وضع داكن
29-03-2024
Logo
الخطبة : 0025 - أركان الإسلام .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى :

 الحمد اللَّهِ الذي سبحت الكائنات بحمده ، وعنت الوجوه لعظمته ومجده ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه واعترته الطيبين الطاهرين .
 الحمد لله غافر الذنب ، وقابل التوب ، الملك العلام ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خير الأنام ، وعلى آله وصحبه الكرام .
 وأشهد أن لا إله إلا أنت ، وأن سيدنا محمد عبدك ورسولك أرسلته رحمة للعالمين ، وهادياً للخلق أجمعين .
 يا رب ألهمنا الصواب ، ويسِّر لنا حسن المآب ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، واجعلنا في عبادك الصالحين .

أركان الإسلام :

 روى مسلم عن ابن الخطاب سيدنا عمر الفاروق رضي الله عنه أنه قال :

(( بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ لَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ وَلَا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ وَقَالَ يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنِ الْإِسْلَامِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِسْلَامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ وَتَصُومَ رَمَضَانَ وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا قَالَ صَدَقْتَ قَالَ فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ قَالَ فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْإِيمَانِ قَالَ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ قَالَ صَدَقْتَ قَالَ فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْإِحْسَانِ قَالَ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ قَالَ فَأَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ قَالَ مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ قَالَ فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَتِهَا قَالَ أَنْ تَلِدَ الْأَمَةُ رَبَّتَهَا وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ قَالَ ثُمَّ انْطَلَقَ فَلَبِثْتُ مَلِيًّا ثُمَّ قَالَ لِي يَا عُمَرُ أَتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ ))

[ أخرجه مسلم والترمذي والنسائي وأبو داود وأحمد]

 أيها الإخوة ؛ هذا حديث جامع شامل لأركان الإسلام ، ودعائم الإيمان وحقيقة الإحسان .
 وسأقف قليلاً عند قوله عليه الصلاة والسلام ؛ الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله , لأن أحاديث الرسول المصطفى تحتاج إلى تدبر طويل وفهم عميق .
 إخوتي المؤمنين ؛ قد يبدو للوهلة الأولى أن أركان الإسلام ودعائمه التي عدَّها رسول الله صلى الله عليه وسلم، يلتزمها ويطبقها كل من يدعي الإسلام .
 يعني تسأل الرجل : هل أنت مسلم ؟
 فيقول : نعم والحمد لله ! .
 فإذا سألته ما علامة إسلامك ؟ وما حقيقته ؟
 فيقول : أنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدً رسول الله ، وأقيم الصلاة ، ألا تراني في المسجد ! جميل ، وفي كل عام والحمد لله أُخرج زكاة مالي ، جميل جداً ، وأصوم رمضان ، وهذا جميل أيضاً ، وقد حججت خمس مرات ، شيء رائع .
 مهلاً يا صاحبي ؟؟؟
 فكل الذي ذكرته جميل ، ولكن هناك أسساً ودعائم لا يسبقها عمل ، ولا يصح من دونها شيء ، فأول أركان الإسلام التي ذكرها عليه الصلاة والسلام هي شهادة أن لا إله إلا الله ، ولكن يا صاحبي , ليست الشهادة قولاً باللسان ، بل شهادة بالقلب والجنان ، وليس الرائي كالسامع ، وليس المحقق كالمقلد ، يقول الإمام علي كرم الله وجهه :

(( بين الحق والباطل أربعة أصابع ؛ الحق أن تقول رأيت ، والباطل أن تقول سمعت ))

معنى أشهد أن لا إله إلا الله :

 يا صاحبي معنى أشهد أن لا إله إلا الله ؛ أي أنك شاهدت الألوهية في أرجاء هذا الكون العظيم ، فشهدت المؤثر من الأثر ، وعرفت المكون من الكون ، والصانع من الصنعة ، وعلمت أن الله سبحانه وتعالى وحده لا شريك له ، وأنه لا إله غيره ، وأنه جل وعلا صاحب أسماء حسنى مظهرها ما في هذا الكون من برٍّ , ولطف , وود , وخبرة , وحكمة , وعلم , وإنعام , ورحمة .
 يا صاحبي معنى أشهد أن لا إله إلا الله ؛ أي صار لك علم عن شهود أن لا قوي إلا الله ، ولا رازق إلا الله ، ولا متفضل إلا الله ، ولا مانع إلا الله .

﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾

[ سورة فاطر ]

 لذلك قال الله تعالى :

﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ ﴾

[ سورة محمد]

 وقال أيضاً :

﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾

[ سورة آل عمران]

 وقد قال عليه الصلاة والسلام :
 عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال : يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :

(( من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة ))

[ أخرجه مسلم والإمام أحمد في مسنده ]

 لا حظ كلمة يعلم .
 وهنا قاطعني وقال : أنا أؤمن بذلك والحمد لله .
 فقلت له : حسناً يا صاحبي ، إذا كنت تشهد أن لا إله إلا الله , وأن لا قوي إلا الله فلم تخاف الناس ، وترضيهم بسخط الله ( أخي والله ما قدرت استحيت بيحكو علي ) أتخشى الناس والله أحق أن تخشاه .
 وإذا كنت يا صاحبي تشهد أن لا إله إلا الله ، وأن لا رازق إلا الله ، فلِمَ تغشُّ الناس , وتقسم الأيمان الكاذبة بأنك لم تربح بهذه الصفقة .
 ولماذا تثمِّر مالك في البنوك وتبيع وتشتري بالتقسيط وأنت تعلم أن في التقسيط زيادة في السعر بسبب الفسحة في الأجل .
 إنك تعتقد أن الغش , والكذب , والربا يجلب لك المال , وقد فاتك أن ما عند الله لا يُنال بمعصية الله .
 وإذا كنت يا صاحبي تشهد أنه لا إله إلا الله ، وأنه معك أينما كنت فَلِمَ تعصيه , وأنت في خلوتك ؟ قال عليه الصلاة والسلام :
 " من لم يصدَّه ورع يحجزه عن معصية الله إذا خلا لم يعبأ الله بشيء من عمله " .
 وإذا كنت يا صاحبي تشهد أن لا إله إلا الله ، وأنه بكل شيء عليم وأنه يحول بين المرء وقلبه ، فلم تنوي السوء ، وتضمر الشرَّ للناس ؟
 أفلا تستحي منه ، وتخافه وهو يعلم سرَّك ونجواك .
 وإذا كنت يا صاحبي تشهد أن لا إله إلا الله ، وأنه عادل مقسط ، لا يضيع مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ، فلِمَ تحسد الناس على ما آتاهم الله ؟ وترى أنهم ليسوا أهلاً لهذا العطاء ؟ ومن قال لك إن هذا عطاء ؟
 قال تعالى :

﴿ فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ ﴾

[ سورة التوبة ]

 وقال عليه الصلاة والسلام :
 عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

(( لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ ))

[ أخرجه ابن ماجة وأحمد ]

 ما هذا يا صاحب لا إله إلا الله ؟ أهكذا المسلم وتقول بعد هذا لماذا ضعف الإسلام وقوي عليه أعداؤه ، اسمع يا صاحبي قول نبينا الكريم :
 عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

(( من قال لا إله إلا الله بحقها دخل الجنة ، قالوا وما حقها ، قال أن تحجزه عن محارم الله ))

[ أخرجه الطبراني في المعجم الكبير ]

 وقال عليه الصلاة والسلام :
 " إن الغم والحزن من الشك والروح والفرح من اليقين "
 أو كما قال .
 أيها الأخوة الكرام ؛ حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وصلوا ما بينكم وبين ربكم تسعدوا ، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا ، وسيتخطى غيرنا إلينا ، فلنتخذ حذرنا ، الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني .

والحمد لله رب العالمين
***

الخطبة الثانية :

 

 الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صاحب الخلق العظيم .

الدعاء :

 اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولنا فيمن توليت ، وبارك لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت ، فإنك تقضي بالحق ولا يقضى عليك ، اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارض عنا ، اللهم صن وجوهنا باليسار ولا تبذلها بالإقتار ، فنسأل شر خلقك ، ونبتلى بحمد من أعطى ، وذم من منع ، وأنت من فوقهم ولي العطاء ، وبيدك وحدك خزائن الأرض والسماء .
 اللهم اهدنا لصالح الأعمال لا يهدي لصالحها إلا أنت ، واصرف عنا شر الأعمال لا يصرفها عنا إلا أنت .

تحميل النص

إخفاء الصور