وضع داكن
19-04-2024
Logo
ندوات الإعجاز العلمي - الندوة : 14 - تيارات البحار.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾

[ سورة الذاريات : 21]

 السماء ، البرزخ ، النحل ، الأرض ، ظلمات الفضاء ، الكون ، النمل ، الكواكب، دقة الإنسان . التفكر في الخلق والكون حوارات مع الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي من علماء دمشق يجريها عبد الحليم قباني .
المذيع :
 الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على رسولنا الكريم .
 كما ذكر في كتاب الدكتور محمد راتب النابلسي : " الإعجاز العلمي في الكتاب والسنة " نتلوه على مسامعكم : الكون قرآن صامت ، والقرآن كون ناطق ، والنبي صلى الله عليه وسلم قرآن يمشي ، فالكون كله يترجم آيات القرآن ، والقرآن يجسد حقائق الكون ، والنبي صلى الله عليه وسلم يجسد القرآن بخلقه ، فقد كان خلقه القرآن ، فالكون يظهر عظمة الخالق .
 وكما قال الإمام الشافعي : " كلما ازددت علماً ازددت علماً بجهلي " ، أي نزداد علماً من خلال هذه الحلقات ، ومع فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي الأستاذ المحاضر في جامعة دمشق ، والخطيب والأستاذ الديني والمحاضر في مساجد دمشق . أهلاً وسهلاً بكم يا سيدي .
 هناك أمور لا نشعر بها مع علمنا بوجودها ، ففي البحار تيارات لا نشعر بها إلا إذا تعرّضنا لها ، نريد توضيحاً علمياً عن هذه التيارات في البحار ؟

 

التوضيح العلمي لتيارات البحار :

الدكتور راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
 أستاذ عبد الحليم ، كما تفضلت هناك أشياء كثيرة جداً لا نعرفها ، يؤكد هذا المعنى قول الله عز وجل :

﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ * وَمَا لَا تُبْصِرُونَ ﴾

[ سورة الحاقة : 38-39]

 ففي الذي لا نبصره آيات نيّرات دالة على عظمة الله عز وجل ، فلو أن إنساناً نزل إلى البحر ليستحم في مياهه فإن قطرات الماء التي تمس جلده ربما تكون قد وصلت من توّها بعد رحلة استغرقت عدة سنوات ، لأن الماء في البحر يجري في تيارات من خط الاستواء إلى القطبين ، ومن القطبين إلى خط الاستواء ، وقد يقطع ماء البحر مسافة تزيد على خمسة عشر ألف كيلو متر ، فهذا الماء الذي تجده في البحر ماء متبدّل يقطع رحلات طويلة ، بعضها إلى الشمال ، وبعضها إلى الجنوب ، وبعضها إلى الشرق ، وبعضها إلى الغرب ، وهناك قوانين معقدة جداً تحكم حركة المياه في المحيطات ، ولكن الذي يعنينا أن سبب هذه الحركة في أصلها أن أشعة الشمس تسخن الماء الذي في خط الاستواء فيتمدد ، فيرتفع قرابة عشرين سنتيمتراً ، وهذا الارتفاع الطفيف يساهم في تشكيل تيار نحو الشمال ، وأن الماء في القطبين يبرد ، ومع برودته يسكن ، فيغوص في الأعماق ، ويتجه نحو خط الاستواء ، فهناك تيارات سطحية وتيارات عميقة .
 هذه مقدمة نريد من خلالها أن نصل إلى أن من آيات الله الدالة على عظمته تياراً يسميه العلماء تيار الخليج ، هذا التيار- أستاذ عبد الحليم - سرعته ثمانية كيلو متر في الساعة ، فإذا دخلت فيه سفينة ، وأطفأت محركاتها فإنها تسير ثمانية كيلو متر في الساعة ، دون أن تعمل محركاتها ، عرض هذا التيار يزيد على ثمانين كيلو متراً ، وعمقه يزيد على أربعمئة و خمسين متراً ، وهذا التيار كثافته أربعة ملايين طن من الماء في الدقيقة .
 قلت في حلقة سابقة : إن أضخم نهر في العالم هو نهر الأمازون ، كثافته ثلاثمئة ألف متر مربع في الثانية ، أما حركة هذا التيار في عمقه وعرضه وسرعته فتساوي كثافته أربعة ملايين طن من الماء في الدقيقة ، ماذا يفعل هذا التيار ؟ هذا التيار يذيب مئة و ثلاثين ألف طن من الكتل الثلجية في القطبين في عشرة أيام ، إذاً هذا التيار له مكان محدد ، وله مسار محدد من خط الاستواء إلى الشمال ، بل إن بلاد السويد والنروج والدانمارك جوّها معتدل ولطيف من تيار الخليج ، ولهذا التيار فوائد لا تعد ولا تحصى ، من هذه الفوائد كما قلت قبل قليل : إنه يجعل المنطقة الباردة في أوربا منطقة معتدلة ، وهذه الأجواء اللطيفة في دول إسكندنافيا سببها تيار الخليج ، هذا من تيارات السطح ، وقد سمعت أن بعض سباقات السباحين في بحر المانش يستخدمون هذا التيار لصالحهم ، وهناك تيارات تجري في أعماق البحر على عمق ثلاثة آلاف متر ، وقد استخدمت الغواصات في الحروب العالمية هذه التيارات العميقة تطفئ محركاتها لئلا يكتشفها الرادار ، والغواصات إذا أطفأت محركاتها تنتقل من مكان إلى آخر عبر هذا التيار ، وهذا شيء يلفت النظر ، لكن الآية الثانية الدالة على عظمة الله عز وجل في هذا الموضوع هي أن هناك تياراً بارداً - وهذا شيء دقيق جداً - يتجه نحو شواطئ أمريكا الجنوبية ، ليصل إلى بلاد البيرو والشيلي .

 

فوائد التيار البارد الذي يأتي إلى شواطئ أمريكا الجنوبية :

 ماذا يفعل هذا التيار ؟ هذا التيار يحمل كميات كبيرة من الأعشاب البحرية ، وهذه الأعشاب البحرية تجتذب أعداداً فلكية من أسماك السردين ، هذه الأسماك هي غذاء لعشرات الملايين من طيور تعيش على شواطئ هذه البحار ، اسمها غراب البحر ، وهذه الطيور - وهنا الشاهد - لها مخلفات تعد المادة الأولى لدخل تلك الشعوب ، لأن أرقى أنواع الأسمدة في العالم من مخلفات الطيور هذه الأسمدة من خمسين مليون طائر ، تؤخذ مخلفاتها بالجرافات، وتصدر إلى شتى أنحاء العالم ، وهذه الأمم والشعوب في شواطئ أمريكا الجنوبية دَخْلها الأول والأخير من مخلفات هذه الطيور التي تعيش على أسماك السردين التي تجتذبها الأعشاب التي يحملها هذا التيار إلى هناك ، وهذا من رزق الله عز وجل .
المذيع :
 إذاً سبحان الله ! هنا رزقت الأسماك من خلال هذا التيار ، ورزقت الطيور ، ومن ثم رزق الإنسان .
الدكتور راتب :
 تَلْتَهِم هذه الطيور التي تسمى غراب البحر في العام الواحد بتقدير العلماء ما يزيد على ثلاثة ملايين طن من هذه الأسماك ، وهذه الأسماك تجتذب إلى هذا المكان بفعل الأعشاب التي يحملها هذا التيار ، ولحكمة يريدها الله عز وجل أنه يغير مسار هذا التيار من حين لآخر، فإذا غير مساره لم يأتِ بهذه الأغذية لهذه الأسماك فتموت ، وتموت معها الطيور ، وعندئذٍ تعاني الشعوب من سكان شواطئ أمريكا الجنوبية من حين إلى آخر مجاعات قاتلة بسبب ضعف الإنتاج ، أليست هذه آية دالة على أن الله هو الرزاق ذو القوة المتين ؟ يسوق هذا التيار بما فيه من أعشاب مغذية ، وتأتي هذه الأسماك بأرقام فلكية ، فتستهلك منها الطيور ثلاثة ملايين طن في العام ، وهذه الأسماك هي طعمة الطيور ، والطيور لها مخلفات ، ومخلفاتها تعد من أرقى أنواع الأسمدة تصدر إلى مختلف أنحاء العالم ، فيكاد دخل هذه الشعوب ينحصر في مخلفات الطيور ، وهذا من بركات هذا التيار البارد الذي يأتي إلى شواطئ أمريكا الجنوبية .
المذيع :
 إذاً فضيلة الدكتور ، ما دمنا نتحدث عن تيار الخليج البحري ، أو تيارات البحار فلا بد من أن نسأل عن مكونات البحار ، ما يميز البحار عن الأنهار ؟ ملوحة البحار ، نسأل عن هذا المكون فعلاً ؟

 

ملوحة البحار من آيات الله الدالة على عظمته :

الدكتور راتب :
 يمكن أن نضيف إلى آيات الله الدالة على عظمته ملوحة البحار ، فهذا البحر يقول عنه العلماء : إن في كل لتر واحد من ماء البحر سبعةً وعشرين غراماً من الملح ، في كل لتر واحد من ماء البحر سبعةٌ وعشرون غرامًا من الملح- في العبارة الأولى قلت : إنّ ، فجاءت سبعةَ ، أما إذا جعلتها جملة اسمية فتأتي سبعةٌ وعشرون غرامًا من الملح- وإن العالم بأسره يستهلك في السنة ما يزيد على خمسين مليون طن من ملح البحر ، وإن نسبة الملح في مياه البحر تعادل ثلاثةً ونصفاً بالمئة من مجموع مياه البحر ، بل إن في الكيلو متر المكعب ، الكيلو متر المكعب ضلعه كيلو متر ، طولاً ، وعرضًا ، وارتفاعًا ، بل إن في الكيلو متر المكعب من مياه البحر أربعةً وثلاثين مليون طن من الملح ، كمية كبيرة جداً .
 بعض العلماء أجرى حساباً لطيفاً ودقيقاً ومدهشاً ، قال : لو استخرج ملح البحر وجفف ، ووضع على اليابسة ، على قارتها الخمس ، ولم نغادر مكاناً إلا فرشناه بملح هذا البحر المستخرج لبلغ ارتفاع الملح المجفف على سطح اليابسة كلها ، بكل قارتها ، وجبالها ، وسهولها، ووديانها ، وأغوارها ثلاثةً وخمسين متراً .
المذيع :
 إنها كمية كبيرة جداً ، فضيلة دكتور ، قد يسأل سائل : مِن أين يأتي الملح ؟ نرى نحن الأمطار تأتي من السماء ، فنعلم أن الماء يأتي من السماء ، ولكن الملح من أين تأتي هذه الكمية الكبيرة ؟

نظرية ملوحة البحار تتحرك في طريق مسدود :

الدكتور راتب :
  لا تزال نظرية وجود الملح في البحار نظرية مختلف فيها ، والعلماء في هذا الموضوع أدلوا بآراء متعددة ، لكن لا يزال الحسم غير موجود ، من أين جاءت هذه الكمية الكبرى من ملح البحار ؟ طبعاً ملح البحار هو كلور الصوديوم ، وكما قلت قبل قليل : إن في البحار من الملح ما يساوي أربعة ملايين ونصف ميل مكعب ، الميل غير الكيلو متر ، الميل ألف وستمئة متر ، إذا عددنا أن الميل المكعب هو مكعب ضلعه ألف وستمئة متر في ملح البحر ما يساوي أربعة ملايين ونصف ميل مكعب من هذا الملح ، طبعاً هذه أرقام دقيقة جداً ، ومأخوذة من بحوث علمية رصينة ، من أين جاء هذا الملح ؟ وكيف وضع في البحر ؟ هناك نظريات كثيرة ، بعضها يقول : إن في قيعان البحار صخوراً ملحيةً تفتت ، وذابت في هذا الماء، بعضهم يقول : إن السبب مياه الأنهار ، كل هذه النظريات التي تحاول أن تفسر ملوحة مياه البحر تجد الطريق مسدوداً ، لسبب بسيط هو أن في الأرض عدداً كبيراً من البحيرات العذبة ، فإذا كانت مياه الأنهار وحدها كافية لتمليح مياه البحار ، فلماذا بقيت هذه البحيرات الضخمة عذبة حلوة المذاق ، وهي أشبه ما تكون ببحار صغير ؟ مئات الملايين من السنين ، وتبقى عذبة ؟! إذاً هذا من تصميم الخالق ، كما قلت قبل قليل : إن نظرية ملوحة البحار لا تزال تتحرك في طريق مسدود ، فكلما وضع تفسير جاء تفسير آخر نقضه ، ذلك لأن الله عز وجل يقول :

﴿ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً ﴾

[ سورة الإسراء : 85]

﴿ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ﴾

[ سورة البقرة : 255]

 بل إن هناك آية حاسمة في هذا الموضوع :

﴿ مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ﴾

[ سورة الكهف : 51 ]

 مثل هذه الموضوعات هي تكهنات لا أكثر ولا أقل ، ملوحة البحار يمكن أن يكون لها أهداف كبيرة ، من هذه الأهداف أن المياه إذا كانت عذبة وساكنة أصبحت المياه فيها آسنةً ، أما هذه الحركة الدائرة في مياه البحر ، وهذه الملوحة العالية جداً في مياه البحر ، تبقي مياه البحر سليمة نقية طاهرة غير متغيرة في بنيتها وتركيبها .

 

الماء العذب الفرات من آيات الله الدالة على عظمته :

 العجب العجاب أن الإنسان يركب البحر ، وقد يموت عطشاً وهو فوق كمٍ من المياه لا يتصورها العقل ، اليابسة كلها بقاراتها الخمس تساوي 20 % من سطح الأرض ، وفي البحار أعماق بعيدة جداً ، أعمق نقطة في مياه البحار هي خليج مريانا في المحيط الهادي ، العمق هناك يصل إلى اثنا عشر ألف متر ، أعلى نقطة على سطح الأرض قمم جبال هملايا ، وأخفض نقطة على سطح الأرض خليج مريانا في المحيط الهادي ، لو جئنا بكرة قطرها متر ، ومثلنا أعلى نقطة على هذه الكرة تساوي علو أعلى نقطة في الجبال ، ومثلنا أخفض نقطة في أعماق البحار لما كان الارتفاع والانخفاض يزيد على سنتمتر واحد ، وهذا من آيات الله الدالة على عظمته ، ثم إن الله عز وجل يدفعنا إلى أن نفكر ، قال :

﴿ أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ ﴾

[ سورة الواقعة : 68-70]

 والبحر مالح ، لكن الإنسان بحاجة إلى ماء عذب ، فمن جعل هذا الماء المالح الذي كان أجاجاً عذباً فراتاً ؟ بلغني أن معامل تحلية المياه في بعض البلاد العربية تزيد كلفة اللتر الواحد على ثمن البنزين ، فأنت حينما تجد ماءً عذباً فراتاً سائغاً للشاربين هذه نعمة لا تعد ولا تحصى ، لأن الله يقول كما قلت قبل قليل :

﴿ أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ ﴾

[ سورة الواقعة : 68-70]

خاتمة و توديع :

المذيع :
 إذاً آية أخرى ، هذه البحار ما كان لها أن تكون لولا الله سبحانه وتعالى ، حينما خلق الله الأرض جعل لها أحواضاً كبيرة ، إذا أراد الإنسان أن يقف أمام عظمة الله سبحانه وتعالى فهذا الكون أمامه بأرضه وسمائه وبحاره .
 أيها الأخوة والأخوات ؛ سنتابع هذه الحلقات مع الدكتور محمد راتب النابلسي ، نستودعكم الله ، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور