعرفة الله، وفيه قلق، لا يُسكنه إلا الاجتماع عليه، والفرار إليه، وفي القلب نيران حسرات، لا يطفئها إلا الرضا بأمره، ونهيه، وقضائه، وقدره، والصبر على ذلك إلى يوم لقائه، وفي القلب فاقة، لا تسدها إلا محبته، والإنابة إليه، ودوام ذكره، وصدق الإخلاص له .
 وأكدت في موضوع " الوسطية " أن الإسلام وسط بين المادية المقيتة، والروحية الحالمة، بين الواقعية المرة، والمثالية التخيلية، بين الفردية الطاغية، والجماعية الساحقة، بين الثبات الرتيب، والتغير المضطرب، بين الحاجات المُلحة، والقيم البعيدة، بين العقلانية الباردة، والعاطفية المتَّقدة، بين نوازع الجسد، ومتطلبات الروح .
 وفي موضوع " فلسفة المال في الإسلام " بينت أن الإنسان حريص على رزقه ؛ كما هو حريص على حياته، ولا يقلقه إلا زوال النعمة عنه، أو زواله عن النعمة، فكيف يدفع المرء عن نفسه القلق من أجل الرزق ؟ وكيف يمتنع الرجل عن ارتكاب المعاصي من أجل الرزق ؟ وكيف يحترز الإنسان عن أن يقف موقف مذلة من أجل الرزق ؟.
 وأكدت في موضوع " التوحيد " أنه يملأ نفس صاحبه أمناً وطمأنينة، فلا تستبد بها المخاوف، التي تتسلط على أهل الشرك، فقد سدّ الموحد منافذ الخوف، التي يفتحها الناس على أنفسهم ؛ الخوف على الرزق، والخوف على الأجل، والخوف على النفس، والخوف على الأهل والأولاد، والخوف من الإنس، والخوف من الجن، والخوف من الموت، والخوف ممّا بعد الموت .
 وفي موضوع " تأملات في سورة العصر " وضحت أن الإيمان هو اتصال هذا الكائن الإنساني، الصغير، الضعيف، الفاني، المحدود، بالأصل المطلق الأزلي الباقي، الذي صدر عنه هذا الوجود ؛ وعندئذٍ ينطلق هذا الإنسان من حدود ذاته الصغيرة، إلى راحبة الكون الكبير، ومن حدود قوته الهزلية، إلى عظمة الطاقات الكونية المخبوءة، ومن حدود عمره القصير، إلى امتداد الآباد التي لا يعلمها إلا الله، هذا الاتصال فضلاً عن أنه يمنح الإنسان القوة، والامتداد، والانطلاق، فإنه يمنحه السعادة الحقيقية التي يلهث وراءها الإنسان .
 وفي موضوع " ذكر الله " عددت أنواع الذكر ... فمن الذكر: أن تذكر الله في آياته الكونية، ومن الذكر أن تذكره في آياته القرآنية، ومن الذكر أن تذكره في نعمه الظاهرة، ونعمه الباطنة، أن تذكره في أمره ونهيه، أن تذكره لعباده معرفاً به، وأن تذكره في قلبك مسبحاً، وأن تذكره في لسانك حامدا، وأن تذكره ذكراً كثيرا، ليطمئن قلبك، ولينجلي همك، ولينشرح صدرك، وليتسع رزقك، ولينصرك الله على عدوك .
 وفي موضوع " يوم عرفة " بينت أنه: إذا أطاع المرء مخلوقاً، كائناً من كان، وعصى خالقه، فهو ما قال: الله أكبر، ولا مرة، ولو رددها بلسانه ألف مرة، لأنه إنما أطاع الأقوى في تصوره . وإذا غش المرء الناس، ليجني المال الوفير، فهو ما قال: الله أكبر، ولا مرة، ولو رددها بلسانه ألف مرة، لأنه إنما رأى أنَّ هذا المال أكبر عنده من طاعة الله ورسوله . وإذا لم يُقم المرء الإسلام في بيته، إرضاء لأهله، ولأولاده، فهو ما قال: الله أكبر، ولا مرة، ولو ردَّدها بلسانه ألف مرة، لأنه إنما رأى أن إرضاء أهله أكبر عنده من إرضاء ربه .
 وفي موضوع " مقام إبراهيم " بينت أن الله جل جلاله، حينما يخاطب خلقه، لا يخاطبهم بالتكليف، افعلوا ولا تفعلوا، إنما يدعوهم إلى الإيمان به، فمن آمن به يكلفه، لذلك تجد كل تكليف مسبوقاً في القرآن الكريم بـ ( يا أيها الذين آمنوا )، لأن الإنسان، حينما يدخل مع الله في عقدٍ إيماني، فقد آمن إيماناً قطعياً أن لله الكمال المطلق، فإذا تلقيت الأمر الإيماني، ولم تفهمه، ونفذته فإنك ستجد الراحة في قلبك، والصفاء في نفسك، وحينما تقبل على تنفيذ أمر الله، لثقتك بعلمه، وحكمته، ورحمته، يكشف لك الحكمة منه، فتعود بثمرتين: ثواب العابد، وفهم العالم .
 وفي موضوع " الصيام " حاولت أن أبين أن الله تعالى لم يصطف زماناً كرمضان من بقية الشهور، ليكون شهر الطاعة، والقرب فحسب، بل أراده شهراً، يتدرب فيه الإنسان على الطاعة، حتى يذوق حلاوة القرب، وعندها تنسحب هذه الطاعة، وذاك القرب، على كل شهور العام، وحينما يصطفي الله مكاناً، كبيته الحرام، ويدعو المؤمنين إليه، ليذوقوا حلاوة القرب فيه، يريد أن ينسحب هذا القرب على كل الأمكنة، لأن الله مع المؤمن في كل مكان، وحينما يصطفي الله إنساناً كسيد الأنام فيكشف له الحقائق، إنما يصطفيه، ليكشف من خلاله الحقائق لكل الناس .
 وحينا وصلت إلى " الجانب الاجتماعي " في الإسلام، بينت أن الإسلام جعل الدافع الاجتماعي في المسلم ينبعث من عبادة الله، وطلب مرضاته، من طريق خدمة عباده، لا من طريق تلبية حاجاته المادية والمعنوية، وجعل الإسلام النشاط الاجتماعي للمسلم يسري في قنوات نظيفة، حددها الشرع الحكيم، ضماناً لسلامة الفرد، وضماناً لسلامة المجتمع، من الفساد والانحلال، وجعل كثيراً من الفضائل الخلقية، والأعمال الجليلة، لا تتحقق إلا من طريق العمل الجماعي، وجعل الفردية، والانعزالية، سبباً لكثير من الرذائل الخلقية، والأعمال الخسيسة، أما حينما يفسد المجتمع، وتنهار فيه القيم، وتداس فيه المبادئ، بأقدام المصالح، عندئذ يأمر الإسلام بجفوة هذا المجتمع واعتزاله .
 وفي موضوع " التعاون " قدمت صورة للمؤمن الذي رباه الإسلام على التعاون المثمر: فهو إنسان متميز، يرى ما لا يراه الآخرون، ويشعر بما لا يشعرون، يتمتع بوعي عميق، وإدراك دقيق، له قلب كبير، وعزم متين، وإرادة صلبة، هدفه أكبر من حاجاته، ورسالته أسمى من رغباته، يملك نفسه ولا تملكه، يقود هواه ولا ينقاد له، تحكمه القيم ويحتكم إليها، من دون أن يسخرها لمصالحه، أو يسخر منها، سما حتى اشرأبت إليه الأعناق، وصفا حتى مالت إليه القلوب .
 أما موضوع " الحلال والحرام "، فهو قوام الإسلام، ودليل الإيمان، وميزان الصدق عند الواحد الديان، فلا إيمان بلا عمل، ولا عمل إلا على مقتضى الأمر والنهي، ولا التزام بأمر آمر، ولا نهي ناهٍ، إلا عن حب، والحب دون اتباع كذب ونفاق، ومن هنا كانت خطورة موضوع الحلال والحرام في الإسلام .
 و " محبة الله " هي قوت القلوب، وغذاء الأرواح، وهي الحياة التي من حرمها فهو في جملة الأموات، وهي النور الذي من فقده فهو في بحار الظلمات، وهي الشفاء الذي من عدمه حلت به الأسقام، وهي اللذة التي من لم يظفر بها فعيشه كله هموم وآلام، والحب دون اتباع كذب ونفاق .
 وعن " إنسانية " هذا الدين الحنيف، ذكرت أنه قبل أن تسمع أذن الدنيا، عن حقوق الإنسان، لاثني عشر قرناً، أو تزيد، ويوم كان العالم كله، لا ينظر إلى الإنسان، إلا من جهة ما عليه من الواجبات، يُطالب بأدائها، وإلا كان عليه من العقاب ما لا يطيق، جاء الإسلام ليقرر جهرة، أن للإنسان حقوقاً، ينبغي أن تُرعى، كما أن عليه واجبات، يجب أن تؤدى، وكما أنه يُسأل عما عليه، يجب أن يعطى ما له، فكل واجب يقابله حق، كما أن كل حق يقابله واجب .
 ومن هذه الحقوق التي أعلنها الإسلام جهرة، قبل خمسة عشر قرناً، حق الحياة، وحق الكرامة، الإنسانية، وحق التفكير، وحق التدين، وحق الاعتقاد، وحق التعبير، وحق التعلم، وحق التملك، وحق الكفاية، وحق الأمن من الخوف .
 وفي موضوع " حقيقة المعجزة " أكدت أنه من رحمة الله بنا أيضا، أن تلازم الأسباب مع النتائج يضفي على الكون طابع الثبات، ويمهد الطريق لاكتشاف القوانين، ويعطي الأشياء خصائصها الثابتة، ليسهل التعامل معها، ولو لم تكن الأسباب متلازمة مع النتائج، ولو لم تكن النتائج بقدر الأسباب، لأخذ الكون طابع الفوضى، والعبثية، ولتاه الإنسان في سبل المعرفة، ولم ينتفع بعقله، لكن مَنِ اعتقد أن الأسباب وحدها تخلق النتائج، ثم اعتمد على الأسباب وحدها، فقد أشرك، لذلك يتفضل الله على هذا الإنسان، الذي وقع في الشرك الخفي، فيؤدبه بتعطيل فاعلية الأسباب، التي اعتمد عليها، فيفاجأ بنتائج غير متوقعة، ومن ترك الأخذ بالأسباب، متوكلاً في زعمه على الله، فقد عصى، لأنه لم يعبأ بهذا النظام الذي ينتظم الكون كله، ولأنه طمع، بغير حق، أن يخرق الله له هذه السنن .
 وحرصت في موضوع " الهجرة " على أن أبين أن الظروف التي أحاطت بالنبي صلى الله عليه وسـلم، والأحداث التي واجهها، هي ظروفٌ وأحداثٌ، خُلقت وقُدرت بعنايةٍ تامة، وبحكمةٍ بالغة، ليقف النبي صلى الله عليه وسلم منها الموقف التشريعي الكامل الذي ينبغي أن يقفه الإنسان، ليؤكد إنسانيته، وليحقق غاية وجوده، إن هذه الظروف، وتلك الأحداث، من شأنها أنها تكرر، بسبب أن طبيعة النفس واحدة .
 ومن خلال موضوع " رحمة النبي " الكريم وضحت أن في تاريخ البشرية كلها، بروادها، بصفوتها، بقادتها، لا نكاد نعرف حياةً، نقلت إلينا أنباؤها، وحفظت لنا وقائعها، في وضوح كامل، وتفصيل عميم شامل، كما حفظت، وكما نقلت إلينا، حياة محمد بن عبد الله، رسول الله رب العالمين، ورحمته المهداة إلى الناس أجمعين، فكل كلمة قالها، وكل خطوة خطاها، وكل بسمة تألقت على محيّاه، وكل دمعة تحدرت من مآقيه، وكل نفس تردد في صدره، وكل مسعىً سار لتحقيق أمره، كل مشاهد حياته، حتى ما كان منها من خاصة أمره، وأسرار بيته، وأهله ؛ كل ذلك نقل إلينا بحروف كبار، موثقاً بأصدق ما عرف التاريخ الإنساني من وسائل .
 وفي " الجانب الإنساني في شخصية رسول الله صلى الله عليه وسلّم " ذكرت أن النبي صلى الله عليه وسلم في نظر المنصفين من خصومة، الإنسان الأول، من بين المائة الأوائل في تاريخ البشرية كلها، من حيث قوة التأثير، ومن حيث نوع التأثير، ومن حيث امتداد أمد التأثير، ومن حيث اتساع رقعة التأثير .
 وبينت في موضوع " الإيدز " أنه لحكمة بالغة بالغة جُعلت علاقة المعصية بنتائجها علاقةً علمية، أي علاقة سبب بنتيجة، ففي كل معصية بذور نتائجها، وهذا ما يليق بالتشريع الإلهي، تشريع الخبير، الذي هو في حقيقته تعليمات الصانع، لكن هذه النتائج الوبيلة للمعاصي، ليست هي كل النتائج، بل بعضها، فالعاصي ـ فضلاً عن أنه يخسر الدنيا ـ يخسر الآخرة، والعاصي ـ فضلاً عن أنه يعذب في الدنيا ـ يعذب في الآخرة، لكن عذاب الدنيا ليس بشيء، إذا قيس بعذاب الآخرة .
 وفي موضوع " الدخان " ذكرت قصة رجل وسيم جداً، تتخذه شركات التسويق وسيلة للإعلان عن الدخان، يرتدي ثياب رعاة البقر، ويضع قبعةً على رأسه، ويدعوك إلى التدخين، مات في سن الشباب، بسبب التدخين، قال وهو على فراش الموت: كنت أكذب عليكم، الدخان قتلني، لذلك لا ينبغي أن نكون ضحية الكذب، ولا ضحية إعلان رخيص، ولا ضحية شركة، تبحث عن الربح، ولا تعبأ بصحة الآخرين .
 وفي موضوع " القدس "، ذكرت أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، انطلقوا ينشرون هذه الرسالة السماوية في الآفاق، متخذين لهذه الأهداف النبيلة وسائل نبيلة من جنسها، فهذه وصية أبي بكر الصديق رضي الله عنه، لأسامة بن زيد، قائد الجيش الإسلامي، قال له: " لا تخونوا، ولا تغدروا، ولا تغلوا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا طفلاً، ولا شيخاً كبيراً، ولا امرأة، ولا تعقروا نخلاً، ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاةً، ولا بقرة، ولا بعيراً إلا لمأكلة، وسوف تمرون بأقوام قد فرَّغوا أنفسهم بالصوامع، فدعوهم وما فرَّغوا أنفسهم له ... اندفعوا بسم الله" .
 وفي موضوع " المقالة " بينت أن مهمة الكاتب ليست في إضعاف النفوس، بل في تحريك الرؤوس، كل كاتب لا يثير في الناس رأياً، أو فكراً، أو مغزى يدفعهم إلى التطور، أو النهوض، أو السمو، على أنفسهم، ولا يحرك فيهم غير المشاعر السطحية العابثة، ولا يقرُّ فيهم غير الاطمئنان الرخيص، ولا يوحي إليهم إلا بالإحساس المبتذل، ولا يمنحهم غير الراحة الفارغة، ولا يغمرهم إلا في التسلية، والملذات السخيفة، التي لا تكوِّن فيهم شخصية، ولا تثقف فيهم ذهناً، ولا تربي فيهم رأياً، لهو كاتب يقضي على نمو الشعب، وتطور المجتمع .
 وفي موضوع " البطولات " ذكرت أن جيوش الغزو الفرنجي الثالثة، يقودها سبعة وعشرون ملكاً وأميراً، يتقدمهم ريكاردوس ملك إنكلترا، وقد قال لصلاح الدين قبل التحام الجيوش: " إني أنا ريكاردوس، والقوة عندنا هي كل شيء، وسأريك البرهان " ثم دعا بقضيب من حديد ثم سل سيفه وأهوى عليه، فاختر طه نصفين . فضحك صلاح الدين وقال لريكاردوس: " ليست الحرب صلابة سيف، وقوة ساعد، وإنما هي مضاء حدٍّ وسداد يد، ثم قذف بمنديل من الحرير الرقيق الشفاف إلى أعلى، ثم تلقاه بسيفه فشطره وقال لريكاردوس: بمثل هذا السيف سنلقاكم غداً " .
* * *
ولا بد من التنويه بالمنهج العلمي الذي اعتمدته في هذا الكتاب ؛ فانطلاقاً من أن الدين في حقيقته نقل عن الله ورسوله، وأن أخطر ما في النقل صحته، لذلك حرصت على اختيار النصوص الصحيحة، وتخريج النصوص الواردة في بعض أصول الكتاب .
 وبما أن العلم ـ في الأصل ـ حكم، مقطوع بصحته، يطابق الواقع، وعليه دليل ؛ فلو لم يكن الحكم مقطوعاً بصحته، كان الوهم والشك والظن، ولو لم يطابق الواقع كان جهلاً، لأن حقيقة العلم هو الوصف المطابق للواقع، ولو لم يؤيده الدليل ـ ولو كان الحكم صحيحاً ـ كان تقليداً، فانطلاقاً من هذا ... أؤكد أن الحق ما جاء به النقل، ومن البديهي أن يقبله العقل الصريح، وأن ترتاح له الفطرة السليمة، وأن يؤكده الواقع الموضوعي .
 فالنص الصحيح أولاً والحكم مأخوذ منه ومبني عليه ثانياً، أما إذا عكسنا الأمر ؛ فجئنا بالرأي أولاً، ثم بحثنا عن نص يؤيده، فقبلنا من النصوص ما يؤيده، ورفضنا ما لا يؤيده، وقعنا في ضلالات أهل الرأي، قال تعالى:

﴿ إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء﴾

(سورة الأنعام)

 ويمكن أن نلخص منهج البحث الإسلامي بالقاعدة: " إن كنت ناقلاً فالصحة، أو مدعياً فالدليل " .
 وبما أن النبي معصوم بمفرده، وأمته معصومة بمجموعها، وأن كلّ طالب علم تفوق في جانب، وتفوق غيره في جانب آخر ؛ فلا بد في العلم من الأخذ والعطاء، لذلك اعتمدت في بعض الموضوعات وهي قليلة، وفي بعض أجزائها، على كتب قيمة، أشرت إليها في قائمة المصادر والمراجع وذكرت أسماء مؤلفيها .
 وبما أن الكمال لله وحده، وبما أن كلّ إنسان، يؤخذ منه ويرد عليه، إلا صاحب القبة الخضراء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فإني أنتظر من الإخوة القراء ـ كما عودوني في كتاب النظرات ـ تنفيذاً لوصية سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه " حينما قال: " أحب الناس إلي من رفع إلي عيوبي "، أن يتفضلوا بإبداء ملحوظاتهم حول مضامين الكتاب وأدلتها، ونصوصه واستنباطاتها، وقصصه التاريخية ودلالاتها، وموضوعاته العلمية وارتباطاتها ؛ لآخذ بها في الطبعات القادمة إن شاء الله تعالى . فالكتاب لايزيد عن تأملات في الإسلام فإن أصبت فمن توفيق الله وفضله، وإن لم أصب فمن تقصيري وضعف حيلتي .
 فالحق فوق الجميع، والمضامين فوق العناوين، والحقيقة فوق الأشخاص، فالمؤمنون بعضهم لبعض نصحة متوادون، والمنافقون بعضهم لبعض غششة متحاسدون، ويروى أن إماماً لقي غلاماً وأمامه حفرة، فقال له: إياك يا غلام أن تسقط فقال له الغلام: بل إياك يا إمام أن تسقط ؛ إني إن سقطت سقطت وحدي، وإنك إن سقطت سقط معك العالم، لذلك ما من أحد أصغر من أن يَنقد، وما من أحد أكبر من أن يُنقد .
 ولا بد من أن أنوه أيضاً بفضل بعض الإخوة الذين أجلّهم وأحبّهم، والذين شاركوا في تصميم البرامج التي أفرغت فيها أصول الكتاب، والذين نفذوها وطوروها، والذين نقحوا النصوص و دققوها، والذين راجعوا الأحاديث الشريفة وخرجوها، والذين أخرجوا الكتاب وطبعوه، وأخص بالشكر الدار التي نشرته، على حرصها أن يقترب الكتاب من درجة الكمال .
 ولا يسعني إلا أن أدعو فأقول: جزى الله عنا سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم ما هو أهله، وجزى عنا أصحابه الكرام ما هم أهله، وجزى عنا والدينا، وأساتذتنا، ومشايخنا، ومن علمنا، ومن له حق علينا ما هم أهله .
 أعوذ بك يا رب ... أن يكون أحد أسعد بما علمتني مني، وأعوذ بك أن أقول قولاً فيه رضاك، ألتمس به أحداً سواك، وأعوذ بك من فتنة القول، كما أعوذ بك من فتنة العمل، وأعوذ بك أن أتكلف ما لا أحسن، كما أعوذ بك من العجب فيما أحسن .
* * * * *

إخفاء الصور