- الخطب
- /
- ٠1خطب الجمعة
الخطبة الأولى :
الحمد اللَّهِ الذي سبحت الكائنات بحمده ، وعنت الوجوه لعظمته ومجده ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه , واعترته الطيبين الطاهرين .
الحج أهميته ومكانته لدى المسلمين :
أيها الإخوة المؤمنون ؛ يقول الله تبارك وتعالى :
﴿ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴾
وقد روى البيهقي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه عن ربه :
(( إن عبداً صححت له جسمه ، وأوسعت عليه في المعيشة فأتت عليه خمسة أعوام لم يفدْ إليَّ لمحروم ))
وقد سئل عليه الصلاة والسلام : أي الأعمال أفضل ؟ قال :
عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهم عَنْهم قَالَ سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ قَالَ :
(( إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ قِيلَ ثُمَّ مَاذَا قَالَ جِهَادٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قِيلَ ثُمَّ مَاذَا قَالَ حَجٌّ مَبْرُورٌ ))
والحج المبرور هو الحج الذي لا يخالطه إثم وقال الحسن البصري :
(( أن يرجع زاهداً في الدنيا راغباً في الآخرة ))
وقال عليه الصلاة والسلام أيضاً مخاطباً عمرو بن العاص رضي الله عنه :
(( أما علمت أن الإسلام يهدم ما قبله ، وأن الهجرة تهدم ما قبلها وأن الحج يهدم ما قبله ))
وقال أيضاً :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :
(( الْحُجَّاجُ وَالْعُمَّارُ وَفْدُ اللَّهِ إِنْ دَعَوْهُ أَجَابَهُمْ وَإِنِ اسْتَغْفَرُوهُ غَفَرَ لَهُمْ ))
وفي حديث آخر :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :
(( إِنْ كَانَ قَالَهُ جِهَادُ الْكَبِيرِ وَالضَّعِيفِ وَالْمَرْأَةِ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ ))
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهم عَنْهم أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةُ ))
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( النَّفَقَةُ فِي الْحَجِّ كَالنَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِسَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ ))
وقال أيضاً :
عن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( تَعَجَّلُوا إِلَى الْحَجِّ يَعْنِي الْفَرِيضَةَ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي مَا يَعْرِضُ لَهُ ))
أيها المؤمنون :
هنيئاً لمؤمن لبَّى دعوة ربه ، وسعد بقربه .
هنيئاً لمؤمن ألقى الدنيا وراء ظهره ، وذهب إلى البيت الحرام لينال المغفرة والرضوان .
هنيئاً لمؤمن أحرم في الميقات ، فنظف بدنه وتطيب وتجرد من ثيابه المخيطة ، ولبس ثوب الإحرام .
هنيئاً لمؤمن رفع صوته بالتلبية قائلاً ، لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك .
قال الزمخشري :
معنى لبيك : أي دواماً على طاعتك ، وإقامة عليها مرة بعد أخرى .
فعن أم سلمة رضي الله عنها قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : فعن أُمُّ سَلَمَةَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
(( يَا آلَ مُحَمَّدٍ مَنْ حَجَّ مِنْكُمْ فَلْيُهِلَّ فِي حَجِّهِ أَوْ فِي حَجَّتِهِ ))
ومعنى فليهل : أي ليرفع صوته بالتلبية .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(( ما أهل مُهل قط إلا بُشِّر ، ولا كبَّر مكبر قط إلا بُشر قيل يا نبي الله ، بالجنة ، قال نعم ))
وعلى المحرم أن يبالغ في تطبيق الآية الكريمة :
﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ﴾
وقد روى البخاري ومسلم ، عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهم عَنْهم قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
(( مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ ))
وعمل محظورات الإحرام أيضاً ، لُبس المخيط من الثياب وتقليم الأظافر وإزالة الشعر بالحلق أو القص ، والتطيب في الثوب أو البدن والتعرض للصيد والأكل منه .
أيها الإخوة ؛ هنيئاً لمؤمن وصل إلى مكة المكرمة التي قال فيها نبينا الكريم :
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ ابْنِ حَمْرَاءَ الزُّهْرِيِّ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاقِفًا عَلَى الْحَزْوَرَةِ فَقَالَ :
(( وَاللَّهِ إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إِلَى اللَّهِ وَلَوْلا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ ))
هنيئاً لمؤمن رأى البيت الحرام ، فقال في ضراعة وخشوع :
أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم ، وبسلطانه القديم ، من الشيطان الرجيم بسم الله اللهم صل على محمد ، وآله وسلم ، اللهم اغفر لي ذنوبي ، وافتح لي أبواب رحمتك ، اللهم زدْ هذا البيت تشريفاً وتعظيماً وتكريماً ، ومهابةً وزدً من شرفه وكرمه ممن حجه أو اعتمره تشريفاً وتكريماً وتعظيماً وبراً اللهم أنت السلام ومنك السلام فيِّنا ربنا بالسلام .
هنيئاً لمن قبَّل الحجر الأسود ، من دون صوت ، فإن لم يتمكن استلمه بيده وقبله ، فإن عجز عن ذلك أشار إليه بيده .
قال ابن عمر رضي الله عنهما ، استقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحجر واستلمه ثم وضع شفتيه يبكي طويلاً ، فإذا عمر يبكي طويلاً فقال :
يا عمر هنا تسكب العبرات ، قال المهلب :
" غن الحجر يمين الله لحي أرضه يصافح بها عباده "
وتكره المزاحمة على الحجر الأسود ، إذا أدت إلى إيذاء المسلمين ، روى الشافعي رضي الله عنه ، في سننه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمر رضي الله عنه :
عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال سمعتُ رجلاً يقول قال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطَّابِ :
(( يا أبا حفص ، إنك رجل قوي ، فلا تزاحم على الركن فإنك تؤذي الضعيف ، ولكن إن وجدت خلوة ، فاستلم وإلا فكبِّر وامض ))
هنيئاً لمؤمن طاف طواف القدوم ، مضطبعاً ، أي جاعلاً وسط الرداء تحت الإبط الأيمن ، وطرفيه على الكتف الأيسر ، محاذياً الحجر الأسود مقبِّلاً له أو مستلماً أو مشيراً إليه ، جاعلاً البيت عن يساره قائلاً " بسم الله واله أكبر اللهم إيماناً بك وتصديقاً بكتابك ووفاءً بعهدك ، واتباعاً لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم ، فإذا أخذ في الطواف استحب له أن يرْمَل في الأشواط الثلاثة الأولى ، فيسرع في المشي ويقارب في الخطا ، مقترباً من الكعبة , ويُستحب له أن يكثر من الذكر والدعاء .
إذا أخذ بالطواف قال : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله .
وإذا انتهى إلى الركن اليماني دعا فقال : ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .
ويستحب كلما حاذى الحجر الأسود أن يكبر ويقول : اللهم اجعله حجاً مبروراً وسعياً مشكوراً وذنباً مغفوراً ، ويقول عند الانتهاء من كل شوط : رب اغفر وارحم ، واعف عمَّا تعلم ، وأنت الأعز الأكرم ، اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .
ويقول بين الركنين : اللهم قنعني بما رزقتني وبارك لي فيه ، واخلف علي كل غائبة بخير
ويستحب استلام الركنين اليمانيين لقول ابن عمر رضي الله عنهما :
" لم أرَ النبي صلى الله عليه وسلم يمسُّ من الأركان إلا اليمانيين ويسن للطائف صلاةُ ركعتين بعد كل طواف عند مقام إبراهيم ، أو في مكان ما من المسجد الحرام .
ويستحب الشرب من ماء زمزم ، والدعاء عند الملتزم ، فقد روى البيهقي عن ابن عباس ، أنه كان يلزم ما بين الركن والباب ، وكان يقول:
" ما بين الركن والباب يدعى الملتزم ، لا يلزم ما بينهما أحد يسأل الله شيئاً إلا أعطاه الله إياه "
وأما السعي بين الصفا و المروة ، والتوجه إلى منى والوقوف بعرفة فنرجئ الحديث فيه إلى خطبة قادمة إن شاء الله تعالى .
اللهم ارزقنا في العام القادم حج بيتك الحرام إنك سميع عليم مجيب الدعاء .
أيها الأخوة الكرام ؛ حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وصلوا ما بينكم وبين ربكم تسعدوا ، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا ، وسيتخطى غيرنا إلينا ، فلنتخذ حذرنا ، الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني .
والحمد لله رب العالمين
***
الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صاحب الخلق العظيم .
الدعاء :
اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولنا فيمن توليت ، وبارك لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت ، فإنك تقضي بالحق ولا يقضى عليك ، اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارض عنا ، اللهم صن وجوهنا باليسار ولا تبذلها بالإقتار ، فنسأل شر خلقك ، ونبتلى بحمد من أعطى ، وذم من منع ، وأنت من فوقهم ولي العطاء ، وبيدك وحدك خزائن الأرض والسماء .
اللهم اهدنا لصالح الأعمال لا يهدي لصالحها إلا أنت ، واصرف عنا شر الأعمال لا يصرفها عنا إلا أنت .