وضع داكن
23-04-2024
Logo
الخطبة : 0408 - سلسلة الأخلاق12 ، شمائل النبي.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى:
 الحمد لله ثمّ الحمد لله ، الحمد لله الذي هدانا لهذا ، وما كنّا لِنَهْتَدِيَ لولا أن هدانا الله ، وما توفيقي ولا اعتصامي ولا توكّلي إلا على الله ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقرارًا لرُبوبيَّته ، وإرغامًا لمن جحد به وكفر ، وأشهد أنّ سيّدنا محمّدًا صلى الله عليه وسلّم رسول الله سيّد الخلق والبشر ، ما اتَّصَلَت عين بنظر ، وما سمعت أذنٌ بِخَبر ، اللَّهمّ صلّ وسلّم وبارك على سيّدنا محمّد ، وعلى آله وأصحابه ، وعلى ذريّته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدّين، اللَّهمّ ارْحمنا فإنّك بنا راحِم ، ولا تعذّبنا فإنّك علينا قادر ، والْطُف بنا فيما جرَتْ به المقادير ، إنَّك على كلّ شيءٍ قدير ، اللّهمّ علّمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علّمتنا ، وزدْنا علمًا ، وأرنا الحقّ حقًّا وارزقنا اتّباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممَّن يستمعون القول فيتّبعون أحْسنه ، وأدْخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .

النبي الكريم سيِّدُ الأنبياء والرُّسل والمعصوم في أقواله وأفعاله وأحواله :

 أيها الأخوة الأكارم ؛ لازلنا في شهر المولد ، ولازلنا في موضوع مَوْلد النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد كانت ثلاث خُطب كلّها تتحدّث على أنّ الاحتفال الحقيقيّ بِعيد المولد يعني التأسِّي به صلى الله عليه وسلّم ، وجَعْل سنَّته حيَّةً بين أظهرنا ، وتطبيق أقواله ، والاقتداء بأفعاله ، حتى نستطيع أن نرقى إلى المستوى الذي أراده الله لنا .
 يا أيها الأخوة الأكارم ؛ النبي صلى الله عليه وسلّم هو سيِّدُ الأنبياء والرُّسل والمعصوم في أقواله وأفعاله وأحواله ، المُشَرِّع ، الذي أوْجَب الله منا أن نأخذ منه كلّ ما أمرنا به، وأن ندع كلّ ما نهانا عنه ، بعضهم قدَّمهُ صلى الله عليه وسلّم ، قدَّم كتابًا يتحدَّث فيه عن شمائله ، فخاطَبَ النبي عليه الصلاة والسلام قال : " يا من كانت الرحمة مُهجتهُ ، والعدْلُ شريعته ، والحبّ فِطرتهُ ، والسُّموّ حِرفته ، ومشكلات الناس عبادته ".

توجيهات النبي صلى الله عليه وسلّم فيما يتعلّق بالرّحمة :

 أيها الأخوة الأكارم ؛ من توجيهات النبي صلى الله عليه وسلّم ، فيما يتعلّق بالرّحمة ، قال عليه الصلاة والسلام فيما رواه عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

((الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمْ الرَّحْمَنُ ، ارْحَمُوا أَهْلَ الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ أَهْلُ السَّمَاءِ ، وَالرَّحِمُ شُجْنَةٌ مِنْ الرَّحْمَنِ مَنْ وَصَلَهَا وَصَلَتْهُ وَمَنْ قَطَعَهَا بَتَّتْهُ))

[الترمذي عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ]

 ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ، وفي الحديث القدسي : " إذا أردتم رحمتي فارحموا خلقي " هذه تَوجيهات النبي ، وكلٌّ مِنَّا يُدركُ بالفِطرة ماذا تعني كلمة الرحمة ؟ أحيانًا تُطَمْئِن ، أحيانًا تُمِدّ بالمال ، أحيانًا تُزيل الخوف ، أحيانا تُواسي ، أحيانًا تزور ، أحيانًا تعاوِن ، أيُّ شيءٍ يُريحُ الإنسان هو رحمة ، قد تواسيهِ بابْتِسامتك ، قد تواسيهِ بلِسانِك ، قد تواسيهِ بِمَالك ، قد تواسيهِ بِشَخصك ، وبزِيارتك ، الراحمون يرحمهم الله ، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ، وفي الحديث القدسي :

((إذا كنتم تحبون رحمتي فارحموا خلقي))

[ الديلمي عن أبي بكر]

 وكلّ الخلق الذين بين يديك هُم أمانة في عنقك ، وربّهم الله ، وسيسْألُكَ عنهم واحدًا واحدًا ، ما من إنسانٍ يتولّى أمْر عشرةٍ فما فوق ذلك ، إلا وله حِسابٌ خاصّ ، هل ضيّعْتَ هؤلاء ؟ هل نصَحْتهُم ؟ هل غشَشْتَهم ؟ هل قدَّمْت لهم خيرًا ؟ هل أخذْتَ مما في أيديهم ؟ هل أعْطَيْتهم ؟ النبي عليه الصلاة والسلام جاءه رجل قال : يا رسول الله جئتُ أُبايِعُك على الهِجرة ، وتركْتُ أبوايَ يبكيان ، فيُجيبُه النبي صلى الله عليه وسلّم :

((اِرْجِع إليهما فأضْحِكهما كما أبْكَيتهما))

[ النسائي عن عبد الله بن عمرو]

 عند النبي عليه الصلاة والسلام الرحمة عِبادة ، بل هي في قِمّة العبادات ، اِرْجِع إليهما فأضْحِكهما كما أبْكَيتهما ، ويسأله رجلٌ آخر ؛ يا رسول الله إنَّني أشْتهي الجهاد ولا أقدر عليه ، فيُجيبُ عليه الصلاة والسلام : هل بقي من والدَيْك أحد ؟ فقال : نعم ، أُمّي ، قال عليه الصلاة والسلام :

((قابِلِ الله في بِرِّها ، فإذا فَعَلْت فأنت حاجّ ومعتمر ومجاهد))

[كنز العمال عن أنس]

كلّ خيرٍ يجُرّ إلى خَيْر أوْسَع منه :

 الرحمة عند رسول الله ترقى إلى مستوى العبادات ، إلى مستوى الجهاد ، إلى مستوى الهجرة ، إلى مستوى الحجّ ، إلى مستوى العمرة .
 النبي عليه الصلاة والسلام جاءهُ أحدُ أصحابه ، وهو سيّدنا أبو ذرّ الغفاري ، قال: " يا رسول الله ماذا يُنجِّي العبْد من النار ؟ فقال عليه الصلاة والسلام : الإيمان بالله - لأنّك إذا آمنتَ بالله اسْتقام عملك ، فإذا استقام عملك اسْتَحققْتَ دُخول الجنّة ، ونَجَوْتَ من النار ، كلامٌ مختصرٌ مفيد - قال : يا نبيّ الله أَمَعَ الإيمان عمل ؟ قال : أن تُعْطِيَ مِمَّا أعطاك الله ، قال : يا نبيّ الله فإن كان فقيرًا لا يجد ما يعطي ؟ قال : يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، قال : قلتُ : فإن كان لا يستطيع أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ؟ قال : فلْيُعِن الضعيف ، قلتُ : يا رسول الله أرأيْتَ إن كان لا يُحسن ما يصْنع ؟ عندها قال عليه الصلاة والسلام : فلْيُعِن مظلومًا ، قلتُ يا رسول الله : فإن كان ضعيفًا لا يستطيعُ أن يُعين مظلومًا ، عندئذٍ قال عليه الصلاة والسلام : أما تريد أن تتْركَ لِصاحِبِكَ من خير ؟! - من هذا الذي تسألني عنه ؟! لا يستطيعُ شيئًا ، لا أن يأمر بالمعروف ، ولا أن ينهى عن المنكر ، ولا أن يعين الضعيف ، ولا أن يعين مظلومًا ، ولا أن ينفق ممّا أعطاه الله ، من هذا الإنسان ؟ - عندئذٍ قال عليه الصلاة والسلام : لِيُمسِك أذاه عن الناس ، قلتُ يا رسول الله : أوَ إِنْ فعَلَ هذا يدْخُل الجنّة ؟ - هنا الإجابة الرائعة - قال عليه الصلاة والسلام : ما من عبْدٍ مؤمنٍ يُصيبُ خصْلةً من هذه الخِصال إلا أخذَتْ بيَدِهِ حتى تُدْخلهُ الجنّة ".
 النقطة الدقيقة في هذا الحديث أنَّ كلّ خيرٍ يجُرّ إلى خَيْر أوْسَع منه ، وكلّ عملٍ طيِّبٍ يجُرّ إلى عملٍ أطْيَب ، وكلّ استقامةٍ تجرّ إلى استقامةٍ أدقّ ، وكلّ بذْلٍ يجرّ إلى بذْلٍ أوْسَع ، فالإنسان متحرّك ، فإذا تقدَّم خطوةً نحو الحق ، هذه الخطوة دَفَعتهُ إلى خطوات ، فالطريقة الفاعلة في الدِّين ، أنت إذا غَضَضْت بصركَ عن محارم الله ، بعد ذلك تضْبط لِسانك، وبعد اللِّسان تضبط مشاعرك ، وبعد المشاعر تفْنى في حبّ الله ، هناك رُقِيّ دائم .

 

الإسلام أخلاق و تَضْحيَة وقيم :

 في موضوع الرحمة ، عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

((مَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ))

[ ابن ماجه عن أبي هريرة]

 لك مع إنسان دَيْن ، ومعك سنَد لتضَعَهُ في مَوْضِعٍ صعْبٍ جدًّا ، وفي حديث آخر عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

((مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا أَوْ وَضَعَ لَهُ أَظَلَّهُ اللَّهُ فِي ظِلِّ عَرْشِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ))

[ أحمد عن أبي هريرة]

 الدِّينُ سُلوك ، الدِّينُ تَضْحِيَة ، والدِّينُ الْتِزام ، الدِّينُ معاوَنة ، والدِّين رحمة ، هذا هو الذي فقَدَهُ المسلمون ، بقيَ الدِّين عندهم صلاةً ، وصيامًا ، وحجًّا ، زكاةً ، وبقيَ الدِّينُ عندهم طُقوسًا ربما لا تعني شيئًا ، لا تَنْسَوا قَوْل النبي عليه الصلاة والسلام : " بني الإسلام على خمس " الإسلام شيء ، وهذه الدَّعائِمُ شيءٌ آخر ، بُنِيَ على الصلاة والصوم والزكاة والحجّ وشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، ولكنّ الإسلام شيءٌ آخر ، الإسلام بناءٌ ، وهذه دعائمُهُ ، فهل تُسَمَّى الدعائم بناء ؟ الإسلام أخلاق ، الإسلام مؤاثرة ، الإسلام تَضْحيَة ، الإسلام عطاء ، الإسلام قِيَم ، الإسلام التزام ، الإسلام حبّ ، الإسلام شَوق .

 

الرحمة باليتيم :

 لازِلنا في الرحمة ، فعَنْ سَهْلٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

((وَأَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا شَيْئًا))

[البخاري عَنْ سَهْلٍ]

 وأفضل بيتٍ بيت فيه يتيمٌ مكرم ، وكما قال عليه الصلاة والسلام :

((أوَّل من يمسكُ بِحِلَقِ الجنّة أنا فإذا امرأةٌ تنازعني تريد أن تدخل الجنّة قبلي ، فقلتُ : من هذه يا جبريل ؟ فقال : امرأة ماتَ زوجها وترك لها أيتامًا ، فلمْ تتزوَّج من أجلهم))

[ الأدب المفرد للبخاري ]

 حفْظًا لِحُقوقهم ، ورِعايةً لهم ، وعطفًا عليهم ، هذه تدخل الجنّة إما مع رسول الله ، أو قبل رسول الله ‍‍!! تُنازِعُه الجنّة ، قال : : من هذه يا جبريل ؟ فقال : امرأة ماتَ زوجها وترك لها أيتامًا ، فلمْ تتزوَّج من أجلهم ، هي معه في الجنّة . ويقول النبي عليه الصلاة والسلام :

((أيّما امرأة قعدَت على بيت أولادها فهي معي في الجنّة))

[ ورد في الأثر ]

 قعَدَت ، واسْتقرَّت في البيت ، ورعَتْ مصالحَهُم ، آنسَتْهُم ، واعْتَنَتْ بِشُؤونهم ، أما تلك التي ما إن تدخُل حتى تُغادر ، هذه لا يشملها حديث رسول الله ، أيّما امرأة قعدَت على بيت أولادها فهي معي في الجنّة .

 

الرحمة بالجار :

 أيها الأخوة الأكارم ؛ الجار ؛ لازلنا في موضوع الرحمة ، أتَدْرون ما حقّ الجار؟ إذا استعانَ بِكَ أعَنْتَهُ ، وإن اسْتَقْرضَكَ أقْرضْتَهُ ، وإن مرض عُدْتَهُ ، وإن أصابهُ خيرٌ هنَّأْتَهُ ، وإن أصابتْهُ مصيبةٌ عزَّيْتَهُ ، ولا تستَطِل عليه بالبناء فتَحْجُبَ عنه الرِّيح إلا بإذنه ، إن اشْتريْتَ فاكهةً فأَهْدِ له منها ، فإن لم تفعل فأدْخِلها سِرًّا ، ولا يخرج بها ولدُكَ لِيَغيظ ولدَهُ ، و لا تؤذِه بِقُتار قِدْرك إلا أن تغْرف له منها ".
 أيها الأخوة الأكارم ؛ قد يكون أحدكم في بَحبوحة من العَيش ، وله ابنٌ في المدارس ، في رياض الأطفال ، في الحضانة ، في الابتدائي ، فإذا أراد أن يُغدقَ عليه مِمَّا لذّ وطاب ، هذا الطّفل لا يعرف أمور الشَّرْع ، وقد يأكلها أمام زملائِهِ ، وهم مُشْتاقون إلى هذه الأكلة ، هذا لا يجوز في نصّ هذا الحديث الشريف ، أطْعِم ابْنَكَ كلّ شيءٍ في البيت ، فإذا أردْتَ أن يذْهب إلى المدرسة فأعْطِهِ مِمَّا عند الأطفال جميعًا ، وهذا من السنّة ، ولا يخرج بها ولدُكَ لِيَغيظ ولدَهُ ، ولا تؤذِه بِقُتار قِدْرك إلا أن تغْرف له منها .

 

الرحمة بالحيوان :

 حتى الحيوان ، فعَنِ الْحَسَنِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ :

(( رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَغْلَتَهُ وَأَرْدَفَنِي خَلْفَهُ ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا تَبَرَّزَ كَانَ أَحَبَّ مَا تَبَرَّزَ فِيهِ هَدَفٌ يَسْتَتِرُ بِهِ ، أَوْ حَائِشُ نَخْلٍ فَدَخَلَ حَائِطًا لِرَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ فَإِذَا فِيهِ نَاضِحٌ لَهُ ، فَلَمَّا رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَنَّ وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَسَحَ ذِفْرَاهُ وَسَرَاتَهُ فَسَكَنَ ، فَقَالَ : مَنْ رَبُّ هَذَا الْجَمَلِ ؟ فَجَاءَ شَابٌّ مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ : أَنَا ، فَقَالَ : أَلَا تَتَّقِي اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي مَلَّكَكَ اللَّهُ إِيَّاهَا فَإِنَّهُ شَكَاكَ إِلَيَّ وَزَعَمَ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ ؟ ثُمَّ ذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَائِطِ فَقَضَى حَاجَتَهُ ثُمَّ تَوَضَّأَ ثُمَّ جَاءَ وَالْمَاءُ يَقْطُرُ مِنْ لِحْيَتِهِ عَلَى صَدْرِهِ فَأَسَرَّ إِلَيَّ شَيْئًا لَا أُحَدِّثُ بِهِ أَحَدًا فَحَرَّجْنَا عَلَيْهِ أَنْ يُحَدِّثَنَا فَقَالَ : لَا أُفْشِي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِرَّهُ حَتَّى أَلْقَى اللَّهَ))

[أحمد عنِ الْحَسَنِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ]

اقتران الرحمة بالعدل عند النبي عليه الصلاة و السلام :

 هل بعد هذه الرحمة من رحمة ؟ رحمةٌ باليتيم ، رحمةٌ بالأرملة ، رحمةٌ بِكُلّ مخلوق، رحمةٌ بالأم ، رحمة بالأب ، رحمة بالجار ، رحمة بالمسكين ، رحمة بالفقير ، رحمة بالصديق ، رحمة بالعدوّ ، النبي عليه الصلاة والسلام قال : إنَّما أنا رحمةٌ مهداة ، ونعمةٌ مزجاة، والمؤمن إنَّ الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين ، المؤمن يهتدي بِهَدي النبي ، المؤمن يقتدي أثَرَ النبي ، المؤمن يتأسَّى بِفِعْل النبي ، النبي كلّه رحمة ، كلّه مودَّة ، ما سُئِلَ شيئًا فقال : لا ، ولولا التَّشهّد لكانت لامه نعَمُ .
 وكان عليه الصلاة والسلام مع هذه الرحمة الغامرة ، كان في أعلى مستوى العدل ، ترْوي كتُب السيرة أنَّ أعرابيًّا تقدَّم من النبي صلى الله عليه وسلّم وسألهُ مزيدًا من العطاء ، أعطاهُ النبي ، فقال هذا الأعرابي في غِلْظة : اعْدِل يا محمَّد ، فتبسَّم النبي صلى الله عليه وسلّم وقال : وَيْحَكَ مَنْ يعْدِل إن لم أعْدِل ! هو المعصوم .
 ذات يومٍ أرسلَ خادمًا في حاجةٍ قريبة ، فغابَ هذا الخادم غيابًا طويلاً فأخذ النبي الكريم به الغضب ، فلمَّا عاد هذا الخادم كان النبي يمسكُ بِسِواكٍ في يديه فلوَّح به في وجه الغلام ثم قال : والله لولا خوفُ القِصاص لأوْجَعْتُكَ بهذا السِّواك ، هكذا علَّمنا النبي ، علّمنا أن يقف الإنسان عند حُدود الله . يقول عليه الصلاة والسلام في هذا المجال ، مجال العدْل .

((اتَّقُوا الظُّلْمَ فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ))

[مسلم عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ]

(( اتقوا دعوة المظلوم ولو كان كافراً فإنَّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَينَ اللهِ حِجَابٌ ))

[ متفق عليه عن عبد الله بن عباس ]

 دعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام ، وتُفتَحُ لها أبواب السماء ، ويقول الله عز وجل : " وعِزَّتي وجلالي لأنْصُرَنَّك ولو بعد حين " الظلم ظلمات ، إيّاك أن تظلِمَ نفْسكَ فَتُبْقيها جاهلة ، إيّاك أن تظلمَ نفسكَ ، تسْمَحُ لها بِمُخالفة ، تسْمحُ لها بِمَعصيَةٍ ، أشدُّ أنواع الظُّلم أن تحْرِمَ هذه النَّفْس التي خُلِقَتْ لِتَسْعَدَ في أبد الآبدين ، إذا حرمْتها من الآخرة ، ومتَّعتها في الدنيا ، فأنت من أشدّ الناس ظلمًا ، إذا حرمتها حظَّها من الآخرة ، وحظّها الأبدي ، ومتَّعتها بِحَياةٍ قصيرة ، لذلك قال تعالى :

﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً﴾

[ سورة الكهف : 103-104]

 في موضوع العَدْل عن عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَنَسٍ وَحُمَيْدٌ الطَّوِيلُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

((انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا))

[البخاري عن عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَنَسٍ ]

 إذا رأيْتَ أخًا لك ظالمًا ، نصْرُكَ له أن تكفَّه عن الظُّلْم ، أن تحول بينه وبين الظّلم، أن تنْصحهُ ، أن ترشدَهُ ، أن تضْغَطَ عليه حتى لا يقعَ في شرّ عمله ، وعَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

((أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ فِي الدِّمَاءِ))

[البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ]

صون مشاعر الآخرين و التزود بالعلم :

 أيها الأخوة الأكارم ؛ العلم حارسٌ ، سيّدنا عليّ كرَّم الله وجهه يقول : " العلم خيرٌ من المال ، لأنَّ العلم يحْرسُك ، وأنت تحرس المال ، والمال تنقصُه النّفقة ، والعلم يزكو على الإنفاق ، يا كُمَيل ماتَ خُزَّان المال وهم أحياء ، والعلماء باقون ما بقي الدّهر ، أعيانُهُم مَفقودة وأمثالهم في القلوب مَوْجودة " .
وقال أيضاً : " الناس ثلاثة ؛ عالمٌ ربّاني ، ومستمعٌ على سبيل نجاة ، وهمَجٌ رعاع أتباع كلّ ناعق ، لم يستضيؤوا بِنُور العلم ، ولم يلْجؤوا إلى ركنٍ وثيق ، فاحْذَر يا كُمَيل أن تكون منهم ".
 أيها الأخوة الأكارم ؛ من باب العدْل والورَع أنَّ النبي عليه الصلاة والسلام وجَّهنا، فعَنْ هَمَّامٍ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

((لَا يُشِيرُ أَحَدُكُمْ عَلَى أَخِيهِ بِالسِّلَاحِ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي لَعَلَّ الشَّيْطَانَ يَنْزِعُ فِي يَدِهِ فَيَقَعُ فِي حُفْرَةٍ مِنْ النَّار))

[ البخاري عن أبي هريرة]

 وقال في حديث آخر رواه مسلم عَنْ أَيُّوبَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ : قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

(( مَنْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَلْعَنُهُ حَتَّى يَدَعَهُ وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّه ))

[مسلم عن أبي هريرة]

 هذا من باب الورَع الشديد ، وصَوْن مشاعر الآخرين .
 أيها الأخوة الأكارم ؛ عن مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ حَدَّثَهُ :

(( أَنَّهُ كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُنَاسٍ خُصُومَةٌ فَذَكَرَ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَقَالَتْ يَا أَبَا سَلَمَةَ اجْتَنِبْ الْأَرْضَ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : مَنْ ظَلَمَ قِيدَ شِبْرٍ مِنْ الْأَرْضِ طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ))

[البخاري عن مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ]

 اغْتِصاب الأراضي ، واغتصابُ البيوت ، واغْتِصابُ ممْتلكات الغير ، والعُدْوانُ عليها ، هذا يُبْطلُ دين الإنسان كلّه ، لأنّ السيّدة عائشة تذكر عن بعض الصحابة خرج عن تَوْجيه النبي فقالَتْ : "قولوا لفُلان إنَّه أبْطَلَ جهادهُ مع رسول الله ".

 

حقيقة الدِّين كامنةٌ في استقامة الإنسان :

 شيءٌ آخر ؛ حقيقة الدِّين كامنةٌ في هذه الاستقامة التي أمرنا الله بها ، ألمْ يقل النبي عليه الصلاة والسلام عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ شِبْتَ ؟ قَالَ :

((شَيَّبَتْنِي هُودٌ وَالْوَاقِعَةُ وَالْمُرْسَلَاتُ وَعَمَّ يَتَسَاءَلُونَ وَإِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ))

[الترمذي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ]

 ما هود ؟ سورة هود ، وما في هذه السورة ؟ قوله تعالى :

﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ ﴾

[ سورة هود: 112 ]

 سيّدنا سعْد بن أبي وقاص قال : قَال رسول الله صلى الله عليه وسلّم :

(( يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة ))

[الطبراني عن عبد الله بن عباس ]

 انتبهوا ! قبل الصلاة والصيام والحجّ ، وقبل أداء العبادات ، وقبل المظاهر الدِّينيّة، وقبل ارْتِياد المساجد ، وقبل أن تفْعَلَ شيئًا يُثني الناس به عليك انْتَبِهْ إلى دَخْلك ، انْتَبِه إلى موْرِدِ رزقك ، انْتبِه إلى صَنْعَتِك ، انْتَبه إلى حِرْفتك ، انْتبِه إلى طريق كَسب الرّزق أفيه حرام ؟ أفيه غشّ ؟ أفيه تدليس ؟ أفيه كذبٌ ؟ أفيه احتكارٌ ؟ أفيه احتِيال ؟ أفيه إيهامٌ ؟ أفيه اسْتِغلال ؟ أفيه تَزْوير ؟ إذا أعْطَيْتَ الناس أقلّ مِمَّا أخذْت منهم ، إذا منَّيْتَهم بشَيء ، ولم تعْطِهم إيّاه ، إذا قدَّمْت لهم سِلعةً سيّئة ، وأخذْتَ مُقابلها ثمنًا عالِيًا ، هذا كسْبٌ حرام ، وإذا لم يكن كسْبُك حلالاً فبينك وبين الله مسافات طويلة ، بل إنّ الطريق إلى الله مَسْدود ، سيّدنا سعْد بن أبي وقاص قالَ قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم :

(( يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة ))

[الطبراني عن عبد الله بن عباس ]

 فأيُّ كذبٍ ، أو أيُّ إيهامٍ ، حتى في الحِرَف الراقِيَة ، هذا المريض قد يمْنحُك كلّ ثقته ، كلّ ولائِهِ ، أنت تُعطيهِ تَوجيهًا لِتَأخذ من مالهِ بغَير حقّ ، وهو لا يعرفُ هذا ، لكنّ الله يعرف ، ولكنّ الله يعلم ، الِمهَن الراقِيَة ، مِهَن الخدمات العاليَة ، هذه من لوازمها أنَّ أصحابها مَوْثوقون ، والله يعلم ، وهو الحسيب ، وهو الرقيب ، وهو بالمرصاد ، لذلك يعلمُ خائنة الأعْيُن وما تخفي الصّدور ، لو أنَّه أُبيحَ لِزَيدٍ من الناس بِحُكْم اخْتِصاصهِ أن ينظرَ إلى امرأةٍ ، إن نظرَ إلى موْضِعِ المرض شيء ، وإن نظر إلى موضِعٍ آخر ، لا يعلم إلا الله ما إن قد خانَ بصرهُ أم لم يخُنْهُ ، لذلك إنَّ الله طيِّبٌ ولا يقبلُ إلا طيِّبًا ، إنّ الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين ، فقال تعالى :

﴿يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾

[ سورة المؤمنون : 51]

 وقال تعالى :

﴿ كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ﴾

[ سورة طه : 81]

 ثمّ ذكر النبي عليه الصلاة والسلام الرجل يُطيل السَّفر أشْعَث أغْبرَ يمُدّ يديه إلى السماء ، يقول : يا رب ، يا رب ، ومطعمه وملبسُه حرام ، وغذي بالحرام ، فأنّى يُستجاب له ؟!

 

الدين وحدة كاملة لا يتجزأ :

 يا أيها الأخوة الأكارم ؛ نصيحةٌ رقيقة ؛ الدِّينُ لا يتجزّأ ، وحدة متكاملة ، لا فرْق بين العبادات وبين المعاملات ، لا فرْق بين العقائد والأخلاق ، الدِّينُ وحدة متكاملة ينبغي أن تأخذهُ كلّه ، أن تأخذه بِعَقائِدِه ، أن تأخذه بِعِباداته ، أن تأخذه بِمُعاملاته ، أن تأخذه بآدابه ، وترْكُ دانقٍ من حرام خير من ثمانين حجَّة بعد حجّة الإسلام ، ولأَنْ أمْشِيَ مع أخٍ في حاجته خير من صيام شهْر وقيامه في مسجدي هذا ، هذا هو توجيه النبي عليه الصلاة والسلام . يقول عليه الصلاة والسلام :

((لا تغبطن جامع المال من غير حله ))

[ الحاكم عن ابن عباس]

 لو دخلْتَ إلى بيته ورأيْتَهُ فخرًا ، وفيه أذواق رفيعة ، وفيه لمساتٌ هادئة ، وألوانٌ موحِيَة ، لا يغرنّكَ هذا ، يقول عليه الصلاة والسلام ::

(( لا تغبطن جامع المال من غير حله فإنه إن تصدق لم يقبل وما بقى كان زاده إلى النار ))

 النبي عليه الصلاة والسلام شيءٌ عجيب ، قال مرَّةً : يغفر للشَّهيد كلّ ذنبه إلا الدَّيْن ! حُقوق العباد مَبْنيّة على المُشاححة ، بينما حقوق الله عز وجل مَبْنيَّة على المُسامحة ، أصحابهُ الكرام الذين خاضوا معه بدرًا ، وأُحُدًا ، والخندق ، كان أحدهم إذا مات ، وعلم النبي بذلك ، كان يسأل هذا السؤال التقليدي : أعَلَيْهِ دَيْن ؟ فإن قالوا نعم ، قال : صَلُّوا على صاحبكم، إنَّك إن أعْطَيْت كلّ ذي حقٍّ حقّه ، إنَّك إن اكْتسبْتَ مالاً من وَجْهٍ حلال ، وأنت لمْ تكْذِب ، ولم تغشّ ، ولم تُدَلِّس ، ولم توهم ، ولم تحتلّ ، إنْ كسِبْتَ مالاً حلالاً قليلاً ، قليلٌ تُؤدِّي شُكْرهُ خيرٌ من كثير لا تؤدِّي شُكرهُ ، قليل يكفيك خير من كثير يُطغيك ، قليل من حلال يلقي الله عليه البرَكة ، يُباركُ لك فيه ، خيرٌ من كثير مع انعدام البركة .
 أيها الأخوة الأكارم ؛

(( لا تغبطن جامع المال من غير حله فإنه إن تصدق لم يقبل وما بقى كان زاده إلى النار ))

المؤمن رجل مبدأ و أخلاق كريمة :

 أيها الأخوة الأكارم ؛ موضوعٌ من موضوعات النبي عليه الصلاة والسلام تحدَّثنا عن توجيهاته في موضوع الرحمة ، وتحدَّثنا عن توجيهاته في العَدل ، والاستقامة ، والوُقوف عند حدود الله ، والآن أتحدّث عن جانبٍ ثالث وهو الحبّ .
 المؤمن شَخْصِيَّة فذَّة لها جانبٌ جمالي ، وجانبٌ أخلاقيّ ، وجانبٌ علمي ، الجانب العلمي ، ما اتَّخَذَ الله ولِيًّا جاهِلاً ، لو اتَّخَذَهُ لعلَّمَهُ ، مؤمن مُتَّصِل جاهل ؛ مستحيل ، والمؤمن فوق أنَّه عالم هو أخلاقيّ ، رجل مبدأ ، ورجلُ قيَمٍ ، والدنيا كلّها تحت قدمَيْه ، وقِيَمُهُ فوق رأسِهِ، والمؤمن رجل عندهُ أحاسيس راقيَة ، ومشاعِر جماليّة أخّاذَة ، المؤمن يسْعدُ في الدنيا سعادةً لا يعرفها أهل الدنيا ، وهذا من كتاب الله ، ربّنا عز وجل أثْبَت لأهل الدنيا أنَّهم يعلمون ظاهرها ، وقال بعض العلماء : مساكين أهل الدنيا ! جاؤوا إليها ، وغادروها ، ولم يذوقوا أجْمل ما فيها ، إنَّ أجْمَلَ ما في الدنيا أنْ تتَّصِلَ بالله عز وجل ، إنَّ أجْملَ ما في الدنيا أن تشْعر أنّ الله يحبّك ، إنَّ أجْملَ ما في الدنيا أن تشْعر أنّك ذو مبدأ ، وأنَّك ذو أخلاق ، وذو ابتسامة مؤثرة ، وحبّ شديد للخلق .
 أيها الأخوة الأكارم ؛ لن يسمحَ الله لك أن تهدِيَ الناس إلا إذا أحْببْتهم من كلّ قلبك، إلا إذا أحْببْت خُصومك ، إنّك إن كرِهْت خصْمَكَ تكرهُ عملهُ ولا تكرهُ ذاتهُ ، أُؤكِّدُ لكم هذا، عُمَير بن وهب صحابي جليل كان مع صَفوان من ألدّ أعداء النبي ، قال : والله لولا دُيونٌ ركِبتني ، وأولادٍ أخشى عليهم العنَت ، لذهَبْتُ إلى محمَّدٍ وقتلْتُهُ وأرحْتُكم منه ! فقال له صَفْوان : يا عُمَير إنَّ أولادكَ هُم أولادي ، من امْتَدَّ بهم العُمر ، وإنّ دُيونك هي عليّ بلَغَتْ ما بلغَتْ ، فامْضِ لما أمَرْت ، جهَّزَ عُمَيْر ناقتهُ ، وسقى سيْفَهُ سُمًّا ، وتوجَّه إلى المدينة ، ومعه مُبرِّرُ دُخولها ، جاء لِيَفْدِيَ ابنهُ ، دخل المدينة ، رآهُ عمر ، فقال : هذا عدوّ الله عُمَير جاء يريدُ شرًّا ، قيَّدَه بِحَمَّالةِ سَيْفهِ وساقهُ إلى النبي ، فدخل على النبي وقال : يا رسول الله ، هذا عدوّ الله عُمَيْر جاء يريد شرًّا ، أما النبي فكما قال تعالى :

﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾

[ سورة التوبة : 128]

 قال : يا عمر أطْلِقْهُ ، أي فُكَّ قيْدَهُ ، قال : يا عُمَيْر اُدْنُ مِنِّي ، قال : يا عُمَيْر سلِّم علينا ، قال : عِمْتَ صباحًا يا محمّد ، قال : قُلْ : السلام عليكم ، فلسْتَ بعيد عهد بأهل الجاهليّة ، قال : يا عُمَير ما الذي جاء بك إلينا ؟ قال : جئْتُ لأفدي ابني ، قال : وهذه السَّيْفُ التي على عاتقك ، قال : قاتَلَها الله من سُيوف وهل نفعتْنا يوم بدر ؟ قال : ألَمْ تقل لِصَفوان بن أُميّة والله لولا دُيونٌ ركِبتني ، وأولادٍ أخشى عليهم العنَت ، لذهَبْتُ إلى محمَّدٍ وقتلْتُهُ وأرحْتُكم منه! تَروي كتُب السيرة أنَّ عُمَير بن وهب وقفَ من شِدَّة المفاجأة ، لأنّ هذا الحديث جرى بينه وبين صَفوان في مكانٍ ليس فيه أحد ، عندئذٍ قال : أشْهدُ أنّك رسول الله .
 هذه القصّة ذكرتها لكم سابقًا ، ولكن مَوْطن الشاهد أنَّ عمر حينما رأى عُمَيرًا يدخل على النبي قال رضي الله عنه - دقِّقُوا في كلام سيّدنا عمر - : دخلَ عُمَير على رسول الله والخنزير أحبّ إليّ منه ، وخرجَ من عنده وهو أحبّ إليّ من بعض أولادي ، أسْلَمَ سيّدنا عُمَير ، أما صفوان فكان يقول : انتظروا أخبارًا سارَّة ، انْتظرَ طويلاً ، وكان ينتظر خارج مكّة ، ويسأل القوافل ، فلا خبرَ سارّ ، إلى أن جاءهُ الخبر المحزن أنَّ عُمَيْر بن وهب قد أسْلمَ ، وحسُنَ إسلامه .

 

النّفْس المتّصلة بالله فيها إشعاع و حبّ لِخَلق الله تعالى :

 فيا أيها الأخوة الأكارم ؛ الحبّ إن لمْ تحبّ الناس جميعًا كيف يسمحُ الله لك أن تهديَهُم ؟ هذا الرّجل ابْتسَمَ في وجه النبي ، وهذا الرجل في هذه اللّحظة انْقلبَ إلى محبّ ، يكاد من فرْط الوجْد والحياء يذوب ، واتَّجَه إلى يدي محمّد صلى الله عليه وسلّم يُقبِّلُها ودُموعُهُ تنْحدِرُ من عَيْنَيْه ولمَّا أفاق ، قال : يا محمّد ، والله لقد سَعِيتُ إليك ، وما على وجه الأرض أبْغضُ إليّ منك ، وإنِّي لذاهبٌ الآن وما على وجْه الأرض أحبّ إليّ منك ، هذه هي النّفْس المتّصلة بالله تعالى ما سِرُّها ؟ فيها إشعاع ، فيها قوّة أسْر ، فيها تأثير شديد ، لأنّ فيها اتِّصالاً بالله ، وفيها حبّ لِخَلق الله تعالى .
 أيها الأخوة الأكارم ؛ النبي عليه الصلاة والسلام دخلَ مرّة على ولده إبراهيم ، وهو مُسجَّى على فراش الموت ، تدفّق الحنان ، انْهَمَرَتْ الدُّموع فقال أصحابهُ : يا رسول الله أتبكي ؟ قال : " إنّ العَين لتَدْمع ، وإنّ القلب ليخشع ، ولا نقول ما يُسخط الربّ ، وإنّا عليك يا إبراهيم لمحزونون ".
 علَّمنا كيف نُعَبِّرُ عن حُبّنا لبَعضنا بعضًا ، قال : ذاتَ يومٍ كان النبي عليه الصلاة والسلام يجلسُ مع أصحابه ، فمرَّ بهم رجلٌ ، فقال أحد أصحابه : يا رسول الله إنِّي أحبّ هذا الرّجل ، فسألهُ النبي عليه الصلاة والسلام : وهل أعْلَمْتَهُ بهذا ؟ فقال الرجل : لا ، قال عليه الصلاة والسلام فأعْلِمْهُ ، فَلَحِقَهُ الرجل ، وقال : إنِّي أحبّك في الله ، فأجابهُ صاحبُه : أحبّك الذي أحْببْتني له .
 هذه تعليمات وتوجيهات لنا ، لك صديق تحبُّه تحبّه ، ولك أخٌ في الله تؤثرُه أعْلِمْهُ بذلك ، وقل له : إنِّي أحبّك ، لهذه الصّفات التي فيك ، إنَّ هذا يزيدُ الحبّ بينهما ، ويزيد العلاقة متانةً ، ويزيدُ ما بينهما من أواصِر .
 عَنْ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

((إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ لَأُنَاسًا مَا هُمْ بِأَنْبِيَاءَ وَلَا شُهَدَاءَ يَغْبِطُهُمْ الْأَنْبِيَاءُ وَالشُّهَدَاءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِمَكَانِهِمْ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ تُخْبِرُنَا مَنْ هُمْ قَالَ هُمْ قَوْمٌ تَحَابُّوا بِرُوحِ اللَّهِ عَلَى غَيْرِ أَرْحَامٍ بَيْنَهُمْ وَلَا أَمْوَالٍ يَتَعَاطَوْنَهَا فَوَاللَّهِ إِنَّ وُجُوهَهُمْ لَنُورٌ وَإِنَّهُمْ عَلَى نُورٍ لَا يَخَافُونَ إِذَا خَافَ النَّاسُ وَلَا يَحْزَنُونَ إِذَا حَزِنَ النَّاسُ وَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ))

[أبو داود عن عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ]

الوفاء من الحبّ :

 من الحبّ أيها الأخوة الوفاء ، فالنبي عليه الصلاة والسلام كانَتْ تأتيه امرأةٌ فيبْسِطُ لها رداءهُ ، وهذا الموقف جعلَ السيّدة عائشة تتساءَل ، من هذه المرأة ؟ وما سرُّ هذه الحفاوَة ؟ فقال عليه الصلاة والسلام : إنَّها كانت تزورنا أيّام خديجة ، من وفائِهِ للسيّدة خديجة زوجته ، كان يُكرمُ من كانت تزور خديجة أيّام حياتها ، لذلك قال عليه الصلاة والسلام : " كفى بك إثمًا ألا تزال مخاصمًا ، ومن هجر أخاه سنةً فَهُوَ كسَفْكِ دَمِهِ ، ومن أتاهُ أخوهُ مُتَنَصِّلاً - أي معتَذِرًا - فلْيَقْبَل منه مُحِقًّا كان أو مُبطِلاً ، فإن لم يفعل لم يرِد عليَّ الحوض ، وأما شِرار الخلق فهم الذين لا يُقيلون عَثْرةً ، ولا يقبلون معذرةً ، ولا يغفرون ذنبًا ، الحقْدُ أكل مجامِعَ قلوبهم ". لهذا قال عليه الصلاة والسلام فيما رواه مَسْرُوقٍ قَالَ :

(( كُنَّا جُلُوسًا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو يُحَدِّثُنَا إِذْ قَالَ لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا وَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إِنَّ خِيَارَكُمْ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلَاقًا))

[البخاري عن مَسْرُوقٍ ]

 أيها الأخوة الكرام ، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزِنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم ، واعلموا أنَّ ملك الموت قد تخطَّانا إلى غيرنا ، وسيتخطَّى غيرنا إلينا ، فلْنتَّخِذ حذرنا ؛ الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبَع نفسه هواها ، وتمنَّى على الله الأماني ، والحمد لله رب العالمين .

* * *

الخطبة الثانية :
 أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله ، صاحب الخلق العظيم ، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

تعليم الناس حبّ النبي و الاقتداء به :

 أيها الأخوة الكرام ، كلمةٌ من القلب ، نحن في شهر المولد ، واعْتادَت هذه البلدة الطيِّبة أن يُكثروا من حفلات الموالد في هذا الشهر الفاضل ، هذا شيءٌ طيّب ولا شكّ ، ولكن لي ملاحظة ، وهي أنَّ رُوَّاد المساجد هم الذين اعتادوا ارْتِياد المساجد ، وحضور خطب الجمعة، وحضور مجالس العلم ، ودروس التفسير ، والحديث ، والسيرة ، وما إلى ذلك ، هم هم ، لكنَّك إذا دَعَوْتَ إلى بيتك من أقربائِكَ ، من أصحابك ، من زملائِكَ ، ترجو فيه الخير ، وهو مقصِّرٌ في أمر دينه ، إذا دَعَوْتَ هؤلاء الذين لا يرْتادون المساجد ، وهم على جانبٍ من الخلق ، ولكن على جانبٍ آخر من التقصير ، هؤلاء إذا دَعَوْتهم ، وذكَّرْتهم بالموت ، أو أتيْتَ بِمَن يذكِّرُهم بأمْر دينهم ، واسْتَطَعت أن تكسبَ أحدهم ليُصْبِحَ من رُوّاد المساجد ، فقد احْتَفَلْتَ احتِفالاً حقيقيًّا بِعيد المولد ، لذلك كلّ إنسان لِيَجمع أهلهُ وخاصَّتهُ ، يجمع أقرباءهُ ، ومن يلوذ به ، مِمّن يُجاوِرُه، مِمَّن يُزاملُهُ ، مِمَّن له صلةٌ به ، هؤلاء المُقصِّرون الذين لمْ يَعْتادوا ارْتِياد المساجِد ، ولا نَهْل العلم من منابعه ، هؤلاء في هذا الشهر الفاضل بإمكانك أن تدْعُوَهم إلى حفل عيد مولدٍ في بيتك ، وتلقي عليهم بعض المواعظ إن اسْتطَعْت ، أو أن تدْعُو من يُلقي عليهم بعض المواعظ، إنّك إن فعلْت هذا فقد أدخلْت في جَمْهرة المؤمنين عناصر جديدة ، إن فعلْت هذا فقد هَدَيت بعض الناس إلى الله عز وجل ، لذا شهْرٌ مناسبٌ جدًّا أن يكون بيتكَ عامرًا بِذِكْر الله ، وذِكْرِ رسول الله صلى الله عليه وسلّم ، أما إذا أنْفقْت على إطعامهم شيئًا ، فهذا من السنّة ، إطعام الطّعام ، وبذْل السلام ، والصوم في الصيف ، والصلاة في الليل والناس نيام .
 أيها الأخوة الأكارم ؛ هذا شهْرٌ كريم ، شهْرُ من أنقذَ البشريّة من الضلال ، من أنقذها من الشّقاء ، من أنقذها من التِّيه والعمى ، من كان صادقًا ، من كان أمينًا ، من كان عفيفًا ، من كان عند أقواله ، من كانتْ أفعالهُ كأقواله ، هذا النبي يجبُ أن يكون لنا قُدْوَةً ، فأولادكم علِّموهم حبّ نبيِّكُم ، لا تُعلِّموهم حبّ زيدٍ أو عُبَيْد من أهل الفنّ ، علِّموهم حبّ نبيِّكُم صلى الله عليه وسلّم ، أعطوه سيرته ، اقرؤوا لهم سيرته ، بيِّنوا لهم شمائلهُ ، لا بدّ لأب من كلمةٍ يُلقيها على أولاده ، لا بدّ لأب من ساعةٍ يُوَجِّه فيها أولاده ، النبي عليه الصلاة والسلام أمرنا أن نعلِّمَ أولادنا حبَّهُ ، وحبّ أهل بيته ، وحبّ هذا القرآن ، ونحن في موْسِمِ القرآن ، ولا تنْسَوا قَوْل النبي العدنان عَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

((خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ))

[البخاري عَنْ عُثْمَانَ]

الدعاء :

 اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولنا فيمن توليت ، وبارك لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شرّ ما قضيت ، فإنك تقضي بالحق ولا يُقضى عليك ، إنه لا يذل من واليت ، ولا يعز من عاديت ، تباركت ربنا وتعاليت ، ولك الحمد على ما قضيت ، نستغفرك ونتوب إليك ، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك . اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارض عنا ، اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا بها جنتك ، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا ، ومتعنا اللهم بأسماعنا ، وأبصارنا ، وقوتنا ما أحييتنا ، واجعله الوارث منا ، واجعل ثأرنا على من ظلمنا ، وانصرنا على من عادانا ، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ، ولا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا ، مولانا رب العالمين . اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، ودنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر ، مولانا رب العالمين . اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك . اللهم لا تؤمنا مكرك ، ولا تهتك عنا سترك ، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين . اللهم استر عوراتنا ، وآمن روعاتنا ، وآمنا في أوطاننا ، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين . اللهم إنا نعوذ بك من الخوف إلا منك ، ومن الفقر إلا إليك ، ومن الذل إلا لك ، نعوذ بك من عضال الداء ، ومن شماتة الأعداء ، ومن السلب بعد العطاء . اللهم ما رزقتنا مما نحب فاجعله عوناً لنا فيما تحب ، وما زويت عنا ما نحب فاجعله فراغاً لنا فيما تحب . اللهم صن وجوهنا باليسار ، ولا تبذلها بالإقتار ، فنسأل شرّ خلقك ، ونبتلى بحمد من أعطى ، وذم من منع ، وأنت من فوقهم ولي العطاء ، وبيدك وحدك خزائن الأرض والسماء . اللهم كما أقررت أعين أهل الدنيا بدنياهم فأقرر أعيننا من رضوانك يا رب العالمين . اللهم بفضلك وبرحمتك أعل كلمة الحق والدين ، وانصر الإسلام وأعز المسلمين، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى ، إنك على ما تشاء قدير ، وبالإجابة جدير .

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور