وضع داكن
19-04-2024
Logo
الخطبة : 0595 - الوقاية من الإيدز3- منع الإباحية الجنسية والفوضى .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى:
 الحمد لله نحمده، ونستعين به ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنـا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته وإرغامـاً لمن جحد به وكفر. وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر أو سمعت أذن بخبر. اللهم صلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وعلى ذريته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين. اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرِنا الحــق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممــــن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

صنع الله متقن غاية الإتقان :

 أيها الأخوة الكرام: يقول الله جل جلاله:

﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾

[سورة الروم: 41]

 هذه الآية دقيقة جداً في تفسير ما آل إليه العالم من فساد وانحراف، صنع الله أيها الأخوة متقن غاية الإتقان، محكم غاية الإحكام، كامل غاية الكمال:

﴿وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ ﴾

[سورة النمل: 88]

﴿الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقاً مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ ﴾

[سورة الملك: 3]

 ذلك بأن كمال الخالق يظهر في كمال الخلق، وكذلك يظهر علمه، وتظهر قدرته، وحكمته، أما الفساد ففي تعريفه الدقيق خروج الشيء عن كمال خصائصه، وعن كمال صفاته، خصائص الماء الكاملة أنه لا لون له، ولا رائحة له، ولا طعم له، وفساد الماء وتلوثه بعناصر غريبة، وجراثيم فتاكة، هو الفساد الذي نعنيه في فساد الماء، كذلك فساد الهواء، كذلك فساد الأخلاق، كذلك فساد العلاقات.

 

الفساد مستحيل في أصل الخلق لأن كمال الله مطلق :

 أيها الأخوة الكرام: حقيقة من أهم عقائد التوحيد، الفساد مستحيل في أصل الخلق؛ لأن كمال الله مطلق، ولكن الفساد ممكن من جهة مخلوق، أودعت فيه الشهوات ليرقى بها صابراً، أو شاكراً إلى رب الأرض والسموات، وقد مُنح حرية الاختيار ليثمن عمله، ووضع له منهج دقيق إذا تحرك من خلاله وقاه الله الضلال والشقاء. مخلوق أودعت فيه الشهوات ليرقى بها صابراً أو شاكراً إلى رب الأرض والسموات، منح حرية الاختيار ليثمن عمله، وضع له منهج دقيق ليسير عليه، أما الإنسان إذا جهل حقيقته، وغفل عن ربه، وشرد عن منهج ربه، وجعل شهوته إلهاً يعبده من دون الله، قال تعالى:

﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾

[سورة الجاثية:23]

 وجعل حريته التي ينادي بها تفلتاً من كل قيد:

﴿أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً ﴾

[سورة الفرقان: 44]

 وجعل المنهج القويم الذي أنزله الله عز وجل على رسوله الكريم وراء ظهره، ولم يعبأ به:

﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً ﴾

[سورة الفرقان: 30]

 جهل حقيقة نفسه، وغفل عن ربه، وأطلق لحريته العنان، وجعل منهج الله وراء ظهره، فعندئذ يظهر الفساد، قال تعالى:

﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾

[سورة الروم: 41]

 من النتائج الحتمية لاتباع الهوى بغير هدى من الله أن الإنسان الضال يظلم نفسه فيشقيها، ويظلم مجتمعه فيفسده ويشقيه، ويظلم البيئة فيلوثها، قال تعالى:

﴿فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾

[سورة القصص: 50]

 أيها الأخوة الكرام: مما يؤكد هذه الحقيقة أن الله سبحانه وتعالى يقول:

﴿الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ * وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ ﴾

[سورة الشعراء: 78-82]

 لقد عزي الخلق إلى الله، وكذلك الهداية إلى الله، وكذلك الرزق إلى الله، وكذلك المرض عُزي في أصله إلى الإنسان إذا خرج عن منهج الواحد الدَّيان.

 

المصائب التي تحلّ بالبشرية نتيجة الخروج عن منهج الله :

 أيها الأخوة الكرام: ما من مصيبة على الإطلاق تحل بالبشرية إلا بسبب خروج الإنسان عن منهج الله، قال تعالى:

﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾

[سورة الشورى: 30]

 الفساد أيها الأخوة كما قلت قبل قليل يستحيل أن يكون في أصل الخلق، بل هو طارئ من كسب الإنسان، وهذا ما تؤكده الآية الكريمة، قال تعالى:

﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾

[سورة الروم: 41]

 ولحكمة بالغة بالغة جُعلت علاقة المعصية بنتائجها علاقة علمية، أي علاقة سبب بنتيجة، هذا تشريع الخبير، وجُعلت علاقة الطاعة بنتائجها علاقة علمية، أي علاقة سبب بنتيجة، قال تعالى:

﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾

[سورة الروم: 41]

 أيها الأخوة الكرام: النتائج الوبيلة للمعاصي ليست هي كل النتائج، بل بعضها، فالعاصي فضلاً عن أنه يخسر الدنيا يخسر الآخرة، وفضلاً عن أنه يُعذب في الدنيا يعذب في الآخرة، عذاب الدنيا ليس بشيء إذا قيس بعذاب الآخرة، ليذيقهم بالدنيا بعض الذي عملوا، من أجل ماذا ؟ من أجل أن يرجعوا إلى الله، وأن يتوبوا إليه، قال تعالى:

﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾

[سورة السجدة: 21]

من اتبع هواه وفق هدى الله لا شيء عليه :

 لا زلت في مقدمة الموضوع، آية ثانية:

﴿فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾

[سورة القصص: 50]

 هناك باعثان وراء كل أعمال الإنسان، باعث العقل وباعث الشهوة، باعث المبدأ وباعث الحاجة، باعث الآخرة وباعث الدنيا، باعث إرضاء الله عز وجل وباعث إرضاء الذات، باعث الخير وباعث الشر، هذه الإثنينية من البواعث ليس لها ثالث، لذلك قال تعالى:

﴿فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾

[سورة القصص: 50]

 إن لم تكن على الحق فأنت على الباطل، إن لم تكن مستجيباً لله عزو جل فأنت مستجيب للشيطان، إن لم تكن على منهج الحق فأنت مع الباطل، إن لم تكن من أهل الآخرة فأنت من أهل الدنيا، إثنينية في البواعث، وإثنينية في المناهج، إن لم تكن على أحدهما فأنت حتماً على المنهج الآخر، يقول الله عز وجل:

﴿فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾

[سورة القصص: 50]

 يُفهم من هذه الآية أنه من اتبع هواه- يفهم من هذه الآية وفق المدلول العكسي، أو المعنى المخالف في مصطلح علماء الأصول يفهم من هذه الآية - وفق هدى من الله، ووفق منهجه وشرعه فلا شيء عليه، من أراد أن يقضي وطره من الجنس الآخر فليتزوج؛ لأن الزواج أغض للبصر وأحصن للفرج، فلا شيء عليه، إنه اتبع هواه وفق هدى من الله، من أراد أن يحوز المال الذي زين للناس تملكه، فسلك في كسبه الطرق المشروعة فلا شيء عليه؛ لأنه اتبع الهوى وفق هدى الله عز وجل، ومنهجه، وشرعه، ولكن انهيار المجتمعات، وشقاء البشرية، يتأتى من اتباع الهوى بغير هدى من الله.

 

اتباع الهوى اعتداء على أعراض الآخرين :

 أيها الأخوة الكرام: حينما يصبح الهوى هدفاً يسعى إليه الإنسان فلا بد من أنَّ عدواناً سيقع على الآخرين، على حقوقهم الأدبية، وعلى حقوقهم المادية، وعلى أعراضهم، وهذا من أشدّ أنواع الظلم، قال تعالى في آخر هذه الآية:

 

﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾

[سورة القصص: 50]

 اتِّباع الهوى يعني أن تعتدي على أعراض الآخرين.

((عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: إِنَّ فَتًى شَابًّا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا؟ فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ قَالُوا: مَهْ مَهْ، فَقَالَ: ادْنُهْ فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا قَالَ فَجَلَسَ قَالَ: أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ قَالَ: وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ قَالَ أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ قَالَ لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ قَالَ: وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ قَالَ: وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتِهِمْ قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ قَالَ: وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ؟ قَالَ: لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالَاتِهِمْ قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ وَطَهِّرْ قَلْبَهُ وَحَصِّنْ فَرْجَهُ فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ))

[ أحمد عَنْ أَبِي أُمَامَةَ]

﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنْ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾

[سورة القصص: 50]

 أيها الأخوة الكرام: بقيت حقيقة في تمهيد الموضوع، الإنسان بين هدفين متعاكسين في الانسجام، فكلما اقترب من أحدهما ابتعد حكماً عن الآخر، إذا اقتربت من الهوى ابتعدت حكماً عن الله، إذا اقترب من سبيل الله ابتعدت عن الهوى، قال تعالى:

﴿يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ ﴾

[سورة ص: 25]

 بل إن الجنَّة التي خُلق الإنسان لها، والتي فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، إن هذه الجنَّة من أجل ألا تتبع الهوى، قال تعالى:

﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى ﴾

[سورة النازعات: 40]

الإيدز :

 أيها الأخوة الكرام: موضوع الخطبة اليوم هذا المرض الوبيل الذي يذكره العالم بأجمعه في هذا الأسبوع، أسبوع الوقاية من الإيدز، من دلائل نبوة النبي عليه الصلاة والسلام، ما رواه ابن ماجة والبيهقي، واللفظ له:

((عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ ـ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ ـ لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا -حتى يتباهوا بها، تُعقد مؤتمرات في القاهرة وبكين من أجل أن تُكرس الفاحشة، من أجل أن يكون هناك ثلاثة كيانات في الأسرة، رجل وامرأة، وامرأة وامراة، ورجل ورجل- حتى يعلنوا بِهَا إِلَّا فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمِ الَّذِينَ مَضَوْا - هذا الحديث الصحيح من دلائل نبوة النبي عليه الصلاة والسلام- وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ))

[ابن ماجة والبيهقي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَر]

 لقد عمَّ العالم مرض وبائي معد، سببه فيروس لم يكن معروفاً سابقاً، وبحسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية قبل ستة أشهر هناك أربعة وثلاثون مليون مصاب في العالم، أما الرقم الجديد فهناك سبعة وثلاثون مليون، التوقع مئة وعشرون مليون في عام ألفين، هذا المرض ينتشر لا بسلسلة عددية، ولا بسلسلة هندسية، بل بسلسلة انفجارية.
 قد يكون العدد الحقيقي كما يقول الخبراء ضعف هذا العدد ؛ لأن هناك أناساً كثيرين يتكتمون، ومما يزيد الحالة سوءاً عجز العالم بكل مؤسساته، وهيئاته العملية، وإمكاناته المالية، عن صنع لقاح مضاد لهذا المرض، إن هذا الفيروس لا ينتشر في أكثر حالاته إلا من خلال الإباحية، والفوضى الجنسية، والإدمان على المخدرات، ومن خلال انتشار السياحة بهدف الجنس - مصطلح جديد: السياحة الجنسية- أي إنه مرتبط بالسلوك الشخصي في الدرجة الأولى، هناك أمراض لا علاقة لها بالسلوك الشخصي كالأورام، أما هذا المرض فمرتبط بالسلوك الشخصي في الدرجة الأولى، وهناك مفارقة حادة يختص بها هذا الوباء، فبينما نجد أن معالجته مستعصية إلى درجة الاستحالة والموت الزؤام مصير كل مصاب فيه، نجد في الوقت نفسه أن الوقاية منه سهلة إلى درجة أن كل إنسان لم يصب بهذا المرض يملك الوقاية التامة منه، من خلال التزامه بالمنهج الإلهي من حيث العفة، والاستقامة، فكل شهوة أودعها الله في الإنسان جعل الله لها قناةً نظيفة تتحرك فيها، وأوامر الدين ضمان لسلامتنا، وليست قيوداً لحريتنا.
 الشيء المحيِّر في هذا الفيروس أنه يستطيع أن يغيِّر شكله، فلو أنفقت ألوف ملايين الملايين في البحث العلمي، عن لقاح مضاد له تذهب هذه الأموال أدراج الرياح، وتذهب هذه الجهود سدى حينما يغير هذا الفيروس شكله.

 

العفة و الاستقامة سبيلا النجاة من الإيدز و غيره من الأمراض :

 من أحدث المعلومات في هذا الموضوع أن كل الكشوف الصحية أو الاختبارات الصحية حول سلالتين فقط، هناك سلالات لم يتوصل العلم إلى كشوف لها، أو إلى اختبارات لها، فلو أخذنا النتيجة سلبية ربما كان هناك فيروس، ولو أخذنا النتيجة سلبية هناك ستة أشهر سماها العلماء الصمت المخبري، أن الفيروس في الدم ولا يعلن عن نفسه بكل وسائل التحليل، هناك ستة أشهر لا يُكشف المرض إطلاقاً ولا في أحدث المخابر، وهناك سلالات لم يُتوصل إلى البحث عنها، كأنَّ الله جل جلاله يريد من الإنسان المتفلِّت أن ينجو من هذا المرض بالعفة والاستقامة لا باللقاح والدواء، قال تعالى:

﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾

[سورة الروم: 41]

 شيء آخر: يقول بعض العلماء في محاضرة قيّمة ألقيت في دمشق:
 لو أنه افترض جدلاً - وهذا أقرب إلى المستحيل - أن جهود العلماء في السنوات الخمس القادمة توصلت إلى لقاح مضاد لهذا الفيروس، فإن تكاليف معالجة المريض الواحد تزيد في عملتنا عن عشرة ملايين ليرة سورية، أي أعقد عملية مليون، معالجة هذا المرض فيما لو اكتشف له دواء تزيد عن عشرة ملايين ليرة للمريض الواحد، وللسلالة الواحدة، هناك سلالات، وكأن الله جل جلاله يريد من الإنسان المتفلت أن ينجو من هذا المريض بالعفة والاستقامة لا باللقاح والدواء، قال تعالى:

﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾

[سورة الروم: 41]

 أيها الأخوة: في دراسة إحصائية أجريت في بلد تفاقم فيه انتشار هذا المرض بسبب الإباحية الجنسية والفوضى، وجدوا أنه في كل عشر ثوان يموت إنسان بمرض الإيدز، وهذا الإحصاء مأخوذ قبل عام بأكمله، وقلت لكم قبل قليل: إن سرعة انتشار هذا المرض تتم بمتوالية انفجارية، لا بمتوالية هندسية ولا عددية، فهذه الأرقام قبل عام في كل عشر ثوان يموت مريض بهذا المرض العضال.
 هناك دراسة قلتها قبل قليل تتوقع أن يكون عدد المصابين في عام ألفين مئة وعشرين مليون مصاب، إلا أن هناك خطأ في هذا المرض، هناك من يعتقد أن هناك مصاباً بهذا المرض وحاملاً له، لكنه وجد أن الحامل لفيروس هذا المرض مصاب به حتماً لكنه لا يزال في دور الحضانة، أما أعراضه المرعبة ففي طريقها إلى الظهور، فلا معنى إطلاقاً للتفريق بين المصاب والحامل؛ لأن الفرق بينهما فرق وقت لا فرق نوع.
 من المفارقات الحادة أن العالم كله ولاسيما الدول المتقدمة بمقياس العصر المادي العالم كله، بكل إمكاناته المالية والعلمية يقف عاجزاً مكتوف اليدين أمام أضعف فيروس ظهر حتى الآن، يفتك بالملايين الذين انحرفوا بأخلاقهم عن المنهج القويم، وكأن هذا الفيروس جند من جنود الله، ولا يعلم جنود ربك إلا هو، جعله الله عقاباً عاجلاً ليذيقهم بعض الذي عملوا لمن خرج عن الفطرة السليمة التي فطر الله الإنسان عليها فضلَّ وأضل، وفسد وأفسد، إذ لا سبيل إلى الخلاص منه إلا بالعودة إلى منهج الإسلام القويم، لذلك خبراء هذا المرض يصفون العالم الإسلامي بأنَّه الحزام الأخضر لهذا المرض.

 

الإيدز عقاب و ليس ابتلاء :

 من آيات الله الدالة على عظمته، ومن آيات الله الدالة على أن هذا المرض أراده الله عقاباً، وما أراده ابتلاءً، أن البعوضة تغرس خرطومها في جسم إنسان مصاب بمرض الإيدز، ألم يتلوث خرطومها بهذا الدم وتأخذ من دمه الملوث بهذا الفيروس؟ ثم تنتقل إلى إنسان سليم من هذا الفيروس فتغرس خرطومها في دمه النظيف ويختلط دمه النظيف مع الدم الملوث الذي جاءه من البعوضة ومع ذلك لا ينتقل المرض، كيف لا ينتقل المرض بلدغ البعوضة؟ ثبت علمياً أن لدغ البعوض لا ينقل المرض، هذا المرض سببه الانحراف، أراده عقاباً ولم يرده ابتلاءً.
 أيها الأخوة الكرام: أليست هذه آيةً صارخة تدل على أن الله جل وعلا جعل هذا المرض الفتَّاك عقاباًعلى السلوك الإباحي ليس غير ولم يجعل الإصابة به عشوائية؟
 الشيء الذي لا يُصدَّق أن العالم كله يبحث عن مضاد لهذا الفيروس ولا يبحث عن أصل سببه.. لو أن بلدة تشرب ماءً ملوثاً فظهر في أبنائها الأمراض والأوبئة، فهل من العقل والحكمة أن ندع الماء الملوث يفتك بأبناء هذه البلدة ثم نبحث عن المصل المضاد واللقاح الشافي، وأن نستقدم الأطباء، ونشيد المشافي، وأن نستورد الأجهزة أم العقل والحكمة أن نوقف الماء الملوث؟ العالم كله لا يبحث عن استئصال هذا المرض بالعفة والاستقامة، والحد من الإباحية، يبحث فقط عن مصل مضاد لهذا الفيروس، إنهم لا يقفون في وجه أسباب المرض، بل يحاولون أن يقفزوا عنها تملقاً لشهواتهم وانحرافاتهم، إن درهم وقاية خير من قنطار علاج، قال تعالى:

﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾

[سورة الجاثية: 23]

 وهو في قمة الذَّكاء، وهو في قمة الاطلاع، وهو متربع على عرش التقدم العلمي، ومع ذلك يبحث عن مضاد لهذا الفيروس ولا يبحث عن استئصال أسباب هذا المرض.

 

التزام طريق الله يقي الإنسان من الأمراض :

 الشاب الذي يبحث عن عمل ثم يبحث عن زوجة هو في الظاهر يبحث عن كفايته، ويقضي حاجته، وهو في الحقيقة يسهم هذا الشاب في بناء أمته؛ لأن الأسرة النظيفة المتماسكة هي الخلية الأولى في جسم المجتمع السوي المتقدم، الشاب الذي يهمل عمله، ويقضي وطره من طرق غير مشروعة، يسهم من حيث يريد أو لا يريد، من حيث يعلم أو لا يعلم، في تدمير نفسه وأسرته ومجتمعه، وهل الأمة إلا بشبابها وشاباتها؟؟
 يجب أن نسعى في تزويج الشباب، يجب أن نسهل لهم هذا الزواج، يجب أن نسهل لهم المساكن؛ لأن الوقاية من هذا المرض تكون بالتزام طريق الله عز وجل، بعضهم نظم هذه الأبيات:

يا بنات الجيــــــــــــــــل هيا حصنــــــــــوا هذا البنــــــــــــــــــــــــاء
احفظوا جيل الشبـــــــــــــــاب أرشـــــــــــــدوهم للصـــــــــــــــــواب
فهم النبع الغــــــزيــــــــر ولكـــــــــــم عذب الشــــــــــــــــــــــــــــراب
احذروا الغفلة عما في سما الدنيــــــــــــــــــــا يطيــــــــــــــــــــــــر
فالسموم الآن يجـــــري بثـــــــــها عبـــــــــــر الأثيـــــــــــــــــــــــــــر
من محطات الأعــــــــــــــــــــــــادي عبر شاشـــــــــــات صغيـرة
تعرض الجنــــــــــــــــس قبيحـــــــــــــاً في الليالــــــي والظــهيرة
حصنـــــــــــــوا كل الشبــــــــــــــاب لينيـــــــــــــــــــــروا كالبـــــــــدور
يسروا أمــــــــــــر الزواج لا تغــــــــــــــــــــالوا بالمـــــــــــــــــــــــهور
واحـــــــــــــــــــــذروا داء التبـــــــــــــــاهي بالأثاث والقصــــــــــــور
إنما نبـــــــــــع الســــــــــــعادة كامـــــــــــــــن ضمـن الصــــــــــدور
احــــــــــــــــــذروا الفيروس فهــــــــو الآن يختفي تحت الرماد
إن تجاهلنا الحقيقة فاجأتنا النار يوماً واكتوى كل العباد
بددوا الجهـــــــــــــــــل بعلــــــــــــم أيقظــــــــــوا أهل الـــــــــــــــــــرقاد
توجوا العلـــــــــــــــم بطهر صــــــــــــادق فهـــــــــــــــــــــــــو العماد
ها هــــــــو الفيـــــــــــــروس يغتال الضحايا قاصداً كل البلاد
وهو أعمــــــــــى عن شبـــــــــــــــــــاب طاهــــــر يأبـــــــى الفساد
إنمــــــــــــــــــــــا العفــــــــــــــة مــــــــــــاء بارد عـــــــــــــــــــــــذب زلال
يطفــــــــــــئ الجمــــــــــــــر ويروي كل من طلـــــــــــــب الحــلال
***

 أيها الأخوة الكرام: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وتخطى غيرنا إلينا فلنتخذ حذرنا. الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني، والحمد لله رب العالمين.

* * *

الخطبة الثانية :
 أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، صاحب الخلق العظيم، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المفارقة الحادة بين من يبتعد عن الإيدز محبة بالله و بين من يبتعد خوفاً على نفسه:

 أيها الأخوة الكرام: لا زلنا في الموضوع نفسه.. مفارقة حادة بين شاب يبتعد عن الحرام ؛ لأن الله حرمه يبتغي طاعة الله، ويطلب الجنَّة بهذه الطاعة، وبين شاب آخر يبتعد عن الحرام لئلا يصاب بهذا المرض، أين الثرى من الثريا؟ أين الثريا وهي أن تعبد الله، ترجو رحمته، وتخشى عذابه، أما الثرى فأن تبتعد عن الحرام لا محبة بالواحد الدَّيان، ولكن اتِّقاء مرض الإيدز.. ربنا عز وجل وصف الشاردين عنه بأنَّهم حبطت أعمالهم حتى لو استقاموا لقد حبط عمله، كانوا يعبدون الله بطاعتهم لله، أما الآن إذا ابتعدوا عن الحرام فخوفاً على أنفسهم من مرض الإيدز لقد حبط العمل.
 أيها الأخوة الكرام: شتَّان بين من يدع ما نهى الله عنه تقرُّباً إلى الله، وبين من يدع ما نهى الله عنه ابتغاء مصلحة نفسه، إنه يعبد ذاته، الذي يبتعد عن الحرام خوفاً من مرض الإيدز يعبد ذاته، أما الذي يبتعد عن الحرام خوفاً من الواحد الدَّيان فهو يعبد الله عز وجل، لذلك له الدنيا، له العطاء في الدنيا، وله جنَّة ربِّه يوم القيامة.

كيفية الوقاية من مرض الإيدز :

 شيء آخر: كل ما يُطرح في العالم اليوم أنَّ الوقاية من هذا المرض تكون باستعمال الواقي، إنما هي بتقوى الله عز وجل، الوقاية من هذا المرض كما يقولون بتوحيد الشريك، لا أن يكون له شركاء متعددون، جنسيون، ولكن الوقاية من هذا المرض بتوحيد الله عز وجل، وطاعته، وتعميق مفهوم التوحيد في حياة الإنسان.
 أيها الأخوة الكرام :رئيس دولة عظمى في العالم يقول: هناك أربعة أخطار تهدد مجتمعنا، هذه الدولة متربعة على سياسة العالم كله، يقول: أربعة أخطار تهدد مجتمعنا؛ انحلال الأخلاق، وتفتت الأسرة، والمخدرات، والجريمة، وهذا كله خروج عن منهج الله عزَّ وجل:

﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾

[سورة الروم: 41]

 الحقيقة أن الوقاية من هذا المرض تحتاج إلى توجيه الأجيال التوجيه الصحيح، الذي يربطهم بعقيدتهم السليمة، وبتعاليم دينهم، وهذه الوقاية يبنغي أن تحارب المبادئ الهدامة التي من لوازمها الإباحية.
 المثيرات التي تظهر في الطرقات، وعبر القنوات، وفي محطات الفضاء، هذه المثيرات، من دون رادع ديني، من دون وازع ديني أو رادع خلقي تنتهي إلى الفساد حتماً. تيسير سبل الزواج بتأمين المساكن استئجاراً بنسبة معقولة من دخل الشباب الذين هم في مقتبل الحياة أحد وسائل الوقاية من هذا المرض.
 أيها الأخوة الكرام: لا يمكن أن نقرب البارود من النار ثم نقول: علينا أن نتقي الانفجار.. لا يمكن أن نقرب البارود من النار ثم نبحث عن وقاية من هذا الانفجار، الانفجار واقع لا محالة، الفصل أن نبعد النار عن البارود، أو أن نيسر الانفجار السليم، كيف أن الوقود السائل في المركبة، إذا وضع في مستودعاته المحكمة، وسال في الأنابيب المحكمة، وانفجر في الوقت المناسب، وفي المكان المناسب ولّد حركة مناسبة، أما إذا خرج عن مساره وأصابت المركبة شرارة فأحرق المركبة ومن فيها، الشهوات إما أنها قوة دافعة وإما أنها قوة مدمرة، إما أنها سلم نرقى به إلى أعلى عليين، وإما أنها دركات نهوي بها إلى أسفل سافلين، الوقاية من هذا المرض تكون بمعرفة الله، ومعرفة منهجه، والصحو معه، وعقد التوبة، ثم التزام منهجه في الزواج، الوقاية من هذا المرض تكون بالبعد عن المثيرات في الطرقات، قال تعالى:

﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾

[سورة النور: 30]

 تكون في البعد عن الملهيات في البيوت هذا لهو الحديث، تكون في البعد عن صرعات العصر الحديثة التي تعد من علامات العصرنة، " طوبى لمن وسعته السنة ولم تستهوه البدعة "
 أيها الأخوة الكرام: كلكم يستطيع أن يساهم في الوقاية من هذا المرض، حينما نيسر لشاب الزواج، شاب مؤمن في مقتبل الحياة، أمامه عقبات كثيرة، فإذا سهل الأب قال تعالى:

﴿قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾

[سورة القصص: 27]

 إذا اقتدى كل أب بقول سيدنا شعيب: وما أريد أن أشقّ عليك، الأب والد الفتاة يستطيع أن يسهم في الوقاية من هذا المرض بتخفيض شروطه، والشاب الذي يعمل عملاً دؤوباً من أجل أن يحصن نفسه ويتزوج يسهم في الوقاية من هذا المرض، والمجتمع بأكمله إذا تعاون على إنشاء البيوت، أو على تسهيل السكن، أو على تأمين الأثاث الرخيص المعقول للشباب يسهم في حلّ هذه العقدة.
 أيها الأخوة الكرام: ولو كنت فرداً من آحاد المسلمين بإمكانك بشكل أو بآخر أن تسهم في الوقاية من هذا المرض، أما ما يُطرح في الإعلام الغربي عن أن الوقاية من هذا المرض تحتاج إلى واق، أو تحتاج إلى توحيد الشريك الجنسي شيء يبعث على الاشمئزاز، نحن نتَّقي هذا المرض بالعودة إلى منهج ربنا، نتَّقي هذا المرض بتوجيه الشباب الوجهة الصحيحة، بترسيخ قيم الإسلام، بتنوير العقول بعقيدة الإسلام، بهذا نتَّقي هذا المرض.

 

الدعاء :

 اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق ولا يُقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت، نستغفرك ونتوب إليك، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، اقسم لنا من خشيتك، ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا بها جنتك، ومن اليقين ما تهون علينا مصائب الدنيا، ومتعنا اللهم بأسماعنا، وأبصارنا، وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا، مولانا رب العالمين، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، ودنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين. اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك. اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين، اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا، وآمنا في أوطاننا، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً، وسائر بلاد المسلمين، اللهم إنا نعوذ بك من الخوف إلا منك، ومن الفقر إلا إليك، ومن الذل إلا لك، نعوذ بك من عضال الداء، ومن شماتة الأعداء، ومن السلب بعد العطاء، اللهم ما رزقتنا مما نحب فاجعله عوناً لنا فيما تحب، وما زويت عنا ما نحب فاجعله فراغاً لنا فيما تحب، اللهم صن وجوهنا باليسار، ولا تبذلها بالإقتار، فنسأل شر خلقك ونبتلى بحمد من أعطى، وذم من منع، وأنت من فوقهم ولي العطاء، وبيدك وحدك خزائن الأرض والسماء، اللهم كما أقررت أعين أهل الدنيا بدنياهم فأقرر أعيننا من رضوانك يا رب العالمين. اللهم بفضلك وبرحمتك أعل كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام، وأعز المسلمين، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى، إنك على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور