وضع داكن
16-04-2024
Logo
الخطبة : 0625 - لوازم طلب العلم - المسواك وأهميته العلمية.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى:
 الحمد لله نحمده، ونستعين به ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنـا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته وإرغامـاً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر، أو سمعت أذن بخبر، اللهم صلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وعلى ذريته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين. اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرِنا الحــق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممــــن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

لوازم طلب العلم :

 أيها الأخوة الكرام، ذكرت في الخطبة السابقة أن من معاني الاحتفال بذكرى مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقتفي سنته الشريفة، ومن أبرز سننه الشريفة طلب العلم، فقد كان موضوع الخطبة السابقة حول فضل طلب العلم، ولكنِّي أيها الأخوة وجدت من المناسب أن أتبع الخطبة السابقة بخطبة عن لوازم طلب العلم.
 ذكرت من قبل أننا في بيوت الله عز جل لسنا معنيين بأمراض الشاردين، ولكننا معنيون بأمراض طلاب العلم، بأمراض الذين يرتادون المساجد، بأمراض الذين يعملون في حقل الدعوة، بأمراض هؤلاء الذين عند الناس قدوة، وعند الناس مثل. هذا الموضوع اليوم متمم لفضل طلب العلم.
 من أخلاقيات العلم الأصيلة في الإسلام العمل بمقتضى العلم، على معنى أن يكون هناك صلة بين العلم والإرادة، فإن آفة كثير من الناس أن يعلم الرجل ولا يعمل، وأن يعمل بضد ما يعلم، هذه أكبر آفة عند طلاَّب العلم. كالطبيب الذي يعرف ضرر الدخان على صحته، ولا يفتأ يشرب الدخان، وكعالم الأخلاق الذي يرى سلوكاً معيناً رذيلة وهو مقيم عليه، وكعالم الدين الذي يرى عملاً ما منكراً وينهى الناس عنه ويقترفه. هذا أكبر مرض يصيب العاملين في حقل العلم الشرعي، هذا مرض يصيب طلاَّب العلم، يصيب رواد المساجد، يصيب من يتصدى لتعليم العلم، ومن يتلقى العلم.

أثر العلم العملي في حياة المسلم :

 بادئ ذي بدء: إن هذا النوع من العلم النظري البحت لا يرضى عنه الإسلام إطلاقاً، علم نظري بحت، مقطوع الصلة بالواقع، هذا العلم النظري البحت لا يرضى عنه الإسلام إطلاقاً، وربما كان الجهل في تلك الحال خيراً منه.
 هناك مقولة رائعة: إن العلم ما عمل به، فإن لم يُعمل به كان الجهل أولى، لأن العالم مسؤول، لأن الذي طلب العلم وعرف الحكم الشرعي صار عند الله مسؤولاً. إن العلم الحق هو الذي ينير بصيرة صاحبه، ويجسد أمام عينيه الجزاء، فيبدو البعيد قريباً، والغائب حاضراً، وتقوى الله عزيمة على البر.
جاء في حديث أبي كَبْشَةَ الْأَنَّمَارِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:

((ثَلَاثَةٌ أُقْسِمُ عَلَيْهِنَّ وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا فَاحْفَظُوهُ، قَالَ: مَا نَقَصَ مَالُ عَبْدٍ مِنْ صَدَقَةٍ، وَلَا ظُلِمَ عَبْدٌ مَظْلَمَةً فَصَبَرَ عَلَيْهَا إِلَّا زَادَهُ اللَّهُ عِزًّا، وَلَا فَتَحَ عَبْدٌ بَابَ مَسْأَلَةٍ إِلَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ بَابَ فَقْرٍ، أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا، وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا فَاحْفَظُوهُ، قَالَ: إِنَّمَا الدُّنْيَا لِأَرْبَعَةِ نَفَرٍ ؛ عَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَعِلْمًا فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ، وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، وَيَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا، فَهَذَا بِأَفْضَلِ الْمَنَازِلِ، وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ عِلْمًا، وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالًا فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ، يَقُولُ: لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلَانٍ، فَهُوَ بِنِيَّتِهِ، فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ، وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا، وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْمًا فَهُوَ يَخْبِطُ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ، لَا يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ، وَلَا يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، وَلَا يَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا فَهَذَا بِأَخْبَثِ الْمَنَازِلِ، وَعَبْدٍ لَمْ يَرْزُقْهُ اللَّهُ مَالًا وَلَا عِلْمًا فَهُوَ يَقُولُ: لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ فِيهِ بِعَمَلِ فُلَانٍ، فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَوِزْرُهُمَا سَوَاءٌ))

[الترمذي عن أبي كَبْشَةَ الْأَنَّمَارِيِّ]

 من هنا نرى أثر العلم واضحاً في سلوك صاحبه، في ماله، فهو يتقي فيه ربه، ويصل فيه رحمه، ويعلم لله حقاً فيه، هذا هو الغني الشاكر، وهو بأفضل المنازل، فإذا حُرم المال ورُزق العلم، عاش والخير ملء جوانحه، لا يمارسه عملاً، ولكنْ يعيشه نيةً وأملاً، فهو بنيته، فأجره وأجر الغني سواء. أما من حرم العلم، سواء رُزق مالاً أم لم يُرزق، فعاقبته ما ذكر الحديث بأخبث المنازل، سواء عاش في السوق، أو عاش بنيته في السوق. أرأيتم أيها الأخوة إلى أثر العلم العملي في حياة المسلم؟
 العلم بشكل دقيق ليس تحصيل معلومات سطحية من هنا وهناك، ولكنه نور يقذفه الله في قلب عبده، فيمنحه اليقين والرسوخ، ويُبعد به عن القلق والاضطراب، وهذا هو العلم النافع. والعلم النافع هو الذي يرى الناس أثره على صاحبه نوراً في الوجه، وخشيةً في القلب، واستقامةً في السلوك، وصدقاً مع الله، ومع الناس، ومع النفس.

 

الوعيد الذي يهدد به النبي من يناقض علمه عمله :

 أما مجرد التشدق بكلام مزخرف، والثرثرة بكلام معسول، من طرف اللسان، دون أن يصدق القول العمل، فهذا شأن المنافقين، الذين يقولون ما لا يفعلون، يأمرون الناس بالبر، وينسون أنفسهم، وهم يتلون كتاب الله، يقرؤون الأحاديث، ويتلون كتاب الله، ولا يعملون بما يعلمون. هذا الذي أنكره القرآن على بني إسرائيل، قال تعالى:

﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾

[ سورة البقرة: 44]

 كأنما يشير القرآن إلى أن مناقضة العلم للعمل، والقول للفعل، ضرب من الجنون، أو لون من الفصام، هناك مرض خطير اسمه انفصام الشخصية، شخصية تعظ، وشخصية متفلتة، هذا مرض خطير جداً.
 من قرأ الأحاديث النبوية في هذا الباب ينخلع قلبه، من هول الوعيد الذي يهدد به النبي هذا الصنف من حملة العلم، الذين سماهم الإمام الغزالي علماء الدنيا، فعن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

((يُجَاءُ بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُهُ فِي النَّارِ، فَيَدُورُ كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِرَحَاهُ، فَيَجْتَمِعُ أَهْلُ النَّارِ عَلَيْهِ فَيَقُولُونَ: أَيْ فُلَانُ مَا شَأْنُكَ، أَلَيْسَ كُنْتَ تَأْمُرُنَا بِالْمَعْرُوفِ، وَتَنْهَانَا عَنِ الْمُنْكَرِ ؟ قَالَ: كُنْتُ آمُرُكُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا آتِيهِ، وَأَنْهَاكُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَآتِيه))

[متفق عليه عن أسامة بن زيد ]

 وعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

((مَرَرْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عَلَى قَوْمٍ تُقْرَضُ شِفَاهُهُمْ بِمَقَارِيضَ مِنْ نَارٍ، قُلْتُ: مَا هَؤُلَاءِ ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ خُطَبَاءُ أُمَّتِكَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا كَانُوا يَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ، وَيَنْسَوْنَ أَنْفُسَهُمْ، وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا يَعْقِلُونَ ))

[ أحمد عَنْ أَنَسٍ]

أمراض طلبة العلم :

 نعالج في هذا المسجد أمراض طلبة العلم، أمراض المتصدين للدعوة إلى الله، أخطر ما في العلم الشريف أن تتخذه حرفةً. يقول الإمام الشافعي:" لأن أرتزق بالرقص أهون من أن أرتزق بالدين " هؤلاء الذين يحسنون الكلام ولا يحسنون العمل، ينتسبون إلى العلم ولا يقومون بحقه، هؤلاء يكونون فتنةً على الأمة، لأنهم موضع قدوة. هناك صنفان من الناس إذا صلحا صلح الناس، وإذا فسدا فسد الناس؛ الأمراء والعلماء.

يا أيها العلماء يا ملح البلد  من يصلح الملح إذا الملح فسد؟
***

 إذا تصدى الإنسان للدعوة، ولم يكن في مستوى دعوته، يعطي خصوم الدين حجة قوية، يعطيهم حجةً يدفعون ثمنها مئات الملايين، هذا الذي يدعو إلى الله ليس في مستوى دعوته. هذا الذي كان يخافه النبي صلى الله عليه وسلم على أمته، فعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِي اللَّه عَنْه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

((إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي كُلُّ مُنَافِقٍ عَلِيمِ اللِّسَانِ))

[ أحمد عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ]

 وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه مرفوعاً: " إني لا أتخوف على أمتي مؤمناً، ولا مشركاً، فأما المؤمن فيحجزه إيمانه، وأما المشرك فيقمعه كفره، ولكن أتخوف عليكم منافقاً عالم اللسان، يقول ما تعرفون، ويعمل ما تنكرون".
 المؤمن الصادق يحجزه إيمانه، والذي يعلن الكفر لا تخشاه على الناس؛ لأن كفره الظاهر يقمعه عن الناس، ما الذي يخيف النبي على أمته من بعده ؟.. ولكن أتخوف عليكم منافقاً عالم اللسان، يقول ما تعرفون، ويعمل ما تنكرون .
 وعَنِ الْحَسَنِ قَالَ: " الْعِلْمُ عِلْمَانِ فَعِلْمٌ فِي الْقَلْبِ فَذَلِكَ الْعِلْمُ النَّافِعُ، وَعِلْمٌ عَلَى اللِّسَانِ فَذَلِكَ حُجَّةُ اللَّهِ عَلَى ابْنِ آدَمَ" .
 علم المرء أيها الأخوة إما حجة له إذا عمل به، أو هو حجة عليه إذا أصبح مجرد حامل له، شان هذا شأن اليهود، الذين حملوا التوراة كلاماً، ولم يحملوها عملاً والتزاماً، فكانوا كما قال تعالى:

﴿مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾

[ سورة الجمعة: 5]

 مثل الذين حملوا التوراة – أي كلاماً - ثم لم يحملوها – تطبيقاً- كمثل الحمار يحمل أسفاراً. أو كالذي آتاه الله آياته فنسلخ منها، لم يرتفع بها من حضيض المادية في التفكير، والحيوانية في السلوك، ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه، فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث، وإن تتركه يلهث، قال تعالى:

﴿وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾

[ سورة الأعراف: 176]

استعاذة النبي من العلم الذي لا ينفع :

 ومن ثَمَّ كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ من العلم الذي لا ينفع وهو الذي ينفصل عن الأخلاق، ينفصل عن العمل به، لأنه يصبح وبالاً على صاحبه. ورد في الأثر أن كل علم وبال على صاحبه ما لم يُعمل به. وعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: لَا أَقُولُ لَكُمْ إِلَّا كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:

((اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ، وَالْكَسَلِ، وَالْجُبْنِ، وَالْبُخْلِ، وَالْهَرَمِ، وَعَذَابِ الْقَبْرِ، اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ، وَمِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ، وَمِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ، وَمِنْ دَعْوَةٍ لَا يُسْتَجَابُ لَهَا))

[مسلم عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ ]

 هذا النوع من طلبة العلم الذين تكذب أفعالهم أقوالهم، وتكذب سريرتهم علانيتهم، يمثلون فتنةً لجمهور الناس، لأن الناس يتأثرون بالحال أكثر من تأثرهم بالمقال، الناس يتعلمون بعيونهم لا بآذانهم، حتى قيل - ودققوا في هذه المقولة - حال رجل في ألف رجل أبلغ من مقال ألف رجل في رجل.. حال رجل صادق في ألف رجل أبلغ من مقال ألف رجل في رجل.. العبرة بالتطبيق. مهما حاولت أن تقول للناس: خذوا عن العالم علمه ودعوا عمله، كما قال الشاعر:

اعمل بعلمي وإن قصرت في عملي  ينفعك علمي و لا يضرك تقصيري
***

 فإن الناس لن يسمعوا إلى هذا الكلام، ولن يستجيبوا له.
 يروى أن الإمام أبا حنيفة رأى غلاماً أمامه حفرة، فقال: احذر يا غلام أن تسقط، كان هذا الغلام نابغاً في ذكائه، قال: بل احذر أنت يا إمام أن تسقط، إني إن سقطتُ سقَطتُ وحدي، وإنك إن سقطت سقط معك العالم.
 روي عن سيدنا علي كرم الله وجهه أنه قال:" قصم ظهري رجلان، جاهل متنسك، وعالم متهتك.. ذاك يغرهم بتنسكه وهو جاهل، وذاك يضلهم بتهتكه وهو عالم".

 

مشكلة المسلمين اليوم عدم تطبيق منهج الله :

 أيها الأخوة الكرام، أنا لا أنطلق من فراغ، أستمع من حين إلى آخر إلى طالب علم يلزم مسجداً، له دروس، يسمع الحق، يعرف الأحكام الشرعية، يفعل شيئاً لا يُصدق، ما أردت أن أعمم هذا، ولكن أردت أن تكون هذه الخطبة ردعاً لأولئك الذين يطلبون العلم للدنيا، الدنيا يمكن أن توجد ضمن حلقات العلم. عن أبي هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

((يَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ رِجَالٌ يَخْتِلُونَ الدُّنْيَا بِالدِّينِ يَلْبَسُونَ لِلنَّاسِ جُلُودَ الضَّأْنِ مِنَ اللِّينِ، أَلْسِنَتُهُمْ أَحْلَى مِنَ السُّكَّرِ، وَقُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الذِّئَابِ، يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَبِي يَغْتَرُّونَ، أَمْ عَلَيَّ يَجْتَرِئُونَ ؟ فَبِي حَلَفْتُ لَأَبْعَثَنَّ عَلَى أُولَئِكَ مِنْهُمْ فِتْنَةً تَدَعُ الْحَلِيمَ مِنْهُمْ حَيْرَانًا))

[ الترمذي عن أبي هُرَيْرَةَ]

 كن مع الله صادقاً، وكن مع نفسك صادقاً، وكن مع المؤمنين صادقاً، العلم في الإسلام، العلم المجرد، العلم النظري البحت، العلم للعلم كما يقول بعضهم لا قيمة له في الإسلام إطلاقاً، أنت من الممكن أن تستفيد من أي علم دنيوي، ولا تعبأ بأخلاقية صاحبه، لكنك إذا طلبت العلم ولم تكن في المستوى المطلوب، زعزعت ثقة الناس بالدين. كيف أن هناك داعية إلى الله، هناك بالمقابل منفر من الدين، الداعية يقرب، وهذا الذي يقول ولا يعمل يبعد، الداعية يحبب، وهذا الذي يقول ولا يعمل يبغض، الداعية يعين على الطاعة، وهذا الذي يقول ولا يعمل يعين على التفلت، من هنا قال الإمام علي رضي الله عنه: " قوام الدين والدنيا أربعة رجال، عالم مستعمل علمه، وجاهل لا يستنكف أن يتعلم، وغني لا يبخل بماله، وفقير لا يبيع آخرته بدنياه، فإذا ضيع العالم علمه استنكف الجاهل أن يتعلم، وإذا بخل الغني بماله باع الفقير آخرته بدنيا غيره".
 أيها الأخوة الكرام، نحن في أشد الحاجة لا إلى معلومات، المعلومات كثيرة جداً، المكتبة الإسلامية مليئة، كل شيء ميسر لك، كتب، أشرطة، محاضرات، ندوات، نشرات، العلم الآن ميسر بشكل مذهل، ولكنَّ مشكلة المسلمين اليوم في التطبيق، في التفلت من منهج الله عز وجل، هم في أمس الحاجة إلى دعاة صادقين أكثر من حاجتهم إلى علماء متبحرين في دقائق علمهم. نحن الآن بحاجة إلى مسلم يقرأ آية واحدة فيطبقها ثم ينتقل إلى غيرها، وكان أصحاب النبي رضوان الله عليهم يقرؤون عشر آيات، فإذا طبقوها انتقلوا إلى غيرها.
 أضع بين أيديكم حقيقة ذكرتها مئات المرات، قال له: يا رسول الله عظني ولا تطل؟ تلا عليه آية واحدة: فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره.. يقول هذا الأعرابي- الذي لا يملك مكتبة إطلاقاً، ولا مجموعة أشرطة، وليس له مجلس علم داوم عليه عشرين عاماً، أعرابي التقى النبي أول لقاء، قال له: فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره.. - كفيت، هذه الآية تكفي، فقال عليه الصلاة والسلام: فقه الرجل.

 

تطبيق المنهج الإلهي في مجتمعنا يرفع مكانتنا :

 أخواني الكرام: القرآني ستمئة صفحة، بعض آياته تكفي الإنسان طوال حياته، ألا تكفيكم آية قوله تعالى؟

﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾

[سورة النساء: 1]

 ألا تكفي هذه الآية؟

﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ ﴾

[ سورة الزلزلة:7-8 ]

 ألا تكفينا هذه الآية وهي قوله تعالى:

﴿ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ ﴾

[ سورة سبأ: 17]

 آيات كثيرة جداً، لو قرأتها، وتأملتها، وتدبرتها، وتعمقت في فهمها، لوجدتها منهجاً كاملاً، وفي السنة الصحيحة أيضاً أحاديث شريفة تكفي الإنسان طوال حياته، نحن لا نريد علماً غزيراً، وتطبيقاً قليلاً، نريد علماً مطبقاً، هذا الذي يوسع دائرة المسلمين، هذا الذي يقوي من شأنهم، هذا الذي يرفع مكانتهم، هذا الذي يغري الناس أن يتبعوا هذا الدين العظيم.
 العالم الغربي هكذا يقول: نريد مجتمعاً يطبق الإسلام، لا نريد كتباً تتحدث عن الإسلام، نريد مجتمعاً يطبق هذا المنهج الإلهي ويقطف ثماره حتى يكون قدوةً لنا.

 

من هان أمر الله عليه هان على الله :

 أيها الأخوة الكرام، ما أردت أن أقسو على من يعمل في حقل الدعوة، والله هناك عدد كبير مخلص أشدّ الإخلاص، مطبق أشدّ التطبيق، هو قدوة لإخوانه أردت من طلبة العلم الذين يتوهمون أن العلم يدر عليهم رزقاً وفيراً اتخذوا الدين مطية إلى الدنيا، هؤلاء الذين طلبوا العلم، لا أهمس بآذانهم ولكني أصرح بأعلى صوت: العلم لأجل العلم في الدين لا قيمة له إطلاقاً، العلم من أجل العمل، والذي يوسع دائرة المؤمنين تطبيق هذا الدين، وليحرص كل منا، على مراجعة حساباته، على مراجعة بيته، على مراجعة عمله، أفي عمله وفي بيته ما يخالف منهج الله عز وجل؟ ولو أن كلاً منا أيها الأخوة ضبط بيته وعمله والله الذي لا إله إلا هو لكنَّا في حال غير هذا الحال:

﴿لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ ﴾

[ سورة الرعد: 11]

 حتى يغيروا، ليس حتى يعلموا، حتى يغيروا ما في أنفسهم، غيّر حتى يغير الله، معظم الناس يقولون: كأن الله تخلى عن المؤمنين أو تخلى عن المسلمين، الله لا يتخلى عن المؤمنين، ولكنهم حينما يتخلون هم عن أنفسهم، وعن مصلحتهم، وعن منهجهم، وعن دينهم القويم طبعاً يتخلى عنهم ليردعهم، إذا هان أمر الله على المسلمين هانوا على الله، يقول لك الناس: ما مررنا بحالة أصعب من هذه الحالة، أعداؤنا كثر، يتحدوننا، صحيح، ولكنْ اقرأ قوله تعالى:

﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾

[ سورة النور: 55]

 استخلاف، وتمكين، وتطمين، بشرط أن يعبدونني، فإن قصر الفريق الثاني فيما عليه، فالله جل جلاله في حلّ من وعوده الثلاثة.

﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً ﴾

[ سورة مريم: 59]

 وقد لقي المسلمون أو معظم المسلمين هذا الغي لأنهم تفلتوا من منهج الله عز وجل. نحن في أمس الحاجة إلى التطبيق، إلى تجارة نتعامل فيها بالإسلام بالأحكام الشرعية، إلى مشاريع منهجها منهج الإسلام، من أجل أن يرضى الله عنا، من أجل أن يوفقنا، من أجل أن ينصرنا على أعدائنا.
 أيها الأخوة الكرام، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وسيتخطى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا، الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني والحمد لله رب العالمين.

* * *

الخطبة الثانية :
 أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، صاحب الخلق العظيم، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المسواك و أهميته العلميّة :

 أيها الأخوة الكرام، ورد في مجلة مشهورة، تصدر في بعض البلاد العربية الشقيقة، ورد في هذه المجلة مقال لعالم متخصص بعلم الجراثيم والأوبئة بألمانيا، يقول هذا العالم في هذه المجلة وقد تُرجمت مقالته إلى اللغة العربية: قرأت عن السواك، الذي يستعمله العرب كفرشاة للأسنان، في كتاب لرحالة زار البلاد العربية، وعرض الكاتب الأمر بأسلوب ساخر لاذع، اتخذه دليلاً على تأخر هؤلاء الناس، الذين ينظفون أسنانهم بقطعة من الخشب في القرن العشرين، قرأ هذا الكتاب لرحالة غربي زار البلاد العربية، وتحدث عن السواك مستهزئاً، وغامزاً، ولامزاً، من العرب الذين وهم في القرن العشرين يستخدمون عوداً لتنظيف أسنانهم.
 يقول هذا العالم الألماني: ولكني أخذت هذه المسألة من وجهة نظر أخرى، وفكرت، لماذا لا يكون وراء هذه القطعة من الخشب والتي أسميتها فرشاة الأسنان العربية حقيقة علمية ؟ وتمنيت لو استطعت إجراء التجارب عليها، ثم سافر زميل لي إلى السودان، وعاد ومعه مجموعة منها، وفوراً بدأت إجراء تجاربي عليها، سحقتها، وبللتها، ووضعت المسحوق المبلل على مزارع الجراثيم، فظهرت لي المفاجأة التي لم أكن أتوقعها، ظهرت على هذه المزارع- مزارع الجراثيم - الآثار نفسها التي يؤثر بها البنسلين، البنسلين مادة فعالة في قتل الجراثيم، هذا السواك بلله وسحقه، ووضعه على مزرعة للجراثيم، فكان أثر مسحوق هذا السواك كأثر البنسلين تماماً، هذا ما قاله العالم الألماني المتخصص في علم الجراثيم والأوبئة، ونشر هذا في مجلة تصدر في بعض الأقطار العربية الشقيقة.
 أيها الأخوة الكرام، يجب أن تعلموا دائماً الذي يقوله النبي عليه الصلاة والسلام ليس من عنده، إنه من عند الخالق.

﴿وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ﴾

[سورة النجم: 1-5]

 من هنا نذكر قول سيدنا سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه يقول:" ثلاثة أنا فيهن رجل، وفيما سوى ذلك فأنا واحد من الناس- من هذه الثلاثة - وما سمعت حديثاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا علمت أنه حق من الله تعالى".

 

الدعاء :

 اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق ولا يُقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت، نستغفرك ونتوب إليك، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك. اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، ودنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين. اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك. اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين. اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا، وآمنا في أوطاننا، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً، وسائر بلاد المسلمين. اللهم إنا نعوذ بك من الخوف إلا منك، ومن الفقر إلا إليك، ومن الذل إلا لك، نعوذ بك من عضال الداء، ومن شماتة الأعداء، ومن السلب بعد العطاء. اللهم بفضلك ورحمتك أغننا بالافتقار إليك، ولا تفقرنا بالاستغناء عنك. اللهم بفضلك وبرحمتك أعل كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام، وأعز المسلمين، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى، إنك على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير.

 

تحميل النص

إخفاء الصور