وضع داكن
29-03-2024
Logo
طريق الهدى - الحلقة : 04 - مقومات حمل الأمانة3 - الشرع - الزمن.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 المذيع:
 الحمد لله رب العالمين، الحمد لله على نعمة الإيمان والإسلام، وكفى بها نعمة، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
 أيها الإخوة المستمعون، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بإذن الله نجدد هذا اللقاء، وبحمد الله يستمر هذا اللقاء، وهذا الحوار مع فضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي، أحد أبرز علماء دمشق، أهلاً ومرحباً بكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 الأستاذ:
 وعليكم السلام ورحمة الله، وبركاته أستاذ زياد.
 المذيع:
 فضيلة الشيخ، استعرضنا سوياً في الحلقات السابقة مقومات الأمانة التي حملها الإنسان، الكون كوسيلة لمعرفة الله عز وجل، والعقل لكي يدرك هذا الكون وهذه المعرفة، وكذلك الفطرة التي فطر الله عليها الخلق، الشهوات، والاختيار والقوة، هناك الشرع والزمن، هذه من مقومات الأمانة، لنفصل بداية ما هو المقصود بالشرع ؟
 الأستاذ:
 الشرع هو المنهج الذي ينبغي أن يسير عليه الإنسان، لأن الإنسان أُعطي شهوات حيادية وواسعة جداً، هذه الشهوات ينبغي أن تنضبط بمنهج، إنه افعل ولا تفعل، إنه الشرع.
 لبعض العلماء الكبار مقولة رائعة: " الشريعة عدل كلها، الشريعة رحمة كلها، الشريعة مصلحة كلها، الشريعة حكمة كلها، فأية قضية خرجت من المصلحة إلى المفسدة ومن العدل، إلى الجور، ومن الحكمة إلى ضدها، ومن الرحمة إلى القسوة، فليست من الشريعة، ولو أُدخلت عليها بألف تأويل وتأويل ".
 الشرع منهج خالق الأكوان، كما أن أسماء الله حسنى، أيضاً شرعه كامل، النبي عليه الصلاة والسلام جاءنا بمنهج كامل، أكد هذه الحقيقة القرآن الكريم قال تعالى:

﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً﴾

(سورة المائدة)

 علماء اللغة يتوقفون عند كلمة الإتمام والإكمال، الإكمال نوعي، والإتمام عددي، أي إن عدد القضايا التي عالجها الدين تامة، وطريقة المعالجة كاملة.

 

﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي﴾

 إن إضافة أية قضية على الدين اتهام له بالنقص، وحذف أية قضية من الدين اتهام له بالزيادة، هذه هي البدعة، الدين لا يحتمل أن نبتدع، الابتداع في الدنيا، الابتداع أن نطور حياتنا، مساكننا، مدارسنا، مستشفياتنا، مصانعنا، أن نستخرج ثرواتنا، أن نصنعها، أن نحل مشكلاتنا، هذا كله بالإبداع، أما الدين فلا إبداع فيه، فالأمم الإسلامية حينما تبتدع في الدين، وتقلد في الدنيا تكون في مؤخرة الركب، تأتي بعبادات لا أصل لها، وبتصرفات لا وجود لها في الدين، حينما تبتدع بقدر ما تبتدع تضيع من أصول الدين.
 من أجمل ما قرأت عن البدعة أنك إذا كنت مسافراً، وحملت أكياساً من الرمل لا تحتاجها إطلاقاً، إنها حملتك مالا تطيق، ولن تنفعك أبداً، لأن المنهج الذي جاء به النبي كامل في بلوغك أعلى درجات السعادة والقرب، فأية إضافة على هذا المنهج إضافة لا أصل لها.
 المذيع:
 هل هذا ينفي التجديد في استنباط الأحكام، والتجديد في الدين، وما هو معنى التجديد في الدين ؟
 الأستاذ:
 التجديد له معنى دقيق سأوضحه بمثل: عندنا بناء اسمه المحطة الحجازية، يوم كان القطار بين دمشق والمدينة، هذا القطار ينطلق من محطة الحجاز في دمشق، هذا البناء قديم جداً، يعود إلى العهد العثماني، حجره مع مضي الأيام أصبح أسود اللون، هناك أجهزة حديثة عن طريق الرمل، يُضرب الحجر بالرمل بقوة بالغة، فُينزع منه كل ما لصق به مما ليس منه، فإذا قلنا: تجديد في الدين، أي أن تنزع من الدين كل ما علق به مما ليس منه، بيت بأربع غرف، لا يجوز أن تضاف غرفة، ولا أن تحذف غرفة، أما إذا كان الطلاء الخارجي أصابته أوساخ وغبار ودخان نزعت هذه الأوساخ والغبار والدخان عن هذا البناء، هذا هو التجديد، فالتجديد أن تعيد للدين أصله ورونقه.
 عندنا نهر اسمه نهر بردى، وهو نهر مشهور، لو ذهبت إلى النبع لرأيت ماءً صافياً عذباً فراتاً، لو ذهبت إلى المصب لرأيت ماءً أسود اللون، لكثرة ما نزل على هذا النهر من الروافد، فحينما أريد ماءً صافياً ينبغي أن أذهب إلى الينابيع، لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، لأن هذا منهج الله، الله حكمته قديمة.
 مثلاً: انظر إلى تطور صناعة السيارات، المحرك حركة واحدة، العجلات ليس فيها هواء، المصابيح تشعل بالكبريت، البوق عن طريق الهواء، شيء متواضع جداً، وازن بين أول سيارة صنعها الإنسان، وبين أحدث سيارة صنعها، الآن يوجد رقي في الصناعة يفوق حد الخيال، ما تفسيره ؟ تفسيره أن خبرة الإنسان تتنامى، وهي محدثة، بينما خبرة الله قديمة، فهل طرأ على خلق الله تعديل ؟ خبرة الله قديمة، إذاً الدين قديم، والحق قديم، والكمال قديم، فلا يمكن أن يحتاج الدين إلى إضافة، ولا يمكن أن يسمح بحذف شيء من الدين، إذا أضفنا أو إذا حذفنا فلا يمكن أن نقطف ثمار هذا الدين، لذلك في الحديث عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ يَحْمَدُ اللَّهَ، وَيُثْنِي عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ يَقُولُ:

 

(( مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ، إِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ، وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلُّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ... ))

(سنن النسائي)

 هذا في العقائد والعبادات، أما في حياتنا لو أننا بردنا المساجد، وكيّفناها، لو جئنا بالماء الساخن في الشتاء، والماء البارد في الصيف، لو أننا كبرنا الصوت، وطبعنا الدروس على أشرطة قيمة، هذا كله بدعة في اللغة، لا في الدين، في أمور دنيانا يجوز أن نبتدع في الوسائل، أما في أصول الدين، في عقيدته، وفي عباداته، لا يمكن أن نزيد شيئاً، ولا أن نحذف شيئاً.
 المذيع:
 كيف تتم معالجة النوازل، ما يستحدث من أمور وقضايا ؟ كيف نعالجها من خلال الشرع ؟
 الأستاذ:
 يقول الله عز وجل:

 

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾

 

(سورة النساء)

 الإمام الشافعي قال: " أولي الأمر هم الأمراء والعلماء معاً "، العلماء يعلمون الأمر، والأمراء ينفذون الأمر.
 الآن دقق:

 

﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ﴾

 إذا نشأت مشكلة، وكانت وجهات نظر مختلفة حول موضوع معين، إلهنا وربنا وخالقنا، وهو الذي شرع لنا هذا الدين قال:

 

 

﴿فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾

 ارجعوا إلى كلام الله، وإلى كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، هل تصدق، وتقبل عقلاً أن يحيلك الله إلى جهتين لتستمد منهما تشريعاً يغطي هذه الحالة المستجدة دون أن تجد شيئاً ؟ مستحيل وألف ألف مستحيل، حضرت مؤتمراً قبل أسبوعين في دمشق حول القضايا الفقهية المعاصرة، الذي لفت نظري أن العلة ليست في الإسلام، ولكن في المسلمين، ما من معضلة يعاني منها المسلمون إلا ولها تشريع رائع في أصل ديننا.
 المذيع:
 لكن قد يخالف هوى البعض.
 الأستاذ:
 طبعاً العلة في المسلمين لا في الإسلام، مثلاً: التأمين من منا يظن أن الله في كتابه حضنا على التأمين ؟ التأمين التعاوني، التأمين التعاوني ليس مباحاً بل مندوباً، بل نحن مأمورون به، بينما التأمين التجاري استغلال، الآن أكبر الشركات الضخمة في العالم شركات تأمين، لأنها تعتمد على الاحتمالات، أما لو أن ألف تاجر مثلاً مستورد وضع كل واحد في الصندوق ألف مليون، خمسمائة ألف، مئة ألف، مبلغ ضخم، أي إنسان أصابته نازلة يأخذ من هذا الصندوق، هذا الصندوق فلنا جميعاً، لو لم يصب أحد النازلة لتقاسمنا هذا المبلغ، واستثمرناه في مشروع تجاري، أو صناعي، أو زراعي، هذا تأمين تعاوني مندوب إليه، تحل مشكلاتنا بالمصرف الإسلامي، والتأمين التعاوني، ما من قضية معضلة إلا ولها غطاء شرعي، ولكن العلة ليست في الإسلام، بل في المسلمين.
 أيعقل أن ينزّل الله على رسوله قرآناً، ويكلف النبي صلى الله عليه وسلم أن يشرحه، وهو المعصوم، وهذا التشريع والمنهج لا يغطي حاجاتنا إلى يوم القيامة ؟ إنه تشريع الله عز وجل، بل إني أعتقد أنه ما مشكلة على وجه الأرض إلا بسبب خروج عن منهج الله، وما من خروج عن منهج الله إلا بسبب الجهل، والجهل أعدى أعداء الإنسان والجاهل يفعل في نفسه مالا يستطيع عدوه أن يفعله به، الجاهل عدو نفسه، الإنسان آلة معقدة جداً تعقيدَ إعجاز لا تعقيد عجز، ولهذه الآلة صانع حكيم، وهذا الصانع الحكيم له تعليمات الصيانة، فأنت انطلاقاً من حرصك على سلامة هذه الآلة، وعلى حسن مردودها، لابد من أن تتبع تعليمات الصانع، هذا هو الحق، بل إن المنهج الإلهي موضوعي، بمعنى أنه لو طبقه ملحد لقطف ثماره.
 المذيع:
 لقطف ثماره في الدنيا فقط، لأنه لا يؤمن، الإيمان شرط أساسي.
 الأستاذ:
 وهذا ما يلفت نظر الزائرين إلى بلاد الغرب، تجد أن كل إيجابياتها إسلامية، هم بذكائهم توصلوا أن هذا منهج مناسب للدين، كل إيمانيات بعض الدول إسلامية دون أن يشعروا، هم يعبدون المال من دون الله، ولأنهم يعبدون المال طبقوا منهج الله دون أن يشعروا، لأن هذا منهج موضوعي، كل من طبقه يقطف ثماره في الدنيا، لأن المؤمن كما تفضلت يقطف ثماره في الدنيا وفي الآخرة، فالتجديد يعني أن ننزع من الدين كل ما علق به مما ليس منه بالضبط، أما أن نضيف شيئاً فهذا اتهام له بالنقص، أما أن نحذف شيئاً فهذا اتهام له بالزيادة، هذا هو أصل الدين.
 المذيع:
 الشرع من مقومات الأمانة التي حملها الإنسان، سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حديثه عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:

 

(( الْحَلَالُ بَيِّنٌ، وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ، لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ... ))

(صحيح البخاري)

 هنا المفصل إذا صح التعبير، هذه الشبهات أو هذه المتشابهات التي لا يعلمها كثير من الناس.
 الأستاذ:
 يعلمها قلة من الناس والعلماء، والله عز وجل يقول:

 

﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43)﴾

 

(سورة النحل)

 وهو القرآن، هناك مرجعية.
 بالمناسبة لابد للمؤمن من مرجعية، الفرق الواضح بين حياة المؤمن وحياة غير المؤمن أن المؤمن له مرجع، كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن يعلمه، أما غير المؤمن فليس له مرجعية، يخطئ أخطاء فادحة جداً، يكون تدميره في تدبيره، قد يدفع الثمن باهظاً، قد يتعلم درساً بليغاً لا ينتفع به إطلاقاً.
 مثلاً: لو رأيت كرة قلت: هذه الكرة في جنوب لبنان، يا ترى قنبلة أم غير قنبلة ؟ لو أردت أن تعرفها بنفسك، وليس لك خبرة بالقنابل قد تنفجر، ولثانية واحدة تعلم أنها قنبلة، لكن لن تدع وقتاً في حياة الإنسان كي ينتفع من هذا الدرس، هذه مشكلة العالم اليوم، المنهج الإلهي منهج واضح جداً، يعطي ربنا جل جلاله حقائق أساسية، فالذي أعرض عن هذه الحقائق دفع الثمن باهظاً، فما كل درس ينتفع به، قد يعلم الإنسان علماً يقينياً بعد فوات الأوان، هذا ينقلني إلى حقيقة خطيرة جداً هو أنك مخير في مليون موضوع خيار قبول أو رفض، إلا في الإيمان فهو خيار وقت، هذا البيت لا يعجبك فترفضه، هذه الفتاة لا تعجبك فترفض الزواج منها، هذه الوظيفة ترى دخلها قليلاً، هذه السفرة تراها غير رابحة فترفضها، أما الإيمان فلا يمكن أن ترفضه، والدليل أن أكفر كفار الأرض فرعون حينما أدركه الموت قال:

 

﴿قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ﴾

 

(سورة يونس)

 إذًا أكفر كافر آمن، هذا يعني أن الإيمان لا بد منه، لكن إما أن تؤمن قبل فوات الأوان فتنتفع بإيمانك، وإما أن تؤمن بعد فوات الأوان فلا تنتفع بإيمانك، فقضية الخيار مع الإيمان قضية وقت فقط.
 المذيع:
 وهنا ننتقل إلى مقوّم مقومات أخرى من حمل الأمانة، ألا وهو الزمن، وهو عامل أساسي.
 الأستاذ:
 الإنسان بضعة أيام، وكلما انقضى يوم انقضى بضع منه، حقيقته زمن، فكلما مضت ثانية أخذت هذه الثانية من عمره، فكل مخلوق يموت، ولا يبقى إلا ذو العزة والجبروت، والليل مهما طال فلا بد من طلوع الفجر، والعمر مهما طال فلا بد من نزول القبر،

 

وكل ابن أنثى وإن طالت سلامته  يومًا على آلة حدباء محمول
فإذا حــملت إلى القبور جنازة  فاعلم بأنك بعدها محمـول

 وما من يوم ينشق فجره إلى وينادي: يا ابن آدم أنا خَلق جديد، وعلى عملك شهيد، فتزود مني، فإني لا أعود إلى يوم القيامة، أنت زمن، رأس مالك هو الزمن، أثمن شيء تملكه هو الزمن، الزمن وعاء عملك، وهذا الزمن له إنفاقان، إنفاق استهلاكي، وإنفاق استثماري، أنا حينما آكل، وأشرب، وأنام، وأرتاح، وأذهب إلى مكان جميل، ثم يأتيني الوقت، أكون قد أنفقت الوقت إنفاقاً استهلاكياً، لذلك يندم الإنسان أشد الندم حينما يأتيه ملك الموت

 

﴿ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً ﴾

[المؤمنون]

 أما المؤمن فينفقه إنفاقاً استثمارياً، يفعل في الزمن عملاً ينفعه بعد مضي الزمن، من هنا كانت هناك سورة عن الزمن، وهي سورة قصيرة، قال عنها الإمام الشافعي: " لو تدبر الناس هذه السورة لكفتهم، قال تعالى:

 

﴿وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا﴾

 

(سورة العصر)

 أقسم الله بمطلق الزمن لهذا المخلوق الضعيف، الذي هو في حقيقته زمن، جواب القسم: أنت أيها الإنسان خاسر لا محالة، ما معنى الخسارة هنا ؟ أي إن مضي الزمن يستهلكك، ماذا أفعل لتلافي هذه الخسارة ؟

 

﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا﴾

 عرف الله معرفة كافية كي يطيعه، إبليس قال: ﴿ فَبِعِزَّتِكَ ﴾، آمن به عزيزاً، وإبليس قال: ﴿ خَلَقْتَنِي ﴾، آمن به خالقاً، إبليس قال: ﴿ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾، آمن باليوم الآخر، ومع ذلك فهو إبليس، أما الإيمان الذي يحملك على طاعة الله فهو الإيمان المقصود، الإيمان العملي الذي حملك على طاعته، ومنعك من أن تقترف إثماً، أو أن تأكل مالاً حراماً، أو أن تعتدي على عرض.

 

 

﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾

 الآن:

 

 

﴿وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ﴾

 هذا الحق إن لم نتواصَ به ضيقت عليه دوائر الباطل، فنحن بمقولة: نكون أو لا نكون، فإن لم نتواصَ بالحق ضيقت عليه دوائر الباطل، وأنهته، فنحن نتواصى بالحق لا للنماء، بل للمحافظة على الوجود، فلابد من دعاة كبار، ولابد من أن يدعو كل مسلم إلى الله عز وجل بطريقة أو بأخرى، ولهذا الموضوع إن شاء الله تفصيلات نتابع إن شاء الله قريبا.
 المذيع:
 غداً ـ إن شاء الله ـ سنتابع هذا الأمر، وأمر الدعوة، كيف ندعو إلى حمل هذه الأمانة التي فصلنا مقوماتها، والزمن، نتابع الوقوف عند سورة العصر، والعصر هنا أشكل على بعض العلماء تفسيرها، على أنها مطلق الزمن.
 الأستاذ:
 مضي الزمن وحده يستهلك الإنسان خسارته، أنت بضعة أيام، كلما انقضى يوم انقضى بضع منك، أما الحفاظ على قيمة الزمن فأن نفعل في الزمن عملاً ينفعنا بعد مضي الزمن، هنا قاعدة، هناك خط، أي عمل تعمله هل ينفعك في الدنيا أم في الآخرة ؟ إن نفعك في الدنيا فلا قيمة له، لأن الدنيا زائلة، أما إن نفعك في الآخرة فهو العمل الثمين، لذلك يقول الإمام علي كرم الله وجهه: " الغنى والفقر بعد العرض على الله ".
 المذيع:
 فرعون آمن في هذا الوقت، نعلم من هو الغني، ومن هو الفقير.
 الأستاذ:
 أجمل مقولة للإمام علي كرم الله وجهه يقول: " والله لو كشف الغطاء ما ازددت يقيناً "، يقينه قبل كشف الغطاء كيقينه بعد كشف الغطاء، لأن الله عز وجل يقول:

 

 

﴿فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22)﴾

 

(سورة ق)

 فرعون آمن بالذي آمنت به بنو إسرائيل، المقولة الثانية: " والله لو علمت أن غداً أجلي ما قدرت أن أزيد في عملي "، لشدة اجتهاده، لو علم أن غداً أجله لن يستطيع أن يزيد في عمله.
 المذيع:
 نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أتوجه إليكم بالشكر فضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي، أشكر الإخوة المستمعين لحسن إصغائهم ومتابعتهم، نلتقي غداً على خير بإذن الله تعالى: والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور