وضع داكن
28-03-2024
Logo
الخطبة : 0253 - الدعاء في السنة .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى:
 الحمد لله ثمّ الحمد لله ، الحمد لله الذي هدانا لهذا ، وما كنّا لِنَهْتَدِيَ لولا أن هدانا الله ، وما توفيقي ولا اعتصامي ولا توكّلي إلا على الله ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقرارًا برُبوبيَّته ، وإرغامًا لمن جحد به وكفر ، وأشهد أنّ سيّدنا محمّدًا صلى الله عليه وسلّم رسول الله ، سيّد الخلق والبشر ما اتَّصَلَت عين بنظر ، أو سمعت أذنٌ بِخَبر ، اللَّهمّ صلّ وسلّم وبارك على سيّدنا محمّد ، وعلى آله وأصحابه ، وعلى ذريّته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدّين، اللّهمّ علّمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علّمتنا ، وزدْنا علمًا ، وأرنا الحقّ حقًّا وارزقنا اتّباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممَّن يستمعون القول فيتّبعون أحْسنه ، وأدْخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .

الدعاء مخ العبادة :

 أيها الأخوة المؤمنون ؛ في الأسبوع الماضي ، وفي خطبة الجمعة تحدَّثنا عن الدّعاء من خلال بعض الآيات القرآنيّة ، واليوم أُتَمِّمُ هذا الموضوع من خلال بعض الأحاديث النبويّة . فالنبي عليه الصلاة والسلام يقول :

(( الدّعاء مخّ العبادة ))

[الترمذي عن أنس]

أيْ إنّ الدعاء من العبادة بِمَثابة المخّ من الإنسان ، فإنّه أخطر ما فيها ، بل إنّ العبادات بعضها يُمهِّدُ الصّلة بالله عز وجل ، وفي بعضها تنعقد الصّلة ، لكنّ الدعاء يُمثّل أشدّ أنواع الصّلة ، فقد تزور إنسانًا لتهنِّئَهُ ، أو قد تزورهُ لتعزِّيَه ، أو قد تزورهُ لِتَشكرهُ ، ولكن إذا وقعْت في ورْطة ، وعند هذا الإنسان حلّها فإنّك إن زرْتهُ فأنت حريصٌ على هذه الزّيارة ، وحريصٌ على هذا اللّقاء ، وعلى أن يتمّ هذا التواصُل ، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام :

(( الدّعاء مخّ العبادة ))

[الترمذي عن أنس]

 أيْ إنّ الدعاء من العبادة بِمَنزلة المخّ من الإنسان .
 وهناك شيءٌ آخر ؛ الحياة أيّها الأخوة فيها أخطار ، وفيها أعداء ، ومزالق ، ومخاوِف ، ومقلقات ، فما السّلاح الذي جعلهُ الله عز وجل بيَدِ المؤمن ؟ قال عليه الصلاة والسلام :

((الدّعاء سِلاح المؤمن ))

[الحاكم عن عليّ]

 فإذا دَعَوت الله ، واستجاب لك فأنت أقوى الناس ، وإذا أردْت أن تكون أقوى الناس فتوكَّل على الله ، لأنّ خالق السموات والأرض يقول لك :

﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾

[ سورة غافر: 60 ]

 لهذا قال عليه الصلاة والسلام :

((الدّعاء سِلاح المؤمن ))

[الحاكم عن عليّ]

 فما مِن قوّة في الأرض إلا بيَدِ الله عز وجل ، قال تعالى :

﴿ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾

[ سورة هود: 55-56 ]

 فالدّعاء سِلاح المؤمن ، وأنت إذا دَعَوت الله تعالى فبيدِه كلّ شيء ، وإليه يُرجع كلّ شيء ، وما من دابة إلا هو آخذٌ بناصيتها ، قال تعالى :

﴿وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ ﴾

[ سورة الزخرف : 84]

 قال تعالى :

﴿مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً ﴾

[ سورة الكهف : 26]

 قال تعالى :

﴿ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ﴾

[ سورة الفتح: 10 ]

الدّعاء أقوى سلاحٍ بيدِ المؤمن إذا توافرت شروطه :

 لذلك يُعدّ الدعاء إذا توافرَت شروطهُ من معرفة بالله تعالى ، واستجابةٍ لأمره ، وثقة به ، وشُعور بأنّه قريب ، سميع ، مجيب ، فإذا توافرت للدعاء هذه الشّروط استجاب الله لك، وكان الدّعاء أقوى سلاحٍ بيدِك . وحديث آخر روي عن النبي صلى الله عليه وسلّم حيث قال :

(( سأل موسى ربّه فقال : يا ربّ ! أبعيدٌ أنت فأُناديك أم قريب فأُناجيك ؟ فقال الله تعالى : يا موسى ، أنا جليس من ذكرني ))

[ البيهقي في شعب الإيمان عن أُبَي بن كعب]

حكمة المصائب :

 حديث آخر ، يقول عليه الصلاة والسلام :

(( لقد بارك الله في حاجةٍ أكثر الدّعاء فيها أُعْطِيَها أو مُنِعَها ))

[كنز العمال عن جابر]

ما معنى هذا الحديث ؟ أيْ هذه المشكلة دعتْك إلى الدّعاء ، وهذه القضيّة حملتْك على الدّعاء ، وهذا الهمّ دفعك إلى الاتّصال بالله عز وجل ، فهذا الهمّ ، وهذه المشكلة ، وهذه الورطة ، وهذه القضيّة ، وشبحُ هذه المصيبة ؛ إنّها أشياء مباركة ؛ لماذا ؟ لأنّها عرَّفتْك بالله عز وجل ، ودفعتْك إلى بابه ، وألْجأتْك إلى جنابه ، وحملتْكَ على أن تدْعُوَهُ مضطرًّا ، وعلى أن تتَّصل به ، ولذلك فإنّ هذه الحاجة - حُلَّت أو لمْ تُحلّ ، أُنجزتْ أو لم تنجز - حاجة مباركة ، لأنّها كانت سبب الاتّصال ، وسبب معرفة الله عز وجل ، و لأنها كانت خطْوةً في طريق الإيمان ، ولأنّها كانت دُفعةً نحو الأمام .
 يا أيها الأخوة المؤمنون ؛ بارك الله في حاجةٍ أكثر صاحبها الدّعاء فيها أُعْطِيَها أو مُنعها ، إنّ هذا الحديث الشريف يبيّن حكمة الدّعاء ، بل حكمة المصائب ، وإنّ الله سبحانه وتعالى يحبّ أن يسمع صوت عبده اللّهفان ، ويحبّ أن يرى عبدهُ يدعوه ، ويتضرّع إليه ، ويسأله ، ويوحّده .

 

الأخذ بالأسباب و التوكل على رب الأرباب :

 شيءٌ آخر ؛ الإنسان أحيانًا قد يأخذ بالأسباب ، وينسى ربّ الأرباب ، قد يظنّ السّبب كلّ شيء ، قد يظنّ المال كلّ شيء ، والقوّة كلّ شيء ، وقد يضع لكلّ مشكلة حلاً ، فيظنّ أنّ هذا الحلّ سببٌ لهذه المشكلة ، وفي مثل هذه الحالة يقول عليه الصلاة والسلام لمن اعتمد على الأسباب ، ونسي ربّ الأرباب ، ولمن أشرك بالله شركًا خفيًّا ، ولمن جعل المال كلّ شيء ، وبه تُحلّ العُقَد ، يقول عليه الصلاة والسلام لمثل هذا الإنسان :

(( لَنْ يَنْفَعَ حَذَرٌ مِنْ قَدَرٍ ، وَلَكِنَّ الدُّعَاءَ يَنْفَعُ مِمَّا نَزَلَ وَمِمَّا لَمْ يَنْزِلْ ، فَعَلَيْكُمْ بِالدُّعَاءِ عِبَادَ اللَّهِ ))

