وضع داكن
28-03-2024
Logo
-الخطبة : 0158 - المصيبة - جهاز التعرق عند الإنسان.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى :

 الحمد لله ثم الحمد لله ، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ، وما توفيقي ولا اعتصامي ولا توكلي إلا على الله ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقراراً بربوبيته ، وإرغاماً لمن جحد به وكفر ، وأشهد أن سيدنا محمد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سيد الخلق والبشر ، ما اتصلت عين بنظر ، أو سمعت أذنٌ بخبر ، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد ، وعلى آله وأصحابه ، وعلى ذريته ، ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين ، اللهم ارحمنا فإنك بنا راحم ، ولا تعذبنا فإنك علينا قادر ، والطف بنا فيما جرت به المقادير إنك على كل شيء قدير .

حقائق حول المصيبة :

 أيها الإخوة المؤمنون ؛ في سورة القصص آية كريمة توضح أشياء كثيرة في حياتنا ، ربنا سبحانه وتعالى يقول :

﴿ وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾

[ سورة القصص : 47 ]

 أيها الإخوة المؤمنون ؛ يستنبط من هذه الآية حقائق كثيرة .

 

الحقيقة الأولى :

 أن المصيبة أية مصيبة ، لا بد من أن تكون جزاء ، وفاق لمَ اقترفته أيدي الإنسان .

﴿ وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ﴾

[ سورة القصص : 47 ]

(( ما من عثرة ولا اختلاج عرق ولا خدش عود إلا بما قدمت أيديكم وما يغفر الله أكثر ))

[ ابن عساكر عن البراء تصحيح السيوطي ضعيف‏ ]

﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً ﴾

[ سورة النساء : 147 ]

الآيات والأحاديث كلها تؤكد أن المصائب دقت أو جلت ، سواءٌ أكانت مادية أو معنوية ، سواءٌ أكانت قريبة أم بعيدة ، أية مصبية .

 

﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴾

 

[ سورة الحديد : 22 ]

(( ما أصابت عبدا مصيبة فما فوقها إلا بإحدى خلتين : بذنب لم يكن الله ليغفر له إلا بتلك المصيبة ، أو بدرجة لم يكن الله ليبلغه إياها إلا بتلك المصيبة ))

[ أبو نعيم عن ثوبان ]

 فلذلك ربنا سبحانه وتعالى في سورة القصص يقول :

﴿ وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ﴾

[ سورة القصص : 47 ]

 ماذا كان يحصل ؟ كان هؤلاء الذين تركهم الله هملاً ، لم يعالجهم ، لم يضيق عليهم ، لم يذكرهم ، لم يلفت نظرهم ، تركهم في ضلالهم ، في انحرافهم ، في غفلتهم ، في بحبوحتهم في لهوهم ، في لعبهم ، في انغماسهم في الدنيا ، لو أنه تركهم على ما هم عليه حتى جاء أجلهم ، وقبضهم ، فإذا هم من أهل النار ، عندئذٍ يعتبون على الله عز وجل .

﴿ وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾

[ سورة القصص : 47 ]

 إذاً الذي وقع لا بد من أن يقع ، ولو لم يقع لكان هذا نقصاً في حكمة الله سبحانه وتعالى .

 

المصيبة إما جزاء أو قضاء وقدر :

 أيها الإخوة الأكارم ؛ لكن هناك نقطة دقيقة جداً ، سؤال :
 إلى أي حدٍ يعد الذي أصابني جزاء تقصيري ، وإلى أي حدٍ يكون الذي أصابني قضاءً وقدراً ؟.
 إذا كان هناك تقصير ، إذا كان هناك غفلة ، فهذا الذي أصابني هو قطعاً جزاء التقصير ، وجزاء الغفلة ، وعقاب المعصية .
 أما إذا كان هناك انضباط واستقامة وصحوة ويقظة وإقبالاً وجاءت المصيبة ، فهذه المصيبة من نوع القضاء والقدر التي هي بكل تأكيد رفعٌ لدرجة المؤمن .

(( ما أصابت عبدا مصيبة فما فوقها إلا بإحدى خلتين : بذنب لم يكن الله ليغفر له إلا بتلك المصيبة ، أو بدرجة لم يكن الله ليبلغه إياها إلا بتلك المصيبة ))

 هذه الآية اقرؤوها ، واحفظوها ، وتأملوها ، وتتدبروها ، وتعمقوا فيها ، واجعلوها أساساً في عقيدتكم ، الشيء الذي وقع لا بد من أن يقع ، ولو لم يقع لكان ذلك نقصاً في حكمة الله سبحانه وتعالى ، لذلك قال عليه الصلاة والسلام :

(( لكل شيء حقيقة ، وما بلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه ))

[ رواه أحمد والطبراني ‏في الأوسط عن أبي الدرداء ]

(( لاَ تَقُلْ : لَوْ أَني فَعَلْتُ كَذَا كانَ كَذَا وَكَذَا ، وَ لَكِنْ قُلْ قَدَّرَ اللَّهُ وَما شاء فَعَلَ فإنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطانِ ))

[ رواه مسلم عن ‏عن أبي هُريرة رضي اللّه عنه‏ ]

 ليس هناك كلمة لو في قاموس المؤمن .

(( قَدَّرَ اللَّهُ وَما شاء فَعَلَ فإنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطانِ ))

 وقد قال عليه الصلاة والسلام :

(( الإيمان بالقدر يذهب الهم والحزن ))

[ رواه الحاكم في تاريخه ، والقضاعي عن أبي هريرة تصحيح السيوطي ضعيف‏ ]

﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ ﴾

[ سورة الشعراء الآية : 213 ]

(( الإيمان بالقدر يذهب الهم والحزن ))

 أيها الإخوة الأكارم ؛ ما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد ، نهاية العلم التوحيد ، ونهاية العمل التقوى ، النبي عليه الصلاة والسلام يقول :

(( ‏وإن المؤمن من عباد الله لا يحيف على من يبغض‏ ))

[‏الحكيم عن جندب بن عبد الله‏ ]

 يعني النبي عليه الصلاة والسلام يعطينا وصفاً دقيقاً للمؤمن ، فمن كان هذا الوصف منطبقاً عليه فليستبشر ، ومن كان هذا الوصف غير منطبقٍ عليه فليحذر وليتدبر أمره قبل فوات الأوان .

(( ‏وإن المؤمن من عباد الله لا يحيف على من يبغض‏ ))

 رجل لقي عمر في الطريق قال أتحبني ؟ قال لا ، قال أو يمنعك بغضك لي من أن تعطيني حقي ، قال لا ، قال إذاً إنما يأسف على الحب النساء .

 

﴿ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ﴾

 

[ سورة المائدة الآية : 8 ]

 أمرني ربي بتسع خشية الله في السر والعلانية ، القصد في الفقر والغنى ، العدل في الغضب والرضى ، الشرك أخفى من دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلية الظلماء ، وأدناه أن تحب على شيء من الجور ، وأن تبغض على شيء من العدل ، يعني إذا كان هناك جور أحببت فهذا شرك ، إذا قدمت لك نصيحة عادلة وانزعجت فهناك شرك ، فالمؤمن من عباد الله لا يحيف على من يبغض ، ولا يأثم فيمن يحب ، فإذا أحب إنساناً وكان هذا الإنسان منحرفاً ، وبقي يحبه فقد وقع في الإثم ، لأن المؤمن لا يحب إلا المؤمن ، المؤمن لا يتصل ، ولا يميل قلبه ولا يقدم اهتمامه إلا للمؤمن الكامل ، فإذا أحب ، قال النبي عليه الصلاة والسلام :

(( لا تصاحب إلا مؤمناً ، ولا يأكل طعامك إلا تقي ))

[ رواه أبو داود والترمذي بإسناد لا بأس به ]

((‏ ولا يضيع ما استودع ))

[‏ الحكيم عن جندب بن عبد الله‏ ]

 الأولاد وديعة عند أبيهم ، الطلاب وديعة عند معلمهم ، المرضى وديعة عند الطبيب ، الموكل وديعة عند المحامي ، أي شخص أوكلك بأمر فهو وديعة عندك ، والمؤمن لا يضيع ما استودع ، لا يخون ، لا يغش ، لا يحتال ، لا يدلس ، لا يكذب ، لا يوهم ، لا يبتز أموال الناس .

((‏ ولا يضيع ما استودع ))

(( ولا يحسد ولا يطعن ولا يلعن ، ويعترف بالحق ، وإن لم يشهد عليه‏ ))

[‏ الحكيم عن جندب بن عبد الله‏ ]

 الله هو الشهيد ، ما لك لك ، وما ليس لك ليس لك ، أمعه وثيقة ، ليس معه سند ، أمعه إيصال ، ضيع الإيصال ، يعترف بالحق ، وإن لم يشهد عليه‏ ، يحتكم لله عز وجل ، لا يقول لخصمه اذهب أبواب المحاكم مفتحة أمامك ، ويعترف بالحق ، وإن لم يشهد عليه‏ .

(( ولا يتنابز بالألقاب‏ ))

[‏ الحكيم عن جندب بن عبد الله‏ ]

 لا يسخر من الناس ، لا يهينهم ، لا يحتقرهم ، لا يسخر منهم .

(( في الصلاة متخشعا ، إلى الزكاة مسرعا ، في الزلازل وقورا ، في الرخاء شكورا قانعا بالذي له لا يدعي ما ليس له ))

[‏ الحكيم عن جندب بن عبد الله‏ ]

 هذه بعض صفات المؤمن ، إن النبي عليه الصلاة والسلام حينما يذكر صفات المؤمن إنما يذكرها ، لتكون هدفاً لنا ، ومقياساً ، وتبشيراً ، إن كانت مطابقة فهي بشارة ، وإن كانت مخالفة فهي تنبيه ، وفي الوقت نفسه هدف يجب أن نسعى إليه .

 

قوام الدين الخلق الحسن :

 قوام الدين الخلق الحسن ، النبي عليه الصلاة والسلام بما أثنى الله عليه بالخلق الحسن .

﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾

[ سورة القلم الآية : 4]

 فلذلك إنسان دين بلا خلق حسن هذا لا يكون ، هذا مستحيل ، لا بد عندئذٍ من أن يكون منافقاً ، من علامة إيمان المؤمن الخلق الحسن .
 أيها الإخوة المؤمنون ؛ الذي يلفت النظر في النبي عليه الصلاة والسلام ، هذا الخلق الحسن الذي سحر به أصحابه ، حتى أن أبى سفيان يقول : ما رأيت أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمدٍ محمداً .
 بنت حاتم طي وقعت أسيرة عند رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وكانت أديبة وذكية ، فلما مر بها وقفت وقالت يا رسول الله : منّ عليّ منَ الله عليك ، قالت يا رسول الله : هلك الوالد وغاب الوافد ، قال : من الوالد ؟ أبوها حاتم طي ، ومن الوافد ؟ أخوها عدي بن حاتم قالت : منّ عليّ منَ الله عليك ، هلك الوالد وغاب الوافد ، فإن رأيت أن تخلي عني ، ولا تشمت بي الأعداء ، ولا تشمت بي أحياء العرب ، فإن أبي كان سيد قومه ، يفك العاني ، ويحفظ الجار ، ويحمي الدمار ، ويفرج عن المكروب ، ويطعم الطعام ، ويفشي السلام ويحمل الكل ، ويعين على نوائب الدهر ، وما أتاه أحد في حاجة فرده خائباً ، أنا بنت حاتم طي ، فقال عليه الصلاة والسلام :

(( يا جارية هذه صفة المؤمنين حقا لو كان أبوك مسلما لترحمنا عليه‏ ))

[ رواه الترمذي عن علي كرم الله وجهه ]

 نقطة دقيقة جداً : قد يتحلى الإنسان بمكارم الأخلاق ، بدافع من ذكائه ، بدافع من حبه للسمعة الطيبة بين الناس ، ولكن هذا ليس له في الآخرة من خلاق ، ولكن الله سبحانه وتعالى يرضى عنا إذا تحلينا بمكارم الأخلاق ابتغاء مرضاة الله عز وجل .

(( يا جارية هذه صفة المؤمنين حقا لو كان أبوك مسلما لترحمنا عليه، خلوا عنها فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق وإن الله يحب مكارم الأخلاق‏ ))

[ رواه الترمذي عن علي كرم الله وجهه ]

 ثم قال عليه الصلاة والسلام :

(( ارْحَمُوا ثَلاَثَةً : عَزِيزَ قَوْمٍ ذَلَّ ، ‏وَغَنِيَّ قَوْمٍ افِتَقَرَ ، وَعَالِماَ بَيْنَ جُهَّال‏ ))

[ ‏السليماني في الضعفاء من حديث أنس وضعفه ، وقال ابن الجوزي : إنما يعرف من كلام الفضيل بن عياض ، ‏وأخرجه ابن حبان في تاريخه من حديث ابن عباس ، والديلمي من حديث أبي هريرة بأسانيد واهية‏ ]

 وصية نبوية ، ارْحَمُوا ثَلاَثَةً : عَزِيزَ قَوْمٍ ذَلَّ ، رواية ثانية :

(( ارحموا عزيز قوم ذُل ، ‏وغنيا افتقر ، وعالما بين جهال‏ ))

 وامتن على قومها ، فأطلقهم تكريماً لها ، عندئذٍ استأذنته بالدعاء له فأذن لها ، فقالت له ، قال لأصحابه : أسمعوا ووعوا ، قالت : أصاب الله ببرك مواقعه ، ولا جعل لك إلى لئيم حاجة ، هذه دعوة ثمينة ، أصاب الله ببرك مواقعه ، يعني كأنها تمنت ، أو دعت للنبي عليه الصلاة والسلام أن يكون بره في أهله ، في مستحقيه ، إذا أحب الله قوماً جعل صناعهم في أهل الحفاظ ، يصنع المعروف مع من يستحق ، ومع من يحفظ المعروف ، أصاب الله ببرك مواقعه ، ولا جعل لك إلى لئيم حاجة ، ولا سلب نعمة عن كريم قوم ، إلا جعلك سبب في ردها عليهم ، فلما أطلقها ، ورجعت إلى أخيها عدي ابن حاتم ، بدومة الجندل ، قالت له يا أخي : ائتِ هذا الرجل تقصد النبي عليه الصلاة والسلام ، قبل أن تعلقك حبائله ، فإني رأيت هدياً ، وسمتاً ، وسيغلب أهل الغلبة ، ورأيت خصال تعجبني ، قالت : يا أخي إنه يحب الفقير ، ويفك الأسير ، ويرحم الصغير ، ويعرف قدر الكبير ، وما رأيت أجود ، ولا أكرم منه ، فإن يكن نبياً فلك منه الفضل ، وإن يكن ملكاً فلن تزال في عزة ملكه ، وكلكم يعلم كيف أن عدي بن حاتم وفد على رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وآمن ، وأسلم ، وحسن إسلامه .
 أيها الإخوة المؤمنون ؛ ما الذي يفرق بين الحيوان والإنسان ، في الحيوان أجهزة كما عند الإنسان ، هذا يأكل وهذا يأكل ، وهذا يشرب وهذا يشرب ، وهذا يتوالد وهذا يتوالد ، هذا ينام وهذا ينام ، هذا يعمل وهذا يعمل ، ما الذي يرفع من قيمة الإنسان ، العلم والأخلاق ، فإذا ألغي العلم والخلق ، فقد عاد الإنسان إلى طور البهيمية ، هذا الكائن الذي يسعى لشهوته بأية طريقة ، من أي سبيل ، بأي ثمن ، لا يرحم الصغير ، ولا يحب الفقير ، ولا يعرف قدر الكبير ، إنه كالبهيمة .
 أيها الإخوة المؤمنون ؛ حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم ، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا ، وسيتخطى غيرنا إلينا ، فلنتخذ حذرنا ، الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني .

والحمد لله رب العالمين
***

الخطبة الثانية :

 الحمد لله رب العالمين ، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .

جهاز التعرق عند الإنسان :

 أيها الإخوة الأكارم ؛ في الإنسان جهاز للتبريد ، ويسميه بعض العلماء جهاز التعرق هذا الجهاز كما قلت قبل قليل ، بمثابة جهاز التبريد ، وجهاز التنظيم الحراري للإنسان ، يتألف هذا الجهاز من مليون وحدة تبريد ، يعني من مليون غدة عرقية ، مليون ، والغدة العرقية الواحدة تتألف من أنبوب طوله مليمتران ، وقطره عشر الميليمتر ، هذا الأنبوب يلتف على نفسه ويتصل بالجلد ، هذه الأنابيب تتوزع على سطح الجلد بشكل غير متساوي ، تكثر في الجبين ، وفي أخمص القدم ، وباطن الكف ، وفي أماكن أخرى من الجسم ، بمعدل ثلاثة مئة غدة عرقية في السنتمتر الواحد ، وكل غدة عرقية جهاز تبريد كامل ، وهذه الأنابيب المليون إذا وصلت ببعضها بعضا بلغ طولها خمسة كيلومتر ، في كل جسم ، وفي كل مئة غرام من العرق الذي تنضح بها هذه الخلايا ، تسع وتسعون غرام ماء ، وغرام واحد من المواد المنحلة ، نصفها من الملح ، ونصفها من البولة ، وبعض المواد الكيميائية الأخرى ، والإنسان يفرز من العرق في الأربع والعشرين ساعة من ستمئة غرام إلى ألف غرام ، إلى ما يعادل كيلو من العرق ، كيلوغرام يعني ، ألف غرام ، كل أربعة وعشرين ساعة ، وإفراز العرق مستمر ولا نشعر به إلا إذا كان غزيراً ، والدليل على أن هناك إفرازاً مستمراً ، ليونة الجلد ، ورطوبته بسبب التعرق ، ولولا العرق لما كان هناك ليونة ، ولما كان هناك رطوبة ، والتعرق أيها الإخوة صمام آمان لارتفاع حرارة الجسم كيف أن بعض الأوان البخارية ، يخاف أن تنفجر لها صمام آمان ، وكذلك الجسم ، لو أن الحرارة ارتفعت فوق معدلها لمات الإنسان ، لذلك هناك صمام آمان ، فإذا ارتفعت حرارة الجسم من الداخل ، أو كان هناك حرارة من الخارج ، فإن هذه الأجهزة تفرز الماء الغزير ، وهذا الماء الغزير يمتص الحرارة الزائدة فيتبخر ، وبهذه الطريقة يحافظ على حرارة الجلد المعتدلة .
 أيها الإخوة المؤمنون ؛ من وظائف التعرق طرح البولة ، وتلين الجلد ، وتنظيم حرارة البدن ، لذلك يجب العناية بتنظيف الجسم لإزالة آثار التعرق الكريهة ، يعني في عنا ملح ، وفي حمض بولة ، تماماً كما في البول ، فلذلك النبي عليه الصلاة والسلام يقول : أغتسل ولو مداً بدينار .
 غسل الجمعة يرقى إلى الواجب ، وقد يقترب من الفرض ، غسل الجمعة ، لإزالة أسباب التعرق ، وحق الله على المسلم أن يغتسل كل سبعة أيام ، كما ورد في الحديث ، والنظافة من الإيمان ، فبهذا التنظيف تزال رائحة التعرق الكريهة ، وتزال رواسب التعرق بعد التبخر ، وتفتح مسام الجلد ، وتفتح فوهات غدد التعرق .

الدعاء :

 اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت وتولَنا فيمن تولَيت وبارك اللهم لنا فيمن أعطيت ، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت ، فإنك تقضي ولا يقضى عليك ، إنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت تباركت ربنا وتعاليت ، ولك الحمد على ما قضيت نستغفرك ونتوب إليك اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، وأكرمنا ولا تهنا ، وآثرنا ولا تؤثر علينا وأرضنا وارض عنا ، اللهم إنا نعوذ بك من الخوف إلا منك ، ومن الذل إلا لك ، ومن الفقر إلا إليك ، نعوذ بك من عضال الداء ، ومن شماتة الأعداء ومن السلب بعد العطاء ، مولانا رب العالمين ، اللهم اسقينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، اللهم اسقينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، اللهم اسقينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، اللهم أغفر ذنوبنا واستر عيوبنا واقبل توبتنا ، وفك أسرنا ، وأحسن خلاصنا ، وبلغنا مما يرضيك آمالنا واختم بالصالحات أعمالنا ، مولانا رب العالمين ، اللهم بفضلك ورحمتك أعلِ كلمة الحق والدين ، وانصر الإسلام وأعز المسلمين ، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى إنه على ما تشاء قدير وبالإجابة جدير .

تحميل النص

إخفاء الصور