وضع داكن
18-04-2024
Logo
طريق الهدى - الحلقة : 14 - مظاهر ضعف الإيمان5 - أشكال الرياء.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 المذيع:
 الحمد لله رب العالمين، الحمد لله على نعمة الإيمان والإسلام، وكفى بها نعمة، وأفضل الصلاة، وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
 أيها الإخوة المستمعون، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نحييكم، ونستهل وإياكم لقاءً جديداً في برنامجنا طريق الهدى، وأرحب بفضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي معنا في هذه الحوارات، أهلاً ومرحباً بكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 الأستاذ:
 وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
 المذيع:
 فضيلة الشيخ نتابع الحديث عن مظاهر ضعف الإيمان، توقفنا في لقاءنا الأخير عند الرياء الذي في بعض أشكاله يكون مستحسناً بحال، إذا كان العمل يقتدي به الغير يمكن أن يظهر الإنسان العمل الصالح بِنية أن يقتضي بالعمل الصالح غيره.
 الأستاذ:
 ألم يقل نبي كريم، وهو سيدنا يوسف عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام لعزيز مصر:

﴿قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55)﴾

(سورة يوسف)

 حينما يمكن الإنسان في الأرض يعطى قوة وسلطة بإمكانه أن يقيم الحق، ويلغي الباطل، وأن يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، حبذا الإمارة، لأنها طريق إلى الجنة.
 يروى أن سيدنا عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه قال: " تاقت نفسي للإمارة، فلما بلغتها تاقت نفسي إلى الخلافة، فلما بلغتها تاقت نفسي إلى الجنة ".
 حتى الإمارة يمكن أن ترقى بها إلى أعلى عليين، نبي كريم أوتي ملكاً، لم يؤتَ غيرُه مثلَه، فأنا لا أذم مطلق الإمارة، حينما يطلبها الإنسان ليحق الحق، ويبطل الباطل، ليأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، أن يعيد البسمة بها إلى وجوه البؤساء والجائعين فهذه طريق إلى الجنة، أما حينما نريدها لمغانمها ومكاسبها ومالها ووجاهتها والاستعلاء فيها فهي طريق إلى النار.
 المذيع:
 الرياء ليس رياءً إذا كان الإعلان عن العمل الصالح لمجرد الاقتداء، ولكن لنحدد، ولنصف الرياء الذي هو مظهر من مظاهر ضعف الإيمان.
 الأستاذ:
 أن تظهر شيئاً، وتخفي نقيضه، أن تظهر صلاحاً، وتخفي فساداً، أن تظهر عفة، وتخفي دناءة، حينما يكون الإنسان ذكياً من أجل مصلحته يظهر أفضل ما عنده تمثيلاً لا تحقيقاً، فهذا المرائي ينتزع إعجاب الناس، أما هو عند الله فهو ساقط، وأمام نفسه ساقط، لأن جهتين لن تستطيع أن تخدعهما، الله جل جلاله ونفسك التي بين جنبيك.

 

﴿يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ﴾

 

(سورة النساء)

﴿بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ (15)﴾

(سورة القيامة)

 أما هذه الازدواجية، وهذا الانفصام إن صح التعبير فيوقع الإنسان في سقوط أمام نفسه، أما حينما يتوحد الإنسان يكون ظاهره كباطنه، سريرته كعلانيته، مخبأه كمظهره، يشعر براحة كبيرة، فلذلك الإمارة حينما نقصدها لذاتها لا لعمل الخير من خلالها تكون ندامة يوم القيامة، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(( إِنَّكُمْ سَتَحْرِصُونَ عَلَى الْإِمَارَةِ، وَسَتَكُونُ نَدَامَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَنِعْمَ الْمُرْضِعَةُ، وَبِئْسَتِ الْفَاطِمَةُ ))

(صحيح البخاري)

 من أجمل ما شبه به النبي صلى الله عليه وسلم هذه الإمارة، فَنِعْمَ الْمُرْضِعَةُ أي: أولها، معها المال والجاه والملذات، وَبِئْسَتِ الْفَاطِمَةُ، أي: آخرها، معها العزل، والمطالبة بالتبعات، وفي حديث آخر عَنْ لُقْمَانَ بْنِ عَامِرٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:

(( مَا مِنْ رَجُلٍ يَلِي أَمْرَ عَشَرَةٍ فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ إِلَّا أَتَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مَغْلُولًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَدُهُ إِلَى عُنُقِهِ، فَكَّهُ بِرُّهُ، أَوْ أَوْبَقَهُ إِثْمُهُ، أَوَّلُهَا مَلَامَةٌ، وَأَوْسَطُهَا نَدَامَةٌ، وَآخِرُهَا خِزْيٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ))

(مسند الإمام أحمد)

 وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَلَا تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ: قَدَرُ اللَّهِ، وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ ))

(صحيح مسلم)

 لكن من كمال النبي صلى الله عليه وسلم جبر الجميع قال: وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ، لكن المؤمن القوي معه شيء يخدم الناس به، معه أدوات العمل الصالح، فالقوة قوة العلم، وقوة المال، وقوة المنصب، فأنت بإمكانك أن توظف قوتك في خدمة الحق إذا كنت في منصب رفيع، أو كنت ذا مال وفير، أو كنت ذا علم غزير، أما حينما تفقد هذه الثلاثة، فقد فقدت أدوات العمل الصالح، فنحن لا نرفض الإمارة لذاتها، نرفضها حينما تكون دركات نهوي بها، ونطلبها حينما تكون درجات نرقى بها، وكل شيء حيادي، والإنسان مخير، إما أن يجعل من هذه الشهوة سلماً إلى الله، أو دركات إلى النار هذه واحدة.
 هناك موضوع آخر متعلق بضعف الإيمان، هو حب تصدر المجالس، وأن تكون أنت المتكلم وحدك، وأن يصغي الناس إليك، هذه شهوة مَرَضية، لذلك حذر منها النبي عليه الصلاة والسلام، فَعَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:

(( مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ لِيُجَارِيَ بِهِ الْعُلَمَاءَ، أَوْ لِيُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ، أَوْ يَصْرِفَ بِهِ وُجُوهَ النَّاسِ إِلَيْهِ أَدْخَلَهُ اللَّهُ النَّارَ ))

(سنن الترمذي)

 وقد ورد في بعض الأحاديث أن أشخاصاً كباراً يُرَوْنَ يوم القيامة في النار، فيفاجأ أهل النار بهم، فعَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: قِيلَ لِأُسَامَةَ: لَوْ أَتَيْتَ فُلَانًا فَكَلَّمْتَهُ، قَالَ: إِنَّكُمْ لَتُرَوْنَ أَنِّي لَا أُكَلِّمُهُ إِلَّا أُسْمِعُكُمْ إِنِّي أُكَلِّمُهُ فِي السِّرِّ دُونَ أَنْ أَفْتَحَ بَابًا لَا أَكُونُ أَوَّلَ مَنْ فَتَحَهُ، وَلَا أَقُولُ لِرَجُلٍ أَنْ كَانَ عَلَيَّ أَمِيرًا: إِنَّهُ خَيْرُ النَّاسِ بَعْدَ شَيْءٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالُوا: وَمَا سَمِعْتَهُ يَقُولُ ؟ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ:

(( يُجَاءُ بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ، فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُهُ فِي النَّارِ، فَيَدُورُ كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِرَحَاهُ، فَيَجْتَمِعُ أَهْلُ النَّارِ عَلَيْهِ فَيَقُولُونَ: أَيْ فُلَانُ، مَا شَأْنُكَ ؟ أَلَيْسَ كُنْتَ تَأْمُرُنَا بِالْمَعْرُوفِ، وَتَنْهَانَا عَنْ الْمُنْكَرِ ؟ قَالَ: كُنْتُ آمُرُكُمْ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَا آتِيهِ، وَأَنْهَاكُمْ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَآتِيهِ))

 فضمن الدعوة إلى الله هناك شهوات، هناك مكاسب دنيوية، فالمؤمن الصادق يبتعد عن هذه المكاسب ضمن الدعوة إلى الله، لأن الدعوة إلى الله لا تقبل الغش أبداً، ولا تقبل الانحراف أبداً، يجب أن تكون خالصة لوجه الله عز وجل.

 

﴿وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً (73) وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً (74) إِذاً لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ﴾

 

(سورة الإسراء)

 لا ينجو حتى النبي صلى الله عليه وسلم افتراضاً لو أنه انحرف عن المنهج الصحيح قيد أنملة، ألم يرد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال حينما طلب منه أن يمثل ببعض كفار قريش قال:

(( لا أمثل بهم فيمثل الله بي ولو كنت نبياً ))

(ورد في الأثر)

 كلما علا مقام الإنسان يزداد ورعه، ويزداد انضباطه، ويزداد خوفه من الله، وقد قال عليه الصلاة والسلام:

(( رأس الحكمة مخافة الله ))

(ورد في الأثر)

 وفي بعض الأحاديث الشريفة في صحيح الجامع عن ابن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

(( اتقوا هذه المذابح يعني المحاريب ))

(الجامع الصغير للإمام جلال الدين السيوطي)

 أي أن تتصدر المجلس، وأن يشار إليك بالبنان، وأن تكون تحت الأضواء، ولامع النجم، عالي الصيت، هذا قد يكون مزلة قدم إلى ما لا تحمد عقباه، عافانا الله من هذا، المؤمن متواضع، كان عليه الصلاة والسلام يجلس حيث ينتهي به المجلس، دخل عليه رجل أصابته رعدة، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ:

(( أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ فَكَلَّمَهُ، فَجَعَلَ تُرْعَدُ فَرَائِصُهُ، فَقَالَ لَهُ: هَوِّنْ عَلَيْكَ، فَإِنِّي لَسْتُ بِمَلِكٍ، إِنَّمَا أَنَا ابْنُ امْرَأَةٍ تَأْكُلُ الْقَدِيدَ ))

(سنن ابن ماجة)

 تواضعه شديد، ورفعة مقامه عالية عند الله.
 في ضعف الإيمان مظاهر كثيرة، لكن من أبرزها حب الظهور، والهيمنة، والسيطرة، أن يعلو في الأرض، ويسحق من دونه، أما المؤمن فيتعاون، ولا يتنافس، كنت أقول دائماً: المؤمن يتعاون، والمنافق يتنافس، المؤمن يبرُز ويُبرز من حوله، بينما المنافق يلقي الظلال على من حوله، ويبرز وحده، وهذه شهوة في نفس الإنسان، هذا كله يترافق مع ضعف الإيمان ! السبب: أن المؤمن حينما يعمل عملاً خالصاً لله عز وجل يأخذ نصيبه من الله سكينة، لا يحتاج إلى تقنيع الناس، ولا إلى ثنائهم، ولا إلى تمجيدهم، ولا إلى تعظيمهم، أما حينما يفتقد الرجل هذه السكينة فهو يستجدي مديح الآخرين، يحب أن يقف الناس له قياماً، ويعظم تعظيماً مبالغاً فيه، هذا كله من رعونات النفس، وحينما يعافى الإنسان منها تزداد شخصيته قوة.
 أحد مظاهر ضعف الإنسان أنه يحب المديح، خصومه الأذكياء يعرفون مفتاحه، يثنون عليه فيملكونه، يعظمونه تعظيماً فارغاً، فيملكون قلبه.
 يروى أن أحد الصحابة الأجلاء مدحه شخص مدحاً ليس خالصاً فقال له: " أنا دونما تقول، وفوق ما في نفسك ".
 حينما يُمدح الإنسان، ويصدق ما قيل فيه يتكبر، ويتعجرف، ويعجب بنفسه، وينسى فضل الله عليه.
 الحقيقة أن المنافق إذا مدح يرى فضله، يرى إمكانياته، فيعجب بها، وينسى المنعم، بينما المؤمن إذا مدح ذكر فضل الله عليه، ورأى أنه ما كان شيئاً، كان لا شيء، وأصبح بفضل الله مذكوراً، إذا مدحت المؤمن رَبا الإيمان في قلبه، أما إذا مدح الفاسق ازداد تيهاً وعنجهية وكبراً، هذا حب الظهور للسيطرة، وحب الارتفاع على الناس، هذا من مظاهر ضعف الإيمان السبب، والمؤمن كلما جاءته سكينة من الله أغنته عن مديح الناس، ولا يبالي، لذلك من عرف نفسه ما ضرته مقالة الناس به، لأنه يستغني عن مديح الناس، ويقوى مركزه عندهم، أما إذا كان مفتقراً إلى مديح الناس يضعف في نظرهم، والحقيقة هذه من نقاط ضعف الرجل، أن يحب المديح، وخصومه يلعبون به بين أصابعهم، يمدحونه فيحققون منه ما يريدون، أما المؤمن فمواقفه واضحة، لا يعبأ لا بمديح، ولا بذم، لأنه من عرف نفسه، وعرف ربه، فاستغنى عن مديح الناس، وعن تعظيمهم له.
 المذيع:
 هذا بالنسبة لحب السيطرة والظهور، فماذا بالنسبة للرياء من حيث إنه يرائي الناس بصلاته وصومه وزكاته، يشرك مع الله شريكاً آخر.
 الأستاذ:
 الإنسان حينما يقصر، ويبتغي بتقصيره إرضاء الناس ينطبق عليه قول النبي الكريم:

(( من أرضى الناس بسخط الله سخط الله عنه وأسخط عنه الناس ))

(ورد في الأثر)

 كان هو الخاسر الأول، ومن أرضى الله بسخط الناس رضي الله عنه، وأرضى عنه الناس، اعمل لوجه واحد يكفك الوجوه كلها.
 من جعل الهموم هماً واحداً كفاه الله الهموم كلها، بل إن هذا التوحيد، وأعظم ما في الدين التوحيد، التوحيد نهاية العلم، والتقوى نهاية العمل، أنت حينما توحد تمتلك شيئاً اسمه الصحة النفسية، تبتعد عن الشدة النفسية، معظم أمراض الإنسان أسابها الشدة النفسية، أمراض القلب، أمراض الأوعية، الضغط المرتفع، أمراض جهاز الهضم، أمراض الأعصاب، حتى الأورام الخبيثة أسبابها شدة نفسية، قال تعالى:

 

﴿فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (213)﴾

 

(سورة الشعراء)

 لمجرد أن تشعر أن فلاناً قوياً، وهو يملك أن ينزل بك الضرر، ولا يحبك، هذا شعور وحده يسبب أزمة قلبية، أما حينما تعلم أن أمرك بيد الله، وأن الله لن يسلمك إلى غيره، ولو أنه من باب الافتراض أسلمك إلى غيره كيف تعبده وحده ؟ ينبغي أن تعبد غيره، طمأنك فقال:

 

﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ﴾

 

(سورة هود)

 فما أمرك أن تعبده إلا بعد أن طمأنك أنّ الأمر كله بيده، فتشعر أن الأمر بيد الله وحده، وأنه مطّلع عليك، ويعلم سرك وجهرك، ويعلم إخلاصك، هذا وحده صحة نفسية، والآن أخطر جهاز في الإنسان جهاز المناعة المكتسب، هذا الذي يقوى على كل الأمراض، إذا ضعف هذا الجهاز تقوى عليه كل الأمراض، هذا الجهاز المناعة المكتسب يقويه الحب والشعور بالأمن، ويضعفه الخوف والقلق، لذلك حينما قال الله عز وجل:

 

﴿فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (213)﴾

 

 أي إنك نجوت من مرض الأمراض، من مسبب الأمراض وهو الشدة النفسية، والآن اسأل أي طبيب يقل لك: ما من مرض خطير إلا ووراءه شدة نفسية، هذه الشدة تضعف جهاز المناعة، وجهاز المناعة المكتسب موكول إليه القضاء على الأمراض الجرثومية والسرطانية.
 المذيع:
 وضعيف الإيمان كمن فقد جهاز المناعة المكتسب، لا يستطيع مقاومة كل الضغوط والإغراءات وغيرها من الأمور التي يمكن أن تحيله عن سبيل الله.
 الأستاذ:
 صدقني أخي زياد ـ جزاك الله خيراً ـ أن ضعف الإيمان يسبب ضعف الشخصية في الحياة، ضعيف الإيمان يخاف من كل إنسان، يحسب حساباً لكل إنسان، ينافق لكل إنسان، هذا وحده يضعف شخصيته، أما المؤمن حينما تقوى شخصيته يضمن سلامة جسمه وأجهزته
 المذيع:
 هو موقن بأن أمره بيد الله، وأن ما كتبه الله عليه سيكون، وأن كله سيرجع لله.
 الأستاذ:
 أحد التابعين جاء به أحد الطغاة ليقتله، فقال له: والله لو علمت أن موتي بيدك ما عبدت غيرك ‍‍! نهاية الحياة بيد الله عز وجل.
 الإنسان متى يقوى ؟ إذا رأى أن أمره بيد الله، وأن الله لا يسلمه لأحد، الآية الكريمة:

﴿إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62)﴾

(سورة الشعراء)

 شعورك أن الله معك، وأنه لا يتخلى عنك، وأنه ناصرك، ومؤيدك، وأنه حفيظٌ عليك، هذا شعور وحده مسعد، فقد تجد إنساناً ضعيفَ الإمكانيات، لكنه قوي بإيمانه، وتجد إنساناً ممتلئاً قلبه خوفاً وفرقاً، وهو يملك كل الإمكانات، هذا من مفارقة الحياة، ضعف الإيمان ضعف في شخصية الإنسان، وقوة الإيمان قوة في شخصيته.
 المذيع:
 أشكركم، ونتابع بإذن الله تعالى غداً الحديث عن مظهر آخر من مظاهر ضعف الإيمان، أشكر الإخوة المستمعين لحسن إصغائهم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

إخفاء الصور