وضع داكن
23-04-2024
Logo
الخطبة : 0037 - أنت على ثغرة من ثغر الإسلام 3 - طاعة الله تأتي مع الأخلاق الفاضلة .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى :

الحمد لله نحمده ، و نستعين به و نسترشده و نعوذ به من شرور أنفسنا و سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، و من يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً ، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لك ، إقراراً بربوبيته و إرغاماً لمن جحد به و كفر ، و أشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله سيد الخلق و البشر ، ما اتصلت عين بنظر أو سمعت أذن بخبر ، اللهم صلي وسلم و بارك على سيدنا محمد و على آله و أصحابه و ذريته و من تبعه ذي إحسان إلى يوم الدين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .

طاعة الله تأتي مع الأخلاق الفاضلة

كل مؤمن هو سفير للإسلام
أيها الإخوة المؤمنون :
لا زلنا عند حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم :

(( أنت على ثغرة من ثغر الإسلام فلا يؤتين من قبلك ))

لقد بيّنت لكم في خطبة سابقة أن على المؤمن أن يكون حسن المظهر واليوم سأبين لكم أن عليه أن يكون رقيق المعشر ، صلى الله عليك يا سيدي يا رسول الله ، يا من أوتيت جوامع الكلم ، وفصل الخطاب لقد كان حديثك الشريف :

 

(( أنت على ثغرة من ثغر الإسلام فلا يؤتين من قبلك ))

متفجراً بالحكمة والموعظة ، وقواعد السلوك لقد ضمنت بهذا الحديث أخلاق المؤمن كلها لقد جعلت كل مؤمن داعية إلى الإسلام بعمله قبل لسانه ، لقد جعلت كل مؤمن سفيراً للإسلام ، وأنموذجا له ، لقد حمَّلت المؤمن مسؤولية تقصيره ومغبة تهاونه ، حينما بينت له نتائج هذا التقصير ، صدقت يا أبا القاسم حينما قلت للمؤمن :

(( أنت على ثغرة من ثغر الإسلام فلا يؤتين من قبلك ))

أيها الإخوة المؤمنون:
يفهم من هذا الحديث أيضاً أن على المؤمن أن يكون ليِّن المعشر رقيق الحاشية ، مهذب الطبع ، يأنس ويؤنس ، يألف ويؤلف ، غير فظ ولا غليظ ، يجب المغيبة عن نفسه ، بحسن معاشرته ، ويدفع النقمة عنه بحسن تآلفه .
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رحيماً ، لين الجانب ، ولم يكن فظاً غليظ القلب ، ولو كان كذلك لانفض الناس من حوله ، ولما آمنوا به ، قال تعالى :

﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾

[سورة آل عمران الآية: 159]

لابد أن تعلم أهلك الدين بلين وليس بقسوة
فقد يكون الرجل متديناً ، وأهله ليسوا كذلك ، فإذا ما قسا عليهم في المعاملة ثم أمرهم بالصلاة كرهوها ، ونفروا منها ، وقد كان عليه الصلاة والسلام إذا دخل بيته ، ألين الناس بساماً ضحاكاً ، وقد تكون المرأة متدينة ، وزوجها ليس كذلك ، فإذا ما أهملت حاجاته ، وقصرت بواجباتها نحون ، ورآها تكثر من الصلاة والصيام ، ازداد من الصلاة نفوراً ، ومن الدين بعداً ،
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

(( لا ينظر الله إلى امرأة لا تشكر زوجها وهي لا تستغني عنه))

[أخرجه الحاكم]

وقد يكون الشاب أو الشابة متديناً ، وأهله ليسوا على طريقته ، فإذا ما قصَّر في خدمتهم ، أو تطاول عليهم ، أو انتقدهم ، وجرَّحهم ، كرهوه وكرهوا من يوجهه .
يا أخي الشاب ، الأب والأم لا يستجيبان بالإقناع ، ولكن بالإحسان قال تعالى :

﴿وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً﴾

[سورة الإسراء الآية:28]

الوالدان يستجيبان بالإحسان إليهما
وقد ترى البائع ملتحياً ، ومعنى هذا أنه متدين ، فإذا ما كان فظاً في معاملته لزبائنه ، يرفض تبديل مشترياتهم ، أو إرجاعها ، رأيت الناس يتعرضون له بالذم ، ولتدينه كذلك ،
عن أبو هريرة رضي الله عنه قال : قال عليه الصلاة والسلام :

(( مَنْ أقَالَ مُسلِماً ، أقالَهُ الله عَثْرَتَهُ ))

[أخرجه أبو داود]

وقال :
عَنْ جَابِرٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

((غَفَرَ اللَّهُ لِرَجُلٍ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانَ سَهْلًا إِذَا بَاعَ سَهْلًا إِذَا اشْتَرَى سَهْلًا إِذَا اقْتَضَى))

[أخرجه البخاري والترمذي]

وقد يكون الأجير متديناً فيستأذن مُعلمه ليصلي الظهر في المسجد فيأذن له على مضض ، ولكن هذا الأجير المتدين بدل أن يصلي ويعود ، يصلي ويستريح ، وهنا يتميز هذا المعلم غيظاً ، ويقول : أهذا هو الدين ؟ !.. قال عليه الصلاة والسلام :

(( رحم الله عبداً جب المغيبة عن نفسه ))

لكي تكون معلما يجب ألا تكون معنفاً

وقد يأتي صبي أو شاب إلى المسجد ليصلي ، فيرتكب خطأً في وضوئه أو صلاته ، وهنا يندفع أحد المصلين فيعنفه ، وينبهه إلى خطأه ولكن الشاب خدشت مشاعره ، ونفرت نفسه .. لا يا أخي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال عليه الصلاة والسلام :

((علموا ولا تعنفوا ، فإن المعلم خير من المعنف))

[أخرجه الحارث في مسنده]

رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً يركض في المسجد مسارعاً إلى الصلاة ، فقال له : اسمعوا ماذا قال له :
عن أبي بكر رضي الله عنه :

(( زادك الله حرصاً ولا تعد ))

[خرجه البخاري وأبو داود]

يقول المتخصصون في العلاقات الاجتماعية : إنك إذا أرت أن توجه نقداً لإنسان ما فأثن عليه بما هو فيه حقاً ، قبل أن تنقده ، فتكون هذه بتلك ، جاء في كتاب رياض الصالحين ـ باب الوعظ والإرشاد ـ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ قَالَ :

(( بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ فَقُلْتُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ فَقُلْتُ وَاثُكْلَ أُمِّيَاهْ مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي لَكِنِّي سَكَتُّ فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ فَوَ اللَّهِ مَا كَهَرَنِي وَلَا ضَرَبَنِي وَلَا شَتَمَنِي قَالَ إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ ))

[أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي]

وقد يرى أحدنا خطأ صدر عن رجل وهو في ملأ من الناس ، فيريد أن يصلحه ، ولكن تنقصه الحكمة ، فيوجه له ملاحظة على مسمع من هؤلاء الناس ، فلا يجد إلا مكابرة وتعنتاً ، ومشاحنة وإصراراً ، والحقيقة أنه لم ينصحه وإنما شهَّر به ، لذلك وجد هذه المعارضة وهذه المكابرة ولو أنه أنتحي به ناحية ، وانفرد به في مكان قصي ، ووجه إليه النصيحة نفسها لوجد تقبلاً وخضوعاً وامتناناً .
لذلك قال عليه الصلاة والسلام :

(( لا تحمروا الوجوه ))

النصيحة لاتكون في العلن وإلا تصبح تشهيرا
وكان لا يواجه أحداً بما يكره ، وقد يدخل أحدنا إلى بيته ليلاً ، وأهله نيام ، فمن أجل أن يأكل أو يصلي العشاء ، يحدث جلبة وضجيجاً ما كيفي لإيقاظ أهله كلهم ، أو بعضهم ، ولكن المؤمن الحق خفيف الظل ، قليل المؤمنة ، ملائكي السمت ، لا يزعج أحداً ، ولو كان أقرب الناس إليه ، وقد كان عليه الصلاة والسلام ، إذا دخل بيته ، لفَّ ثوبه لئلا يسمع حفيف ثوبه فيستيقظ أهله وهو رسول الله .
يا أخي تذكر أن عليك أن تكون حسن المظهر ، رقيق المعشر مهذب الطبع ، لين الجانب ، وتذكر أنك على ثغرة من ثغر الإسلام فلا يؤتين من قبلك .
أو كما قال .
أيها الأخوة الكرام ؛ حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وصلوا ما بينكم وبين ربكم تسعدوا ، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا ، وسيتخطى غيرنا إلينا ، فلنتخذ حذرنا ، الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني .

 

والحمد لله رب العالمين
***

 

الخطبة الثانية :

الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صاحب الخلق العظيم .

الدعاء :

اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولنا فيمن توليت ، وبارك لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت ، فإنك تقضي بالحق ولا يقضى عليك ، اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارض عنا ، اللهم صن وجوهنا باليسار ولا تبذلها بالإقتار ، فنسأل شر خلقك ، ونبتلى بحمد من أعطى ، وذم من منع ، وأنت من فوقهم ولي العطاء ، وبيدك وحدك خزائن الأرض والسماء .
اللهم اهدنا لصالح الأعمال لا يهدي لصالحها إلا أنت ، واصرف عنا شر الأعمال لا يصرفها عنا إلا أنت .

 

تحميل النص

إخفاء الصور