وضع داكن
29-03-2024
Logo
الخطبة : 0019 - زيارة الرسول صلى الله عليه وسلم
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى :

الحمد اللَّهِ الذي سبحت الكائنات بحمده ، وعنت الوجوه لعظمته ومجده ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه واعترته الطيبين الطاهرين .

الحديث عن سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين :

أيها الأخوة المؤمنون :
يا سيدي يا رسول الله .
يا من جئت الحياة فأعطيت ولم تأخذ .
يا من قدست الوجود كله ورَعَيْت قضية الإنسان .
يا من زَكيت سيادة العقل ، ونهنهت غريزة القطيع .
يا من هيَّأك تفوُّقك لتكون سيداً فوق الجميع ، فعشت واحداً بين الجميع .
يا من أعطيت القدوة ، وضربت المثل ، وعبَّدت الطريق .
يا من كانت الرحمة مهجته ، والعدلُ شريعته ، والحبُّ فطرته والسمو حرفته .
ألا إن الذين بهرتهم عظمته لمعذورين ، وإن الذين افتدوه بأرواحهم لهم الرابحون .
أي إيمان ؟! , وأي عزم ؟! , وأي مضاء ؟! , أي صدق , وأي طهر وأي نقاء ؟! .
أي تواضع , وأي حب , وأي وفاء ؟! .
محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، سيد ولد آدم وخير الخلائق أجمعين
- ما الذي جعل سادة قومه يسارعون إلى كلماته ودينه ، متخلين بهذا عن كل ما كان يحيطهم به قومهم من مجد وجاه ، مستقبلين حياة تمور بالأعباء والصراع والصعاب ؟ .
- ما الذي جعل ضعفاء قومه يلوذون بحماه ، ويهرعون إلى رايته ودعوته , وهم يرونه أعزل من المال والسلاح ؟
- ما الذي جعل صفوة رجال المدينة , ووجهاءَها يفدون إليه ويبايعون على أن يخوضوا معه البحر والهول ، وهم يعلمون أن المعركة بينهم وبين قريش أكبر من الهول ؟
- ما الذي جعل المؤمنين به يزيدون ولا ينقصون ، وهو الذي يهتف بهم صباح مساء ؟

﴿ قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ ﴾

[ سورة الأحقاف ]

- ما الذي جعلهم يصدقون أن الدنيا ستفتح عليهم من أقطارها ، وأن أقدامهم ستخوض خوضاً في تيجان الملوك ، وأن هذا القرآن الذي يتلونه في استخفاء ستردده الآفاق ، عالي الصدح ، وقي الرنين ، لا في جيلهم فحسب , ولا في جزيرتهم فحسب ، بل في مشارق الأرض ومغاربها .
- ما الذي ملأ قلوبهم يقيناً وعزماً ؟
إنه محمد بن عبد الله عليه صلوات الله .
لقد رأوا رأي العين ، كل فضائله ، ومزاياه ، رأوا طهره ، وعفته واستقامته ، وشجاعته ، ورأوا سموه ، وحنانه ، رأوا عقله ، وبيانه رأوا كل هذا , وأضعاف هذا ، لا من وراء قناع ، بل مواجهة وتمرساً ، وبصراً وبصيرةً .
لقد رأوه , صلى الله عليه وسلم , وقد دانت له الجزيرة العربية كلها , وفُتحت عليه وعلى أصحابه أبواب الرزق ، والغنائم ، حتى تراكمت الأموال بين يديه ، تلالاً ، فإذا هو هو ، لا يزداد إلا زُهداً ، وتقشفاً وورعاً حتى أنه لقي ربه حين لقيه , وهو لا يملك شيئاً من حطام الدنيا , وحين يراه أحد الصحابة يسأله أن يوليه عملاً من تلك الأعمال التي ظفر بها غيره , فيقول له في رفق :

(( إِنَّا وَاللهِ لا نُولِّي هذا العملَ أحداً سَأَلَهُ ، أو أحَدا حَرَصَ عليه ))

[ أخرجه البخاري ومسلم عن أبو موسى الأشعري رضي الله عنه ]

وحين يرونه وأهل بيته أول من يجوع إذا جاع الناس ، وآخر من يشبع إذا شبع الناس .
دانت البلاد كلها لدعوته ، ووقف أكثر ملوك الأرض أمام رسائله التي دعاهم بها إلى الإسلام وجلين ضارعين ، فما استطاعت ذرة واحدة من زهو أو كبر أن تمر به , ولو على بعد .
وحين رأى بعض القادمين عليه يهابونه في اضطراب ووجل قال لهم :
عن أبو مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

(( هونوا عليكم ، إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد بمكة ))

[ أخرجه الحاكم في مستدركه ]

ألقى كل أعدائه السلاح , ومدوا إليه أعناقهم ليحكم فيها بما يرى ، بينما عشرة آلاف سيف تتوهج يوم الفتح ، فوق ربى مكة ، في أيدي المسلمين فلم يزد على أن قال لهم .

(( اذهبوا فأنتم الطلقاء ))

يوم فتح مكة: سار النبي عليه الصلاة والسلام في موكب النصر حانياً رأسه تواضعاً لله
عمه أبو طالب ، وهو الرجل الوحيد الذي كان يقف إلى جانبه في المحنة يبدو أنه سيتخلى عنه ، أو أنه غير مستعد , ولا قادر على مواجهة قريش قال له عمه : يا بن أخي ، إن قومك قد جاءوني وكلموني في أمرك ، فأبق عليَّ وعلى نفسك ، ولا تحملني من الأمر ما لا أطيق .
فقال قولاً تنهد له الجبال ، قال :

(( والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك فيه ))

حتى حقه في رؤية النصر الذي أفنى في سبيله حياته حرم نفسه منه تواضعاً لله .
لقد سار في موكب النصر ، يوم الفتح حانياً رأسه ، تواضعاً لله حتى تعذر على الناس رؤية وجهه ، مردداً بينه وبين نفسه ، ابتهالات الشكر المبللة بالدموع .
السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، والسلام على عباد الله الصالحين .

زيارة قبر النبي واجب على كل مسلم :

أيها الأخوة المؤمنون ؛ هل بعد هذا نستغرب أن يتجه في هذا العام مليون مسلم أو يزيدون بعد ألف وثلاثمائة سنة وزيادة من بعثته صلى الله عليه وسلم ، يتجهون من شتى بقاع الأرض ، يحجون البيت الحرام متشوقين إلى زيارة النبي المصطفى العدنان ، هل نعجب كيف يزداد خفقان قلب المسلم حينما تلوح له أشجار المدينة ، وهل ننكر على من يقول إنه نسي أهله وأولاده ودنياه كلها ، حينما دخل الحرم النبوي ، هل ندهش إذا خطفت أنوار الروضة النبوية أبصار الزائرين ، هل نسأل من اقترب من مقامه , وأجهش بالبكاء ما لك تبكي ؟ , والأولى أن نقول لمن لم يبك مالك لا تبكي ؟ .
هل نعجب كيف تصبح نفس الزائر صافية من كل كدر ، نقية من كل شائبة بريئة من كل عيب .
وهذه هي حقيقة الشفاعة التي تحصل للمؤمن في الدنيا حينما تتجه نفسه إلى نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم فتصفو وتسمو وتسعد ، قال عليه الصلاة والسلام :
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

(( من زار قبري وجبت له شفاعتي ))

[ أخرجه البزار في مسنده ]

وقال أيضاً :
عن بكر بن عبد الله المزني رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

(( حياتي خير لكم ، ومماتي خير لكم ))

[ أخرجه الحارث في مسنده ]

وليس هذا لغير رسول صلوات الله عليه .
زيارة النبي صلى الله عليه وسلم رؤيةٌ جديدة ومحبةٌ متزايدة
أيها الأخوة المؤمنون ؛ زيارة رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الحج تهيئة واستعداد ليوم اللقاء الأكبر يوم عرفة , وزيارته صلى الله عليه وسلم ، بعد الحج ، رؤية جديدة ومحبة متزايدة ورد بالأثر :
" من حج البيت ولم يزرني فقد جفاني "
" ومن وجد سعة ولم يزرني فقد جفاني "

(( ومن ذكرت عنده ولم يصلي عليَّ فقد جفاني ))

[ رواه الترمذي وأحمد ]

عن علي وأبو هريرة رضي الله عنهما أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال :

(( ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة ))

[ أخرجه البخاري ومسلم والترمذي ]

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

(( من حج فزار قبري بعد موتي كان كمن زارني في حياتي ))

[ أخرجه الطبراني في المعجم الكبير ]

وينبغي لمن أراد زيارة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكثر من الصلاة والسلام عليه ، في مسيره إلى المدينة ، فإذا لاحت له معالمها ازداد صلاة وسلاماً ، فإن شارفها فعليه أن يدخلها ما شياً ، إن أمكن ثمن يغتسل و يتنظف ، ويلبس أحسن ثيابه ، ويتطيب ، وحين يطل على الحرم النبوي يقف قليلاً كالمستأذن , وعند دخوله المسجد النبوي الشريف يقصد الروضة المطهرة ، وهي ما بين قبره صلى الله عليه وسلم , ومنبره فيصلي ركعتين تحية للمسجد ، ثم يدنو من مقامه العظيم مقابلاً رأس النبي صلى الله عليه وسلم ، ووجهه الأكرم متأدباً غاية التأدب خاشعاً قائلاً :
السلام عليك يا سيدي يا رسول الله ، السلام عليك يا سيدي يا حبيب الله ، السلام عليك يا سيدي يا أشرف رسل الله ، السلام عليك يا سيد المرسلين السلام عليك يا خاتم النبيين ، السلام عليك وعلى أهل بيتك الطيبين الطاهرين ، صلى الله عليك وعلى آلك وأصحابك وأزواجك وذريتك وسلم تسليماً .
جزاك الله عنا وعن أمتك خيراً ، فلقد بلغت الرسالة ، وأديت الأمانة , وأوضحت الحجة ، وكشفت الغمة ، ونصحت العباد ، وجاهدت في سبيل الله حق الجهاد .
وقد يتعطل اللسان ، ويخفق الجنان ، وتفيض الدموع .
يقول عليه الصلاة والسلام: ما بين بيتي ومنبري روضةٌ من رياض الجنة
وقد يسمع بعضهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم رد السلام أو يرونه صلى الله عليه وسلم في اليقظة والمنام ، وقد قال عليه الصلاة والسلام :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

(( مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ بِي ))

[ أخرجه مسلم والترمذي وابن ماجة وأحمد ]

روي أن بلالاً رضي الله عنه سافر إلى الشام ، وطال به المقام ، بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لقد رأى في منامه وهو بالشام رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له :
" ما هذه الجفوة يا بلال ؟ أما آن لك أن تزورني " فانتبه حزيناً وركب راحلته ، وقصد المدينة ، فأتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، فجعل يبكي عنده كثيراً ، فأقبل الحسن والحسين رضي الله عنهما ، فجعل يضمهما ويقبلهما ، فقالا له نشتهي أن نسمع أذانك الذي كنت تؤذن به لرسول الله صلى الله عليه وسلم و أصرا عليه ، فصعد وعلا سطح المسجد ، ووقف موقفه الذي كان يقفه ، ولما بدأ بقوله :
" الله أكبر " وتذكر أهل المدينة عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتجت المدينة ، وخرجت العواتق من خدورهن ، فما رأيتُ يوماً أكثر باكياً وباكية بالمدينة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك اليوم .
أيها المسلمون ، احتفلوا بعيد مولد نبيكم عليه الصلاة والسلام ، وأقيموا فيه الزينات ، ولا تقلدوا الجانب في أعيادهم الماجنة ، ولا في عاداتهم المسترذلة .
أيها الأخوة الكرام ؛ حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وصلوا ما بينكم وبين ربكم تسعدوا ، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا ، وسيتخطى غيرنا إلينا ، فلنتخذ حذرنا ، الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني .

والحمد لله رب العالمين

الخطبة الثانية :

الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صاحب الخلق العظيم .

الدعاء :

اللهمَّ اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولَّنا فيمن توليت ، وبارِك اللهمَّ لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شرَّ ما قضيت ، فإنك تقضي ولا يُقضى عليك ، وإنه لا يذل من واليت ولا يعزُّ من عاديت ، تباركت ربنا وتعاليت ، ولك الحمد على ما قضيت .
اللهمَّ أعطنا ولا تحرمنا ، وأكرمنا ولا تُهِنا ، وآثرنا ولا تؤثر علينا ، وأرضنا وارض عنا، أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردُّنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحةً لنا من كل شر، مولانا رب العالمين اللهمَّ اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمَّن سواك . اللهمَّ استر عوراتنا ، وآمن روعاتنا ، وآمنَّا في أوطاننا ، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخيا ، وسائر بلاد المسلمين ، اللهمَّ لا تؤمنا مكرك ، ولا تهتك عنا سترك ، ولا تنسنا ذكرك، اللهمَّ يا أكرم الأكرمين أعطنا سؤلنا ، واغفر لنا ذنوبنا وارحمنا إنك أرحم الراحمين . اللهمَّ إنا نعوذ بك من الفقر إلا إليك ، ومن الخوف إلا منك ، ومن الذل إلا لك ، نعوذ بك من عضال الداء ، ومن شماتة الأعداء ، ومن السلب بعد العطاء مولانا رب العالمين ، اللهمَّ بفضلك ورحمتك أعلي كلمة الحق والدين ، وانصر الإسلام وأعزَّ المسلمين ، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى إنه على ما تشاء قدير ، وبالإجابة جدير .

تحميل النص

إخفاء الصور