[ أحمد عن معاذ]

 فمهما أخذت الحيطة ، ومهما أعددْت لهذا الشيء عُدّته ، ومهما فعلت ، فإنّ الله سبحانه وتعالى إذا أراد إنفاذ أمرٍ أخذ من كلّ ذي لبٍّ لبّه :

(( لَنْ يَنْفَعَ حَذَرٌ مِنْ قَدَرٍ ، وَلَكِنَّ الدُّعَاءَ يَنْفَعُ مِمَّا نَزَلَ وَمِمَّا لَمْ يَنْزِلْ ، فَعَلَيْكُمْ بِالدُّعَاءِ عِبَادَ اللَّهِ ))

[ أحمد عن معاذ]

 فقد يُصاب الطبيب بِمَرضٍ في اختصاصه ، وقد يُصاب المعلّم الماهر بمشكلةٍ في اختصاصه ، إنّ هذه المشكلة تُرَدّ إلى أنّه اعتمد على اختصاصه ، واعتمد على خبرته ، وعلمه ، ولذلك فإنّ هذا الحديث دقيق :

(( لَنْ يَنْفَعَ حَذَرٌ مِنْ قَدَرٍ ، وَلَكِنَّ الدُّعَاءَ يَنْفَعُ مِمَّا نَزَلَ وَمِمَّا لَمْ يَنْزِلْ .... ))

[ أحمد عن معاذ]

 لأنّك لو أخذت الحذرَ لاعتمدْت على هذه الحيلة ، ونسيتَ الله عز وجل ، ووقعْت في الشّرك وأنت لا تدري ، وقعت في الحجاب وأنت لا تدري ، وقعت في الغفلة وأنت لا تدري ، ولذلك يُؤتَى الحذِرُ من مَأمنهِ ، ولن يحميَك من قضاء الله وقدره إلا أن تلتجئ إلى الله عز وجل، ولن يمنعك من الله إلا أن تكون معه ، فإذا كنت مع الأسباب عطَّل الله لك هذه الأسباب ، وإذا كنت مع الأسباب أبطل الله مفعولها أحيانًا ، ووقعْت في غفلةٍ وأنت لا تدري :

(( لَنْ يَنْفَعَ حَذَرٌ مِنْ قَدَرٍ ، وَلَكِنَّ الدُّعَاءَ يَنْفَعُ مِمَّا نَزَلَ وَمِمَّا لَمْ يَنْزِلْ ، فَعَلَيْكُمْ بِالدُّعَاءِ عِبَادَ اللَّهِ ))

[ أحمد عن معاذ]

الإلحاح في الطَّلَب دليل معرفة الله عز وجل و الثّقة به :

 وفيما رواه الإمام أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

(( لَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ مِنْ الدُّعَاءِ ))

[أحمد عن أبي هريرة]

 لأنّ الدعاء يحقّق الهدف من وُجودك ، والله سبحانه وتعالى خلق الخلْق لِيَعرفوه، وخلقَ الخلْق لِيَتقرّبوا إليه ، وليُقبلوا عليه ، ولِيَسعدوا بِجنابه ، والدّعاء يعقد هذه الصّلة ، ويزيد في المعرفة ، ويزيد في المحبّة ، لذلك :

(( لَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ مِنْ الدُّعَاءِ ))

[أحمد عن أبي هريرة]

 بل إنّ الله سبحانه وتعالى يحبّ الملحِّين في الدعاء ؛ لأنّ الإلحاح في الطَّلَب دليل معرفة الله عز وجل ، ودليل الثّقة به ، والتطلّع إلى ما عنده ، والرجاء لما عندهُ من قربٍ ورحمة ، لذلك فإنّ الله سبحانه وتعالى يحبّ الملحِّين في الدعاء ، هذا الذي يدعو مرَّةً واحدة فإن استجاب الله فنعمَّا هي ، وإن لم يستجب له لم يُعِدْها ثانيةً ، وهذا النموذج لا يحبّه الله عز وجل، بل يحبّ من يُلحّ في الدّعاء ، ومن يُدْمنُ قرْع باب الملِك :

أخْلق بذي الصّبر أن يحظى بِحاجته  ومُدْمن القرع للأبواب أن يلِجَا
***

 وهناك شيءٌ آخر في السنّة المطهّرة ما رواه الترمذي عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

(( إِنَّ اللَّهَ حَيِيٌّ كَرِيمٌ ، يَسْتَحْيِي إِذَا رَفَعَ الرَّجُلُ إِلَيْهِ يَدَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا خَائِبَتَيْنِ ))

[الترمذي عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ]

 إنّ الله سبحانه وتعالى يستحي منك ، يستحي منك أن تدْعوهُ فلا يلبّيك ، ويستحي منك أن تسأله فلا يعطيك ، ويستحي منك أن تستغفرهُ فلا يغفر لك ، ويستحي منك أن تسأله حاجةً فلا يقضيها لك :

(( إِنَّ اللَّهَ حَيِيٌّ كَرِيمٌ ، يَسْتَحْيِي إِذَا رَفَعَ الرَّجُلُ إِلَيْهِ يَدَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا خَائِبَتَيْنِ ))

[الترمذي عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ]

 لهذا روى الإمام أحمد في مسنده عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

(( مَنْ لَمْ يَدْعُ اللَّهَ غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ ))

[أحمد عن أبي هريرة]

الدعاء عبادة :

 إنّ الدّعاء عبادة ، وهذا الذي لا يدعو الله عز وجل استكبر عن عبادة الله تعالى، قال تعالى :

﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾

[ سورة غافر : 60]

 الدعاء عبادة ، ومن لم يدع الله عز وجل فكأنّه استكبر أن يعبد الله عز وجل ، ولكنّ النبي عليه الصلاة والسلام يرى أنّ الذي يدعو الله عز وجل يدعو كريمًا ، ويدعو غنيًّا، ويدعو قديرًا ، فإذا سألتهُ شيئًا فأكثِر ، لا تقلْ : يا ربّ غرفةً آوي إليها ، قلْ له : بيتًا آوي إليه ، إذا سألت الله عز وجل فاسألهُ من خير الدنيا والآخرة ، إنّك تسأل كريمًا ، وتسأل غنيًّا ، وتسأل قديرًا ، وتسأل رحيمًا ، يقول عليه الصلاة والسلام :

(( إذا تمنّى أحدكم فليُكثر فإنّما يسأل ربّه عز وجل ))

[الطبراني في الأوسط عن عائشة]

 عن سيّدنا عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه قال :

(( مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أقول : اللهم ارحمني ، فضرب بيده بين كتفي وقال : أعمم ولا تخص ، فإن بين الخصوص والعموم كما بين السماء والأرض ))

[ الديلمي عن علي]

 لا تقل : اللهمّ ارحمني ، قلْ : اللهمّ ارحم المسلمين ، اللهمّ ارحمنا ، اللهمّ فرِّج عنَّا، اللهمّ أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، قال :

(( يا عليّ ، أعِمم ولا تخصّ ، فإنّ بين العموم والخصوص كما بين السماء والأرض ))

 فدليل انتمائك إلى المسلمين ، وأنّك واحدٌ منهم تحبّ ما يحبّون ، وتكرهُ ما يكرهون ، وتألمُ لما يألمون ، ألا تخصّ نفسك بالدّعاء ، لا تقل كما قال ذلك الأعرابي :

(( اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وَمُحَمَّدًا وَلَا تَرْحَمْ مَعَنَا أَحَدًا ، فَلَمَّا سَلَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلْأَعْرَابِيِّ : لَقَدْ حَجَّرْتَ وَاسِعًا يُرِيدُ رَحْمَةَ اللَّهِ ))

[ البخاري عن أبي هريرة]

 يا عليّ أعمم ولا تخصّ ، قلْ : اللهمّ ارحمنا ، اللهمّ وفِّقْنا ، اللهمّ اهدنا ، اللهمّ أكرمنا ، قال له : يا عليّ ، أعمّ ولا تخصّ .

 

أنفع الدعاء جوف الليل ودبر الصلوات المكتوبة :

 قيل :

((يا رسول الله ؛ أيُّ الدعاء أسمع ؟ فقال عليه الصلاة والسلام : جَوْف الليل ))

 إذا نام الناس ، وأغلق الناس أبوابهم ، وآوى كلّ حبيب إلى حبيبه ، ووقفْت أنت بين يدي الله عز وجل تدعوه ، وترجو ما عندهُ ، لهذا ثبت في الحديث الصحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

(( يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ فَيَقُولُ : مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ ؟ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ ؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ ؟))

[متفق عليه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]

 وفي رواية الترمذي :

(( فَلَا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يُضِيءَ الْفَجْرُ ))

[رواه الترمذي]

 لذلك قيل :

((يا رسول الله ، أيّ الدعاء أسمع ؟ قال : جوف الليل ، ودبر الصلوات المكتوبات ))

[ الترمذي عن أبي أمامة]

بعد أن تصلّي ادْعُ الله عز وجل ، واسألهُ من خيري الدنيا والآخرة . ومما رُوي :

(( تضرّعوا إلى ربّكم ، وادعوه في الرّخاء ))

 وأنت صحيح ، وأنت شابّ ، وأنت قويّ ، وأنت معافًى ، وأنت في أوْج نشاطك ، في أوْج قدرتك ، في أوْج غناك ، في هذا الوقت اُدعُه ، وتذلَّل إليه ، واسألهُ كلّ شيء .
 وعَنِ السَّائِبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : صَلَّى بِنَا عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ صَلَاةً فَأَوْجَزَ فِيهَا فَقَالَ لَهُ بَعْضُ الْقَوْمِ : لَقَدْ خَفَّفْتَ أَوْ أَوْجَزْتَ الصَّلَاةَ ، فَقَالَ : أَمَّا عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ دَعَوْتُ فِيهَا بِدَعَوَاتٍ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا قَامَ تَبِعَهُ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ هُوَ أُبَيٌّ غَيْرَ أَنَّهُ كَنَى عَنْ نَفْسِهِ فَسَأَلَهُ عَنْ الدُّعَاءِ ثُمَّ جَاءَ فَأَخْبَرَ بِهِ الْقَوْمَ :

(( اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ أَحْيِنِي مَا عَلِمْتَ الْحَيَاةَ خَيْرًا لِي ، وَتَوَفَّنِي إِذَا عَلِمْتَ الْوَفَاةَ خَيْرًا لِي ، اللَّهُمَّ وَأَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ، وَأَسْأَلُكَ كَلِمَةَ الْحَقِّ فِي الرِّضَا وَالْغَضَبِ ، وَأَسْأَلُكَ الْقَصْدَ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى ، وَأَسْأَلُكَ نَعِيمًا لَا يَنْفَدُ ، وَأَسْأَلُكَ قُرَّةَ عَيْنٍ لَا تَنْقَطِعُ ، وَأَسْأَلُكَ الرِّضَاءَ بَعْدَ الْقَضَاءِ ، وَأَسْأَلُكَ بَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَأَسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ ، وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ ، وَلَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ ، اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الْإِيمَانِ ، وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ ))

[النسائي عَنِ السَّائِبِ بْنِ مَالِكٍ]

 أن تقصد بابه الكريم وأنت غني ، وأنت قويّ ، وأنت شابّ ، النبي عليه الصلاة والسلام يقول : تضرَّعوا إلى ربِّكم وادعوه في الرّخاء فإنّه قد رُويَ :

(( من دعاني في الرّخاء أجبْتهُ في الشدّة ، ومن سألني أعطيتهُ ، ومن تواضع لي رفعتهُ ، ومن تضرَّع إليّ رحمتهُ ، ومن استغفرني غفرتُ له ))

الدعاء في الرقة لأنها رحمة :

 وهناك توجيهٍ آخر من توجيهات النبي عليه الصلاة والسلام فيما يتعلّق بالدّعاء ، قال عليه الصلاة والسلام :

((اغتنموا الدعاء في الرّقة فإنّها رحمة ))

[ الديلمي في مسند الفردوس عن أبي بن كعب]

 فإذا خشَع قلبك ، وانهمرَت الدّموع من عينيك ، واقْشعرَّ جلدك ، ووَجِل قلبك ، فهذه لحظاتٌ مباركة فانتهِزْها مناسبةً ، وادع الله من خيريّ الدنيا والآخرة .

 

عدم التعجل في إجابة الدعاء :

 أيها الأخوة المؤمنون ؛ ولكن قد يسأل سائلٌ فيقول : لقد دعَوْتُ الله فلم يستجِب لي ؟ النبي عليه الصلاة والسلام يقول :

(( مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ ؛ إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنْ السُّوءِ مِثْلَهَا ، قَالُوا إِذًا نُكْثِرُ قَالَ اللَّهُ أَكْثَرُ ))

[رواه أحمد عن أبي سعيد]

 فلو أن ابنًا سأل أباه شيئًا يضرّه فلن يستجيب له ، ولكن هذا السّؤال يحفظ له حقّه عندهُ ، فقد يستجيب له من جهةٍ أخرى ، فأيُّ إنسانٍ دعا الله عز وجل فلا بدّ أن يستجيب له ، إما أن يعطيهُ ذلك في الدنيا ، وإما أن يدّخر له هذا في الآخرة ، وإما أن يدفع عنه من البلاء مثله .
 أيها الأخوة المؤمنون ؛ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ

(( مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَبِيتُ عَلَى ذِكْرٍ طَاهِرًا فَيَتَعَارُّ مِنْ اللَّيْلِ فَيَسْأَلُ اللَّهَ خَيْرًا مِنْ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ ))

[أبو داود عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ]

الوَضْع المتشكّك و التردّد لا يفيد في الدعاء :

 شيءٌ آخر ، إذا دعوت الله عز وجل ، فلا تعتقد أنّ الله قد يستجيب ، أو ربما لا يستجيب ، لأنّ هذا الوَضْع المتشكّك ، وهذا التردّد لا يفيد في الدعاء ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ

(( لَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ ، ارْحَمْنِي إِنْ شِئْتَ ، ارْزُقْنِي إِنْ شِئْتَ ، وَليَعْزِمْ مَسْأَلَتَهُ إِنَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ لَا مُكْرِهُ لَهُ ))

[البخاري َعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]

 إنّ الله سبحانه وتعالى يحبّك ، وأنت عبدهُ ، فلماذا تُشكّك في استجابته لك ؟ لماذا تقول : اغفر لي إن شئْت ؟ هو شاء أن يغفر لك ، وهذا هو المَطلب الأساسي ، لذلك وجَّه النبي عليه الصلاة والسلام أصحابه الكرام ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

((ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لَاهٍ ))

[الترمذي َعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]

الدعوات الثلاث المستجابة :

 أيها الأخوة الأكارم ؛ ثلاث دعواتٍ مستجابة ؛ لاشكّ فيهنّ ؛ دَعوة المظلوم ، ودعوة الوالد ، ودعوة المسافر ، دعوة المظلوم فإنّه ليس بينها وبين الله حجاب ، ولو كان المظلوم كافرًا ، ودعوة الوالد ، ودعوة المسافر ، وإذا سألْت الله عز وجل فاسألهُ كلّ حاجاتك، يقول عليه الصلاة والسلام :

((لِيَسْأَلْ أَحَدُكُمْ رَبَّهُ حَاجَتَهُ كُلَّهَا حَتَّى يَسْأَلَ شِسْعَ نَعْلِهِ إِذَا انْقَطَعَ))

[الترمذي عَنْ أَنَسٍ]

 فلو ضيَّعْت شيئًا اسأل الله أن يردّه عليك ، واسألهُ كلّ حاجاتك ؛ صغيرها وكبيرها ، جليلها وحقيرها ، ولكنّ النبي عليه الصلاة والسلام ينهانا عن أن ندعوَ على أنفسنا، فقال عليه الصلاة والسلام :

(( لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَوْلَادِكُمْ ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى خَدَمِكُمْ ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ ، لَا تُوَافِقُوا مِنْ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى سَاعَةَ نَيْلٍ فِيهَا عَطَاءٌ فَيَسْتَجِيبَ لَكُمْ ))

[أبو داود عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ]

 لأنّك إن دعوْت على مالك أن يتلف فربّما تلف ، لأنّ هذا الدّعاء نوعٌ من كفران النّعمة ، وإذا دعَوْت على أولادك فربّما أصابهم مكروه ، وعندئذٍ تقع في مشكلة ، وربّما استُجيب لك ، فهذه نعمة لا تكفرها ، لا تدعُ على أهلك ، ولا على أولادك ، ولا على نفسك ، ولا على مالك .

 

الابتعاد عن العدوان في الدعاء :

 والنبي عليه الصلاة والسلام من تنبُّؤاته التي أطلعه الله عليها لما سيكون في آخر الزمان .

(( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ سَمِعَ ابْنَهُ يَقُولُ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْقَصْرَ الْأَبْيَضَ عَنْ يَمِينِ الْجَنَّةِ إِذَا دَخَلْتُهَا ، فَقَالَ : أَيْ بُنَيَّ سَلْ اللَّهَ الْجَنَّةَ وَتَعَوَّذْ بِهِ مِنْ النَّارِ ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : إِنَّهُ سَيَكُونُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ فِي الطَّهُورِ وَالدُّعَاءِ))

[أبو داود عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ]

أي يسأل الله عز وجل شيئًا حرَّمهُ ، أو ضارًّا بالمسلمين ، هذا اسمهُ عُدوانٌ في الدّعاء ، هل يُعقل أن يسأل الابن أباه أن يُعطيهُ سكِّينًا ليذْبح أخاه ؟‍‍! أهذا دعاء ؟ في آخر الزمان كما قال عليه الصلاة والسلام :

(( إِنَّهُ سَيَكُونُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ فِي الطَّهُورِ وَالدُّعَاءِ ))

 أي يسألون الله ما لا ينبغي ، يسألونه ما لا يصحّ ، وما لا يُقبل ، وما لا يكون، فهذا عُدوانٌ في الدّعاء .
 أيها الأخوة المؤمنون ؛ هذه بعض الأحاديث الشريفة التي وردَت في حقّ الدعاء، وكأنّ الحديث الأوّل الذي قاله النبي عليه الصلاة والسلام يلخّصها كلّها :

(( الدّعاء مخّ العبادة ))

[الترمذي عن أنس]

 أيْ إنّ الدعاء من العبادة بِمَنزلة المخّ من الإنسان .
 حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزِنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم ، واعلموا أنّ ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا ، وسيتخطّى غيرنا إلينا فلْنَتَّخِذ حذرنا ، الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتْبعَ نفسه هواها وتمنّى على الله الأماني ، والحمد لله رب العالمين .

* * *

الخطبة الثانية :
 أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله ، صاحب الخلق العظيم ، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

أربعة نماذج من أدعية النبي صلى الله عليه وسلّم :

 أيها الأخوة المؤمنون ؛ عَنْ الْعَبَّاسِ أَنَّهُ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا عَمُّكَ كَبِرَتْ سِنِّي وَاقْتَرَبَ أَجَلِي فَعَلِّمْنِي شَيْئًا يَنْفَعُنِي اللَّهُ بِهِ قَالَ :

(( يَا عَبَّاسُ أَنْتَ عَمِّي وَلَا أُغْنِي عَنْكَ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا ، وَلَكِنْ سَلْ رَبَّكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، قَالَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ أَتَاهُ عِنْدَ قَرْنِ الْحَوْلِ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ ))

[أحمد عَنْ الْعَبَّاسِ]

 الدعاء لله ، قال له :

(( أَنْتَ عَمِّي وَلَا أُغْنِي عَنْكَ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا ، هذا هو التوحيد ، وَلَكِنْ سَلْ رَبَّكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ))

[أحمد عَنْ الْعَبَّاسِ]

(( وقُلْ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَتَرْكَ الْمُنْكَرَاتِ وَحُبَّ الْمَسَاكِينِ وَإِذَا أَرَدْتَ بِعِبَادِكَ فِتْنَةً فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ غَيْرَ مَفْتُونٍ ))

[ الترمذي عن ابن عباس]

 وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

(( مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلَا حَزَنٌ - وما أكثر الهموم والأحزان - فَقَالَ : اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ ، أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي ، وَنُورَ صَدْرِي ، وَجِلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي إِلَّا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجًا ، قَالَ : فَقِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا نَتَعَلَّمُهَا ؟ فَقَالَ : بَلَى يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا ))

[أحمد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ]

 عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : سَمِعْتُ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَيْلَةً حِينَ فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ :

((اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِكَ تَهْدِي بِهَا قَلْبِي ، وَتَجْمَعُ بِهَا أَمْرِي ، وَتَلُمُّ بِهَا شَعَثِي ، وَتُصْلِحُ بِهَا غَائِبِي ، وَتَرْفَعُ بِهَا شَاهِدِي ، وَتُزَكِّي بِهَا عَمَلِي ، وَتُلْهِمُنِي بِهَا رُشْدِي، وَتَرُدُّ بِهَا أُلْفَتِي ، وَتَعْصِمُنِي بِهَا مِنْ كُلِّ سُوءٍ ، اللَّهُمَّ أَعْطِنِي إِيمَانًا وَيَقِينًا لَيْسَ بَعْدَهُ كُفْرٌ وَرَحْمَةً أَنَالُ بِهَا شَرَفَ كَرَامَتِكَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ . . . ))

[الترمذي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ]

 أيها الأخوة المؤمنون ؛ هذه أربعة نماذج من أدعيته صلى الله عليه وسلّم ، وحبَّذا لو تتبّعتم أدعية القرآن الكريم ، وجعلتموها في وُريقات ، تدعون بها كلّ يوم ، وحبَّذَا لو اخترتم من أدعيته صلى الله عليه وسلّم أدعيةً مختارة تدعونها كلّ يوم ، فإنّ الدعاء مخ العبادة، والدعاء صلة من أرفع الدرجات .

الدعاء :

 اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولَنا فيمن تولَيت ، وبارك اللهم لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت ، فإنك تقضي ولا يقضى عليك ، اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارض عنا ، اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك ، ومن طاعتك ما تبلغنا بها جنتك ، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا ، ومتعنا اللهم بأسماعنا ، وأبصارنا ، وقوتنا ما أحييتنا ، واجعله الوارث منا ، واجعل ثأرنا على من ظلمنا ، وانصرنا على من عادانا ، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا ، ولا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا ، مولانا رب العالمين ، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك ، اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا ، وآمنا في أوطاننا ، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين ، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، ولا تهلكنا بالسنين ، ولا تعاملنا بفعل المسيئين يا رب العالمين ، اللهم بفضلك ورحمتك أعلِ كلمة الحق والدين ، وانصر الإسلام وأعز المسلمين ، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى ، إنك على ما تشاء قدير ، وبالإجابة جدير . 

تحميل النص

إخفاء الصور