وضع داكن
29-03-2024
Logo
صور من حياة الصحابة - الندوة : 22 - الصحابية أم هانئ رضي
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

  أيها الأخوة والأخوات بالخير طابت أوقاتكم ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وهذه دعوة متجددة في هذا الشهر المبارك لنتابع حلقة جديدة من صور من حياة الصحابة الكرام رضي الله تعالى عنهم الذي رباهم النبي الأعظم عليه الصلاة والسلام.
أعزاءنا يسعدنا أن نستضيف فضيلة الشيخ محمد راتب النابلسي الأستاذ المحاضر في كلية التربية في جامعة دمشق والمدرس الديني في مساجد دمشق وخطيب جامع النابلسي فضيلة الشيخ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته أستاذ جمال.
فضيلة الشيخ عودتمونا أن نتحدث عن شخصيات فذة من صحابة النبي الأعظم عليه الصلاة والسلام الذين ملأت أعمالهم وملأت سجاياهم الدنيا كلها من هي الشخصية اليوم في هذا الحديث المبارك ؟
 إنها أم هانئ ولكن قبل الحديث عنها لابد من مقدمة عن حقوق المرأة في الإسلام ، فقد كرم الإسلام المرأة وليدة ، وفتاة ، وزوجةً وأماً ، وأختاً ، وبنتاً ، ولقد ذكر القرآن الكريم عدداً من النساء كان لهن دور بارز في تاريخ البشرية مثل حواء ، وأمِ موسى وأخته وزوجة فرعون ، وملكة سبأ ، ومريم بنة عمران ، كما حفلت آيات القرآن الكريم بإجابة عن أسئلة للنساء أو حل لمشكلاتهم في سورة المجادَلة ، وقد نزلت آيات من القرآن الكريم في عدد من النساء كما نزلت آيات أخرى في عدد من الرجال ، إلى جانب إفراد القرآن الكريم سورتين للنساء هما سورة النساء وسورة الطلاق ، والتي يسميها بعض العلماء سورة النساء الصغرى.
 وقد تحدث القرآن الكريم عن المؤمنات اللائي جئن رسول الله صلى الله عليه وسلم مبايعات أو مهاجرات كما في سورة الممتحنة ما ذاك إلا لأن المرأة نصف الأمة بل هي بمنزلة القلب منها فإذا صلحت صلحت الأمة وإذا فسدت فسدت الأمة وقد أدرك هذا العلماء فقالوا إنك إن علمت فتاةً علمت أسرةً.

المرأة مدرسةٌ إذا أعددتها  أعددت شعباً طيب الأعراق

 فضيلة الشيخ محمد راتب النابلسي

 الشيء بالشيء يذكر ، ما هي الحقوق التي أعطاها الإسلام للمرأة لطالما نحن في مقدمة الحديث عن السيدة أم هانئ الصحابية الجليلة.
السيد جمال

 لقد أعطى الإسلام للمرأة حقوقاً لم تكن تعرفها من قبل رد لها حقها المسلوب في الحياة ، جعل لها حقاً مشروعاً في الميراث حقق لها الاستقلاق الاقتصادي فيما تملك ، جعل للزواج أحكاماً ووضع للطلاق وتعدد الزوجات شروطاً وقيوداً ، وقرر للزوجين من الحقوق والواجبات ما تستقيم بها الحياة الزوجية وتتقوى به الروابط والعلاقات الزوجية وأعطى الإسلام المرأة الحق في طلب العلم وجعله فريضة على كل مسلم ومسلمة ، جعلها شريكة الرجل في ميدان العمل أحياناً فيما يتناسب مع أنوثتها ، أوجب عليها الخروج أحياناً لأداء واجباتها التي أناطها الله بها ، احترم الإسلام رأي المرأة واستمع إليه وقرره مبدأً يسير عليه التشريع العام ، ولما كانت المرأة قد حصلت على كثير من الحقوق فقد حملها الإسلام من المسؤوليات ما يتناسب مع ما حصلت عليه من الحقوق فجعلها مسؤولة عن نفسها وعن عبادتها وعن أسرتها ، هي مساوية للرجل في التكليف والتشريف والمسؤولية ولكن أستاذ جمال المرأة المسلمة اليوم تقع تحت ضغوط تكاد تبعدها عن منابع الإسلام الأولى وتحول بينها وبين تفهم رسالته ، وما أشد حاجتها الآن إلى وعي جديد بدينها وتعرف على قيمه ومبادئه التي انتصر بها وساد العالم.
فأم هانئ التي هي محور هذا الحديث ، فأم هانئ كما قلت قبل قليل هي فاختة بنت أبي طالب بن عبد المطلب ، إن سألت عنها فهي ابنة عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أمها فاطمة بنت أسود وهي إحدى ذوات الرأي والأدب الجميل في قريش ، خطبها النبي صلى الله عليه وسلم في الجاهلية وكان أبوها قد وعد بها هبيرة بن أبي لهب فبهر بها ، وفي مستهل الإسلام أسلمت أم هانئ ولم يسلم زوجها ففرق بينهما بحكم الإسلام وراحت تقوم على رعاية أبنائها الصغار الأربعة.
الآن أستاذ جمال

 خطبها النبي صلى الله عليه وسلم ثانيةً فقالت قالت قولاً لا يصدق قالت: يا رسول الله لأنت أحب إلي من سمعي ومن بصري وحق الزوج عظيم فأخشى إن أقبلت على زوجي أن أضيع بعض شأني وولدي وإن أقبلت على ولدي أن أضيع حق زوجي فقال عليه الصلاة والسلام: إن خير نساءٍ ركبن الإبل نساء قريش أحناهن على ولد في صغره وأرعاهن على بعل في ذات يده.
وكان لأم هانئ شخصيتها القوية فلقد كانت المرأة العربية في عهد الإسلام تجير الخائف وتؤمن المروع ، فلقد أجارت أم هانئ بنت أبي طالب رجلين من أحمائها كتب عليهما القتل وها هي ذي تحدثنا عن ذلك.
فضيلة الشيخ

 قبل أن ننتقل إلى هذا الموضوع هذا الموقف التي اتخذته أم هانئ موقف عظيم وجليل وهذا ما أكده النبي صلى الله عليه وسلم لنا محطة في هذا الموضوع تربية الولد.
أولاً كم هي عظيمة تربية الأولاد في الإسلام ورد في الأدب المفرد للبخاري أن النبي عليه الصلاة والسلام يقول:

(( أول من يمسك بحلق الجنة أنا فإذا امرأة تنازعني تريد أن تدخل الجنة قبلي ، قلت من هذه يا جبريل ؟ قال: هي امرأة مات زوجها وترك لها أولاداً فأبت الزواج من أجلهن ))

أستاذ جمال

 أنا لا أقول إن المرأة التي مات زوجها محرم عليها أن تتزوج الشرع يسع الجميع ولكن هذا موقف شخصي وقفته هذه المرأة فاستحقت أن تكون الأولى في دخول الجنة ، نستنبط من هذا النص كم هي عظيمة تربية الأولاد في الإسلام ، هذه المرأة أم هانئ عرض عليها أن تكون السيدة الأولى في مجتمعها أن تكون زوجة سيد الخلق وحبيب الحق ، أن تكون في أعلى مرتبة أن تكون أم المؤمنين لكنها رأت أنها إذا قبلت هذا العرض المغري الذي هو عظيم في دنياها وفي آخرتها خافت أن تضيع حق أولادها ، فكم هي عظيمة تربية الأولاد في الإسلام ، الأولاد أحباب الله.

(( عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَنْ يُؤَدِّبَ الرَّجُلُ وَلَدَهُ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِصَاعٍ ))

[ أحمد ]

 فهذه الصحابية الجليلة أعطت درساً بليغاً هي تتمنى أن تكون زوجةً لرسول الله ، تتمنى أن تكون السيدة الأولى ، تتمنى أن تكون أم المؤمنين ولكن على حساب أولادها والله سوف يحاسبها فلذلك أثنى عليها النبي ، والنبي بالمناسبة وقف موقفاً رائعاً لم يتألم منها مع أنها رفضت طلبه ، رأى في ذلك موقفاً أخلاقياً عظيماً.
 الشيء بالشيء يذكر كما قلت قبل قليل لما برأ الله السيدة عائشة وقالت لها أمها قومي إلى النبي فاشكريه ، فقالت: لا أقوم إلا لله فتبسم النبي عليه الصلاة والسلام وقال: عرفت الحق لأهله ، كان عليه الصلاة والسلام في أعلى درجة من التواضع وفي أعلى درجة من الواقعية.
مرة شده أعرابي من ثوبه فقال: أعطني من هذا المال فهو ليس مالك ولا مال أبيك ، فتبسم النبي وقال: حقاً إنه مال الله.
يا سلام على هذا الكلام الجميل الرائع من مدرسة هي النبوة وعظمة الرسالة.
 قالت أم هانئ لما نزل النبي عليه الصلاة والسلام بأعلى مكة فر إلي رجلان من أحمائي من بني مخزوم ، فأغلقت عليهما باب بيتي ثم جئت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: مرحباً وأهلاً بأم هانئ ما جاء بكِ ؟ فأخبرته خبر الرجلين فقال: لقد أجرنا من أجرتِ يا أم هانئ وأمنا من أمنتِ فلا يقتلا.
 لقد روى أصحاب الصحاح الست جميعاً عن أم هانئ وعاشت حتى جاوزت عهد أخيها علي بن أبي طالب ، أرأيت أستاذ جمال كيف رفع الإسلام المرأة ، أعلى مكانتها وأعلى منزلتها وحررها من القيود والعادات التي كانت شائعةً في الجاهلية أعطاها حقوقاً لم يكن تعرفها من قبل ومما يدل على منزلة المرأة في الإسلام وإكرامها والمحافظة على شعورها أن النبي صلى الله عليه وسلم حافظ على عهدها ووفى بما وعدت به هذا القول الكريم قد أجرنا من أجرتِ.
 أذكر مرةً أن امرأة جاءت إلى النبي الكريم تشكو زوجها زوجها فقال لها: لو تراجعيه ، فقالت: أفتأمرني ، قال: لا إنما أنا شفيع يعني النبي لم يرضى أن يضع مكانته الدينية بشأن شخصي ، قالت له لا أحبه ، فقال لها: طلقها تطليقة وردي له الحديقة.
أهلاً ومرحباً بفضيلة الشيخ محمد راتب النابلسي الأستاذ المحاضر في كلية التربية في جامعة دمشق ، وخطيب جامع النابلسي في دمشق والمدرس الديني في مساجد دمشق نشكركم فضيلة الشيخ السلام عليكم

تحميل النص

إخفاء الصور