وضع داكن
28-03-2024
Logo
صور من حياة التابعين - الندوة : 14 - التابعي عامر بن عبد الله التميمي
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 أيها الإخوة والأخوات السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نحييكم أطيب تحية في هذا اللقاء الطيب الميمون الذي من خلاله نتمنى وعندما نلتقي بالسادة العلماء نستفيض بالحديث لنسلط الضوء على هذه الشخصيات الفذة التي كان لها باع كبير وطويل في خدمة دين الله عز وجل في هذه الحلقة يسعدنا أيها الأعزاء أن نرحب باسمكم بفضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي.
دكتور أهلاً وسهلاً، بكم، دكتور من هي الشخصية التي سنتناولها اليوم في هذه الحلقة الجديدة ؟
 إنه عامر بن عبد الله التميمي كان عامر بن عبد الله فتىً في بواكير الصبا، غض الإهاب، ريان الشباب، ويضيء الوجه، زكي النفس، تقي القلب، كانوا أعلام هذه

الأمة فلقد كان زهاداً بما في أيدي الناس رغاباً بما عند الله.

لا تسألن بني آدم حاجــةً   وسل الذي أبوابه لا تغلــق
الله يغضب إن تركت سؤاله  وبني آدم حين يسألُ يغضـب

 

 كان معرضاً عن الدنيا وزينتها مقبلاً على الله ومرضاته وكان رجل البصرة الأول الصحابي الجليل أبو موسى الأشعري رضي الله عنه ونضر الله في الجنة وجهه، فهو والي المدينة الزاهرة، وهو قائد جيوش المسلمين المنطلقة منها في كل اتجاه وهو إمام أهلها ومعلمهم ومرشدهم إلى الله عز وجل.
 لزم هذا التابعي الجليل عامر بن عبد الله التميمي أبا موسى الأشعري في سلمه وحربه، وصحبه في حله وترحاله فأخذ عنه كتاب الله رطباً طرياً كما نزل على محمد صلى الله عليه وسلم، وروى عنه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم صحيحاً موصولاً بالنبي الكريم، وتفقه على يديه بدين الله عز وجل، فلما اكتمل له ما أراد من العلم جعل حياته أقسام ثلاثة:
فشطر في حلقات الذكر يقرأ فيه الناس القرآن في مسجد البصرة.
وشطر في خلوات العبادة ينتصب فيه قائماً بين يدي الله عز وجل حتى تكل قدماه.
وشطر في ساحات الجهاد يسل سيفه غازياً في سبيل الله.
ولم يترك في حياته موضعاً لغير ذلك أبداً حتى دعي بعابد البصرى وزاهدها.
يا ليت الشيخ محمد راتب النابلسي أن نستزيد في التوضيح من صورة هذا التابعي الجليل.
 من أخبار هذا التابعي الجليل ما حدث أحد أبناء البصرة قال: سافرت في قافلة فيها عامر بن عبد الله التميمي فلما أقبل علينا الليل نزلت بغيظة فجمع عامر متاعه وربط فرسه بشجرةٍ وطول له زمامها وجمع له من حشائش الأرض ما يشبعه وطرحه أمامه ثم دخل الغيظة وأوغل فيها فقلت في نفسي والله لأتبعنه ولأنظرن ماذا يصنع في أعماق هذه الغيظة فمضى حتى انتهى إلى رابيةٍ ملتفة الشجر مستورة عن الأعين فاستقبل القبلة وانتصب قائماً يصلي، فما رأيت أحسن من صلاته ولا أكمل ولا أخشع فلما صلى ما شاء الله أن يصلي طفق يدعو الله ويناجيه فكان مما قاله:
إلهي لقد خلقتني بأمرك وأقمتني في هذه الدنيا بمشيئتك ثم قلت لي استمسك، كيف أستمسك إن لم تمسكني بلطفك يا قوي يا متين، إلهي إنك تعلم أنه لو كانت لي هذه الدنيا بما فيها ثم طلبت مني مرضاةً لك لوهبتها لطالبها فهب لي نفسي يا أرحم الراحمين، إلهي إني أحببتك حباً سهل علي كل مصيبةٍ ورضاني بكل قضاء فلا أبالي مع حبي لك ما أصبحت عليه وما أمسيت.
 قال الرجل البصري: ثم إني غلبني النعاس فأسلمت جفني إلى الكرى ثم مازلت أنام وأستيقظ عامر بن عبد الله التميمي منتصب في موقفه ماض في صلاته ومناجاته حتى تبسم الصبح، فلما بدا الفجر أدى المكتوبة ثم أقبل يدعو فقال:
 اللهم قد أصبح الصبح وطفق الناس يغدون ويروحون يبتغون من فضلك وإن لكلاً منهم حاجة وإن حاجة عامر عندك أن تغفر له، اللهم فاقض حاجتي وحاجاتهم يا أكرم الأكرمين اللهم إني سألتك ثلاثاً فأعطيتني اثنتين ومنعتني واحدة اللهم فأعطنيها حتى أعبدك كما أحب وأريد ثم نهض من مجلسه فوقع بصره علي فعلم بمكاني منه في تلك الليلة فجذع لذلك أشد الجذع وقال لي في أسىً: أراك كنت ترقبني الليلة يا أخا البصرة، قلت: نعم، قال: استر ما رأيت مني ستر الله عليك.
هذا البعد عن الرياء والقرب من الإخلاص.
 فقلت: والله لتحدثني بهذه الثلاث الذي سألتها ربك أو لأخبرن الناس بما رأيت - هدده - فقال: ويحك لا تفعل، قلت: هو ما أقول فلما رأى إصراري قال: أحدثك على أن تعطيني عهد الله وميثاقه أن لا تخبر بذلك أحداً، قال: قلت لك علي عهد الله وميثاقه أن لا أفشي لك سراً ما دمت حياً. قال: لم يكن شيئاً أخوف علي في ديني من النساء فقلت ربي أسألك أن تنزع من قلبي حبهم فاستجاب لي حتى صرت لا أبالي امرأة رأيت أم جداراً، فقلت: هذه واحدة فما الثانية ؟ قال: الثانية أني سألت ربي أن لا أخاف أحداً غيره فاستجاب لي حتى إني والله ما أرهب شيئاً في الأرض ولا في السماء سواه. قال: فما الثالثة ؟ قال: سألت ربي أن يذهب عني النوم حتى أعبده ليلاً ونهاراً فمنعني هذه الثالثة.
 فلما سمعت منه ذلك قلت له رفقاً بنفسك فإنك تقضي ليلك قائماً وتقطع نهارك صائماً وإن الجنة تدرك بأقل مما تصنع وإن النار تتقى بأقل مما تعاني، فقال: إني لأخشى أن أندم حيث لا ينفع الندم.
 أستاذ جمال: العاقل لا يندم، قرأت مرةً عن أحد الصحابة أنه قال: والله لو كشف الغطاء ما ازددت يقيناً، في قول آخر والله لو علمت أن غداً أجلي ما قدرت أن أزيد في عملي.
هؤلاء الرجال الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا.
 فقال: إني لأخشى أن أندم حيث لا ينفع الندم، والله لاجتهدن في العبادة ما وجدت للاجتهاد سبيلاً فإن نجوت فبرحمة الله وإن دخلت النار فبنفسي.
كان خوفهم من الله شديداً، دكتور يتحدثون عن هذه الشخصية هو متعبد وناسك وقريب جداً من الله سبحانه وتعالى، هل هناك مجالات أخرى كان يتمتع بها سيدنا التابعي عامر بن عبد الله التميمي ؟
نعم هذا التابعي الجليل كان من أولئك المجاهدين الذين يكثرون عند الفزع ويقلون عند الطمع، فهو يغشى الوغى كما لا يغشاه أحد سواه ولكنه يعف عن المغانم كما لا يعف عنه أحد غيره فهذا سعد بن أبي وقاص ينزل بعد القادسية في إيوان كسرى و يأمر عمرو بن المقرن أن يجمع الغنائم و يحصيها ليرسل خمسها إلى بيت مال المسلمين و يقسم باقيها على المجاهدين فاجتمع بين يديه من الأموال و الأعلاق و النفائس ما يفوق الوصف، ويعز على الحصر، فهنا سلال كبيرة مختمة بالرصاص مملوءة بأنية الذهب و الفضة كان يأكل الملوك بها، و هنا صناديق من نفيس الخشب كدست فيها ثياب كسرى و أوشحته و دروعه المحلاة بالجوهر و الدر و هنا أسفاط مملوءة بنفائس الحلي و روائع المقتنيات، و تلك أغماد فيها سيوف ملوك الفرس ملكاً بعد ملك، و سيوف الملوك و القواد الذين خضعوا للفرس خلال التاريخ، و فيما كان العمال يحصون هذه الغنائم على مرأى من المسلمين و مسمع منهم أقبل على القوم رجل منهم أشعث أغبر و معه حُقٌ كبير الحجم ثقيل الوزن حمله بيديه كلتيهما فتأملوه فإذا هو حقٌ لم تقع عيونهم على مثله قط، و لا وجدوا فيما جمعوه شيئاً يعدله أو يقاربه، فنظروا في داخله فإذا هو قد ملئ بروائع الدر و الجوهر، فقالوا للرجل: أين أصبت هذا الكنز الثمين ؟ قال: غنمته في معركة كذا في مكان كذا، فقالوا: و هل أخذت منه شيئاً ؟ قال: و الله إن هذا الحق و جميع ما ملكته ملوك فارس لا يعدل عندي قلامة ظفر، و لولا حق بيت مال المسلمين فيه ما رفعته من أرضه، و لا أتيتكم به، قالوا: من أنت أكرمك الله؟ قال: لا و الله لا أخبركم لتحمدوني و لا أخبر غيركم ليقرظوني، و لكني أحمد الله تعالى و أرجو ثوابه ثم تركهم و مضى، فأمروا رجلاً منهم أن يتبعه و يأتيهم بخبره، فما زال يمضي وراءه و هو لا يعلم حتى بلغ أصحابه فلما سألهم عنه قالوا ألا تعرفه إنه زاهد البصرة عامر بن عبد الله التميمي هو نفسه جاء بحق كبير فيه جواهر و ذهب و ما شاكل ذلك، و قدمه لبيت مال المسلمين.
 قضى هذا التابعي الجليل بقية حياته في بلاد الشام و اختار بيت المقدس داراً لإقامته و نال من بر أمير الشام معاوية بن أبي سفيان و إجلاله و تكريمه ما هو جدير به، فلما مرض مرض الموت دخل عليه أصحابه فوجدوه يبكي فقالوا: ما يبكيك و قد كنت و كنت ؟ قال: و الله ما أبكي حرصاً على الدنيا أو جزعاً من الموت، و إنما أبكي لطول السفر و قلة الزاد، إذا كان هذا يشعر أنه قليل الزاد فكيف بغيره! و لقد أمسيت بين صعود و هبوط إما إلى الجنة و إما إلى النار فلا أدري إلى أيهما أصير ثم لفظ أنفاسه و لسانه رطب بذكر الله، و هناك في أولى القبلتين و ثالث الحرمين و مسرى سيدنا رسول الله ثوى عامر بن عبد الله التميمي، نور الله لعامر قبره و نضر في جنات الخلد وجهه.
رضي الله تعالى عز وجل عن سيدنا عامر بن عبد الله التميمي التابعي الجليل و أهلاً و مرحباً بسماحة الشيخ محمد راتب النابلسي، نشكركم فضيلة الشيخ على هذه المعلومات القيمة عن هذا التابعي الجليل

 

تحميل النص

إخفاء الصور