وضع داكن
19-04-2024
Logo
الإيمان هو الخلق - الندوة : 90 - اليوم العالمي للإيدز - علاقة المعصية بالمرض
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

ترحيب :

 أيها السادة المشاهدون، سلام عليكم ورحمته الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم في هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم الإيمان هو الخلق، يسعدنا أن نكون بمعية فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في كلية الشريعة وأصول الدين بدمشق، أهلاً وسهلاً بكم سيدي الأستاذ.

 

الدكتور راتب :

 

 

 أهلا بكم أستاذ علاء، جزاكم الله خيراً.

الأستاذ علاء :

تقديم :

 سيدي، بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة مرض الإيدز، والذي صادف الأول من شهر الثاني عشر، وهو يوم يتكرر في كل عام في الأول من شهر كانون الأول، وانعقد هذا العام تحت شعار : أيها القياديون أوقفوا الإيدز، وأوفوا بوعودكم.
 كنا قد بدأنا في الحلقة الماضية الحديث عن هذا المرض كيف أتى، وماذا يفعل في الجسم، وقد أفضت لنا في إضاءة بينة عن عمل هذا الفيروس في تدمير جهاز المناعة المكتسب عند الإنسان، منهم يقول عنه الإيدز، ومن يقول عنه السيدا، بالفرنسية، لكن هو عوز، أو فقد المناعة المكتسب، وقد تبينا كيف ينتقل من خلال العلاقات الجانحة وغير الشرعية، ولاسيما الشاذة، وينتقل من خلال أيضاً من خلال نقل الدم في العالم.
قلنا بفضل الله : في سوريا نقل الدم من بنوك الدم هذا النقل آمن وسليم بكل معنى الكلمة، لأن الفحوصات التي تجري في بنوك الدم في سوريا تآزراً بين وزارة الصحة ووزارة الدفاع، والجهات المعنية، الدم الذي يؤخذ من بنك الدم إلى أي مستشفى هو دم نظيف من الإيدز بكل معنى الكلمة، ومن الأمراض الأخرى كالتهاب الوبائي الكبدي، أو العامل الأسترالي، وما إلى ذلك.
 نحن لدينا طرائق للانتقال إلى العلاقات الشاذة، والانحراف، مخالفة أوامر الصانع لهذا الجسد، بالإضافة إلى تعاطي المخدرات، وانتقال المحاقن من متعاطٍ إلى متعاطٍ آخر، فإن كان أحدهم مصاباً تنتقل إلى غيره، وما إلى ذلك، بالإضافة إلى أن المخدرات أيضاً تنزل إمكانية المناعة والدفاع فتجعل من الجسد عرضة لأي هجوم.
 سيدي الكريم، قلت لنا في الحلقة الماضية : في فلسفة المرض إنه خطأ من الإنسان، وشرحت لنا هذا الموضوع، وقلت لنا :

﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا ﴾

( سورة الروم الآية : 41 )

 إذاً : كأن المرض نوعٌ من التنبيه والإشارة لبعض الذي عمله الإنسان، وتجاوز فيه، وعندما يأخذ إلهه هواه يترك التوجه إلى الله، فيجعل من هواه إلهاً له، فبالتالي يجنح، وتكون هذه العاقبة.
 سيدي الكريم، الإنسان من خلال كل الحلقات بينت لنا بأنه محض مخيّر في الأشياء التي في وسعه، فيما كلف بها، وبالتالي نتيجة التخيير، وإقدامه على هذا الطريق كان هذا العقاب، وفي كثير من الأشياء طريقان لا ثالث لهما، إما أن يلتزم، وإما أن يجنح، كيف نقرأ هذا الموضوع ؟

 

الدكتور راتب :

 

الناس نموذجان لا ثالث لهما : مطيع لله وعاص :

 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
أستاذ علاء، بادئ ذي بدء، الله عز وجل يقول :

﴿ فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ﴾

( سورة الليل )

 أي أن البشر على اختلاف مللهم، ونحلهم، وانتماءاتهم، وأعراقهم، وأنسابهم وطوائفهم، هم عند الله نموذجان، نموذج أيقن وصدق أنه مخلوق للآخرة، فاتقى أن يعصي الله، وانضبط بمنهج الله، وطبق تعليمات الصانع، فكافأه الله عز وجل بأنْ سلّمه، وأسعده في الدنيا والآخرة، والنموذج الآخر غفل عن الله، وكفر بالجنة والآخرة، وآمن بالدنيا، عندئذٍ استغنى عن طاعة الله، وتحرك وفق شهواته، فآذى عباد الله، فتوعده الله بجزاء في الدنيا وجزاء في الآخرة، الآية واضحة جداً :

 

﴿ فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾

 صدق أنه مخلوق للجنة فاتقى أن يعصي الله، وبنى حياته على العطاء :

 

 

﴿ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ ﴾

 

﴿ وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى ﴾

 واستغنى عن طاعة الله

 

﴿ وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ﴾

 هذان النموذجان لا ثالث لهما، الدليل :

 

﴿ فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ ﴾

( سورة القصص الآية : 50 )

 هما طريقان لا ثالث لهما : إما أن تخضع لمنهج الله، وإما أن تخضع للهوى، إما أن تقود نفسك أو يقودك الهوى، إما أن تميل إلى شهوة عابرة طارئة، وإما أن تميل إلى قيمة خالدة مسعدة.
 وهذان الطريقان نجدهما في كل الفئات والأنماط، وفي كل الأطياف في المجتمع :

 

﴿ مَن أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾

 

﴿ مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ﴾

 إنسان عرف الله، فانضبط بمنهجه، وأحسن إلى خلقه فسلم، وسعد في الدنيا والآخرة، وإنسان غفل عن الله، وتفلت من مهجه، وأساء إلى خلقه، فشقي، وهلك في الدنيا والآخرة، والأمر واضح جداً.
 أستاذ علاء، هناك انعطافات تاريخية، ونحن في انعطاف تاريخي، مع أن حالات الوسط تتلاشى، واللون الرمادي يضعف كثيراً، ولا يبقى إلا الأسود والأبيض.
 جيء برجل إلى سيدنا عمر ارتكب معصية تستوجب الحد، فقال : << أقيموا عليه الحد، قال له الرجل : والله يا أمير المؤمنين إن الله قدر عليّ ذلك، فقال : أقيموا عليه الحد مرتين، مرة لأنه شرب الخمر، ومرة لأنه افترى على الله، قال له : ويحك يا هذا، إن قضاء الله لن يخرجك من الاختيار إلى الاضطرار >>.
 هذا كلام دقيق جداً، أنا لا أصدق إنسانا يدجل، ويقول : الله كتب علي، هذا كلام مرفوض في أصل الدين، الإنسان مخيَّر، وحينما يختار الطريق السيئ يدفع ثمنه، وهذا الذي يدفع ثمنه أنا أرفض أن يقول : هذا ترتيب الله، لا، هذا جزاء المعصية، سمِّها باسمها الحقيقي، هذا الذي أصاب الإنسان المنحرف هو جزاء المعصية، جزاء هذا الانحراف، أما كلما نخطئ، ونرتكب معصية، ونبتعد عن منهج لله، ويأتي العقاب الرادع نقول : هذا قضاء وقدر، هذا عقاب، لا، بل هذا جزاء المعصية.

 

الأستاذ علاء :

 

 كما تفضلت العلاقة العلمية السببية بين المعصية وبين نتيجتها.

الدكتور راتب :

مَن طبَّق منهج الله قطف ثماره :

 قلت في لقاء سابق : إن الإسلام منهج الله موضوعي، بمعنى أن أيَّ إنسان لو طبقه قطف ثماره في الدنيا، فإذا طبقه الإنسان مؤمناً به أنه من عند الله، وابتغى بهذا التطبيق رضوان الله ربح الدنيا والآخرة معاً، وإذا طبقه مؤمناً بأنه منهج الله، وأنه يطبقه تقرباً إلى الله، ربح الدنيا، سلم بها وسعد، وربح الآخرة، أما إذا كان ذكياً فقط، وطبق هذا المنهج لأنه لمصلحته كسب الدنيا.
 أحياناً تجد في العالم الغربي كلَّ إيجابياته إسلامية، لا لأنهم يعبدون الله عز وجل، لأنهم يعبدون الدولار من دون الله، يعبدون آلهة أرضية، لكن مصلحتهم في أن يكونوا صادقين، هذه أخلاق الأذكياء، هذه الأخلاق رائعة جداً، إنها تنفع في الدنيا فقط.
 مرة سمعت عن أستاذ في جامعة في بلد غربي ينام باكراً، ولا يدخن، ولا يشرب الخمر، ولا يقترف إثماً، بدافع من ذكائه وجد أن الاستقامة مريحة له، تصنع له مكانة عالية، وعلاقات ناجحة، وأمنا داخليًّا، وراحة نفسية، لكن البطولة أن تنعم بالسلامة في الدنيا، والسعادة في الآخرة، البطولة أن تكون أخلاقياً في هذا المنهج الذي تطبقه، والفرق بين الصورتين كبير، لذلك :

كُلاًّ نُّمِدُّ هَؤُلاء وَهَؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُورًا

﴿ مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا * وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا ﴾

( سورة الإسراء )

 دقق :

﴿ كُلاًّ نُّمِدُّ هَؤُلاء وَهَؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُورًا ﴾

( سورة الإسراء )

﴿ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُورًا ﴾

عن أحد.
 أنا أقول دائماً أستاذ علاء : إن القرار الذي يتخذه الإنسان في شأن مصيره قلّما تنقضه الأيام إذا كان صادراً حقاً عن إرادة وإيمان.
أتوجه إلى الإخوة المستمعين والمشاهدين، حينما ترسم لك هدفاً واضحاً، وتتخذ له وسيلة مشروعة فكأن الله عز وجل حينما جاء بك إلى الدنيا أعطاك هذه الميزة :

﴿ كُلاًّ نُّمِدُّ هَؤُلاء وَهَؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُورًا ﴾

أي وما كان عطاء ربك ممنوعًا عن أيِّ إنسان.
 والله هناك حديث في الجامع الصغير صدق أستاذ علاء تقرأه فيقشعر جلدك، حق المسلم على الله، الله عز وجل، الإله العظيم أنشأ للمسلم حقًّا عليه، حق المسلم على الله أن يعينه إذا طلب العفاف.
 مرة سمعت عن شاب ذهب إلى أمريكا، يبدو أنه ملتزم التزاما شديدا، لكن ما احتمل هذا التفلت، أرسل لأبيه رسالة قال له : إما أن ترسل لي زوجة في أقرب وقت، وأنا أوكلك باختيارها، وإما أن أعود إلى بلدي، كبُر عليه أن يعصي الله، أو شعر أنه في خطر كبير , ثم سمعت قصة بعد ذلك عن هذا الشاب أنه نجح زواجه نجاحاً مذهلاً، لأنه ابتغى بهذا الزواج رضوان الله، لم يخترها هو، اختارها له أبوه، ومع ذلك نجح الزواج نجاحاً مذهلاً، لأنه بني على طاعة الله.

ليس في الإسلام حرمان، ولكن فيه تنظيم :

 أنا أخاطب الشباب الآن : ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا جعل لها قناة نظيفة تسري خلالها، بزوجةٍ طاهرة، عفيفة، وفية، محبة، كلها لك، بكل إمكانياتها، بكل محبتها، تنجب لك ولدا يملأ البيت فرحاً وسروراً، هذه الأسرة تتنامى.
 أنا كلما أجلس مع إنسان في سن الخمسين يقول لي : أنا لي 13 حفيدا، أنا لي 25 حفيدا، والله شيء جميل، له أولاد تزوجوا، صار لهم أولاد، وزوجة ابن، و طفل يملأ البيت سعادة، هذا طريق الله عز وجل.
 مرة حدثني أخ ببلد عربي طُرق بابه حين الفجر، فتح الباب فلم يجد أحدًا، وقعت عينه على الأرض فرأى محفظة، أمسكها، فإذا طفل وضع بها لتوه، لقيط، جاء من زنا، سبحان الله ! تأثرت لهذه القصة، قلت : إنسان يتزوج، وتحمل زوجته، ويفرح الأهل به، ويهيئون الوسائل، والألبسة، والأدوات، ثم تنجب، ويقام احتفال، وهدايا، وفرح، انظر إلى الطريق المشروع، وقد يكون العرس فيطلقون أبواق السيارات، ولا يخجلون، هذا منهج الله، أنا لا أقرّ هذا إقراراً، لكن هذا واقعٌ.
 إن الإنسان الذي يمشي على منهج الله عز وجل لا ضير عليه، وأحب أن أؤكد هذه الفكرة : ليس في الإسلام حرمان، وما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا جعل لها قناة نظيفة تسري خلالها.
 النقطة الدقيقة أن أحد الشعراء وصف إنسانا مصاب بهذا المرض، فأنا أقدم له لو نظرت إلى شاب مصاب بهذا المرض الخطير مرض نقص المناعة لرأيته قد صار إلى :

فتاً هزيل الجسم منـــجرد  متلجلج الألفاظ مضطرب
متواصل الأنفاس مــطـرد  عيناه عالقتان في نفــق
كسراج كوخ نصف متقــد  تهتز أنمله فتحسبهـــا
ورق الخريف أصيب بالبرد  ويمج أحياناً دمـــــاً
فعلى منديله قطع من الكـبد  قطع تقول لـه تموت غداً
وإذا ترق تقــول بعد غـدٍ  مات الـفتى فأقيم في جلث
مستوحش الأرجاء مـنفـرد  كتبوا علــى حجراته بدم
سطراً به عظة لذي رشــد  هذا قتيل هـوىً ببنت هوى

فإذا مررت بأختها فَحِدِ

هذا القتيل قتيل هوىً ببنت هوىً.
إن الإنسان حينما يطبق منهج الله يشعر بسعادة كبيرة وبسلامة.

حدود الله ضمان للسلامة وليست تقييدا للحريات :

 أستاذ علاء، الستة آلاف مليون إنسان في الأرض ما منهم واحد إلا ويتمنى السلامة والسعادة، والسلامة والسعادة في تطبيق تعليمات الصانع، في تطبيق منهج الله، وليس في الإسلام حرمان.
 دائماً وأبداً أنا أقول : إن وجدت لوحة كتب عليها : " حقل ألغام، ممنوع التجاوز "، هل تشعر أن هذه اللوحة حد لحريتك أم ضمان لسلامتك ؟ يوم أفهم ما حرمه الله عليّ من تفلت، من إباحية، من عمل شائن، من شهوة منحطة، حينما أفهم أن الذي حرمه الله عليّ هو لصالحي، هو ضمان لسلامتي، ضمان لسعادتي حينها أسعد.
 لذلك أقول وأقول : ما من مشكلة على وجه الأرض إلا بسبب خروج عن منهج الله، وما من خروج عن منهج الله إلا بسبب جهل بهذا المنهج، والجهل أعدى أعداء الإنسان، والجاهل يفعل في نفسه ما لا يستطيع عدوه أن يفعله به.

الأستاذ علاء :

 سيدي الكريم، أتوقف عند جزئية في هذه المسألة، كان هذا المريض إنسانًا فأصبح مصاباً، ثم نقل إلى زوجته، وزوجته إلى أولاده، وهي زوجة طاهرة بريئة لا تعرف عن هذا الأمر، هذا الانتقال إلى الزوجة، ثم إلى الطفل، وبالتالي يحملان المرض لسنين معينة، وبعد ذلك المرض سوف يدهم كل شيء، ويطيح بكل شيء، ألا يعتبر قاتلاً من الناحية الشرعية ؟

الدكتور راتب :

من نتائج اتباع الهوى العدوان على الناس :

 طبعاً، هنا نقطة مهمة جداً، الإنسان إذا تحرك وفق هواه فلا بد من أن يعتدي على الآخرين شاء أم أبى، فلو أن الإنسان اتبع هواه، وما آذى أحدا فهذا وضع آخر، وتبقى المعصية معصية، لكن لأن اتباع الهوى يقتضي العدوان، وحينما يريد الإنسان أن يفرغ ما عنده من شهوة في قناة غير نظيفة فهذا عدوان، قد يغري فتاة، قد يفسد فتاة، هذه قد تكون فتاة مصممة أن تكون زوجة صالحة، وأمًّا راقية، زوجة لإنسان مخلص لها، فلما أفسدها انحرفت، فلما انحرفت سقطت، فلذلك المؤمن يؤثر الآخرة على الدنيا فيربحمها معاً، بينما غير المؤمن يؤثر الدنيا على الآخرة فيخسرهما معاً.
 أستاذ علاء، قصة للموعظة : هناك جاهل جهلا مطبقًا، تصور أنه إذا قلع أسنانه كلها يعفى من الخدمة العسكرية، هكذا تصور، سمعت عنه أنه التقى مع أربعين طبيبًا، لم يقبل أحدٌ منهم فعلَ ذلك، إلا طبيب ضعيف النفس، قلع له كل أسنانه، فلما ذهب للفحص قبل الالتحاق الخدمة اعتبروه متهربًا من الخدمة فضاعفوا له الخدمة، وفقدَ أسنانه كلها.
سبحان الله ! الانحراف كله شر، أنا أقول دائماً : النجاح كل النجاح، الفلاح كل الفلاح، الفوز كل الفوز في طاعة الله.

﴿ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾

( سورة الأحزاب )

 وأقول دائماً : مستحيل وألف ألف مستحيل أن تطيعه وتخسر، أو أن تعصيه وتربح، وما عند الله لا ينال إلا بطاعته، ومستحيل وألف ألف مستحيل أن تطيعه وتذل، أو أن تعصيه وتعز.
سبحانك :

(( وَإِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ ))

[ أبو داود عن الحسن بن علي ]

 فلذلك في بعض الشعراء له أبيات لطيفة جداً في هذا الموضوع، قال :
يسروا أمر الزواج لا تغالوا بالمهور واحذروا داء التباهي بالأثاث والقصور

 

إنما نبع السعادة كامن ضمن الصدور

والله بيت متواضع لكن فيه زوجان متحابان، واللهِ يفوق قصراً فريداً من نوعه فيه زوجان متفلتان.

 


احذروا الفيروس فـــهو الآن  جمر يختفي تحت الـــــرماد
إن تجاهلنا الحقيقة فجاءتـــنا  النار يوماً واكتوى كل الـــعباد
بددوا الجهــــل بعلـــم  أيقظوا أهل الــــــــرقاد
توجوا العـــلم بطــــهر  صادق فهو الــــــــعماد
هــا هو الفيروس يغـــتال  الضحايا قاصد كل الـــــبلاد

 وهو أعمى عن شباب طاهر يأبى الفساد

 

الأستاذ علاء :

 إذاً سيدي أنا أنتقل من خلال هذه الأبيات إلى مسألة، وتأتينا كثير من المكالمات التي تسأل عن غلاء المهور، الأبوان لا يزوجون البنت إلا بمهور عالية، وبالتالي هذا الأمر يمنع من اللقاء الشرعي، يمنع من القناة التي تسري فيها الشهوة سرياناً حقيقياً نظيفاً، وبالتالي يتفلت الشاب، أو تتفلت الشابة، هذه مسؤولية المجتمع، مسؤولية الأسرة، بأن ننظر بحال الشاب القادم على الزواج، وأن نيسر لهم زواجهم، وأن تكون هنالك كل المقدرات حتى غرف الصناعة وغرف التجارة، وأصحاب المكنة الاقتصادية أنه يدعمون هذه المسألة، الأسر الجديدة التي تطلب العفاف والإعفاف، وأن لا يكون الرجل قدِم إلى الزواج أن يحمل أثقال الدنيا والآخرة يا سيدي.

 

 

الدكتور راتب :

 

لكم الخيار : تيسير الزواج أو تسريع دائرة الفاحشة !!!

 بارك بك أستاذ علاء، هذا الكلام الطيب الرائع هو منطوي في آية واحدة، قال تعالى :

﴿ وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ ﴾

( سورة النور الآية : 32 )

 كفهم أصولي لهذه الآية، أية آية موجهة إلى المجموع فهي لكل الأمة :

 

﴿ وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ ﴾

 كيف يوجه الأمر إلى المجموع ؟ بإرخاص المهور.

 

 

(( أعظم النساء بركة أيسرهن مؤونة ))

 

[ أخرجه أحمد، والحاكم، والبيهقي، عن عائشة ]

(( أعظم النساء بركة أصبحهن وجوها وأقلهن مهراً ))

[ رواه أبو عمر التوقاني عن عائشة ]

والله في بلدة في الغوطة بلغني أن وجهاء البلدة اجتمعوا، وقرّروا أن أعلى مهر خاتم وساعة فقط.
 أستاذ علاء، لابد أن يقلق الأمةَ وضعُ الشباب، الشباب هم المستقبل، هم الأمل، هم الطاقة، فإذا أهملنا زواجهم، وأهملنا تأمين عمل لهم، وأهملنا تأمين سكن لهم، ما الذي يحصل ؟ دقق في هذا الكلام.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

(( إِذَا أَتَاكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ خُلُقَهُ وَدِينَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ ))

[ أخرجه الترمذي وابن ماجه]

احذروا التعلُّق بالمظاهر فإنها لا تغني شيئًا :

 إذا تعلقنا بالمظاهر.

﴿ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ ﴾

( سورة الأنفال الآية : 73 )

 أنا كنت في بلدة بألمانية، البلدة فيها ثمانون ألف إنسان، فيها سبعون ألف دراجة، ليس فيها تلوث، وفيها رياضة يومية، وتوفير بنزين، لكن هذه البلدة الإنسان محترم جداً، لو ركب دراجة، قد يكون عميد كلية، أو رئيس الجامعة بالدراجة، الأم لها مقعد، ووراءها ابنها له حزام، والذي يتسوق من السوق له سلة أمامه، والله شعرت أنك تحل مليون مشكلة، أهم شيء الرياضة، أهم شيء أن الإنسان يمارس الرياضة يومياً عن طريق هذه الدراجة، ويمنع التلوث، ويوفر البنزين، ثقافة هذه البلدة شيء رائع جداً، يأتي مثلاً معاون وزير بالدراجة إلى وزارته، يأتي أستاذ جامعة وعميد كلية بالدراجة، شيء رائع جداً، نحن نعبد المظاهر، أن نعبد المظاهر ولا نزوج البنت إلى مكان أبعد من بيتنا.
خطب أحدهم فتاة، هي من حي غالٍ جداً، عنده بيت في مشروع دُمَّر، مشروع راقٍ، قال : نحن لا نزوج لسفر، فلذلك :

 

(( أعظم النساء بركة أصبحهن وجوها وأقلهن مهرًا ))

 

[ الجامع الصغير عن عائشة بسند موضوع ]

 الآن هناك مشاريع ببعض البلاد، وعندنا إن شاء الله لزواج جماعي، مِن توفير هذه النفقات، وهذه المظاهر الباهظة، والشركات في الأساس تقدم هدايا للمتزوجين، والجمعيات الآن الحمد لله تؤازر الزواج :

 

﴿ وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ ﴾

هذا أمر إلهي، وكل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب، وهذا الأمر موجَّه للأمة بأكملها.
 وأقول كلمة للتحذير : هؤلاء الشباب قنبلة موقوتة، إن لم نهتم بزواجهم، وأعمالهم، وبيوتهم، فعندنا مشكلة خطيرة، هو المستقبل، المعول عليهم في نهوض أمتنا، وفي أن يستعيدوا دورها القيادي السابق، ونحن نريد الحد الأدنى، بيت صغير بخمسين مترا، وعمل يدر عليه دخل، وأداة نقل بسيطة جداً، إن لم نفكر في هذه الأجيال الصاعدة، نؤمّن لها أعمالا، نؤمن لها بيوتا، نؤمّن لها فرص عمل فالمشكلة كبيرة.
فلذلك موضوع الزواج موضوع خطير، أخطر ملمح في الحديث :

 

 

﴿ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ ﴾

 لو أننا تعلقنا بالمظاهر، ووضعنا عقبات كأداء أمام الشباب، هل تظن أن العلاقة بين الذكر والأنثى تقف ؟ لا تقف، تكون بقناة نظيفة رائعة يقدسها المجتمع، فتصبح بقناة منحرفة فاسدة :

 

 

﴿ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ ﴾

 

الأستاذ علاء :

خاتمة وتوديع :

 الوقت انتهى سيدي، ولا يسعني إلا أن أشكر فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في كلية الشريعة وأصول الدين بدمشق ، شكراً سيدي الأستاذ، وشكراً على كل ما قدمت، وربما نعود إلى هذا الأمر لنكمل بعض نقاط لم نمر عليها، شكراً سيدي الأستاذ.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور