وضع داكن
19-04-2024
Logo
صور من حياة الصحابة - الندوة : 27 - الصحابية أسماء بنت عميس رضي الله عنها .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 أيها الأخوة والأخوات بالخير طابت أوقاتكم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلاً بكم ومرحباً مع بداية هذه الحلقة الجديدة من صور من حياة الصحابة، هذا اللقاء الطيب بإذن الله الذي نجتمع فيه مع العلماء الأجلاء الذين يتحدثون عن صحابة النبي الأعظم عليه الصلاة والسلام هذا اللقاء فيه إطلالة واسعة وشيقة على هذه الشخصيات الفذة التي رباها النبي الأعظم عليه الصلاة والسلام.
 بين أيدينا اليوم شخصية كريمة اسمها الصحابية أسماء بنت عميس يتحدث فضيلة الشيخ محمد راتب النابلسي الأستاذ المحاضر في كلية التربية في جامعة دمشق والمدرس الديني في مساجد دمشق وخطيب جامع النابلسي فضيلة الشيخ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته أستاذ جمال.
من أين نبدأ حول الصحابية الجليلة أسماء بنت عميس فضيلة الشيخ
 أسماء بنت عميس زوجة سيدنا جعفر بن أبي طالب، النبي عليه الصلاة والسلام أرسل جيشاً إلى مؤتة وعين له قادةً ثلاث زيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب، وعبد الله بن رواح، وكانت المعركة قاسيةً جداً، فأخذ الراية سيدنا زيد بن الحارثة فقاتل بها حتى قتل، ثم أخذ الراية جعفر بن أبي طالب زوج أسماء بنت عميس محور هذا اللقاء فقاتل بها حتى قتل، ثم صار دور عبد الله بن رواح فأخذ الراية وقال بيتين من الشعر:

يا نفس إلا تقتلي تموتي هذا  حمام الموت قد صليتِ
إن تفعلي فعلهما رضيتي  وإن توليتي فقد شقيتِ

 فقاتل بها حتى قتل، والقصة طويلة لكن النبي عليه الصلاة والسلام وهو بين أصحابه في المدينة أخبر أصحابه في المدينة أخبر أصحابه بما كان في هذه المعركة، فقال: أخذ الراية أخوكم زيد فقاتل بها حتى قتل وإني لأرى مقامه في الجنة، ثم أخذ الراية أخوكم جعفر فقاتل بها حتى قتل وإني لأرى مقامه في الجنة، ثم سكت النبي عليه الصلاة والسلام، فقلق أصحاب النبي على أخيهم عبد الله فقالوا: يا رسول الله ما فعل عبد الله ؟ قال: ثم أخذها عبد الله وقاتل بها حتى قتل، لكن هناك شيء قال: إني لأرى في مقامه ازوراراً عن صاحبيه لأنه تردد، لأن الله عز وجل قال:

 

﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111)﴾

 

[ سورة التوبة ]

 هذا التردد الذي ما دام أكثر من ثلاثين ثانيةً جعل مقامه في الجنة يزور ـ أي ينخفض عن مقام صاحبيه ـ فأسماء بنت عميس رضي الله عنها كانت تعيش انتصارات المسلمين نصراً بعد نصر، فمن خيبر إلى عمرة القضاء إلى أن أعلن في المدينة عن توجه جيش إلى الشام وكان بين أمرائه الثلاثة زوجها الحبيب جعفر بن أبي طالب وأحست بلذع النار يوم الوداع، وإن كان جعفر رضي الله عنه قد طغت عليه علائم الفرحة العارمة، بأن يحمل سيفه في سبيل الله فكم طاق لمثل هذا اليوم وقد سبقه أخوه علي في هذا الجهاد.
 مضت الأيام تترا وأسماء تعدها يوماً بعد يوم حتى تقر عينها برؤية زوجها الغائب الحبيب، وتحدثنا أسماء عن ذلك اليوم الفاجع في حبيبها فتقول: أصبحت في اليوم الذي أصيب فيه جعفر وأصحابه فأتاني النبي عليه الصلاة والسلام وقد كان قدومه مفاجأةً غير متوقعة ولقد كانت في أقصى حالات الإرهاق، فقد دبغت أربعين جلداً ثم رأت بأنها بحاجة إلى الخبز فعجنت عجينها وتركته يختمر ثم التفتت إلى أولادها فرأت بعض الاتساخ بهم فقامت وغسلت وجوههم ونظفتهم ودهنتهم، آنذاك قدم النبي عليه الصلاة والسلام فقال يا أسماء: أين بنو جعفر ؟ تقول أسماء فجئت بهم إليه فضمهم وشمهم ولم تجد غربة في ذلك لطالما ضمهم النبي عليه الصلاة والسلام إلى صدره الشريف وكان يحبهم حبه لأبيهم وأشد، إنما الذي هلع قلبها من الرعب أن ذرفت عيناه فبكى، بكى النبي حينما ضمهم وشمهم فسألته بجزع بادٍ في وجهها أي رسول الله لعله بلغك عن جعفر شيء فقال عليه الصلاة والسلام والدمع يتحدر على وجهه الشريف نعم قتل اليوم، ولم ينته النبي عليه الصلاة والسلام من كلامه حتى قامت تصيح وبدأ النسوة يتبادرن إلى البيت بصياحها وفي قلب هذا الجزع وأمام هذه المصيبة لم يملك رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من أن يوصي أسماء قائلاً: يا أسماء لا تقولي هجراً ولا تضربي صدراً ومضى يعالج أحزانه على أحبائه الثلاث وقد قرت عينه بشهادتهم وما أن دخل البيت حتى فوجئ بفاطمة ابنته تبكي وتقول: واه عماه ووسط مشاعر التأثر البالغة وفي لهيب الفجيعة المحزنة قال عليه الصلاة والسلام على مثل جعفر فلتبكِ البواكي.
 كان من أحب أصحابه إليه، ولم تكن بنت عميس تحسب أنها ستدخل بهذه السرعة في عالم الأحزان وأنها ستكون المعزاة ولم يمر بعد على سعادتها في مدينة رسول الله العام وبعض العام، وعرف النبي عليه الصلاة والسلام الصدمة القاسية على قلب الأم في أوج صباها فقال لأهله: اصنعوا لآل جعفر طعاماً فقد شغلوا عن أنفسهم اليوم.
 أنا ذكرت في حلقة سابقة أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يقول أول من يمسك بحلق الجنة أنا فإذا امرأة تنازعني تريد أن تدخل الجنة قبلي قلت من هذه يا جبريل ؟ قال: هي امرأة مات زوجها وترك لها أولاداً صغاراً فأبت الزواج من أجلهن.
ثم جفت دموع أسماء لكن قلبها لم يجف بعد فكأنما ينزف دماً، إنما كان يرفؤه ويهدأه ما تناقلته بيوتات المدينة على لسان النبي صلى الله عليه وسلم ـ أستاذ جمال دقق في قول النبي ـ لقد رفعوا إلي في الجنة فيما يرى النائم على سرر من ذهب فرأيت في سرير عبد الله بن رواحة ازوراراً عن سرير صاحبيه فقلت عما هذا ؟ فقيل لي: مضيا وتردد عبد الله بعض التردد ثم مضى وراحت في نشوة من الأحلام وجعفر هذا الذي كانت زوجاً له هو الذي عاشت معه عمرها كله التي كانت تأكل معه وتشرب معه وتتحدث معه وتتناجى معه هو الآن في الجنة، يا الله ليت كانت معه فتفوز فوزاً عظيماً، ترى هل تكتحل عينها بمرآه فتكون زوجاً له في الجنة وها هي ذي تسمع اليوم أخباراً أحلى وأجمل عن زوجها الحبيب.
النبي عليه الصلاة والسلام يقول:

 

(( دخلت الجنة البارحة فرأيت جعفراً يطير مع الملائكة وجناحاه مضرجان بالدم ))

 

 وأدخل هذا الوصف على القلب الحزين آيات الرضا بالقضاء وراحت تضرب في بيداء الظنون إلى أن أهل الجيش قادماً من بعيد وقامت فاطمة رضوان الله عليها المفجوعة بعمها جعفر مع سلمى مولاة النبي عليه الصلاة والسلام تصنعان الطعام استجابةً لأمر النبي عليه الصلاة والسلام وكان الدمع يترقق في عيني النبي كلما تذكر اليتامى الصغار الذين يدرجون في أول طفولتهم وسرعان ما بعث من جاء بهم إليه فراحوا يتراكضون للنبي الكريم الحبيب الذي كان يحنو عليهم ويطعمهم بيده ويمسح دموعهم التي ذرفت من عيونهم وهم ينظرون إلى أمهم الولهة تصيح.
 يقول عبد الله بن جعفر: فعمدت سلمى مولاة النبي عليه الصلاة والسلام إلى شعير فطحنته ثم آدمته بزيت وجعلت عليه فلفلاً وأكلت منه وحبسني النبي صلى الله عليه وسلم مع أخوتي في بيته ثلاثة أيام وكانت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ترمق الجو من بعيد وتنظر في وجه زوجها الحبيب محمد عليه الصلاة والسلام فترى آثار الحزن قد جللت وجهه الشريف فتحاشت أن تناجيه في هذا الموقف العصيب كما تقول: لما أتى نعي جعفر عرفنا في وجه رسول الله صلى الله عليه والسلام الحزن وجلست ترمق الجو من بعيد لولا لفت نظرها دخول رجل مسرع على النبي صلى الله عليه وسلم يقول: يا رسول الله إن النساء عنيننا وفتننا، ومضت الأيام الثلاثة بالفاجعة على الأرملة الشابة التي ذاقت لأول مرة لوعة الترمل وهي في ريعان شبابها وجلست في زاوية البيت بعد أن عاد إليها يتاماها الثلاثة فضمتهم لحضنها وحبست الدموع في عينيها المتحجرتين حفاظاً على مشاعر فلذات أكبادها الثلاث وجفت دموع أسماء، خرج الصبيان يشتدون وقد تردد في أرجاء المدينة أن الجيش فر من الزحف، وكان عبد الله بن جعفر يشتد مع الصبيان، وخرج النبي عليه الصلاة والسلام يتلقى جيشه الجريح المجاهد غير أنه لم ينسَ أبداً عبد الله ولد جعفر الحبيب.
وما يدري لعل عبد الله يسأل الركبان عن أبيه ويحسب أنه لم يمت بعد، لعل عبد الله يتفرس في وجوه العائدين على أمل أن يلقى أباه بين العائدين، لقد كان أسامة بن زيد أشب بكثير، أما عبد الله فلم يكن يدري ما الموت بعد، من أجل هذا قال عليه الصلاة والسلام:
خذوا الصبيان فاحملوهم وأعطوني ابن جعفر فأخذه وحمله بين يديه.
 ولم يغفر الصبيان للجيش أوبته دون انتصار وبخاصة وقد خلف قادته الأبطال مجندلين في الساح فراحوا يحثون التراب في وجه الجيش ويقذفونهم بالحصى قائلين يا فرار، فررتم في سبيل الله وكان قلب النبي عليه الصلاة والسلام يهتف مع كل قلب من جنوده بل هم الكرار إن شاء الله.
 وكانت أسماء تنتظر بحرقة قدوم الجيش لتسمع أخبار زوجها الشهيد بعد أن حدثها النبي عليه الصلاة والسلام عنه في الجنة و تناهى لها عن طريق أحد المسلمين قوله و هم يصفون جعفر، و الله لكأني أنظر إلى جعفر حين اقتحم عن فرس له شقراء ثم عقرها ثم قاتل و هو يقول:

يا حبذا الجنة و اقترابها  طيبة و بارد شرابها
و الروم روم قد دنى عذاب ها كافرة بعيدة أنسابها

علي إذ لاقيت ضرابها
ثم أخذ اللواء بيمينه فقطعت فأخذه بشماله فقطعت فاحتضنه بعضديه حتى قتل، و أدركت أسماء آنذاك لما كان جعفر ذا الجناحين يطير بهما في أبهاء الجنة.
 في الواقع الشكر الجزيل لفضيلة الشيخ محمد راتب النابلسي الأستاذ المحاضر في كلية التربية في جامعة دمشق والمدرس الديني في مساجد دمشق وخطيب جامع النابلسي فضيلة الشيخ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

 

أستاذ جمال.

تحميل النص

إخفاء الصور