وضع داكن
29-03-2024
Logo
الإيمان هو الخلق - الندوة : 92 - تربية الأولاد في الإسلام - 2 - المودة والرحمة - كيف نربي أولادنا
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

ترحيب:

الأستاذ علاء:

أيها السادة المشاهدون، نحييكم مع برنامجكم الإيمان هو الخلق، يسعدنا أن نكون مع معية الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، في كليات الشريعة وأصول الدين بدمشق، ورئيس جمعية حقوق الطفل الخيرية السورية.
أهلاً وسهلاً سيدي الأستاذ.

الدكتور راتب:

تذكير:

 أهلاً بكم أستاذ علاء، جزاك الله خيراً.
 في الحلقة الماضية سيدي الأستاذ تحدثنا عن الأطفال، وأهمية الأطفال والأبناء، وقلنا: إن أهم ثمرة من ثمرات بناء الأسر، واللقاء الزوجي، والعلاقة الزوجية إنتاج الأطفال ، وأن نكلأهم بالرعاية والعناية، سلوكاً وتربيةً، علماً وبذلاً، وصحةً حتى يستقيموا ويستووا، ومررت على ملامح رائعة في القرآن الكريم عندما ربط الأبناء بمعنى المودة والرحمة على أحد التفاسير:

﴿ وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾

( سورة الروم الآية: 21 )

 بعض التفاسير التي قالت: المودة والرحمة هم الأولاد، وتبين من حديث النبي عليه الصلاة والسلام أن حب الإنسان لبقاء وجوده لا يستمر إلا من خلال تربية أولاده، حديث النبي عليه الصلاة والسلام:

 

(( أَكْرِمُوا أَوْلَادَكُمْ، وَأَحْسِنُوا أَدَبَهُمْ ))

 

[ أخرجه ابن ماجه عن أنس بن مالك ]

 الآن يظن الأب أنه قدّم لهم مالا، وقدمت لهم مدرسة، وأنا أرعاه صحياً، وهذا سقف العناية والتربية، لكن يمر على الإنسان أزمان صعبة، في الغزو الثقافي، تمطر علينا الفضائيات، هل المجهود الذي كان يبذل للتربية في زمن معين، في زمن الاسترخاء هو نفسه الذي يكون مبذولاً في الزمن الصعب ؟

 

الدكتور راتب:

 

العناية بالأولاد:

 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

1 – العناية المادية:

 أريد أن أؤكد أستاذ علاء كلمة ذكرتها، أن مهمة الأب لا تنتهي بإطعام أولاده وكسوتهم، والحقيقة أنها تبدأ بعد ذلك، الذي يؤكد هذا المعنى أن النبي عليه الصلاة والسلام يقول:

(( كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ ))

[ أخرجه أحمد عن عبد الله بن عمرو بن العاص ]

 هو يطعمه، ويسكوه، ويؤويه، ويخصِّص له غرفة، ويشتري له الثياب، ويؤمِّن له الطعام:

 

(( كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ ))

 

الإنسان بين الطبع والتكليف:

 لذلك أكاد أن أقول، وقد ذكرت هذا كثيراً: في الإنسان طبع،و معه تكليف، طبعه يقتضي أن ينام، والتكليف أن يستيقظ ليصلي الفجر، طبع  الإنسان أن يأخذ المال، والتكليف أن ينفقه، طبع الإنسان يقتضي أن يملأ عينيه من محاسن النساء، والتكليف أن يغض البصر، طبع الإنسان يقتضي أن يخوض في فضائح الناس، والتكليف أن يصمت، وطبع الإنسان متأصِّل فيه أن يحب أولاد، وهذه حكمة ما بعدها حكمة.
قالوا: العناية بالأولاد طبع في الإنسان، وهذا في أيّ أم، وأيّ أب، إلا في حالات نادرة جداً، والوضع الطبيعي أن الأب المؤمن وغير مؤمن،  المتفلت والمستقيم، الشرقي والغربي، والملوَّن والأبيض، وقبل ألف سنة وبعد ألف سنة، من طبيعة الأب والأم أن يحب الأب أولاده والأم أولادها، هذا هو الطبع.
 لن تجد في القرآن إلا آية واحدة متعلقة بالمواريث توصي الآباء بأبنائهم، تماماً كما لا يمكن للدولة أن تصدر قرارا يلزم المواطنين بتناول الطعام، وكذلك عناية الآباء بالأولاد.

2 – التعليم والتربية على العقيدة الصحيحة والأخلاق الإسلامية:

  إلا أن العناية التي على مستوى الفطرة، هي الطعام، والشراب والصحة، يضاف لها التحصيل الدراسي، فما دام الأب مهتمًا فقط بصحة ابنه، وضعه الصحي جيد، ثيابه جيدة، ودراسته جيدة، أما أن يكون الابن مستقيما أو غير مستقيم، متفلتا أو غير متفلت، عقيدته سليمة أو منحرفة، يبني مجده على أنقاض الناس، هنا الخطأ، لا يكسب الإنسان أجراً عند الله بتربية أولاده إلا إذا تجاوز حاجاته الأساسية، الأساسيات متوافرة عند كل الناس من حيث الاهتمام.
 مثلاً: يأتي الأب إلى بيته مساءً فيسأل زوجته: هل أكل الأطفال ؟ هل كتبوا وظائفهم ؟ ولكن لا يسأل: هل صلوا العشاء ؟ هذه لا يذكرها، يجب أن يهتم بدينهم، بعقيدتهم، بأخلاقهم ، يجب أن يعرف مَن أصحابهم، من أصدقاءهم، كيف يفكرون ؟ وأكبر عمل يقدمه الأب لابنه أن ينشئه تنشئة إيمانية، وتنشئة أخلاقية، هذا أعظم عمل.
لذلك:

(( كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ ))

الأستاذ علاء:

 إذاً: القوت هذا تحصيل حاصل، هذا حق لمن يقتات، أو لمن يأكل عند راعي هذه المسألة.

الدكتور راتب:

 وأي أب يقلق، وأي أمٍّ تقلق إذا كان لابنهما مشكلة صحية، أو مشكلة غذائية، أو مشكلة متعلقة بالدراسة، أما البطولة فأن تربي ابنك على معرفة الله، على مكارم الأخلاق، على أن له هدف بالحياة.
 الآن عندنا ظاهرة في العالم عجيبة جداً، إنسان بلا هدف، هدفه المتعة فقط، همه بطنه وفرجه فقط، إنسان ليس له وزن عند الله إطلاقاً، ما حمل همَّ أمته، ما حل مشكلاتها ، له انتماء فردي، ومشكلة العصر الانتماء الفردي، من بعدي الطوفان، كما يقال، يجب أن أربي ابني على خدمة الناس، على خدمة مَن حوله، على أن يحمل همّهم، على أن يعمل ضمن فريق، على أن يرشد الاستهلاك، على أن ينتمي للمجموع، على أن يدير وقته، أن يدير عمله، على أن يكون معطاء، لا أن يبني مجده على أنقاض الناس، وغناه على إفقارهم، وأمنه على خوفهم، وعزه على ذلهم.
 البطولة للآباء أن نربي أبنائنا، أما الشاشة فماذا تقدم للصغار ؟ هذه الأفلام المستوردة تأتينا من الصحون، إذا كان فيها لعبة كلما حُلّ لغزٌ تخلع الأنثى قطعة من ثيابها، ننمي فيه الميل إلى شيء لا يرضي الله عز وجل في سن مبكرة جداً.

3 – الانتماء للمجموع:

 القضية قضية أن نعلمه العقيدة السليمة، والأخلاق السليمة، وأن ينتمي لمجموع الأمة، وأن يكون في خدمة أمته، هذا شيء مهم جداً، وكلما ارتقى الإنسان حمل همّ المجموع، وكلما سقط من عين الله انتمى إلى شخصه، وإلى مصلحته.
 المثل الذي أردده كثيراً: ماذا يعني الانتماء إلى الذات ؟ مثَلُه كمثَل إنسان مضطجع تحت شجرة تفاح، وقد قطفت ثمارها كلها إلا تفاحة لم ينتبه لها من قطفها، كبيرة جداً، ولها لون زاهٍ، معه منشار شجر، وهي بعيدة جداً، التفاحة في أقصى الشجرة، فقطع الشجرة ليأكل هذه التفاحة، من أجل تفاحة قطع شجرة.
 أنا أتمنى على الأب أن يربي ابنه على الانتماء للمجموع، على الانتماء للأمة، على أن يرى مصلحته في مصلحتها، وسعادته في سعادتها، وأتمنى على الآباء أن نتجاوز موضوع الطعام والشراب، والكساء، والتحصيل، هذا شيء بديهي، أو شيء مجبول في فطرة الآباء والأبناء، والذي كلفنا الله به أن نرقى بإيمانهم، وبأخلاقهم، وبعبادتهم، وبعلاقاتهم الاجتماعية.

التربية تشتد في زمن الفتن والشهوات والأفكار الهدّامة:

 هناك حاجة ثابتة قديماً وحديثاً، إلا أنها تشتد في الزمن الصعب، في زمن ذكَر الله فيه قوله تعالى:

﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ ﴾

( سورة الروم الآية: 41 )

 ما مِن شيء خافٍ على الشباب، الأمور كلها مبذولة في الطريق، وفي المجلة ، وفي الشاشة، وفي الصحيفة، وفي الأفلام، وفي القرص المدمج، هذا كله مبذول، فهذه مشكلة كبيرة جداً، فتشتد الحاجة إلى تربية الأولاد في الزمن الصعب.
 نحن العلوم أستاذ علاء ننتقل من طور وصفي إلى طور رياضي، مثلاً: تقول: هناك ضجيج، هذا وصف، الآن هناك جهاز يقول لك: الضجيج 120، العلوم أكثرها تميل إلى تبديل الوصف بقوانين رياضية، ومن طموحي لو أنه أمكن أن نعطي في تربية الأولاد وحدات، فإذا كان الأب قبل مئة سنة يحتاج لمئة وحدة ليربي أولاده فإنه اليوم يحتاج إلى مليون وحدة، لانتشار شبهات لا يعلمها إلا الله، وطرحات كلها غير صحيحة، وتصورات آثمة، وتفكير أناني، وطرح إلحادي، وطرح شهواتي، وطرح مصلحي، وغرائز متفلتة، وفكر إباحي، وفكر يغطي هذا التفلت.
 مثلا ً: لابد أن نعلَم علم اليَقين أن نظرية داروين لا أصل، وأن داروين قال: " إنْ لم يثبت العلم نظريتي فهي باطلة "، هذا كلام داروين نفسه في كتابه أصل الأنواع، فما هي نظريته ؟
 يقول: إن الخِرَق البالية تأتي منها الفأرة، هذا شيء مضحك، هذا في كتابه، وإن الضفدع تأتي من الوحل، والدود يأتي من تفسخ اللحم، ولا أقول: إن العلم لم يثبت هذه الأفكار، بل سخر منها، ثم بيّن داروين أن هناك تطورا من مخلوق وحيد الخلية إلى إنسان، فلابد عنده من كائنات مرحلية، واكتشفوا الآن بالأحافير حيوانات من 530 مليون سنة مطابقة لما هي عليه الآن 100%، هذه النظرية سقطت كلياً وانتهت، ومع ذلك يتمسك العالَم بها لا لأنها صحيحة، لكنها مُريحة، ولأنها تعني أنْ لا إله، ولا آخرة، فيمكن أن تبني مجدك على أنقاض الشعوب، وأن تبيد شعبًا بأكمله.
 المنطق المعاصر يمكن أن نبيد شعبا، يقولون: مليون قتيل، هذا عادي جداً، ولا اعتراض عليه إطلاقاً، يمكن أن ننهب الثروات بأكملها، حينما يعتقد الإنسان بعدم وجود الإله، ويشعر نفسه أنه ليس مؤاخذاً، وهذه مشكلة كبيرة.
 إذاً: في الزمن الصعب، في زمن الطروحات الإلحادية أحياناً، طروحات الشهوانية ، في زمن التفلت الكامل، في زمن أن المعصية يقترفها الإنسان وكأنه ما فعل شيئاً.

 

الأستاذ علاء:

 

 في زمن الغزو الثقافي، وتبديل الأفكار، والنيل من الهوية، وخاصة التأثير على الأطفال، والطروحات المغلوطة حتى في مسألة الحقوق، عندما يطرح لنا عبر الشاشات، وعبر السواتل، بأكاذيب وأضابيل عن أحقية اليهود في القدس، ومسألة هيكل سليمان التي لا وجود لها، وحائط المبكى الذي لا وجود له، وكلها تسميات من الأوهام والخيال، ويريدون ضخَّها علينا، لكي تثبت في ذهن الطفل، ويغلق عقله عليها.

الدكتور راتب:

 أحب شاب فتاة في الغرب، فاستأذن والده بالزواج منها، قال له: لا يا بني، إنها أختك، وأمك لا تدري، فأحبَّ فتاة ثانية، قال له: أيضاً إنها أختك، وأمك لا تدري، الثالثة إنها أختك، فضجر، فحدّث أمه فقالت له: خذ مَن شئت، أنت لست ابنه، وهو لا يدري.
 هكذا المجتمع متفلت، بلا انضباط، ولا أسرة، ولا تربية، ولا أخلاق، ولا قيم، ولا مبادئ، تشتد الحاجة الآن إلى التربية مليون ضعف، إن لم يخصص الأب، من وقته وقتًا طويلا، وثمينا، إن لم يقتطع الأب من وقته وقت للجلوس مع أولاده كيف يفكرون ؟ كيف يتصرفون ؟ كيف تصوراتهم ؟ ما مبادئهم ؟ ما أفكارهم ؟ فهناك مشكلة كبيرة جداً.
 وأقول لك أستاذ علاء: ما مِن جهة يمكن أن تتحمل عنك هذه المسؤولية، فلا تقل: الفساد عام، والمدارس غير جيدة، أنت المسؤول، ولا أحد يعفيك من هذه المسؤولية.

الأستاذ علاء:

 

 المدرسة تقوم بدورها، وهي جزئية من اللوحة التربوية، لكن البيت هو الأساس بكل معنى الكلمة.

الدكتور راتب:

 عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ الصَّابِرُ فِيهِمْ عَلَى دِينِهِ كَالْقَابِضِ عَلَى الْجَمْرِ ))

[ الترمذي ]

 في زمن التفلت هناك ضرورة فائقة أن نربي أولادنا على مبادئنا، وعلى قيمنا، وعلى أصالتنا، وأن يكون هذا الابن استمرارا لأمته، وأن يعيد لهذه الأمة مجدها إن شاء الله في قيادة المجمعات الإنسانية الأخرى، لأن الله عز وجل:

﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾

( سورة آل عمران الآية: 110 )

الأستاذ علاء:

 سيدي، هل تسمح لي طالما أنك أتيت بهذا الشاهد القرآني العظيم أن أقول: إن

﴿ كُنْتُمْ ﴾

 تفيد الماضي والحاضر والمستقبل، طالما أنكم تمسكتم.

 

الدكتور راتب:

 

الأمرُ بالمعروف والنهي عن المنكر والإيمان بالله علَّةُ خيريةِ هذه الأمة:

 والله أنا شاكر جداً لهذا التوضيح، هذه الخيرية لها علة الخيرية أنكم:

﴿ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾

( سورة آل عمران الآية: 110 )

الأستاذ علاء:

 جاء الماضي والمضارع.

الدكتور راتب:

 لو فرضنا كما قال عليه الصلاة والسلام:

(( كيف بكم إذا لمْ تأمروا بالمعروفِ ولم تَنْهَوْا عن المنكر ؟ قالوا : يا رسول الله وإنَّ ذلك لكائن ؟ قال : نعم، وأشدُ، كيف بكم إذا أمرتُم بالمنكر، ونهيُتم عن المعروف ؟ قالوا: يا رسول الله وإنَّ ذلك لكائن ؟ قال : نعم، وأَشدُّ كيف بكم إذا رأيتُمُ المعروفَ منكرا والمنكرَ معروفا ))

 

[ ورد في الأثر ]

 يا الله ! أخطر شيء تعيشه الأمة أن تتبدل مفاهيمها وقيمها.

 

 

لابد من حملِ همِّ المسلمين لأنّ المسؤولية جماعية:

 

 من باب الطرفة أقول: البيت الشعري الذي أدخل صاحبه السجن في عهد عمر هو شعار كل إنسان في عصور التفلت.

دَعِ المَكارِمَ لا تَرحَل لِبُغيَتِها  وَاِقعُد فَإِنَّكَ أَنتَ الطاعِمُ الكاسي
***

 معظم الناس ما دام آمنا في بيته، ودخله جيد، وأولاده أمامه، ومستمتع بالحياة كما يتمنى، يقول لك: من بعدي الطوفان، فخار يكسر بعضه، هذا أناني، يا لطيف ! ما أحد يحمل همَّ مَن حوله، لذلك النبي قال:

 

(( والله ما آمن، والله ما آمن، والله ما آمن من بات شبعان وجاره إلى جانبه جائع وهو يعلم ))

 

[ الطبراني عن أنس بسند صحيح ]

ما لم تحمل همّ مَن حولك فأنت أناني.
أستاذ علاء، أنا أتصور كلما ارتقى مقام الإنسان في معرفة الله كلما حمل همَّ المسلمين.
 مرة أتيت من قبرص إلى دمشق بالطائرة، لما دخلت الساحل السوري رأيت بعيني طرابلس وبيروت معاً، كنت على ارتفاع 43 ألف قدم مكّنني أن أرى مئة كيلومتر على الأرض، طرابلس وبيروت رأيتهما معاً، معنى ذلك أن الإنسان كلما ارتقى تتسع دائرة رؤيته، وكلما كان ممكَّناً في الأرض تتسع خيارته في العمل الصالح، فكلما ارتقى إما رؤية، أو قوة، تزداد رؤيته اتساعاً، وقدرته على خدمة الناس كثرة، واللهُ عز وجل يحاسبنا على هذا.
 مثلاً: معلِّم في صف عنده ثلاثون طالبًا، هو محاسب عن ثلاثين، أما مدير المدرسة فمحاسَب عن 360 طالبًا، مدير التربية محاسَب عن محافظة، وزير التربية محاسَب عن كل القطر، وعن المناهج، لذلك إن لم أربِّ ابني فسأحاسب، واللهُ عز وجل بيّن هذا.

﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾

( سورة الحجر )

(( كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُُلُّكُم مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ))

[ أخرجه البخاري عن عبد الله بن عمر ]

قال عمر ابن الخطاب: << والله لو تعثرت بغلة في العراق لحاسبني الله عنها، لمَ لم تصلح لها الطريق يا عمر ؟ >>.
 سيدنا عمر بن عبد العزيز دخلت عليه زوجته فاطمة بنت عبد الملك وهو يبكي في مصلاه، قالت له: " لماذا تبكي ؟ قال لها: دعيني وشأني، فلما ألحت عليه قال: ويحك يا فاطمة، إني وُلِّيتُ أمر هذه الأمة، فرأيت المريض الضائع، والفقير الجائع، والشيخ الكبير، والأرملة الوحيدة، وذا العيال الكثير، والرزق القليل، وابن السبيل، والمظلوم، والمقهور، والمسجون، فعلمت أن الله سيسألني عنهم جميعاً، لأن خصمي دونهم رسول الله، فخفت ألاّ تثبت حجتي لهذا أبكي، فدعيني وشأني ".
 إذا لمْ يربِّ الإنسانُ أولاده، أو ربّاهم على عمل لا يرضي الله، أو رباهم على كسب مال حرام، أو علمهم شيئاً بخلاف منهج الله، أو لم يهتم بهم أصلاً، فكل انحرافاتهم وأعمالهم في صحيفة الأب:

﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾

 لذلك الله عز وجل يقول:

﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾

( سورة الحشر الآية: 7 )

أحاديث نبوية في تربية الأولاد وحسنِ معاملتهم:

 ورد في بعض الأحاديث في تربية الأولاد:

الحديث الأول:

(( من كان له صبي فليتصابَ له ))

 ينزل إلى مستواه، يداعبه أحياناً، كان النبي الكريم يمشي مع الصغار، كان يسابقهم أحياناً، يدعوهم إلى ركوب الناقة.

 

الحديث الثاني:

 و كان يقول:

(( السلام عليكم يا صبيان ))

 في السيرة النبوية شيء مذهل عن تربية الأولاد.

 

الحديث الثالث:

 وهو يخطب نزل من على المنبر وحمل ابنه الحسنين، ورفعه على صدره، وتابع الخطبة، أين خطيب يفعل هذا الآن ؟

الحديث الرابع:

 كان يحب الصغار، يقول:

(( أفضل كسب الرجل ولده ))

[ رواه الطبراني عن أبو بردة بن نيار رضي الله عنه ]

 الابن يغدو لأبويه جنة إذا رُبي، أما إذا أُهمل فيصبح غيظاً، ومن علامات قيام الساعة:

 

(( يوم يكون الولد غيظاً، والمطر قيظاً، وتفيض اللئام فيضاً، ويغيض الكرام غيضاً، ويجترئ الصغير على الكبير، واللئيم على الكريم ))

 

[ أخرجه الطبراني عن عائشة رضي الله عنها ]

أمةُ الاستجابة وأمة التبليغ:

 إذاً: أمتنا خيّرة إن أمرت بالمعروف ونهت عن المنكر، هذا الأمر يقتضي أن نقسم الأمة إلى أمتين، أمة الاستجابة، وأمة التبليغ، فالأمة التي استجابت هي خير أمة، أما التي لم تستجب فهي أمة كأية أمة خلقها الله، لا وزن لها إطلاقاً عنده، الدليل:

﴿ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ ﴾

 ادعاءً.

﴿ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ ﴾

 بماذا رد الله عليهم ؟

﴿ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ ﴾

( سورة المائدة الآية: 18 )

 لو أنه قبِل دعواهم لما عذّبهم، استنبط الإمام الشافعي أن الله لا يعذب أحبابه، وإذا قال المسلمون قياساً على ذلك: نحن أمة محمد، وكنا:

﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾

( سورة آل عمران الآية: 110 )

ولم يعملوا بمقتضى ذلك فإن الله سيعذبهم.
 أنا أنطلق من الحقيقة المُرة التي هي عندي أفضل مَرة من الوهم المريح: إن كنتم كذلك:

﴿ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ ﴾

﴿ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ ﴾

( سورة آل عمران الآية: 110 )

 فنحن أمام أمتين، أمة استجابت، هي:

 

﴿ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾

وأمة لم تستجب هذه كأي أمة خلقها الله.
 لذلك إن أردتني أن أضغط مشكلات العالم الإسلامي فهي كلها في كلمتين: هان أمر الله عليهم فهانوا على الله.
والله أستاذ علاء، زوال الكون أهون على الله من ألا يحقِّق وعوده.

 

﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي ﴾

( سورة النور الآية: 5 )

 هنا المشكلة.
 إذاً: نحن في الزمن الصعب، إذا كنا نحتاج قبل خمسين عاما إلى مئة وحدة لتربية الأولاد فالآن بحاجة إلى مليون وحدة، وما لم نقتطع من أوقاتنا وقتاً لتربية أولادنا والعناية بهم فنحن أمام مشكلة كبيرة جداً.
 والله أستاذ علاء، أحياناً ألتقي بإنسان أقام ببلاد الغرب، حياته ناعمة، كل أموره ميسَّرة، دخْله فلكي، زوجته أمامه، لكن خسر أولاده، خسرهم كلياً، والله حينما أسأله عن أبناءه يكاد يموت ألماً، ابن متفلت، انسلخ من أمته، ومن دينه، وعاش حياته الماجنة الفاسقة، تحت سمع الأب والأمّ.
فلذلك أنا أتمنى على كل إنسان ذهب إلى هناك، ودرس، وهيأ له مستقبلا جيدا، أن يعود إلى وطنه، لأن كتفه من خيراته، أن يعود ليقدم علمه لأبناء أمته، ولا يقول: هناك متاعب، ولا توازِنْ بين بلد يحتاج إلى تنمية، وبلد استقل من 200 سنة، وازن بين الدنيا والآخرة.
 والله حدثني طبيب قال لي: أنا رجعت وأقمت ببلدي، لما أعالج هذه الأمة التي فيها فقراء يحتاجون للمساعدة، أشعر بسعادة لا توصف، لأنه يقدم خيره لأمته.

 

الأستاذ علاء:

 

خاتمة وتوديع:

 كنا نود أن نكمل عن المسؤولية، وأن نتابع في مسائل كثيرة بالنسبة لتربية الأبناء والأولاد، وأن القضية تتطلب المتابعة، وتتطلب ما فوق الكسوة، وما فوق الإنفاق على الصحة وعلى الطعام، والشراب، والدراسة، تتطلب مسائل كثيرة، وكما تبينا في الزمن الصعب، وتتطلب جهوداً مضاعفة، لكن الوقت أدركنا، إن شاء الله نكمل في الحلقة القادمة، ولا يسعني إلا أن أشكر فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة.
 والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور