وضع داكن
19-04-2024
Logo
الإسلام والحياة - الدرس : 10 - مولد الرسول صلى الله عليه وسلم - 2 معجزة النبي عليه الصلاة والسلام هي في القرآن
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 إخوتي المؤمنين ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، لازلنا في ذكرى مولد النبي عليه الصلاة والسلام ، ولكن لابد من مقدمة ذلك أن المتأمل في الكون ، في السماوات والأرض يجد حقيقة قاطعة ، وهي أن لهذا الكون إلهاً عظيماً كاملاً واحداً ، وأن كمال الخلق يدل على كمال التصرف ، أي إن هذا الإله العظيم لابد من أن يرسل رسلاً ، وينزل كتباً هدايةً لعباده من الضلالة والتيه.
 أيها الإخوة ، حينما يرسل الله جل جلاله رسولاً لابد من أن يكون مع هذا الرسول منهج ، هذا المنهج يقتضي أن تفعل ، ولا تفعل ، شيء مباح ، وشيء واجب ، وشيء فرض ، وشيء مكروه ، وشيء محرم ، فمع الأنبياء أو منهج واحد ، جاء بصيغ متعددة ، لذلك الناس حينما يدعون إلى التقيد بمنهج الله عز وجل قد لا تطيب نفوسهم بهذه المناهج ، ماذا يفعلون ؟ أهون شيء أن يكذبوا الأنبياء والمرسلين ، فكيف يبين الله لعباده الغافلين الشاردين أن هذا الإنسان الذي أرسله الله هو رسوله ، لابد من أن يدعم هذا الرسول الكريم بشهادة تشهد للناس أنها رسوله ، إنها المعجزات ، فالمعجزات في حقيقتها شهادة الله للرسول أنه رسول الله.
 الرسول يفعل شيئاً خارقاً للعادة غير مألوف ، كأن فعل الرسول في خرق قوانين الأرض شهادة الله لهؤلاء الناس أنه رسول الله ، الأنبياء السابقون معجزاتهم معجزات حسية ، بمعنى أنها وقعت ، ولن تقع مرةً ثانية ، أصبحت خبراً يصدقه من يصدقه ، ويكذبه من يكذبه ، فهي كعود الثقاب تألق مرةً واحدة ، ثم انطفأ ، فأصبح خبراً يصدقه المصدق ، أو يكذبه المكذب ، إلا أن معجزة النبي عليه الصلاة والسلام ، ونحن في ذكرى مولده من نوع آخر ، إنها معجزة علمية ، إنها معجزة عقلية ، هي في القرآن الكريم ، وتستمر هذه المعجزة إلى أبد الآبدين ، كلما تقدم العلم كشف عن حقائق جاءت في القرآن الكريم ، وكأن الله عز وجل يقول:

﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾

[ سورة فصلت: الآية 53]

 أيها الإخوة الأحباب ، في القرآن الكريم ما يزيد على ألف وثلاثمئة آية تتحدث عن الكون ، وعن خلق الإنسان ، وعن خلق الحيوان ، وعن خلق النبات ، هذه الآيات كأنها تعريف بعظمة الله تعريف ، وبكماله ، وتعريف بأسمائه الحسنى وصفاته الفضلى.
 إذاً معجزة النبي عليه الصلاة والسلام هي في القرآن ، والقرآن مع أمة النبي إلى نهاية الدوران ، ولحكمة بالغة لم يفسِّر النبي عليه الصلاة والسلام آيات الكون في القرآن ، إما باجتهاد منه صلى الله عليه وسلم ، أو بتوجيه من الله عز وجل ، ذلك أنه لو فسر هذه الآيات الكونية تفسيراً مبسطًا يفهمه من حوله لأنكرنا عليه ، وقد تقدم عندنا العلم ، ولو فسرها تفسيراً مطولاً يتناسب مع تقدم العلم لأنكر عليه من حوله ، لذلك تركت هذه الآيات للكشوفات العلمية فكلما تقدم العلم كشف عن جانب من جوانب هذه الآيات.
 أيها الإخوة الأحباب ، قبل سنتين عرض موقع معلوماتي يمثل أكبر محطة فضاء في الأرض صورةً ، إذا تأملتها لا تشك ثانية واحدة أنها وردة جورية ، لا تشك ثانية واحدة أنها وردة جورية بأوراقها الحمراء الداكنة ، وبوريقاتها الخضراء الزاهية ، و بكأسها الأزرق في الوسط ، هي في الحقيقة ليست وردةً جورية ، إنما هي نجم اسمه عين القط ، يبعد عنا ثلاثة آلاف سنة ضوئية ، هذا النجم أصابه انفجار ، فكان بهذا الشكل ، لو قرأت قوله تعالى:

﴿ فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ (37) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (38)﴾

[ سورة الرحمن ]

 صدقوا أيها الإخوة ، أنكم إن طالعتم معظم التفاسير حول هذه الآية:

﴿ فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ (37) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (38)﴾

 

[ سورة الرحمن ]

 لا تجد تفسيراً واحداً يشفي الغليل ، بل إن هذه الصورة هي التفسير الحقيقي لهذه الآية ، هذا مصداق قول الإمام علي كرم الله وجهه: " في القرآن الكريم آيات لما تفسر بعد ".
إذاً القرآن الكريم فيه إعجاز ، هو في الحقيقة معجزة النبي عليه الصلاة والسلام.
أيها الإخوة الأكارم ، يقول الله عز وجل:

﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4)﴾

[ سورة التين: الآية 4]

 العصب الشمّي ينتهي بعشرين مليون عصب ، وكل عصب من هذه النهايات العشرين مليون تنتهي بسبعة أهداب ، والأهداب مغطاة بمادة مخاطية تتفاعل مع الرائحة ، ويتشكل من تفاعل الرائحة مع المادة المحيطة بأهداب الأعصاب الشمية ، شكل هندسي ، هو حقيقة الرائحة ، هذه تشحن إلى الدماغ ، وتعرض على ملف فيه ما يزيد على عشرة آلاف بند من بنود الذاكرة الشمية ، فإذا توافق شكل مع شكل البنود عرفت أن هذه الرائحة رائحة ياسمين ،

﴿ فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾

[ سورة الرحمن: الآية 38]

﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْساَنَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾

[ سورة التين: الآية 4]

 الإنسان إذا كان يمشي في الطريق ، وسمع بوق مركبة ، فإنّ صوت البوق ينتقل إلى الدماغ عن طريق الأذنين ، فهناك أذنان ، ولابد من أن الصوت يصل إلى إحدى الأذنين قبل الأخرى ، في الدماغ جهاز يقيس تفاضل وصول الصوتين إليه ، هذا التفاضل لا يزيد على واحد على ألف وستمئة وعشرين جزءًا من الثانية ، عندئذ يعرف الإنسان من خلال هذا الجهاز البالغ التعقيد ، ومن خلال الأذنين جهة الصوت فيتجه إلى الجهة المعاكسة ، ولولا هذا الجهاز البالغ التعقيد في الدماغ لكنا في حالة صعبة جداً.

﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4)﴾

 

[ سورة اتين: الآية 4]

 والإنسان حينما يرى حشرةً مؤذيةً قاتلةً تنطبع صورتها على شبكية العين ، وهذه الصورة تنتقل إلى الدماغ إدراكاً بحسب المفهومات التي تلقاها الإنسان في مراحل تعليمه ، ومن خلال خبراته ، أو مشاهداته ، أو من خلال قصص سمعها ، فإذا رأى أفعى في بستان انطبعت صورتها على شبكية العين إحساساً ، وانتقلت هذه الصورة إلى الدماغ إدراكاً ، الدماغ ملك الجهاز العصبي ، والغدة النخامية ملكة الجهاز الهرموني ، وبينهما ضابط اتصال هو جسم تحت السرير البصري ، ضابط اتصال بين ملك الجهاز العصبي ، وهو الدماغ ، وبين ملكة الجهاز الهرموني ، وهي الغدة النخامية ، الغدة النخامية تأمر غدتين فوق الكليتين اسمهما الكظر ، الكظر يعطي خمسة أوامر خلال ثوان ، أمرًا إلى القلب ، فترتفع ضرباته ، الخائف يزداد وجيب قلبه ، وأمرًا إلى الرئتين ، فيزداد وجيبهما ، والخائف يلهث ، ثم أمرًا إلى الأوعية الدموية المحيطة بالجلد ، فتضيق لمعتها ، فالخائف يصفر لونه ، هو في حاجة إلى الدم ، لا إلى لون وردي ، وأمرًا رابعًا يذهب إلى الكبد ، فيطلق كمية إضافية استثنائية من السكر ، وأمرًا خامسًا يأمر الكبد بإفراز مادة تعين على التجلط ، هذا كله يتم في ثوان معدودة.

﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4)﴾

 

[ سورة التين: الآية 4]

 أيها الإخوة الأحباب ، يقول الله عز وجل:

﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا﴾

[ سورة البقرة: الآية 26]

 هذه البعوضة زودها الله بجهاز رادار ، ففي الليل وفي الظلام الدامس تتجه إلى جبين النائم ، وزودها الله بجهاز تحليل للدم ، فما كل دم يناسبها ، فقد ينام أخوان على فراش واحد يستيقظ أحدهما ووجهه ممتلئ بلسعات البعوض ، والثاني ليس به شيء.
 إذاً عندها جهاز رادار ، وعندها جهاز تحليل للدم ، ثم عندها جهاز تخدير ، البعوضة تخدر من تقف على جلده لئلا يقتلها ، وهي تمص من دمه ، ثم عندها جهاز ما يسميه العلماء تمييع الدم ، كي يسير الدم في خرطومها الدقيق ، جهاز رادار ، وجهاز تحليل ، وجهاز تمييع ، وجهاز تحليل ، وجهاز تخدير.
 والبعوضة لها ثلاثة قلوب ، قلب مركزي ، وقلب لكل جناح ، وجناحا البعوضة يرفان أربعة آلاف رفة في الثانية ، هذا الرفيف اسمه الطنين ، والبعوضة لها مخالب ، إذا وقفت على سطح خشن تستخدم المخالب ، ولها محاجم ، إذا وقفت على سطح أملس تستخدم المحاجم ، أساسها الضغط ، والبعوضة تشم رائحة عرق الإنسان من مسافة تزيد على ستين كيلو مترًا ، قال تعالى:

﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا﴾

[ سورة البقرة: الآية 26]

 أيها الإخوة الكرام ، آيات كثيرة تدل على عظمة الله ، يقول الله عز وجل:

﴿غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ﴾

[ سورة الروم ]

 قبل اكتشاف أشعة الليزر التي تقاس بها المسافات في دقة بالغة لم يكن يعرف أن أعمق نقطة في الأرض هي غور فلسطين ، فحقائق التاريخ تؤكد أن المعركة التي جرت بين الروم والفرس كانت في غور فلسطين ، فالله عز وجل يقول:

﴿غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ﴾

[ سورة الروم ]

 أدنى مكان في الأرض غور فلسطين أدنى وأدنى مكان في البحر خليج مريانة في المحيط الهادي أدنى فهذه الآية من إعجاز القرآن العلمي.
أيها الإخوة الكرام أدنى ، ثم إن الله سبحانه وتعالى يقول:

﴿ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27)﴾

[ سورة الحج: الآية 27]

 لم يقل: من كل فج بعيد ، لأن الأرض كرة ، فالإنسان إذا ابتعد عن إحدى نقاطها لابد أن يكون الخط منحنياً ، فجاءت كلمة عميق بدل كلمة بعيد ، إشعاراً بكروية الأرض.

﴿ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ﴾

[ سورة الحج ]

 

 أيها الإخوة الكرام ، بيننا وبين أقرب نجم ملتهب أربع سنوات ضوئية ، لو حسبنا بحساب بسيط كم تستغرق رحلة إلى هذا النجم بمركبة أرضية ، لكان الجواب حوالي خمسين مليون عام ، والمسافة بيننا وبينه أربع سنوات ضوئية فقط ، فكم تستغرق رحلة لنصل بها إلى نجم القطب ؟ الذي يبتعد عن الأرض أربعة آلاف سنة ضوئية ، والضوء يقطع في الثانية الواحدة ثلاثمئة ألف كيلو متر ، فكم يقطع في الدقيقة ؟ فكم يقطع في الساعة ؟ فكم يقطع في اليوم ؟ فكم يقطع في العام ؟
 إذاً بيننا وبين أقرب نجم ملتهب أربع سنوات ضوئية ، وبيننا وبين نجم القطب أربعة آلاف سنة ضوئية ، وبيننا وبين مجرة المرأة المسلسلة مليونا سنة ضوئية ، لكن العلماء اكتشفوا حديثاً مجرةً تبعد عنا عشرين مليار سنة ضوئية ، ماذا قال الله عز وجل ؟

﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76)﴾

[ سورة الواقعة ]

 لذلك قال الله تعالى:

﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾

[ سورة فاطر: الآية 28]

 هذا النجم كان في هذا الموضع ، وأرسل ضوءاً إلى الأرض ، بقي هذا الضوء يمشي عشرين مليار سنة حتى وصل إلينا ، النجم الذي أصدر هذا الضوء أين هو الآن ؟

﴿ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76)﴾

[ سورة الواقعة: الآية 76]

 لو سمع هذه الآية عالم فلك لخر ساجداً لله عز وجل من كلمة موقع ، الموقع لا تعني أن صاحب الموقع في الموقع ، لأن النجوم البعيدة قد تقترب سرعتها من سرعة الضوء ، فقبل عشرين مليار سنة كانت هذه المجرة في هذا المكان ، فأين هي الآن ؟
أيها الإخوة ، بيننا وبين الشمس مئة وستة وخمسون مليون كيلو متر ، يقطعها الضوء في ثماني دقائق ، والشمس تكبر الأرض بمليون وثلاثمئة ألف مرة ، أي إن جوف الشمس يتسع لمليون وثلاثمئة ألف أرض ، بيننا وبين الشمس مئة وستة وخمسون مليون كيلو متر ، والشمس تتسع لمليون وثلاثمئة ألف أرض.
 الآن وطنوا أنفسكم لسماع هذه الحقيقة ، في أبراج السماء برج اسمه برج العقرب ، وفي هذا البرج كوكب متألق صغير أحمر اللون ، اسمه قلب العقرب ، قلب العقرب نجم في برج العقرب ، يتسع للشمس والأرض مع المسافة بينهما.
أيها الإخوة الكرام ،

﴿ وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (47)﴾

[ سورة الذاريات: الآية 47]

 هذه حقائق قبل أن تعصي الله ، هل تعلم من هو الله ؟ إذا عرفت الله ، ثم عرفت أمره تفانيت في طاعته ، أما إذا عرفت الأمر ، ولم تعرف الآمر تفننت في التفلت من الأمر.
أيها الإخوة الكرام ، الله جل جلاله يقول:

﴿ مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (19) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ (20) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (21)﴾

[ سورة الرحمن]

 حار علماء التفسير في هذه الآية ، إلى أن اكتشف من خلال السفن الفضائية أن بين كل بحرين برزخًا يحول بين اختلاط مياه البحرين ، فكل بحر له مكوناته ، وله ملوحته ، وله كثافته ، وعند اتصال البحرين كباب المندل ، وقناة السويس ، ومضيق جبل طارق ، عند اتصال البحرين لا تختلط مياه البحرين ببعضهما ، هذه الحقيقة اكتشفت حديثاً ، بدءاً من مركبات الفضاء ، ثم تحقيقاً من علماء البحار ، يقول الله عز وجل:

﴿ مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (19) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ (20) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (21)﴾

[ سورة الرحمن]

 أيها الإخوة الأحباب ، هناك آية قرآنية ثانية يقول الله عز وجل:

﴿ وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً (53)﴾

[ سورة الفرقان: الآية 53]

 فسر العلماء الحجر المحجور بأن أسماك المياه العذبة لا تنتقل إلى المياه المالحة ، وأن أسماك المياه المالحة لا تنتقل إلى المياه العذبة ، فبين البحرين برزخ ، وبين البحرين حجر محجور.
 أيها الإخوة الكرام ، هذه بعض الحقائق التي بينها الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم ، لماذا ذكر الله في القرآن الكريم ألفاً وثلاثمئة آية تتحدث عن الكون ، تتحدث عن السماوات والأرض ، تتحدث عن خلق الإنسان ، تتحدث عن خلق الحشرات ، تتحدث عن خلق الحيوان تتحدث عن الأمطار ، تتحدث عن الجبال ، تتحدث عن البحار ، تتحدث عن الأنهار ؟ هذه الآيات الكونية هي في الحقيقة طريق إلى الله ، فالكون في حقيقته أقصر طريق إلى الله ، وأوسع باب تدخل منه على الله ، والإنسان لا بد أن يعظم الخالق ، يقول الله عز وجل:

﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76)﴾

[ سورة الواقعة ]

 يستنبط من هذا أن العلماء وحدهم هم الذين يخشون الله عز وجل ، فالله عزوجل يقول:

﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾

 

[ سورة فاطر: الآية 28]

 أيها الإخوة الأحباب ، في رأس الإنسان شعر ، من يصدق أن لكل شعرة عصبًا ، ووريدًا ، وعضلة ، وغدة دهنية ، وغدة صبغية ، في رأس الإنسان أحياناً ثلاثمئة ألف شعرة ، لكل شعرة عصب ، ووريد ، وشريان ، وعضلة ، وغدة دهنية ، وغدة صبغية.
يا أيها الإخوة الكرام ، إذا تفكرنا في خلق السماوات والأرض خشعت قلوبنا ، إذا تفكرنا في خلق السماوات والأرض أنابت قلوبنا إلى الله عز وجل.
 إن مرحلة مكة في الدعوة إلى الله مرحلة مهمة جداً ، كل الآيات المكية فيها تعريف لذات الله ، تعريف بعظمته ، تعريف بكماله ، فنحن حينما ندقق في خلق الإنسان ، وفي خلق الحيوان ، وفي خلق النبات ، نتعرف إلى الصانع ، فالصانع نعرفه من صنعته ، والخالق من خلقه ، والحكيم من حكمته ، والمسير من تسييره ، والمبدع من إبداعه ، كل هذه الحقائق ينبغي أن نعرفها كي نتعرف إلى الله ، فالله عز وجل خلق السماوات والأرض بالحق ، أي إن الحق لابس خلق السماوات والأرض:

﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ﴾

[ سورة الأنعام: الآية 73]

 بمعنى أن الحق لابس خلق السماوات والأرض ، والحق هو الشيء الثابت والهادف ، فالباطل شيء زائل ، والباطل شيء عابث ، خلق السماوات والأرض بالحق ، لهدف عظيم وثابت ، والباطل زائل:

 

﴿إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً (81)﴾

 

[ سورة الإسراء: الآية 81]

 والباطل عابث:

 

﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً﴾

 

[ سورة ص: الآية 27]

﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (16)﴾

[ سورة الأنبياء: الآية 16]

 فالله سبحانه وتعالى نفى اللعب والعبث عن خلق السماوات والأرض ، إذاً خلق السماوات والأرض كان بالحق ، لو عدنا إلى الآيات التي بينها الله في القرآن الكريم والمتعلقة بالإنسان ، أو بالحيوان ، أو بالنبات لوجدنا العجب العجاب ، الله عز وجل يقول:

 

﴿أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ (9) وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10)﴾

 

[ سورة البلد ]

 العين وحدها من أعظم الآيات الدالة على عظمة الله ، العين في شبكيتها ما يزيد على مئة وثلاثين مليون عصية ومخروط في قعر العين ، هذه من أجل تأمين دقة الرؤية ، بل إن العين السليمة يمكن أن تفرق بين درجتين من ثمانمئة ألف درجة ، لو درجنا اللون الأخضر ثمانمئة ألف درجة لاستطاعت العين السليمة أن تفرق بين درجتين.

 

﴿أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8)﴾

 

[ سورة البلد: الآية 8]

 إنك ترى الصورة بحجمها الحقيقي ، وبألوانها الدقيقة مباشرةً من دون إرجاع ، فالعين آية دالة على عظمة الله.
الأذن آية دالة على عظمة الله ، الشعر آية دالة على عظمة الله.
 الدماغ أيها الإخوة ، فيه أربعة عشر مليار خلية قشرية ، وظائف الدماغ تستند إلى مئة وأربعين مليار خلية استنادية سمراء ، لم تعرف وظيفتها بعد ، بل إن الدماغ أعقد ما في الإنسان ، بل إن الدماغ عجز عن إدراك نفسه.
 إذاً الدماغ آية كبرى من آيات الله ، الأعصاب آية ، الأوردة والشرايين آية ، القلب البشري يضخ في اليوم ثمانية أمتار مكعبة ، كل إنسان يضخ قلبه ثمانية أمتار ، في عمر متوسط يمكن للقلب البشري أن يضخ ما يملأ أكبر ناطحة سحاب في العالم ، هذا القلب تلك العضلة التي تعقد المؤتمرات من أجل معرفة أسرارها.
أيها الإخوة الأحباب ،

 

﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)﴾

 

[ سورة آل عمران ]

 يقول عليه الصلاة والسلام:

(( وَيْلٌ لِمَنْ لَمْ يَتَفَكَّر فِي هَذِهِ الآيَةِ ))

[ابن حبان في صحيحه عن عائشة]

 نخلص من هذا العرض السريع لبعض آيات القرآن الكريم الكونية الدالة على عظمة الله أن أرقى أنواع العبادات التفكر في خلق السماوات والأرض ، لأنك إذا تفكرت في خلق السماوات والأرض عرفت عظمة الله عز وجل ، وإن عرفت عظمة الله عز وجل خشعت له ، واستجبت لأمره.
 إذاً عرفت الآمر ، ثم عرفت الأمر تفانيت في طاعة الآمر ، أما إذا عرفت الأمر ، ولم تعرف الآمر تفننت في التفلت من الأمر.
أرجو الله سبحانه وتعالى أن تكون هذه الحقائق باعثاً لنا جميعاً على التفكر في خلق السماوات والأرض ، وعلى مزيد من معرفة الله عز وجل ، وعلى مزيد من طاعته ، فلعل الله سبحانه وتعالى يرحمنا ، وإلى لقاء آخر ، إن شاء الله سبحانه وتعالى

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور