وضع داكن
23-04-2024
Logo
الخطبة : 0519 - الطريق إلى الله - منهج التلقي في الإسلام .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى:
 الحمد لله نحمده ، ونستعين به ونسترشده ، ونعوذ به من شرور أنفسنـا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً .
 وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقراراً بربوبيته وإرغامـاً لمن جحد به وكفر .
 وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله سيد الخلق والبشر ، ما اتصلت عين بنظر ، أو سمعت أذن بخبر . اللهم صلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وعلى ذريته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين . اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرِنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .

التّقابل و التّطابق في القرآن الكريم :

 أيها الأخوة الكرام ؛ آيات كثيرة فيها معنى التقابل ، والتقابل شيء والتطابق شيء آخر ، التقابل أن تقول : الخير والشر ، والحق والباطل ، والصلاح والطلاح ، أما التوافق فشيء آخر ، وربنا سبحانه وتعالى يذكر من هذه الآيات التي فيها معنى التقابل ، وقد يفيد التقابل التناقض .

﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ ﴾

[ سورة السجدة : 18 ]

﴿ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ﴾

[ سورة القلم : 35-36 ]

﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾

[ سورة الجاثية : 21 ]

﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ﴾

[ سورة القصص : 61]

﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾

[ سورة الزمر : 9 ]

 كل هذه الآيات تفيد معنى التقابل ، ومن معاني التقابل التناقض ، ففرق كبير بين المؤمن وبين الفاسق ، فرق كبير بين المسلم وغير المسلم ، وبين من يجترح السيئات وبين من يعمل الصالحات ، بين من وعده الله وعداً في الجنة ونعيمها ومن متعه الله في الدنيا متاعاً عاجلاً ثم هو يوم القيامة من المحضرين . . هذه الآيات كلكم يسمعها كثيراً ، ومن هذه الآيات أيضاً قوله تعالى :

﴿أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾

[سورة الرعد : 19]

 يقتضي السياق أن تكون الآية : أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن لا يعلم . . قال تعالى :

﴿ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى ﴾

[سورة الرعد : 19]

 فهذا الذي يعلم أنما أنزل إليه من ربه الحق ، من هو في نص هذه الآية ؟ هو البصير ! . . وكلكم يعلم علم اليقين أنه لا يستوي الأعمى والبصير . .

﴿أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾

[سورة الرعد : 19]

 فهذا الذي يقرأ كتاب الله ، ويعلم أنه كلام الله ، ويعلم أنه حق من عند الله ، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، هذا القرآن هو منهج الإنسان إلى طريق سعادته ، هذا القرآن الذي يهدي للذي هو أقوم ، هذا الذي يحل حلاله ، ويحرم حرامه ، ويصدق وعده ووعيده، ويأتمر بأمره وينتهي عما عنه نهى ، هذا هو البصير ولو كان أعمى العينين . وهذا الذي لا يعرف قيمة هذا الكتاب ، ولا خطورته في حياته ، ولا أنه طريق سعادته ، هذا هو الأعمى ، ولو كان نظره حاداً . .

 

الآيات التي تصف أهل الإيمان آيات خطيرة جداً :

 أيها الأخوة الكرام :

﴿أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾

[سورة الرعد : 19]

 هذه الكلمة وردت في القرآن كثيراً ، أي أصحاب العقول .. من هم أولو الألباب ؟

﴿الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ ﴾

[سورة الرعد : 20]

 أولى صفاتهم .

﴿وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ ﴾

[سورة الرعد : 21]

﴿وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ ﴾

[سورة الرعد : 22]

 أيها الأخوة الكرام ؛ الآيات التي تصف أهل الإيمان آيات خطيرة جداً ، لماذا؟ . . لأنها مقياس دقيق تقيس بها نفسك ، ولأنها هدف واضح أمامك ، قس بها إيمانك ، فإن كنت كما تريد فهذه نعمة من الله عظمى ، وإن لم تكن كوصف هذه الآيات فهي دليلك إلى هذه المرتبة .

 

البشر في القرآن الكريم لا يزيدون عن رجلين :

 أيها الأخوة الكرام ؛ محور هذه الخطبة وقفة متأنية عند قوله تعالى :

﴿وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ ﴾

[سورة الرعد : 21]

 هذه الآية فيها بمصطلحات علماء البلاغة إيجاز غني ، لم يقل يصلون شيئاً معيناً ، قال :

﴿وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ ﴾

[سورة الرعد : 21]

 وهذه (ما) تفيد الشمول . كل شيء أمر الله به أن يوصل يصلونه . . ما هو الشيء الذي في مقدمة هذه الأشياء وينبغي أن يكون موصولاً بالله عز وجل ؟ . . إنه قلبك الذي بين جنبيك . .
 أيها الأخوة الكرام ؛ القلب البشري ينبغي أن يتصل بالله ، ويمكن أن نقول : إن البشر على اختلاف مللهم ، ونحلهم ، وأجناسهم ، وألوانهم ، ومستوياتهم ، وثقافاتهم ، وأصولهم، وانتماءاتهم ، لا يزيدون عن رجلين ، رجل موصول قلبه بالله ففيه الخير كله ، فيه الكمال كله ، فيه الرحمة كلها ، فيه العدل كله ، فيه الإنصاف كله ، فيه الرأفة ، فيه الحلم ، وفيه الإحسان ، ورجل مقطوع قلبه عن الله ، فيه القسوة ، فيه الجحود ، فيه الفظاظة ، فيه الإساءة ، لا يزيد البشر عن رجلين ، موصول ومقطوع ، منضبط ومتفلت ، محسن ومسيء ، سعيد وشقي . . ولن تجد في الحياة الدنيا صنفاً ثالثاً . .

﴿وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ ﴾

[سورة الرعد : 21]

 هذا القلب ينبغي أن يتصل بالله ، ولكن كيف ؟ . . ما الطريق ؟ . . على أي طريق ينبغي أن يسلك ؟ . .

 

الطرائق إلى الله و التي يمكن للقلب أن يسلكها هي :

1 ـ التوحيد :

 أيها الأخوة الكرام ؛ الطريق الأول إلى الله الذي يمكن أن يسلكه القلب طريق التوحيد ، فما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد ، إنك إن أيقنت أن كل ما في الكون بيد إله واحد، سميع مجيب ، قريب ، يعلم السر وأخفى ، لا يعجزه شيء في السموات ولا في الأرض ، بكل شيء عليم ، على كل شيء قدير ، هو الأول والآخر ، والظاهر والباطن ، هو الرافع والخافض ، هو المعز والمذل ، هو المعطي والمانع ، هو القابض والباسط . . إذا أيقنت أن لهذا الكون خالقاً واحداً ، ورباً واحداً ، وإلهاً واحداً ، إليه يُرجع الأمر كله ، تجد نفسك وأنت لا تدري تتجه إليه . أما إذا رأيت جهات أخرى بيدها أمرك ، وبيدها رزقك ، وبيدها رفعتك ، وبيدها شقاؤك ، بحكم فطرتك لابد من أن تتجه إلى هذه الجهات الأخرى ، فإذا اتجهت إليها أشركت ، وحبط عملك ، وشقيت في الدنيا والآخرة . قال تعالى :

﴿فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ ﴾

[سورة الشعراء : 213]

 كيف يسلك القلب إلى الله وهو متلبس بالشرك ؟ كيف ؟ . . كيف يسلك القلب سبيلاً إلى الله وهو يرى أن زيداً أو عبيداً ، وفلاناً وعلاناً بيده الأمر ؟ . . إن لم تر أن الأمر بيد الله وحده ، وأن كل شيء في حياتك من أصغر شيء إلى أكبر شيء بيد هذا الإله الواحد، الذي هو يعلم من نفسك ما لا تعلم أنت منها . أقرب إليك من حبل الوريد ، يعلم ما توسوس به نفسك ، التوحيد هو المسلك الأول إلى الله ، فأي قلب أشرك بالله عز وجل كأن الطريق إلى الله صار مسدوداً . .

﴿وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ ﴾

[سورة الرعد : 21]

 يصلون قلبهم بالله بعد أن أيقنوا أنه لا إله إلا الله ، ولا معبود بحق إلا الله ، ولا رافع ولا خافض إلى الله ، ولا معطي ولا مانع إلا الله . . ما من أحد في العالم إلا قلة قليلة تحتاج إلى مصحات نفسية ، ما من أحد إلا ويؤمن أن لهذا الكون خالقاً ، لكن العبرة من الإيمان أن تؤمن بأن لهذا الكون إلهاً . . لهذا الكون خالقاً ، هذا شيء لا يختلف فيه اثنان ، أما الله جل جلاله فهو الفعال ، هو الذي في السماء إله وفي الأرض إله ، إليه يُرجع الأمر كله . . هذا هو الخط الأول الذي ينبغي أن تصل من خلاله إلى الله عز وجل .

2 ـ التوجه إلى الله وحده :

 وأما الخط الثاني فالخط الثاني من لوازم الخط الأول ، إذا أيقنت أنه لا إله إلا الله ، فبحكم فطرتك ، فبحكم حبك لذاتك ، ولوجودك ، ولسلامة وجودك ، ولكمال وجودك ، ولاستمرار وجودك ، ينبغي أن تتجه إليه وحده ، أن تفرده بالعبادة ، ألا تعبد معه إلهاً آخر ، ألا تطبق منهجاً آخر إلا منهج الله ، ألا تصغي إلى توجيه آخر ، ألا تقلد مذهباً آخر ، ألا تقتبس مبدأً آخر . إذا أيقنت أنه لا إله إلا الله ، ينبغي أن تتوجه إليه وحده . هذا هو الخط الثاني . .
 أيها الأخوة الكرام ؛ كل أنواع العبادات . .

﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾

[سورة الأنعام : 162]

 صلاتك لله ، صيامك لله ، حجك لله ، دعاؤك لله ، قسمك بالله ، نذرك لله ، ولاؤك لله ، عداوتك لغير الله ، خشيتك من الله ، رجاؤك منعقد على الله عز وجل . هذا الخط الثاني الذي ينبغي أن تسلكه إلى الله ، وكأن بين الخطين تلازماً ، لمجرد أن توقن أنه لا إله إلا الله تتجه إليه .
 أيها الأخوة الكرام ؛ في حياتنا أنت بحاجة إلى موافقة على هذا الطلب ، والدائرة التي أنت فيها يوجد فيها ألف موظف ، إذا أيقنت أن في هذه الدائرة إنساناً واحداً يملك حق التوقيع بالموافقة لا تتجه إلى غيره ، ولا تبذل ماء وجهك إلى سواه ، ولا تتذلل أمام غيره ، ولا تعطي غيره شيئاً . . إذا أيقنت وأنت في الدنيا ، وأنت في متابعة معاملة ، إذا أيقنت أن حق التوقيع بالموافقة بيد زيد ليس غير ، لا يمكن أن ترجو إنساناً آخر ، ولا أن تتضعضع أمام إنسان آخر ، ولا أن تبذل ماء وجهك أمام إنسان آخر ، ولا أن تتمسكن أمام إنسان آخر . . من لوازم التوحيد العزة . . الله جل جلاله يقول :

﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾

[سورة المنافقون : 8]

 من لوازم التوحيد عدم النفاق ، من لوازم التوحيد الشجاعة ، شيئان اختص الله بهما ، وليسا لأحد سواه ، رزقك وحياتك ، حياتك بيد الله ورزقك بيد الله ، وكلمة الحق لا تقطع رزقاً ولا تقرب أجلاً .

3 ـ الاحتكام إلى شريعة الله :

 أيها الأخوة الكرام ؛ أما الخط الثالث فمن أجل أن يسلك هذا القلب طريقه إلى الله، من أجل أن يتصل بالله ، من أجل أن تصل قلبك الذي أمرك الله أن توصله به ، ينبغي أن تحتكم إلى شريعة الله . .

﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾

[سورة النساء : 65]

 لابد من أن توقن ، مثل يوضح الحقيقة : عندك جهاز بالغ التعقيد ، حاسوب ، ولك ابن لا تزيد سنه عن عشر سنوات ، ولهذا الحاسوب تعليمات دقيقة من مصنعه ، فلو جاءك توجيه من ابنك أن افعل به كذا ، وتوجيه من الصانع ، قبل أن تصغي إلى مضمون التوجيه ، قبل أن تحكم عقلك في المضمون ، ألست موقناً يقيناً قطعياً أن الصانع ينبغي أن يُستجاب له ؟ تعليمات الصانع لا تُناقش ، لأنه أخبر شيء بهذه الآلة ، هو العليم الخبير . الله سبحانه وتعالى ماذا يقول ؟

﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾

[سورة البقرة : 216]

﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ﴾

[سورة الإسراء : 85]

 الله جلّ جلاله هو الخبير :

﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾

[سورة الملك : 14]

﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ﴾

[سورة ق : 16]

 أيها الأخوة الكرام ؛ هناك يقين قطعي ، قبل أن تنظر في مضمون الأمر ، هناك توجيه الخالق ، وهناك هوى المخلوق ، فهل يُعقل أن تستجيب لنزوة مخلوق ؟ أو لغريزة مخلوق؟ أو لشهوة مخلوق ؟ أو لوهم مخلوق وتدع توجيه الخالق ؟ فلذلك أرجحكم عقلاً أشدكم لله حباً . . قبل أن تنظر في المضمون ، هذا كلام خالق الكون ، وهذا كلام إنسان ضعيف ، قد يكون منحرفاً ، قد يكون قاصراً في علمه ، قاصراً في إدراكه ، فالخط الثالث أن تعتقد يقيناً كاعتقادك بوجودك أن توجيه الله ، وشرعه ، وقانونه ، ودستوره هو الأصلح للبشر ، ولا يمكن أن ترى في المجتمعات البشرية مشكلة عويصة ، مأساة كبيرة ، إلا بسبب خروج عن منهج الله ، وهذا الخروج لا يُفسر إلاٍ بالجهل ، والجاهل ينال من نفسه ما لا يستطيع عدوه أن يناله منه .
 أيها الأخوة الكرام ؛ يكفي أن الله سبحانه وتعالى يقول :

﴿أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ﴾

[سورة الأعراف : 54]

 الأمر لمن خلق ، التعليمات يجب أن نأخذها ممن خلق ، التوجيهات حلال ، حرام ، مباح ، مكروه ، فرض ، واجب ، يجب أن نأخذها ممن خلق . لقوله تعالى :

﴿أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ﴾

[سورة الأعراف : 54]

 فإذا عشت في مجتمع لا يقيم وزناً لمنهج الله برئت منك ذمة الله ، لذلك ورد في الحديث الشريف أنه : "من أقام مع المشركين برئت منه ذمة الله " لأن هؤلاء لا يقيمون منهج الله، تعليمات الصانع لا وزن لها عندهم ، أهواؤهم وشهواتهم تتحكم بهم ، فلا بد من التوحيد ، ولا بد من توحيد الوجهة إلى الله عز وجل ، ولابد من أن تحتكم إلى شرع الله عز وجل .

4 ـ تأدية التكاليف :

 والخط الرابع : أن تؤدي التكاليف ، ولو أنها ذات كلفة ، ما سُمي التكليف تكليفاً إلا لأنه ذو كلفة ، إذا أديت ما عليك من واجبات ومن حقوق ، عبدت الله كما يريد ، لا كما تريد أنت ، يجب أن تعبده ، ويجب أن تعبده كما أمر ، لا كما تريد ، ويجب أن تحسن إلى خلقه ، ويجب أن تقف عند حدوده ، ويجب أن تحل ما أحلّ ، وأن تحرم ما حرم ، وأن تبادر لما دعاك إليه ، وأن تجتنب ما نهاك عنه ، إن فعلت ذلك فقد أديت التكاليف .

5 ـ التخلق بالأخلاق الإسلامية :

 والخط الخامس الذي به تسلك إلى الله عز وجل أن تتخلق بالأخلاق الإسلامية ، ولا تنس أن الإسلام في أصله مجموعة قيم أخلاقية . .
 كنا قوماً أهل جاهلية ، نعبد الأصنام ، ونأكل الميتة ، ونأتي الفواحش ، ونسيء الجوار ، ونقطع الرحم ، حتى بعث الله فينا رجلاً نعرف صدقه ، وعفافه ، فدعانا إلى الله لنعبده، ونوحده ، ونخلع ما كان يعبد آباؤنا من الحجارة والأوثان ، وأمرنا بصدق الحديث ، وأداء الأمانة، وصلة الرحم ، والكف عن المحارم والدماء . هكذا فهم حقيقة الإسلام سيدنا جعفر رضي الله عنه . .

 

جوهر الدين الاتصال بالله و توحيده :

 أيها الأخوة الكرام ؛

﴿وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ ﴾

[سورة الرعد : 21]

 جوهر الدين الاتصال بالله ، وأساس الاتصال أن توحده ، وأن تفرده بالعبادة ، وأن تحتكم إلى منهجه ، وأن تؤدي ما عليك من تكاليف ، وأن تتخلق بأخلاق الإسلام ، إن فعلت هذه الأشياء الخمسة وجدت قلبك موصولاً إلى الله ، فإذا اتصلت بالله قطفت كل ثمار الدين ، وكل ثمار الإسلام ، وشعرت بسعادة لا تُوصف ؛ لأنك طبقت منهج الله عز وجل . أما أن ترفع يديك إلى الصلاة ، ومطعمك حرام ، ومشربك حرام ، وملبسك حرام ، فأنى تنعقد هذه الصلة ؟ أما أن تعيش حياتك وفق ما تهوى ، على مناهج أهل الكفر ، وعلى مناهج أهل البعد ، ثم تتوجه لتصلي ، هذه الصلاة أيها الأخوة يجب أن تستمر عليها ، ولكن لا تنعقد ، ولا تكون كما أراد الله عز وجل أن تكون إلا حينما تسلك هذه الطرق الخمسة إلى الله عز وجل .

 

التدبر بآيات التقابل في القرآن الكريم :

 أيها الأخوة الكرام :

﴿وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ * وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ ﴾

[سورة الرعد : 21-22]

 حبذا كلما قرأت آية فيها تقابل ، عندما ينزل الله عز وجل على النبي آية فيها تقابل أي أن البون شاسع جداً إلى درجة التناقض .

﴿أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ ﴾

[سورة السجدة : 18]

 أكره رائحة على الأرض من دون استثناء رائحة اللحم المتفسخ ، وأطيب طعامٍ طعامُ اللحم ، وهو لحم . . مرة يغدو أبعد شيء عن نفس الإنسان و مرة يغدو أشهى شيء إليه وهو واحد في أصله . فالإنسان إن اتصل بالله عز وجل ملك يمشي على وجه الأرض ؛ رحمة ، وعلم ، وحكمة ، ورأفة ، وحلم ، وإنصاف . . أما إذا انقطع عن الله عز وجل فهو كاللحم المتفسخ ، كل حركاته وسكناته تؤذي ، لذلك إذا مات العبد المؤمن استراح من عناء الدنيا ، بينما إذا مات العبد الفاجر استراح الناس منه .

﴿فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ ﴾

[سورة الدخان : 29]

 معنى ذلك أن المؤمن تبكي عليه السماء والأرض ، وليس بين هذين التقسيمين تقسيم ثالث . . مؤمن موحد ، موصول ، منضبط ، محسن ، سعيد في الدنيا والآخرة . كافر ، أو مشرك ، مقطوع ، متفلت ، مسيء ، شقي في الدنيا والآخرة . .
 أيها الأخوة الكرام ؛ حبذا لو نقرأ القرآن الكريم مع التدبر . . هذه الآيات :

﴿ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ﴾

[ سورة القلم : 35-36 ]

﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾

[ سورة الجاثية : 21 ]

﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ﴾

[ سورة القصص : 61]

﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾

[ سورة الزمر : 9 ]

﴿أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾

[سورة الرعد : 19]

 أيها الأخوة الكرام ؛ حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم ، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا لغيرنا وسيتخطى غيرنا إلينا ، الكيس من دان نفسه ، وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها ، وتمنى على الله الأماني ..

* * *

الخطبة الثانية :
 أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله ، صاحب الخلق العظيم ، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

منهج التلقي في حياة الإنسان :

 أيها الأخوة الكرام ؛ ينبغي للمؤمن أن يتعرف إلى منهج التلقي في الإسلام ، ماذا يقبل وماذا يرفض ؟ قد تجد إنساناً في عقله متناقضات ، نصوص متضاربة ، وجهات نظر متعاكسة ، مزق ونتف من هنا وهنا ، لكن المؤمن الصادق عنده منهج التلقي ، لا يقبل إلا بالدليل ، ولا يرفض إلا بالدليل ، وأية مقولة تُعرض عليه يقيسها بالكتاب والسنة ، هذا منهج البحث ، أو منهج التلقي مهم جداً في حياة الإنسان . لا أريد أن أستفيض في موضوع أصولي ولكن أضع بين أيديكم مثلاً : لو قرأت أن أحدهم مهما عظم اسمه يقول : المرأة شر كلها ، وشر ما فيها أنه لابد منها . فهل تقبل هذه المقولة أم تقيسها بالكتاب والسنة ؟ . .
 هذا الذي ليس عنده منهج تلقي ، ولا منهج بحث في الدين ، يقبل كل شيء ، أو يرفض كل شيء ، هذا إنسان غير سوي . . من لوازم طلب العلم أن تمتلك منهجاً لتلقي العلم ، ومنهجاً للبحث في موضوع ما .
 فيا أيها الأخوة الأكارم ؛ من ملامح منهج التلقي ، أو منهج البحث في الإسلام أن في حياة المسلم نصوصاً ثلاثة ، النص الأول هو كلام الله ، كلام الله قطعي الثبوت ، منه ما هو قطعي الدلالة ، ومنه ما هو ظني الدلالة ، لا يُسمح لك مع كلام الله إلا أن تجتهد في فهمه كما أراد الله ، وفق علم الأصول وقواعد التفسير ، لأنه قطعي الثبوت ، أما حديث رسول الله فهو النص الثاني في حياة المسلم . الحديث النبوي الشريف قطعي الثبوت ، وظني الثبوت ، بعضه قطعي الثبوت كالمتواتر والصحيح ، وبعضه ظني الثبوت كالضعيف والحسن . لذلك أنت حينما تقرأ حديثاً نبوياً ، أو حين ينقل إليك حديث نبوي ، ينبغي بادئ ذي بدء أن تتحقق من صحته ، فهناك أحاديث ما قالها النبي عليه الصلاة والسلام ، وهي سبب فرقة المسلمين . الشيء الثاني : عليك أن تفهم هذا الحديث كما أراد النبي عليه الصلاة والسلام ، لا على هواك، كما فهمه الفقهاء الكبار المجتهدون ، الأئمة الأعلام . وأما النص الثالث الذي في حياة المسلم فهذا النص الثالث نص أي إنسان وهو غير كلام الله وكلام رسوله ، لأن الله كلامه حق والنبي معصوم ، وما سوى ذلك كل إنسان يُؤخذ منه ويُرد عليه . فالنص الثالث : أنت مكلف أن تتحقق من صحة نسبته إلى صاحبه ، وأن تتحقق من مدلوله الذي أراده صاحبه ، وأن تقيسه بالكتاب والسنة ، فإن وافقه فعلى العين والرأس ، وإن خالفه لا تعبأ به ، ولا تقم له وزناً . هذا منهج التلقي ، وهذا منهج البحث في الإسلام . .

قياس كل مقولة وفق الكتاب و السنة لقبولها أو رفضها :

 الآن أضع بين أيديكم هذه المقولة : المرأة شر كلها ، وشر ما فيها أنه لابد منها . مع قوله تعالى :

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً﴾

[ سورة النساء : 1]

 ما قال الله عز وجل إنها شر كلها .

﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً﴾

[سورة الأحزاب : 35]

 هذا كلام الله عز وجل :

﴿فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ﴾

[سورة آل عمران : 195]

﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ ﴾

[سورة البقرة : 187]

﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾

[سورة الروم : 21]

 هذا كلام الله . . والنبي عليه الصلاة والسلام :

(( إنما النساء شقائق الرجال ))

[ الترمذي عن عائشة ]

 ويقول عليه الصلاة والسلام :

(( الدنيا كلها متاع وخير متاعها المرأة الصالحة ؛ التي إذا نظرت إليها سرتك ، وإذا أمرتها أطاعتك ، وإذا أقسمت عليها أبرتك ، وإذا غبت عنها حفظتك في مالك ونفسها))

[النسائي عن عمرو بن العاص ]

(( ومن سعادة ابن آدم ثلاثة ، الزوجة الصالحة ، والمركب الصالح ، والمسكن الواسع ))

[الطيالسي عن سعد وأخرجه الحاكم في المستدرك وقال صحيح وأقره الذهبي]

 والنبي عليه الصلاة والسلام وصف البنات بأنهن المؤنسات الغاليات .
 فقال :

((لا تكرهوا البنات ، فإنهن المؤنسات الغاليات ))

[ أحمد في مسنده والطبراني في الكبير عن عقبة بن عامر]

 جاءته فاطمة ، فقال :

((ريحانة أشمها وعلى الله رزقها ))

[ ورد في الأثر]

 هذه سنة النبي ، فأي مقولة تعرض عليك ينبغي أن تقيسها بالكتاب والسنة ، لا تقبل كل شيء ، ولا ترفض كل شيء ، معك منهج ، المنهج كلام الله ، وما صح من كلام النبي ، فإذا رأيت مقولة تتنافى مع كلام الله يجب أن ترفضها ، وألا تقبلها .
 اتق شر من أحسنت إليه ، ماذا قال النبي ؟ قال :

(( اصنع المعروف إلى من هو أهله ، وإلى غير أهله ، فإن أصبت أهله أصبت أهله ، وإن لم تصب أهله كنت أنت أهله ))

[الخطيب في رواية مالك عن ابن عمر بن النجار عن علي]

 هذا توجيه النبي عليه الصلاة والسلام . أي يجب ألا تقبل شيئاً إلا وفق الكتاب والسنة ، وألا ترفض شيئاً إذا كان موافقاً للكتاب والسنة . هذا منهج المسلم في التلقي ، ومنهج التلقي قبل طلب العلم ، قبل أن تطلب العلم تأكد ، هل تملك منهجاً صحيحاً للتلقي ؟ هل تقبل وفق الدليل ؟ ما معنى قوله تعالى :

﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾

[سورة يوسف : 108]

 ما معنى البصيرة هنا ؟ أن تملك الدليل والتعليل . يقول عليه الصلاة والسلام :

(( من رزقه الله امرأة صالحة فقد أعانه على شطر دينه ، فليتق الله في الشطر الباقي ))

[البيهقي عن أنس]

 ويقول عليه الصلاة والسلام :

(( أربع من أصابهن فقد أعطي خير الدنيا والآخرة ..... وزوجة صالحة لا تبغيه حوباً في نفسها وماله ))

[ الطبري عن ابن عباس]

 وحين وردت الآية الكريمة :

﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾

[سورة البقرة: 201]

 سئل أحد العلماء الكبار ما حسنة الدنيا ؟ قال : المرأة الصالحة . .
 أيها الأخوة الكرام ؛ إن فطرة المرأة ليست مناقضة ولا مخالفة لفطرة الرجل ، فكما أن الرجل يصبح خيراً وشريراً كذلك المرأة ، لذلك فطرة المرأة والرجل على حدّ سواء تقبل الخير والشر ، وهذا هو الاختيار .

﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا*فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا*قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ﴾

[ سورة الشمس الآيات : 7-9]

 ناقش هذا القول مناقشة أخرى ، إذا خلق الله المرأة شر كلها ، وجعلنا مضطرين إليها ، فكأن الله عز وجل ألجأنا إلى الشر ، وهذا يستحيل على ذات الله عز وجل .

 

التحذير من الافتتان بالمرأة لا يعني أنها شر و لكن انحراف الإنسان يوقعه في الشر :

 أيها الأخوة الكرام ؛ يقول الله عز وجل :

﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾

[سورة آل عمران : 26]

 الإنسان إذا تراءى له لقصور في فهمه أن هذا الشيء شر هو في الحقيقة شر نسبي ، أي شر بالنسبة إليه ، وشر جزئي ، وهذا الشر على حسب ادعائه مغمور في خير كبير، وهو نعمة باطنة ، وهو معنى قوله تعالى :

﴿وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ﴾

[سورة لقمان : 20]

 وهو كالمكبح في السيارة يتناقض مع سرّ صنعها ، لكنه ضمان لسلامتها . . إن كان هناك ما يُوصف بأنه شر فهو كالمكبح في السيارة ضمان لسلامتها .
 أيها الأخوة الكرام ؛ من مناجاة النبي صلى الله عليه وسلم لربه :

((والشر ليس إليك . .))

[ مسلم عن علي رضي الله عنه]

 لكن النبي عليه الصلاة والسلام ، حذرنا من فتنة النساء ، فقال عليه الصلاة والسلام :

(( ما تركت بعدي فتنة أضرّ على الرجال من النساء ...))

[الترمذي وابن ماجه عن أسامة ]

 هذا التحذير من الافتتان بالمرأة لا يعني أنها شر كلها ، ولكن لشدة الحاجة إليها، ولأن الفطرة معقودة على الاقتران بها ، فإذا انحرف الإنسان عن منهج الله في طلب هذه الحاجة فقد وقع في الشر . .
 أيها الأخوة الكرام ؛ المرأة المسلمة بنت مهذبة ، وزوجة صالحة ، وأم فاضلة ، وليست شيطانة تغوي ، وتدعو إلى المعصية وتردي . . هذا الدور أراده أهل الكفر والعصيان والفجور ، أما الدور الذي أراده الله للمرأة فأن تكون بنتاً مهذبة ، وزوجة صالحة ، وأماً فاضلة ..

الدعاء :

 اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولنا فيمن توليت ، وبارك لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شرّ ما قضيت ، فإنك تقضي بالحق ولا يُقضى عليك ، إنه لا يذل من واليت ، ولا يعز من عاديت ، تباركت ربنا وتعاليت ، ولك الحمد على ما قضيت ، نستغفرك ونتوب إليك ، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك . اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارض عنا ، اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا بها جنتك ، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا ، ومتعنا اللهم بأسماعنا ، وأبصارنا ، وقوتنا ما أحييتنا ، واجعله الوارث منا ، واجعل ثأرنا على من ظلمنا ، وانصرنا على من عادانا ، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ، ولا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا ، مولانا رب العالمين . اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، ودنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر ، مولانا رب العالمين . اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك . اللهم لا تؤمنا مكرك ، ولا تهتك عنا سترك ، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين . اللهم استر عوراتنا ، وآمن روعاتنا ، وآمنا في أوطاننا ، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين . اللهم إنا نعوذ بك من الخوف إلا منك ، ومن الفقر إلا إليك ، ومن الذل إلا لك ، نعوذ بك من عضال الداء ، ومن شماتة الأعداء ، ومن السلب بعد العطاء . اللهم ما رزقتنا مما نحب فاجعله عوناً لنا فيما تحب ، وما زويت عنا ما نحب فاجعله فراغاً لنا فيما تحب . اللهم صن وجوهنا باليسار ، ولا تبذلها بالإقتار ، فنسأل شرّ خلقك ، ونبتلى بحمد من أعطى ، وذم من منع ، وأنت من فوقهم ولي العطاء ، وبيدك وحدك خزائن الأرض والسماء . اللهم كما أقررت أعين أهل الدنيا بدنياهم فأقرر أعيننا من رضوانك يا رب العالمين . اللهم بفضلك وبرحمتك أعل كلمة الحق والدين ، وانصر الإسلام وأعز المسلمين، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى ، إنك على ما تشاء قدير ، وبالإجابة جدير .

 

تحميل النص

إخفاء الصور