وضع داكن
29-03-2024
Logo
الخطبة : 0517 - قال تعالى، ألهاكم التكاثر . . - نموذج حيّ من اليقظة التي يرقى بها الإنسان .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى:
 الحمد لله نحمده ، ونستعين به ونسترشده ، ونعوذ به من شرور أنفسنـا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقراراً بربوبيته وإرغامـاً لمن جحد به وكفر . وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله سيد الخلق والبشر ، ما اتصلت عين بنظر ، أو سمعت أذن بخبر . اللهم صلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وعلى ذريته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين . اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرِنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .

مرض التكاثر :

 أيها الأخوة الكرام ؛ سورة قصيرة من سور الجزء الثلاثين من القرآن الكريم هي سورة التكاثر ، قال تعالى :

﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ * كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ * ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ﴾

[سورة التكاثر: 1-8]

 أيها الأخوة الكرام ؛ سبق أن شُرحت هذه السورة من على هذا المنبر ، وفي درس تفسير عام ، ولكن لأن القرآن الكريم لا يخلق عن كثرة ردّ ، ولا تنقضي عجائبه كما قال عنه سيد الخلق ، فمن الثابت أن الله سبحانه وتعالى يخاطب الناس بأصول الدين ، ويخاطب المؤمنين خاصة بفروع الدين ، وفي هذه السورة الكريمة يخاطب الناس بمرض وبائي ربما كان سبب هلاكهم إنه مرض التكاثر .
 التكاثر أيها الأخوة مصدر لفعل تكاثر ، وتكاثر كما تعلمون على صيغة تفاعل ، وهذه الصيغة تفيد المشاركة ، أي أنا أكاثرك وأنت تكاثرني ، أنا أتيه عليك بمالي ، وأنت تتيه عليّ بولدك ، أنا أريك ما عندي وأنت تريني ما عندك ، هذا هو التكاثر . اتجه الخلق إلى بعضهم بعضاً ونسوا ربهم .
 أيها الأخوة الكرام ؛ إذا قلت : إن زيداً تكاثر مع عبيد ، أي أن زيداً أظهر ما عنده إما بلسان قاله أو بلسان حاله ، وأن عبيداً كاثر زيداً ، أي أظهر عبيد لزيد ما عنده إما بلسان قاله ، وإما بلسان حاله . أن يتجه الخلق إلى الزهو إلى أن يعلو بعضهم على بعض ، إلى أن يتيهوا بما عندهم على نظرائهم ، هذا المرض مرض وبائي ، إذا اتسعت رقعته كان سبب هلاك الناس .

 

الدنيا مطية للآخرة فعلى الإنسان ألا يجعلها محط آماله :

 أيها الأخوة الكرام ؛ اشتغل الناس بالخلق عن الحق ، ألم يقل الله عز وجل في قصة أصاحب الجنتين ، قال له صاحبه وهو يحاوره :

﴿أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً ﴾

[سورة الكهف: 34]

 في هذه الآية معنيان دقيقان ، المعنى الأول أن المكاثرة تعني أن يتيه كل على صاحبه بما عنده ، بلسان قاله أو بلسان حاله ، وأما المعنى الثاني فأن ينطلق الإنسان جاهداً ليحوز الدرجة العليا في الدنيا لا في الآخرة . الدنيا أيها الأخوة مطية للآخرة ، أما إذا جُعلت هدفاً ، أما إذا انتهت عندها الآمال ، وحطت عندها الرحال ، وأصبحت الدنيا ميدان سبق بين الناس في كل المجالات ، فقد توصل الناس إلى سبيل هلاكهم .
 أيها الأخوة الكرام ؛ الإنسان المخلوق الأول المكرم المكلف لم يُخلق لهذا ، خلق لجنة عرضها السموات والأرض ، خُلق ليتعرف إلى الله عز وجل ، خُلق ليتعرف على منهجه ، خُلق ليلتزم هذا المنهج ، خُلق ليبذل كل ما عنده تقرباً إلى الله عز وجل .

﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾

[سورة القصص : 77]

 خُلق لينال رحمة الله عز وجل في الدنيا والآخرة ، قال تعالى :

﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾

[سورة الذاريات: 56]

﴿وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ﴾

[سورة هود: 118-119]

 خُلقت من أجل هذا ، فإذا اتجهت إلى الخلق ونسيت الحق ، إذا اتجهت إلى المكاثرة ونسيت المبادرة إلى الله عز وجل ، إذا اتجهت إلى إظهار ما عندك ونسيت أن تطلب ما ينبغي أن تطلبه ، فقد وقع الناس في مرض وبائي ربما كان سبب هلاكهم .

التكاثر ألهى الإنسان عن معرفة الله و منهجه :

 أيها الأخوة الكرام ؛ في الآية الكريمة نقطتان أساسيتان ، هما أن الله سبحانه وتعالى أغفل موضوع التكاثر ، قال تعالى :

﴿أَلْهَاكُمْ التَّكَاثُرُ ﴾

 التكاثر بماذا ؟ من الثابت أن هذا هو الإيجاز الغني إذا أُغفل موضوع التكاثر أطلق هذا الموضوع ، هناك من يتكاثر بماله، هناك من يتكاثر بمنصبه ، هناك من يتكاثر بما عنده ، بوجاهته ، بوسامته ، بذكائه ، بمؤلفاته، بشهاداته ، الله جلّ جلاله أغفل موضوع التكاثر ليطلقه . أي موضوع يمكن أن يكون موضوعاً للتكاثر ، وليس هذا من شأن المؤمن :

﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾

[سورة القصص: 83]

 التكاثر يلتقي مع العلو في الأرض .

﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾

[سورة القصص: 83]

 فيا أيها الأخوة الكرام ينبغي أن يكون أحدنا صاحياً ، ينبغي أن يكون أحدنا يقظاً، ألا يتحرك في هذه الحياة الدنيا التي جعلها الله مطية للآخرة ، ألا يتحرك منطلقاً من التكاثر ، من أن يزهو على الآخرين ، إما بلسان قاله ، أو بلسان حاله .
 جاء جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال : يا محمد أتحب أن تكون نبياً ملكاً أم نبياً عبداً ؟ فقال عليه الصلاة والسلام : بل نبياً عبداً أجوع يوماً فأذكره ، وأشبع يوماً فأشكره . قال بعض علماء الحديث : إن النبي صلى الله عليه وسلم اختار الحالة الأقرب إلى عبودية الله عز وجل ، الحالة الأكثر أمناً بمرضاة الله عز وجل .
 أيها الأخوة الكرام ؛ وكما أن الآية ألغت موضوع التكاثر ، الآية نفسها أغفلت موضوع اللهو ، ألهاكم التكاثر عن ماذا ؟ أيضاً هذا من الإيجاز الغني ، بمعنى أن هذا التكاثر ألهاكم عن معرفة ربكم ، هذا التكاثر ألهاكم عن معرفة منهج ربكم ، هذا التكاثر ألهاكم عن سرّ وجودكم ، هذا التكاثر ألهاكم عن غاية وجودكم ، هذا التكاثر ألهاكم عن الأعمال الصالحة التي ترقى بكم يوم القيامة ، هذا التكاثر ألهاكم عن طلب مرضاة الله عز وجل، هذا التكاثر ألهاكم عن سرّ سعادتكم ، أغفل الله موضوع التكاثر وموضوع اللهو .

 

الفرق بين المؤمن وغير المؤمن :

 أيها الأخوة الكرام ؛ هذه السورة على قصرها ، وعلى إيجازها تصف الداء الوبيل الذي يغفل به الناس عن سرّ وجودهم ، قال تعالى :

﴿أَلْهَاكُمْ التَّكَاثُرُ ﴾

 وإلى متى ؟ طوال الحياة ، مدى العمر ، في كل الأوقات إلى أن يأتي ملك الموت ، إلى أن يطرق ملك الموت باب أحدكم ، فيفاجأ ويُصعق ، قال تعالى :

﴿فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ ﴾

[سورة المعارج: 42]

 هذا الموت لا يستطيع أحد أن ينكره ، ولكن الفرق بين المؤمن وغير المؤمن هو أن المؤمن يستعد له ، وحينما يأتيه الموت لا يُفاجأ به ، إنه جاءه على موعد ، بينما أهل الدنيا يلغون من حساباتهم موضوع الموت فيقرون به بألسنتهم ، ولكن إذا نظرت إلى أفعالهم ، وإلى كسبهم للمال ، وإلى إنفاقهم للمال ، وإلى علاقاتهم ، وإلى نشاطاتهم ، وإلى أهدافهم توقن يقيناً قطعياً أن موضوع الموت ليس داخلاً في حساباتهم .

 

الفرق بين اللهو و اللعب :

 لذلك أيها الأخوة هذه السورة الكريمة تنقلنا إلى موضوع ورد في القرآن كثيراً . موضوع اللعب واللهو . اللعب عمل ليس له آثار مستقبلية، عمل لا جدوى منه ، عمل لا يترتب عليه شيء ، عمل لا يمتد أثره إلى المستقبل ، عمل ينتهي مع انتهائه . وفي أكثر آيات القرآن الكريم قُدم اللعب على اللهو ، لماذا ؟ لأن الإنسان قبل التكليف يلعب ، لكن إذا بلغ سنّ التكليف لا يُقال هو يلعب ، يقال : هو يلهو ، وشتان بين المعنيين .
 أن تشتغل بالكرة في العطلة الصيفية هذا لعب ، أما أن تشتغل بها قبل الامتحان فهذا لهو . وما الفرق بين اللعب واللهو ؟ اللعب مباح ، ولكن لا يترتب عليه شيء ، بينما اللهو أن تنشغل بالخسيس عن النفيس ، أن تشتغل بما ليس مطلوباً منك عما هو مطلوب منك ، أن تشتغل بالسفاسف عن الأمور الجليلة ، لذلك أيها الأخوة الكرام حينما ينشغل الإنسان بالخسيس عن النفيس فهو يلهو ، حينما يشتغل الإنسان بعمل ليس له أثر بعد الموت عن عمل يُعد سبب سعادته في الآخرة إنما هو يلهو .
 أيها الأخوة الكرام ؛ هذا الذي يقرأ قصة ولو أنها ممتعة وبعد يومين عنده امتحان مصيري ، يقرأ قصة ممتعة ويدع الكتاب المقرر الذي سيبنى على فهمه نجاحه ، ويُبنى على نجاحه مستقبله ، هذا إنسان يلهو ، فاللهو يقع في دائرة التكليف بينما اللعب يقع في دائرة المباح وقبل التكليف . لذلك ربنا سبحانه وتعالى في أكثر آيات القرآن الكريم قدم اللعب على اللهو لأن اللعب قبل التكليف لكن اللهو يكون بعد التكليف .

القبر ليس مصير الإنسان إنما هو مرحلة مؤقتة :

 أيها الأخوة الكرام ؛

﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ ﴾

 أي ألهاكم هذا اللهو إلى أن جاء ملك الموت ، وفي كلمة زرتم معنى دقيق ، ليس القبر هو نهاية الإنسان ، إن الإنسان يزوره ، ومن الثابت أن الزائر لا يقيم ، ما معنى زرت فلاناً ؟ أقمت عنده برهة من الزمن ثم تحولت عنه ، هذه هي الزيارة ، فلذلك القبر لا يُعد مصير الإنسان ، مرحلة يمضي بها بعض الوقت لينقلب إلى الآخرة كي يحاسب عن أعماله كلها ، فهذه كلمة الزيارة في هذه الآية تشير إلى أن بعد الموت حدثاً عظيماً ، إلى أن بعد زيارة القبر شيئاً مهماً ، إنه الحساب ، إنه النعيم الأبدي ، أو العذاب الأبدي .

 

الدّين هو العقل ومن لا عقل له لا دين له :

 أيها الأخوة الكرام ؛ شيء آخر : لو أننا وضعنا - والآن دخلنا في لب الخطبة - ناراً عظيمة على مرأى من إنسان ، ووضعنا أمام هذا الإنسان طعاماً لذيذاً ، وقلنا له : إن أكلت هذه الطعام وضعناك في هذه النار ، لا شك أن أحداً لا يفعل ذلك . لماذا ؟ لأن الطعام اللذيذ محسوس لديه ، ماثل أمامه ، وأن العقاب الأليم محسوس لديه ، ماثل أمامه ، فما من إنسان فيه ذرة عقل يقدم على تناول هذا الطعام ، والنار أمامه قد أوعد بدخولها . لكن الذي يحصل أن اللذائذ في الدنيا محسوسة ، وقريبة ، وهي في الحال أمام الإنسان ، بينما الوعد والوعيد غيبي وآجل ، اللذة عاجلة ومحسوسة أما الوعد والوعيد فغيبي وآجل ، اللذة يعاينها في حواسه ، بينما الوعد والوعيد يعاينه بعقله ، فكل إنسان عطل عقله ، أو أعمله في غير ما خُلق له ، يبادر إلى المحسوسات التي بين يديه ، وهذا حال معظم الناس . بين يدي الناس الدنيا ، مالها ، نساؤها ، مراكبها ، متعها ، بيوتها ، حدائقها ، مركباتها ، هذه كلها محسوسة بين أيدي الناس ، لكن الوعد والوعيد ، الوعد بالجنة لمن أطاعه ، والوعيد بالنار لمن عصاه ، هذا غيب بعيد عن حواس الناس ، لكن العقول تدركه ، وكلما هبط مستوى الإنسان تعامل مع الصورة ومع الحواس، وكلما ارتفع مستوى الإنسان تعامل مع العقل ومع المدركات .
 أيها الأخوة الكرام ؛ الإنسان حينما يعطل عقله ينساق وراء حواسه ، ووراء الدنيا التي بين يديه ، الماثلة ، الحسية التي يراها بعينه ، ويسمعها بأذنه ، أما حينما يعمل عقله فيرى وعد الله الحق ، لمن أطاعه بجنة عرضها السموات والأرض ، وأن وعيد الله الحق لمن عصاه بجهنم التي لا يموت فيها الإنسان ولا يحيا ، حينما يعطل عقله يتحرك وفق حواسه ، أما حينما يعمل عقله فيتحرك وفق مبادئه .
 أيها الأخوة الكرام ؛ لذلك لو أن النار محسوسة ، والجنة محسوسة ، ما كان هناك عبادة ، وما كان هناك ثواب ، ولا كان هناك عقاب ، ولا كان هناك تكليف ، ولا كان هناك أمانة ، الشهوات محسوسة ، لكن الوعد والوعيد مؤجل وغيبي ، ويحتاج الإنسان إلى إدراكه أن يُعمل عقله . فلذلك إنما الدين هو العقل ومن لا عقل له لا دين له ، ومن لا دين له لا عقل له .

 

للحقائق مستويات ثلاثة :

 أيها الأخوة الكرام ؛ شيء آخر في هذه السورة الكريمة هو أن الحقائق لها مستويات ثلاثة ؛ المستوى الأول : الإدراك النظري ، والمستوى الثاني : الإدراك العيني ، والمستوى الثالث : الإدراك الشهودي .
 المستوى الأول : لو أن إنساناً مثلاً قال : كنت في بلد وجئت بفاكهة حجمها كحجم البطيخ ، ولونها كلون البرتقال ، وطعمها كطعم التفاح ، ورائحتها كرائحة الموز ، شيء مدهش ، والقائل صادق عندك ، هذا المستوى من المعرفة هو المستوى النظري ، فإذا دخل إلى غرفته وجاء لك بهذه الفاكهة فرأيتها رأي العين هذا المستوى الثاني ، المستوى الأول علم اليقين، وحينما رأيت الفاكهة بين يديك هذا هو المستوى الثاني وهو عين اليقين ، أما إذا جاء بسكين وقطع هذه الفاكهة وقدمها إليك ، وتذوقتها بلسانك ، وتذوقت طعمها ، وشممت رائحتها ، وتلمست حجمها ، ورأيت لونها ، هذا هو حق اليقين .
 أيها الأخوة الكرام ؛ في الدنيا علم اليقين ، وفي القبر عين اليقين ، وفي الجنة أو النار حق اليقين . في الدنيا نؤمن بالغيب كما قال الله عز وجل :

﴿الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾

[سورة البقرة: 1-3]

 وفي القبر تُعرض علينا الجنة أو النار ، القبر إما روضة من رياض الجنة ، أو حفرة من حفر النار دون أن ندخلهما ، في القبر عين اليقين ، وفي الدنيا علم اليقين ، وحينما يدخل المؤمن الجنة دخل في حق اليقين ، وحينما يدخل الكافر النار دخل في حق اليقين ، لذلك يقول الله عزوجل : كلا . . وكلا أداة ردع وزجر ، كلا إن هذا الذي يفعله العباد لا يرضي ربهم ، لا يرضى الله لهم أن يتفاخروا على بعضهم ، وينسوا سرّ وجودهم ، لا يرضى لهم ربهم أن يشتغلوا بالخلق ، ويتناسوا خالقهم العظيم ، أن يشتغلوا بالدنيا الفانية ، وينسوا الآخرة الباقية . كلا . .

﴿ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴾

 عند الموت ، وبعد نزول القبر .

﴿ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾

 يوم القيامة ، أنتم الآن مُتاح لكم أن تعلموا علم اليقين ، وعند الموت تدخلوا في مرحلة علم اليقين ، ويوم القيامة تدخلوا في مرحلة حق اليقين .

﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ * كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ﴾

[سورة التكاثر: 1-6]

 لو أن إنساناً يركب مركبة ، وقد انطلقت به بأقصى سرعتها في منحدر شديد ، وبعد المنحدر منعطف حاد ، ثم علم علْم اليقين أن مكبحه قد تعطل ، وقبل أن تتدهور به السيارة لماذا يقول : لقد هلكنا ؟ هو لم يهلك بعد ، هذا هو علم اليقين .

﴿كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ﴾

[سورة التكاثر: 3-6]

 هؤلاء الذين ينحرفون ، هؤلاء الذين يظلمون الناس ، هؤلاء الذين يأكلون أموال الناس بالباطل ، هؤلاء الذين يعتدون على أعراض الناس ، هؤلاء الذين يبتغون اللذة أينما كانت، وبأية وسيلة كانت ، هؤلاء ماذا يفعلون ؟ هؤلاء لو يعلمون علم اليقين ليرون الجحيم ، أن أفعالهم مصيرها إلى الجحيم .

 

التلازم بين العقل و التدين :

 أيها الأخوة الكرام ؛ النبي العدنان - صلى الله عليه و سلم - حينما التقى بسيدنا خالد بن الوليد إذ جاء يعلن إسلامه ، قال عليه الصلاة والسلام : عجبت لك ياخالد أرى لك عقلاً !! ما هذا التلازم بين العقل وبين التدين . أرجحكم عقلاً أشدكم لله حباً .
 أيها الأخوة الكرام ؛ أحد أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام سيدنا حارثة ، سأله النبي صلى الله عليه وسلم قال :

((يا حارث كيف أصبحت ؟ فقال رضي الله عنه - وهذه قصة دقيقة جداً متعلقة بهذه السورة -: أصبحت مؤمناً بالله حقاً ، فقال عليه الصلاة والسلام : لكل حق حقيقة فما حقيقة إيمانك - كان يمتحن أصحابه ، كان يحاورهم ، كان يستمع إلى إجاباتهم ، كان يسألهم، كان يطمئن على مستوى إيمانهم ، هذه هي التربية ، وهي أفضل من التعليم ، التربية فيها متابعة ، أما التعليم ففيه إلقاء وانتهى الأمر- فقال سيدنا الحارث : لقد عزفت نفسي عن الدنيا فاستوى عندي ذهبها وترابها- من يستطيع أن يكون في هذا المستوى ؟ هل التراب كالذهب ؟ هل الغنى كالفقر ؟ هل التمتع بمباهج الدنيا كالحرمان منها ؟ ماذا رأى هذا الصحابي الجليل ؟ ماذا رأى حتى قال هذه الكلمة ؟ لقد رأى مصير الإنسان - قال : لقد عزفت نفسي عن الدنيا فاستوى عندي ذهبها وترابها وكأني يا رسول الله أنظر إلى أهل الجنة في الجنة يتنعمون ، وإلى أهل النار في النار يُعذبون . .))

[ الطبراني عن الحارث بن مالك الأنصاري]

 رأى الحقائق قبل أن يصل إليها ، هذا هو علم اليقين . لذلك عند المؤمن قناعات كالجبال ، أن درهماً حراماً لو أكله ظلماً لعاقبه الله عليه في الدنيا والآخرة ، وأن أي عدوان مهما بدا طفيفاً لن يتفلت الإنسان من عقابه . هذه رؤية المؤمن ، وهذه الرؤية هي سرّ استقامته على منهج الله إذا كان عنده زوجة ، لا يطغى عليها ، لا يظلمها ، لأنه يرى ربها يراقبه ، إذا كان عنده صانع صغير في المحل التجاري ، لا يستغله ، ولا يسحقه ، لأن له رباً يراقبه ، هذه الرؤية الدقيقة هي سبب الاستقامة .
 قلت في بداية الخطبة : الشهوات محسوسة ، أما العقاب والجزاء فيحتاج إلى إعمال عقل ، يحتاج أن تفكر في الكون لترى أن هذا الخالق العظيم لا يخلق الإنسان سدى :

﴿أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى ﴾

[سورة القيامة: 36]

 أن هذا الخالق العظيم لن يخلق الناس عبثاً :

﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ﴾

[سورة المؤمنون: 115]

﴿أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ * بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ ﴾

[سورة القيامة: 3-4]

 الجزاء يحتاج إلى إعمال عقل ، أما الإيمان بالمحسوسات فيحتاج إلى حواس خمس فقط . لذلك حينما يعطل الإنسان عقله ينساق وراء شهواته ، أما حينما يحكم عقله فيضبط شهواته وفق منهج الله عز وجل .
 أيها الأخوة الكرام ؛ النبي عليه الصلاة والسلام فرح لهذا الصحابي الجليل بهذه المعرفة الدقيقة فقال له عليه الصلاة والسلام :

((عرفت فالزم ، إني لك ناصح أمين))

 قال له : وكأني بأهل الجنة في الجنة يتنعمون ، وكأني بأهل النار في النار يعذبون . والإنسان المؤمن الصادق لو رأى إنساناً منحرفاً كأنه يراه يُحاسب على أعماله في الدنيا قبل الآخرة ، كأنه يرى المال الحرام سيُمحق والعدوان على أعراض الناس سيقابله عدوان مثله على عرضه .

 

محاسبة كل إنسان على النعم التي بين يديه :

 أيها الأخوة الكرام ؛ هذه السورة الكريمة من السور القصيرة الموجزة ، المعجزة في إيجازها .

﴿ كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ * ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ﴾

[سورة التكاثر: 5-8]

 وهذا موضوع يحتاج إلى تفصيل . نعمة الأمن سوف تُسأل عنها ، نعمة الصحة، نعمة الفراغ ، نعمة المال ، أية نعمة بين يديك سوف تُسأل عنها ، لأن هذه النعمة كان من الممكن أن تستغلها في طلب مرضاة الله ، كان من الممكن أن تكون درجات ترقى بها ، هذه النعم العظمى ، نعمة الصحة ، نعمة الأمن ، نعمة الفراغ ، نعمة المال ، نعمة العقل ، نعمة الزوجة ، نعمة الأولاد ، حتى الشربة الباردة التي تشربها ، هل حمدت الله عليها ؟ كانت النعم تعظم عند رسول الله مهما دقت ، تعظم النعم عنده مهما دقت . . ولتسألن يومئذ عن النعم .
 أيها الأخوة الكرام ؛ حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم ، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا لغيرنا وسيتخطى غيرنا إلينا ، الكيس من دان نفسه ، وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها ، وتمنى على الله الأماني . .

* * *

الخطبة الثانية :

 أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله ، صاحب الخلق العظيم ، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

نموذج حيّ من اليقظة التي يرقى بها الإنسان :

 أيها الأخوة الكرام ؛ نموذج من هذه اليقظة ، الناس في غفلة ، والمؤمن في يقظة . . نموذج حيّ من هذه اليقظة التي يرقى فيها الإنسان .
 أم هانئ ابنة عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أمها فاطمة بنت أسد بن هاشم ، وهي إحدى ذوات الرأي والأدب الجم من قريش ، وعد بها أبوها هبيرة بن أبي وهب ، فظفر بها وتزوجها ، وفي مستهل الإسلام أسلمت أم هانئ ، ولم يسلم زوجها ، ففرق بينهما الإسلام ، وراحت تقوم على رعاية أبنائها الأربعة الصغار ، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم خطبها ، فقالت له : يا رسول الله لأنت أحب إليّ من سمعي ومن بصري ، وحق الزوج عظيم ، فأخشى إن أقبلت على زوجي أن أضيع شأن أولادي ، وإن أقبلت على أولادي أن أضيع حق زوجي .
 هذه الصحابية الجليلة رأت أنه إن كانت زوجة رسول الله ، وهو أعلى مقام تبلغه امرأة في عهد النبي ، السيدة الأولى ، إنها إن كانت زوجة رسول الله لا يعفيها هذا المنصب من المسؤولية عن أولادها تجاه الله عز وجل ، قالت : يا رسول الله لأنت أحب إليّ من سمعي ومن بصري ولكنني امرأة مؤتمة ، وبني صغار ، وحق الزوج عظيم ، فأخشى إن أقبلت على زوجي أن أضيع حق أولادي ، وإن أقبلت على أولادي أن أضيع حق زوجي ، فقال عليه الصلاة والسلام مكبراً رأيها : إن خير نساء ركبن الإبل نساء قريش ، أحناه على ولد في صغره ، وأرعاه على بعل في ذات يده . لهذا قال عليه الصلاة والسلام :

(( إن حسن تبعل المرأة زوجها يعدل الجهاد في سبيل الله ))

[ البيهقي عن أسماء بنت يزيد الأنصارية]

 المسؤولية قائمة لا يعفيك منها شيء ، ولو كانت هذه المرأة زوجة رسول الله . . ألم يقل النبي عليه الصلاة والسلام :

(( ..... لَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ...))

[ متفق عليه عن أم سلمة]

 خصمان تخاصما أمام رسول الله أحدهما ألحن - أقوى - حجة ، أوضح بياناً ، عنده قوة تأثير ، فحكم له النبي ولم يكن على حق ، هذا الحكم من فم سيد الخلق لا يعفيه من المسؤولية تجاه الله عز وجل . . هكذا فهم الصحابة الدين ، بهذا الفهم انتشر الإسلام في الخافقين ، بهذا الفهم العميق وهذا الإدراك للمسؤولية عمّ الإسلام مشارق الأرض ومغاربها ، أما لو فهم أصحاب النبي الإسلام كما يفهمه المسلمون اليوم لما خرج الإسلام من مكة المكرمة .
 أيها الأخوة الكرام ؛ ولما نزل النبي عليه الصلاة والسلام بأعلى مكة فرَّ إلى أم هانئ رجلان من أحمائها من بني مخزوم ، فدخل علي بن أبي طالب عليها يطلبهما ، فأغلقت عليهما الباب ، ثم توجهت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال عليه الصلاة والسلام : مرحباً وأهلاً بأم هانئ ما جاء بك ؟ فأخبرته بخبر الرجلين ، فقال : يا أم هانئ لقد أجرنا من أجرت وأمنا من أمنت . .
 أيها الأخوة الكرام ؛ هذه الصحابية الجليلة ابنة عم رسول الله ضربت المثل الأعلى في فهم المسؤولية ، أعملت عقلها وأرادت أن تنجو من عذاب ربها ، هذا معنى قوله تعالى :

﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾

[ سورة الحجر: 92-93]

 أيها الأخوة الكرام ؛ قبل أن نتحرك ، قبل أن نعطي ، قبل أن نأخذ ، قبل أن نمنع، قبل أن نمنح ، قبل أن نغضب ، قبل أن نرضى ، قبل أن نبتسم ، قبل أن نقبّل أحد أبنائنا ادرس هذا الموقف ، هل هو موقف شرعي ؟ هل هو يرضي الله عز وجل ؟ هل عدلت بين أولادك ؟ هل أديت الأمانة كما أرادها الله عز وجل ؟ هل نصحت الناس ؟ هل نصحت من يلوذ بك ؟ هذا هو الدين ، الدين قيم أخلاقية ، الدين منظومة قيم أخلاقية رفيعة . أما أن نفهم الدين على أنه عبادات شعائرية جوفاء فهذا الذي أخّر المسلمين وجعلهم في مؤخرة الركب . .

 

الدعاء :

 اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولنا فيمن توليت ، وبارك لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شرّ ما قضيت ، فإنك تقضي بالحق ولا يُقضى عليك ، إنه لا يذل من واليت ، ولا يعز من عاديت ، تباركت ربنا وتعاليت ، ولك الحمد على ما قضيت ، نستغفرك ونتوب إليك ، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك . اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارض عنا ، اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا بها جنتك ، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا ، ومتعنا اللهم بأسماعنا ، وأبصارنا ، وقوتنا ما أحييتنا ، واجعله الوارث منا ، واجعل ثأرنا على من ظلمنا ، وانصرنا على من عادانا ، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ، ولا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا ، مولانا رب العالمين . اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، ودنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر ، مولانا رب العالمين . اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك . اللهم لا تؤمنا مكرك ، ولا تهتك عنا سترك ، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين . اللهم استر عوراتنا ، وآمن روعاتنا ، وآمنا في أوطاننا ، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين . اللهم إنا نعوذ بك من الخوف إلا منك ، ومن الفقر إلا إليك ، ومن الذل إلا لك ، نعوذ بك من عضال الداء ، ومن شماتة الأعداء ، ومن السلب بعد العطاء . اللهم ما رزقتنا مما نحب فاجعله عوناً لنا فيما تحب ، وما زويت عنا ما نحب فاجعله فراغاً لنا فيما تحب . اللهم صن وجوهنا باليسار ، ولا تبذلها بالإقتار ، فنسأل شرّ خلقك ، ونبتلى بحمد من أعطى ، وذم من منع ، وأنت من فوقهم ولي العطاء ، وبيدك وحدك خزائن الأرض والسماء . اللهم كما أقررت أعين أهل الدنيا بدنياهم فأقرر أعيننا من رضوانك يا رب العالمين . اللهم بفضلك وبرحمتك أعل كلمة الحق والدين ، وانصر الإسلام وأعز المسلمين، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى ، إنك على ما تشاء قدير ، وبالإجابة جدير .

 

تحميل النص

إخفاء الصور