وضع داكن
18-04-2024
Logo
الإسلام والحياة - الدرس : 14 - واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 أعزائي المؤمنين ، إخوتي المشاهدين ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
محور هذا اللقاء الطيب إن شاء الله تعالى قوله تعالى في سورة النساء:

﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً (36)﴾

[ سورة النساء: الآية 36]

 أيها الإخوة الكرام ،

﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً﴾

 آية ثانية:

 

﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً﴾

 

[ سورة الإسراء: الآية 23]

 معنى ذلك أن العبادة لله وحده ، وأن الإحسان إلى الخلق لا العكس ، العبادة لا تكون إلا لله ، ولا تكون لمخلوق ، كائناً من كان على وجه الأرض ، العبادة لله ، العبادة قاصرة على الخالق:

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ﴾

[ سورة البقرة: الآية 21]

 والإحسان إلى الخلق ، لذلك من أدق الآيات قوله تعالى:

﴿ وَأَوْصْانِي بِالصّلاةِ والزَّكَاةِ مَا دُمْت حَيّاً (31)،﴾

[ سورة مريم: الآية 31]

حركة نحو خالق الكون ، اتصالاً ، وإنابة ، وتوكلاً ، وإخلاصاً ، وحركة نحو الخلق ، إحساناً ، وانضباطاً ، العبادة لله.
 أيها الإخوة ، العبادة علة وجودنا ، تصور طالباً أرسله أبوه إلى بلد غربي لينال درجة الدكتوراه ، علة وجوده في هذا البلد الدراسة ، لذلك ينبغي أن تكون كل جزئيات حياته في هذا البلد متعلقة بالدراسة ، يختار البيت القريب من الجامعة ، يختار الصديق الذي يعينه على تعلم لغة البلد ، يختار من الطعام ما يعينه على أداء واجباته الدراسية ، يختار من الكتب ما يزيده ثقافة في اختصاصه ، فكل جزئيات حياة هذا الطالب في هذا البلد منوطة بنيل الشهادة العليا ، علة وجوده ، لو أن إنساناً سافر إلى بلد معين ، ونزل في أحد الفنادق ، واستيقظ في صبيحة اليوم الأول ، وسأل: إلى أين أذهب ؟ سؤال عجيب ، قل له أنت: لماذا أتيت إلى هنا ؟ إذا جئت إلى هنا للسياحة فاذهب إلى المقاصف والمتنزهات ، وإن جئت تاجراً فاذهب إلى المعامل والمؤسسات ، وإذا جئت طالب علم فاذهب إلى المعاهد والجامعات ، أي إن حركتك في بلد معيّن قد سافرت إليه لا تصح إلا إذا عرفت سبب مجيئك إلى هذا البلد ، إلا إذا عرفت علة وجودك في هذا البلد ، لو كبرنا المثل ، ما علة وجودنا على وجه الأرض ؟
أيها الإخوة ، لا يمكن أن يصح عملنا إلا إذا عرفنا علة وجودنا ، كما أنه لا نسعد إلا إذا جاءت حركتنا مطابقة لهدفنا.
مثلاً لو أن طالباً على مشارف امتحان مصيري ، وقبل أيام من هذا الامتحان أخذه أصدقاؤه إلى مكان جميل ، أطعموه أطيب الطعام ، واستمتع بأجمل المناظر ، هو على مشارف امتحان مصيري ، يبنى على نجاحه تعيينه في وظيفة مرموقة ، ثم زواجه ، لماذا يشعر بانقباض شديد مع أنه في مكان جميل ؟ مع أنه مع أصدقاء يحبهم ، ويحبونه ؟ هذه الحركة نحو المكان الجميل ، ونحو النزهة لا تتناسب مع هدفه.
نستنبط أيها الإخوة من هذين المثالين أن الإنسان لا تصح حركته إلا إذا عرف سر وجوده ، أو علة وجوده ، كما أنه لا يسعد إلا إذا جاءت حركته مطابقة لعلة وجوده أو لهدفه ، نحن في الدنيا من أجل أن نعبد الله ، بالنص القرآني الصريح القطعي الدلالة:

﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)﴾

[ سورة الذاريات: الآية 56]

 ولكن أيها الإخوة ، يفهم معظم المسلمين كلمة عبادة على أنها العبادات الشعائرية كالصلاة ، والصيام ، والزكاة ، والحج ، والنطق بالشهادتين ، هي من العبادات ، هذا التصنيف الفقهي ، الفقهاء صنفوا الإسلام إلى عقائد ، وإلى عبادات ، ويقصدون بها الصلاة والصوم والحج والزكاة ، وإلى معاملات ، الأحكام الشرعية التعاملية ، وإلى آداب ، العبادة في القرآن معناها غير المعنى التصنيفي للفقهاء ، معناها طاعة الله في كل ما أمر ، قد يفهم الناس أن منهج الله خمسة أوامر ، ثم هو يفصل بين هذه العبادات وبين حياته ، لا ترى في بيته منهج الله مطبقاً ، لا ترى في تجارته منهج الله مطبقاً ، لا ترى في أفراحه منهج الله مطبقاً ، لا ترى في تعامله مع الآخرين منهج الله مطبقاً ، وكأن هذا الإسلام العظيم الذي هو تعليمات الصانع ، الذي هو منهج الخالق ، الذي هو طريق السعادة ، وكأنه ضُغط إلى خمس عبادات قد تؤدى أداء أجوف.
فلذلك أيها الإخوة ، حينما يقول الله عز وجل:

﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ ﴾

 أي إن علة وجودكم هي عبادة الله ، والعبادة تشمل الأحوال كلها ، ذلك بأنه ما من شيء تتعامل معه في الحياة إلا وتحكمه الأحكام الفقهية ، قد يكون فرضاً ، وقد يكون واجباً ، وقد يكون سنة ، وقد يكون مباحاً ، وقد يكون مكروهاً كراهة تنزيهية ، وقد يكون مكروهاً كراهة تحريمية ، وقد يكون محرماً ، فالأحكام الفقهية تعتبر كل شيء ، تتعامل معه في الأرض ، عبادة الله تعني غاية الخضوع لله في كل أوامره.
 اسمحوا لي أن أقول: لعل مجموع أوامر الله عز وجل قد تزيد على مئة ألف في كل شؤون حياتك ، في أدق علاقاتك ، في علاقاتك الحميمة ، في بيتك ، في غرفة نومك ، في تربية أولادك ، في قضاء وقت فراغك ، في نزهاتك ، في أفراحك ، في تزويج أولادك ، في كسب مالك ، في حلك في ترحالك ، منهج الله يغطي كل شؤون حياتك ، فالعبادة لا تعني أن نكتفي بالعبادات الشعائرية ، العبادات الشعائرية ثمرة العبادات التعاملية ، وإذا جمعنا العبادات التعاملية من صدق وأمانة وأداء للواجب ، وتواضع وإنصاف ، لو جمعنا العبادات الشعائرية مع العبادات التعاملية لكانت في مجملها أوامر الله عز وجل ، فحينما يقول الله عز وجل:

﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ ﴾

أي ينبغي أن ننصاع لأمره مع محبته.
 ولكن أيها الإخوة للعلماء أقوال سديدة في موضوع العبادة ، ينبغي أن تعبد الله فيما أقامك ، إذا أقامك عالماً فينبغي أن تكون عبادتك الأولى تعليم العلم ، فإذا أقامك غنياً فينبغي أن تكون عبادتك الأولى إنفاق المال ، وإذا أقامك قوياً فينبغي أن تكون عبادتك الأولى إنصاف الضعفاء ، وإذا أقامك امرأة ينبغي أن تكون عبادتك الأولى حسن رعاية زوجك وأولادك ، هذه العبادة فيما أقامك ، في هويتك ، في أدق خصائصك ، هناك عبادة أخرى في الظرف الذي وضعك الله فيه ، لك قريب مريض ، لك أب مريض ـ لا سمح الله ـ عبادتك الأولى عنايتك بأبيك ، لك ابن يؤدي امتحاناً ، عبادتك الأولى أن تهيّئ له الجو المناسب لأداء الامتحان ، أن تعبده في الظرف الذي وضعك فيه ، ثم أن تعبده في الزمن الذي أظلك ، فإن لله عملاً في الليل لا يقبله في النهار ، وإن لله عملاً في النهار لا يقبله في الليل.
 أيها الإخوة الأحباب ، ينبغي أن تكون العبادة في سلم الأولويات على الشكل التالي ، الطرف الآخر إن أراد إفقارنا ـ إفقار المسلمين ـ العبادة الأولى كسب المال الحلال ، وحل مشكلات المسلمين ، أن ننمي ثرواتنا ، أن نصنع حاجاتنا بأيدينا ، أن نكتفي ذاتياً ، إذا كان الطرف الآخر يريد إفقارنا فعبادتنا الأولى كسب المال ، وتصنيع الثروات ، والاكتفاء الذاتي ، سيدنا عمر مر على بلدة فلم يجد أصحاب الفعاليات الاقتصادية من المسلمين ، فقال بنظرة عميقة جداً: كيف بكم إذا أصبحتم عبيداً عندهم ؟ كأن هذا الخليفة الراشد رأى أن المنتج قوي ، وأن المستهلك ضعيف ، فحينما يراد لنا أن نفتقر فينبغي أن ننمي وارداتنا ، وأن نصنع حاجاتنا ، وويل لأمة تأكل ما لا تزرع ، وتلبس ما لا تنسج.
أيها الإخوة ، وإذا أراد الطرف الآخر إضلالنا فالعبادة الأولى أن نوضح حقائق الدين ، أن نبين دقائق هذا الشرع العظيم ، أن نعطي الأدلة القوية ، أن نرد على كل الشبهات ، والدلالات هي العبادة الأولى إذا أريد لنا أن نضل عن ديننا ، وإذا أريد لنا أن نفسد العبادة الأولى أن نصون أخلاق أبنائنا من كل انحراف وضلال ، وإذا أرادوا أن يجتاحوا أرضنا ينبغي أن نقف مقاومين أشداء ، لأن هذا من الدين ، قال تعالى:

﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ﴾

[ سورة الأنفال: الآية 60]

 فصار من معاني العبادة أن تعبده فيما أقامك ، وأن تعبده في الظرف الذي وضعك فيه ، وأن تعبده في الزمان الذي أظلك ، وأن تعبده أيضاً في الظروف البعيدة المحيطة بالمسلمين.
أيها الإخوة الكرام:

﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ ﴾

  لكن ينبغي أن نعبد الله وحده ، ينبغي أن نعبد الله فيما شرع ، لا وفق أمزجتنا ، ينبغي أن نعبد الله فيما قسم لنا من منهج تفصيلي.
أيها الإخوة الكرام ، لذلك قال تعالى:

﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ﴾

﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (28)﴾

[ سورة الكهف: الآية 28]

 ينبغي أن نعبده ، وينبغي أن نعبده وحده ، وينبغي ألا نعبد أحداً سواه ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:

(( بَيْنَمَا أَنَا رَدِيفُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ إِلَّا آخِرَةُ الرَّحْلِ فَقَالَ: يَا مُعَاذُ ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَسَعْدَيْكَ ، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُعَاذُ ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ ، وَسَعْدَيْكَ ، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ ، وَسَعْدَيْكَ ، قَالَ: هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ ؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ: حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ يَعْبُدُوهُ ، وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ ، وَسَعْدَيْكَ ، قَالَ: هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ إِذَا فَعَلُوهُ ؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ: حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ ))

[ البخاري ، مسلم ، الترمذي ، أبو داود ، ابن ماجه ، أحمد ]

 

 كأن الله أنشأ لنا حقاً عليه

 

﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾

 أليست عبادة الله فرعاً من وجودك ؟ طبعاً ، من هما سبب وجودك ؟ الوالدان ، لذلك رفع الله الأمر بالإحسان للوالدين إلى مستوى عبادته ،

 

﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾

  لعل لعلماء اللغة تعليقات لطيفة: الواو واو عطف ، تقتضي المشاركة ، بمعنى أنك لا تقول: اشتريت بيتاً وملعقة ، لا يتناسبان ، تقول: اشتريت بيتاً وأرضاً ، اشتريت بيتاً ومركبة ، أما اشتريت ملعقة وشوكة ، فكأن الواو فضلاً عن أنها حرف عطف تفيد أن بين المتعاطفين قاسمًا مشتركًا بينهما ، فلذلك:

﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾

 هذه الباء عند علماء اللغة باء الإلصاق ، هي حرف جر ، لكن معناها الإلصاق ، أي أن الابن ينبغي أن يكون ملتصقاً بأبيه ، أن يكون معه ، أن يكون كظله ، بل إنك إن أردت أن تبر أباك فينبغي أن تبره بنفسك ، لا بواسطة أحد هذا معنى ،

﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾

  بل إن بعض العلماء استنبط من قوله تعالى:

 

﴿وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (43)﴾

 

[ سورة هود: الآية 43]

 أي إن الله سبحانه وتعالى رحمة بالأب ما سمح له أن يرى ابنه وهو يغرق:

﴿وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (43)﴾

 

[ سورة هود: الآية 43]

 بل إن العرب قبل الإسلام إن أرادت أن تهجو أحداً تقول له: لا أبا لك ، بل إن الله عز وجل حينما قدم الآباء على غيرهم:

﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ﴾

[ سورة التوبة: الآية 24]

 كان هذا تقديم أهمية ، أي إن الإنسان ينبغي أن يعتز بأبيه.
إذاً اللذان كانا سبب وجودك ينبغي أن تحسن إليهما ، قال:

﴿ وَ بِالْوَالِدَيْنِ ﴾

 ولم يذكر ما وضعهما ، ولم يذكر التزامهما بالدين ، مطلق الوالدين ، مؤمنين كانا أو غير مؤمنين ، ملتزمين كانا أو غير ملتزمين ، وبالوالدين إحساناً ، والباء تفيد الإلصاق ، أي أن تكون لصيقاً بهما ، أن تكون معهما ، أن تكون كظلهما ، وإذا أديت لهما خدمة ينبغي أن تؤديها بنفسك إكراماً لهما ، ثم وسع الدائرة فقال

﴿ وَبِذِي الْقُرْبَى ﴾

 كأن في الإسلام تضامناً عظيماً هذا التضامن أساسه القربى ، وأساسه الجوار ، تضامن مكاني ، وتضامن نسبي ، أصل التضامن بين المؤمنين ، أصل التعاون بين المؤمنين ينبغي أن يبنى على علاقة نسبية ، وعلى علاقة جغرافية ، فلذلك قال:

﴿ وَبِذِي الْقُرْبَى ﴾

 النبي عليه الصلاة والسلام يبين أن الإنسان إذا أدى صدقة لأقربائه هي عند الله صدقة وصلة في وقت واحد ، بل إن العلماء يقولون: لا تقبل زكاة مال إنسان مؤمن وفي أقربائه محاويج ، لأن الناس هو لهم ، وغيره لهم ، لكن أقرباءه من لهم غيره ، هو يعرفهم ، يعرف مشكلاتهم ، يعرف قضاياهم ، يعرف نقاط ضعفهم ، يعرف حاجتهم إلى المال قال: } وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى { ، وسع الدائرة ، بل إن الله سبحانه وتعالى حينما خاطب النبي عليه الصلاة والسلام قال:

 

﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214)﴾

 

[ سورة الشعراء: الآية 214]

 خطاب إلهي لسيد الخلق ، لماذا:

﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتكَ الأَقْرَبِينَ ﴾

 لهم حق عليك أولاً ، وليس بينك وبينهم جدار قلق ، ثانياً ، أنت لا تستطيع أن تقول لإنسان لا تعرفه: اذهب معي إلى المسجد ، لكن أخاك تقول له ذلك الكلام ، وهو مطمئن لك ، إذاً ينبغي أن تستغل هذه الصلة بينك وبين أقربائك ، وأن تأخذ بيدهم إلى الله عز وجل ، فالإحسان إلى القربى شيء دقيق جداً ، قد نظنه جهلاً منا ، أن تزوره في العيد ؟ لا ، ينبغي أن تزوره ، وينبغي أن تتفقد أحواله ، أحواله المعيشية أحواله الاقتصادية ، أحواله الاجتماعية ، أحوال أولاده التربوية ، ينبغي أن تأخذ بيده لحل مشكلاته ، ينبغي أن تأخذ به إلى الله عز وجل ، هذه صلة الرحم التي قال عنها النبي عليه الصلاة والسلام في أنها تزيد في الأجل:

﴿ وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ ﴾

 أما اليتامى هؤلاء الذين فقدوا الأب ، أو فقدوا الأم ، أو فقدوا الأب والأم معاً ، ولكن الذي يتألم له الإنسان أن يرى طفلاً في حكم اليتيم ، أن ترى له أماً تخلت عنه ، أو أباً مشغولاً ، هناك يتم حقيقي ، وهناك يتم حكمي ، فهذا الذي فقد الرعاية ، وفقد التوجيه ، وفقد الإنفاق ، وفقد العطف ، والحنان يحتاج إلى عطف المجتمع ، فلذلك إن الله يحب كل بيت فيه يتيم مكرم.
أيها الإخوة ،

﴿ وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ ﴾

 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ ، وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ... ))

[ مسلم ، ابن ماجه ، أحمد ]

 

 وفي أحاديث يقول:

(( اللهم احشرني مع المساكين ))

[ ورد في الأثر ]

 والتوفيق بينهما أن الإنسان إذا كان طليق القوة ، وطليق الغنى سالكاً أمامه وفق منهج الله ينبغي أن يكون قوياً ، وينبغي أن يكون غنياً ، ذلك بأن القوة في العلم والغنى هذه تتيح لك أعمالاً صالحة ، لا تعد ولا تحصى ، أي خياراتك في العمل الصالح تزداد إذا كنت قوياً أو غنياً ، إذا كان طريق الغنى أو طريق القوة محفوفاً بالمعاصي فعندئذ ينبغي ألا تعصي الله إطلاقاً ،

﴿ وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ ﴾

، المساكين إذا انفردت تعني الفقراء والمساكين ، وإذا انفردت كلمة الفقراء تعني الفقراء أو المساكين ، أما إذا اجتمعا تفرقا ، وإن تفرقا اجتمعا ، فالفقير هو الذي لا يجد حاجته ، أما المسكين فهو الذي ألمت به مصيبة أقعدته عن العمل ، لذلك يقول الله عز وجل:

﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى ﴾

 الجار الذي إلى جانبك لعله قريبك ، له عليك حقان ، لعله جار مسلم ، له عليك حقان ، حق الإسلام ، وحق الجوار ، لعله جار قريب مسلم ، له عليك ثلاثة حقوق ، حق الجوار ، وحق الإسلام ، وحق القرابة ، } وَالْجَارِ الْجُنُبِ { ، مطلق الجار ينبغي أن تحسن إليه ، مطلق الجار ، أي جار كان ، إذا استعان بك أعنته ، وإن استنصرك نصرته ، وإن استقرضك أقرضته ، وإن مرض عدته ، وإن مات شيعته ، ولا تستطل عليه بالبناء ، فتحجب عنه الريح إلا بإذنه ، وإذا اشتريت فاكهة فأهد له منها ، فإن لم تفعل فأدخلها سراً ، و لا يخرج بها ولدك ليغيظ ولده ، ولا تؤذه بقتار قدرك ، إلا أن تغرف له منه ،

﴿ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى ﴾

الذي له عليك أكثر من حق ،

﴿وَالْجَارِ الْجُنُبِ ﴾

مطلق الجار ،

﴿ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ ﴾

هذا زميل العمل ، مدرس في ثانوية ، طبيب في مستشفى ، مهندس في مؤسسة ، هذا الجار الصاحب بالجنب ، وقال بعض العلماء: هو الجار الطارئ رفيق السفر أحياناً ،

﴿ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ﴾

 أيها الإخوة الأحباب ، هذه الآية أصل من أصول المعاملات ، ينبغي أن تتجه إلى الله بالعبادة ، وأن تعبده وحده ، وينبغي أن تحسن إلى خلقه وفق هذا الترتيب ، الوالدان قبل كل شيء ، الأقرباء بعد الوالدين ، ثم اليتامى ، فالمساكين ، فالجار ذي القربى ، فالجار الجنب ، والصاحب بالجنب ، وابن السبيل الذي انقطع في الطريق ، ولا يملك ثمن العودة إلى بلده ، وقد نجد طلاباً كثيرين انقطعت بهم الأحوال ، وأقعدهم فقدُ مالهم عن العودة إلى بلادهم هذا مما يقتضي أن نعينهم.

 

﴿ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ﴾

لها بحث طويل ، إن شاء الله في لقاء قادم.
 أرجو الله سبحانه و تعالى أن ينفعنا بهذه التوجيهات القرآنية ، فعظمة الإسلام أنه نظام اجتماعي في أعظم درجة ، يحقق التكافل الاجتماعي ، إن عن طريق الجوار ، وإن عن طريق النسب ، وإلى لقاء آخر إن شاء الله تعالى.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور