وضع داكن
29-03-2024
Logo
الإيمان هو الخلق - الندوة : 91 - تربية الأولاد في الإسلام 1 - أهمية تربية الأطفال
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

أيها السادة المشاهدون، سلام عليكم ورحمته الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم في هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم الإيمان هو الخلق، يسعدنا أن نكون بمعية فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في كلية الشريعة وأصول الدين بدمشق، ورئيس جمعية حقوق الطفل السورية الخيرية بسورية، أهلاً وسهلاً بكم.
سيدي الأستاذ، اليوم سوف نبتدئ سلسلة، هذه السلسلة تتعلق بموضوع هام ، وبأساس ركيز في حياتنا الاجتماعية، الله عز وجل حينما خلق الذكر والأنثى، وجعل بينهما المودة والرحمة لكي يكون اللقاء الشرعي، أو نتاج له، وأول ثمراته بعد الود، وبعد بناء هذا العش أن ينتج هذا العش البراعم، والزهرات المتلخصة في لوحة الأطفال، هل الإنجاب بمحض الإنجاب، هو المهمة والرسالة، يتلو الإنجابَ التربيةُ الحسنة ليستقيم عود ذلك النبت، وليؤتي أكله فيما بعد خيراً على أسرته، وعلى مجتمعه، ونهضة مجتمعه، وتنمية مجتمعه، كما قال شاعرنا في مسألة الأخلاق والتربية:

هي الأخلاق تنبت كالنبات إذا ُسقِيَت بماء المـكرُمات
تقوم إذا تعهّدها المُــرَبّي على ساق الفضيلة مثمرات

ماذا عن هذا الموضوع وربما أخذ معنا العديد من الحلقات، ونبتدئ بالحلقة الأولى عن تربية الأطفال.

 

أهمية تربية الطفل في حياة الوالدين:


الدكتور راتب:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين.
أستاذ علاء، جزاك الله خيراً، هذا موضوع كبير جداً، ونرجو الله سبحانه وتعالى أن نقدم من خلاله للإخوة المشاهدين حقائق دقيقة تعنيهم أكثر ما تعنيهم، لأن الابن فلذة كبد الأب والأم، ولا يسعد أب أو أم على وجه الأرض إلا أن يكون الابن كما يتمون، فلذلك هذا موضوع يمس صميم حياة الإنسان، لأن ابن الإنسان قدره، يسعد بسعادته، ويشقى بشقائه.
وقد بينت سابقاً أن الله سبحانه وتعالى حينما قال:

﴿ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى ﴾

( سورة طه )

قد يعجب الإنسان من صيغة:

﴿ فَتَشْقَى ﴾

، بحسب قواعد اللغة فتشقيا، قال علماء التفسير: البلاغة في الإيجاز، ولأن شقاء الزوج شقاء حكمي لزوجته، يقاس على هذه القاعدة، وشقاء الابن شقاء حكمي لأمه وأبيه.
إذاً: هو موضوع كبير وخطير، ويمس أعمق ما في الإنسان، لذلك جاء في القرآن الكريم حجم كبير لهذا الموضوع، فالله سبحانه وتعالى يقول:

﴿ لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ * وَأَنتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ * وَوَالِدٍ وَمَا وَلَد ﴾

( سورة البلد )

الأستاذ علاء: 

قبل ما نبدأ سيدي ( لا ) هنا زائدة، بمعنى أقسم بهذا البلد. الدكتور راتب:

بمعنى أُقسم، أو أن هذا الشيء لأنه واضح، بديهي، جلي، لا يحتاج إلى قسم، وكلاهما جائز، على كلٍ الله عز وجل:

﴿ لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ ﴾

( سورة الأنعام الآية: 103 )

كيف نعرفه ؟ كيف نعرف رحمته ؟ نعرف محبته، نعرف لطفه، نعرف أنه خلقنا ليسعدنا، ومن الصعب أن ندرك هذا مباشرة.

نظام الأبوة والبنوة تعريفٌ بالله:

نظام الأسرة: أب وأم وابن، كيف أن الأب يشقى بإسعاد أولاده، وكيف أن الأم تكاد تموت ألماً إذا مس ابنَها شيءٌ، فكأن نظام الأبوة في الإسلام نظام يعرفنا بخالق الأكوان، نظام الأبوة لخالق الأكوان.

(( يا عِبادي ! لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وآخِرَكُمْ وَإنْسَكُمْ وَجِنَّكُـِمْ كانُوا على أتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ مِنْكُمْ، لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وآخِرَكُمْ وَإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كانُوا على أفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ مِنْكُمْ لَمْ يَنْقُصْ ذلكَ منْ مُلْكِي شَيْئاً ))

[ رواه مسلم، عن أبي ذرّ رضي اللّه عنه ]

﴿ إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ ﴾

( سورة النور الآية: 7 )

الله عز وجل إذا قال للنبي، وهو أرحم الخلق بالخلق قاطبة، إذا قال له: 

﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ ﴾

( سورة آل عمران الآية: 159 )

وجاءا رحمة منكَّرة تنكير تصغير.

﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ ﴾

( سورة آل عمران الآية: 159 )

﴿ وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ ﴾

( سورة الكهف الآية: 58 ).

رحمة قليلة جداً أودعها في قلب النبي أصبح يبكي على أعدائه، قال:

(( لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا، ولبكيتم كثيرا ))

[ متفق عليه ]

هو يرحم كل البشر، يحب كل البشر، لذلك أرسله الله لكل البشر.
أنا أذكر قصة رمزية جداً أن رجلا كان يمشي في الطريق فرأى أمًّا تضع الخبز في التنور، وبين كل رغيفين تأخذ ابنها، وتقبِّله، وتعانقه، وتشمه، فقال: يا رب، ما هذه الرحمة ؟! فورد أن هذه رحمتي يا عبدي أودعتها في قلب أمه، وسأنزعها منها، القصة رمزية، فلما نزع الله الرحمة من قلبها وبكى ألقته في التنور مباشرة.
فكلُّ ما يتراحم به الخلق هي رحمة الله:

﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ ﴾

لين النبي، ورحمته، وبكاءه على أعدائه من رحمة الله عز وجل، ولولا هذه الرحمة لما تراحم الناس.
فلذلك أراد الله سبحانه وتعالى من خلال الأبوة والبنوة أن يعرفنا بذاته قال:

﴿ لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ * وَأَنتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ * وَوَالِدٍ وَمَا وَلَد ﴾

إن أردتم أن تعرفوا نموذجاً مصغراً جداً من رحمتي فانظروا إلى رحمة الأم بابنها، والأب بابنه، وما من إنسان إلا ويعرف مَن هو الأب، قد يشرد الابن عنه، ويبالغ في الإساءة إليه، لكن حينما يعود إليه يكون عند الأب فرحة لا توصف، لذلك قال النبي الكريم:

(( لله أفرح بتوبة أحدكم من أحدكم بضالته )) 

[ رواه عبد الله ويزيد عن موسى بن يسار عن أبي هريرة ]. 

(( لله أفرح بتوبة عبده من العقيم الوالد، ومن الضال الواجد، ومن الظمآن الوارد ))

[ أخرجه ابن عساكر في أماليه عن أبي هريرة ].

إذاً: أول آية تبين أن نظام الأبوة والبنوة، وما بينهما من رحمة وحرص تعطي صورة عن علاقة الله بخلقه، هذه واحدة.

الأطفال هم البشرى:

الشيء الثاني: الأطفال هم البشرى.

﴿ يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى ﴾

( سورة مريم الآية: 7 )

الابن بشارة، الابن هدية، الابن استمرار للأب، الابن يملأ البيت سعادة، الابن يكون مع أبيه معواناً له.
هناك قصة دقيقة جداً: أن صحابياً جليلاً كان يحضر مجلس النبي، وعلى كتفه ابنه، وكان ابنه جميل الصورة، فداعبه النبي مرة وقال له: يا فلان ؟ فمن شدة أدب هذا الصحابي، قال: يا رسول الله أحبك الله كما أحببته، بعد أيام غاب هذا الصحابي عن مجلس رسول الله، تفقده النبي من شدة رحمته، قالوا: مات ابنه، فاستدعاه، وعزاه، وقال له: أتحب أن تمتع به عمرك أن يكون معك كظلك وهو بار بك، محب لك، خادم لك ؟ أتحب أن تمتع به عمرك هذه نائب ظرف زمان، أو أن سبقك إلى الجنة، فأي أبوابها فتحها لك ؟ قال: بل الثانية، قال: هي لك.
في حياة الإنسان ابنه معه يملأ حياته فرحاً، وسروراً، وحين يسبقه الابن إلى الجنة يكون أحد أسباب دخول الأب إلى الجنة، إذاً:

﴿ يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا ﴾

( سورة مريم )

شيء آخر، قال الله عز وجل:

﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا ﴾

( سورة الكهف )

الدنيا جمالها بالأولاد، مع المال، المال بلا أولاد مشكلة كبيرة جداً، وأولاد بلا مال مشكلة أكبر، كلام خالق الأكوان:

﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ ﴾

عَنْ عُبْدِ اللَّهِ بْنِ مِحْصَنٍ الْخَطْمِيِّ، وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: 

(( مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا)) 

[ أخرجه الترمذي وابن ماجة ]

مرة سألتُ رجلاً عن أحواله الاقتصادية، فقال لي: الحمد لله، عندي ما يكفيني ، فقلت له: لقد أصابتك دعوة النبي، فعجب، بل قلق، قال لي: بماذا دعا عليّ، قلت له: قال النبي الكريم:

(( من أحبني فاجعل رزقه كفافاً ))

الكفاف غير الفقر، عنده حاجاته، ما دام الإنسان:

(( آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا ))

الطفولة هي المودة والرحمة:

شيء آخر في القرآن الكريم، الله عز وجل عبر عن الطفولة بالمودة والرحمة، ومن أدق المعاني، قال تعالى:

﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾

( سورة الروم الآية: 21 )

من معاني هذه الآية التي انفرد بها بعض المفسرين: أن المودة والرحمة هم الأولاد:

﴿ وَجَعَلَ بَيْنَكُم ﴾

دائماً وأبداً إذا كان الزوج عقيما، أو الزوجة عقيمة مع مضي الزمن تضعف العلاقة بينهما، ويفكر كل طرف أن يفترق عن الآخر، أما حينما يأتي الولد توثَّق العلاقة بين الأبوين، ويجعلها ذات مودة ورحمة، وهاتان الكلمتان دقيقتان جداً، الأصل في الزواج المودة، المودة سلوك، وعبروا به عن شعور، الابتسامة مودة، أساسها الحب من الداخل ، الهدية مودة أساسها الحب من الداخل، الاعتذار مودة أساسه الحب من الداخل، مدام القلب في محبة تترجم إلى مودة: 

﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾

لكن عظمة هذه الآية أن الله سبحانه وتعالى أراد أن تكون بين الزوجين مودة ورحمة، فمادام الزوج ملء عين زوجته قوة ووسامة وإنفاقاً، حقق طموحها، إذاً بينها وبينه مودة لا يعلمها إلا الله، أما إذا افتقر الزوج، وشاخ الزوج، تأتي الرحمة، لذلك بيوت المسلمين لا تقوم على المودة فقط، على الرحمة، كم من زوج افتقر والمرأة تعمل ليلاً نهاراً لإطعام أولاده وإطعامه، وكم من زوجة أصابها مرض عضال فخدمها إلى آخر لحظة في حياتها: 

﴿ وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾ إذاً: العلاقة الزوجية تقوم على المودة والرحمة، وعلى كليهما معاً، لذلك المفسر الذي انفرد في هذا التفسير:

 

﴿ وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾

قال: المودة والرجمة الأطفال، هم المودة والرحمة بين الزوجين، ثمرة هذا اللقاء.
الأستاذ علاء: 

سيدي، طالما أن القرآن الكريم عرض للأطفال، وخصص مواضع هامة عن الأطفال وأهميتهم، وعن الربط بين الزوجين، وعن نتاج الأسرة، الأطفال كالنبت، النبت لا يمكن أن ينمو مستقيماً معافى من دون عناية ورعاية، كيف نظر الإسلام إلى هذا النبت بين الزوجين، وكيف أسس لرعاية هذا النبت.
الدكتور راتب:

 

صور رائعة للطفولة في الإسلام:

بارك الله بكم أستاذ علاء، لكن ثلاث لقطات رائعة من الطفولة في الإسلام :

الصورة الأولى:

سيدنا عمر رضي الله عنه كان يمشي في الطريق فرأى غلمانا، لشدة هيبته لما رأوه تفرقوا إلا واحدا منهم بقي واقفاً بأدب جم، هذا الوقوف، وهذه الجرأة، وهذا الأدب لفت نظره، قال له: << يا غلام، لمَ لمْ تهرب معهم ؟ قال له: أيها الأمير، لست ظالماً فأخشى ظلمك، ولست مذنباً فأخشى عقابك، والطريق يسعني ويسعني >>.
ينبغي أن يكون المذنب خائفاً في ظل العدل، ينبغي أن يكون المستقيم مطمئناً في ظل العدل. 

الصورة الثانية:

شيء آخر، دخل على سيدنا عمر بن عبد العزيز وفدُ المهنِّئين، منهم وفد الحجازيين، تقدمهم غلام صغير، لا تزيد سنه على عشر سنوات، فانزعج الخليفة من ذلك، قال: " أيها الغلام اجلس، ولْيَقُمْ مَن هو أكبر منك سناً، فابتسم الغلام، فقال: أصلح الله الأمير، المرء بأصغريه قلبه ولسانه، فإذا وهب الله العبد لساناً ذاكراً، وقلباً حافظاً، فقد استحق الكلام، ولو أن الأمر كما تقول لكان في الأمة من هو أحق منك بهذا المجلس ".

الصورة الثالثة:

يروى أيضاً أنه دخل على عبد الملك بن مران وفد آخر تقدمهم غلام، فغضب أيضاً، فقال لحاجبه: " ما شاء أحد أن يدخل عليّ إلاّ دخل حتى الصبيان، فقام هذا الصبي الصغير وقال: أصلح الله الأمير، إن دخولي عليك لم ينقص من قدرك، ولكنه شرفني ، أصابتنا سنة أكلت اللحم، وسنة دقت العظم، وسنة أذابت الشحم ـ في الإنسان شحم ولحم وعظم ـ أول سنة أذابت الشحم، ثم أكلت اللحم، ثم دقت العظم، ومعكم فضول أموال، فإن كانت لله تصدقوا بها على عباده، ونحن عباده، وإن كانت لنا فعلامَ تحبسونها عنا ؟ قال: والله ما ترك لنا هذا الغلام في واحدة عذراً

جرأة أدبية، وفصاحة رائعة جداً، هكذا كان أطفال المسلمين، في أدب، وفي جرأة، وفي علم، والطفل حينما يتعلم، ويتأدب فهذا أروع ما في الطفولة، لذلك الأطفال حينما يربيهم الآباء يغدون متعة الحياة، أما الابن المتفلت الذي يتربى في الطريق يتكلم الكلام البذيء، يجلس جلسة غير مؤدَّبة، لا يعرف حق الكبير، ولا حق العالم، طفل يعدًُّ عبئًا على الأسرة. الأستاذ علاء:

هذه اللقطات التي أتيت بها هي نماذج عن لقطات تترى، هل أتت من فراغ سيدي ؟ الدكتور راتب:

أتت من تربية عالية.

حافز قرآني من أجل تربية الأبناء تربية حسنة:

أنا أقول أستاذ علاء: نحن في أمسّ الحاجة لهذه الموضوعات، فما مِن بيت ما فيه أولاد، وما مِن بيت إلا في قلق شديد مِن قِبَل الأب والأم من أطفالٍ ليسوا كما يتمنون، يتعلمون من الطريق أشياء لا تليق، ومن المدرسة أحياناً، من رفقاء السوء، فلذلك الله عز وجل أعطانا حافزا يصعب أن نتصوره، قال تعالى:

﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ﴾

( سورة الطور الآية: 21 ) 


أعمال الذرية إلى يوم القيامة في صحيفة الآباء:

 

﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ﴾

﴿ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ ﴾

( سورة الطور الآية: 21 )

الجهود التي يبذلها الأب ؛ متابعته لأولاده، سهره على دراستهم، اهتمامه بأخلاقهم، اهتمامه بطعامهم وشرابهم، اهتمامه بصحتهم، اهتمام أمهم بهندامهم، هذه العناية الفائقة مِن قِبَل الأب والأم محفوظة عند الله عز وجل، وأكاد لا أصدق هذه الحقيقة أن النبي عليه الصلاة والسلام يقول:

(( أول من يمسك بحلق الجنة أنا، فإذا امرأة تنازعني تريد أن تدخل الجنة قبلي، فقلت: مَن هذه يا جبريل ؟ قال: هي امرأة مات زوجها، وترك لها أولاداً فأبت الزواج من

[ ورد في الأثر ]

يفهم من هذا الحديث أن تربية الأولاد من أعظم الأعمال عند الله، لكن الأم المربية مؤهلة أن تدخل الحنة من باب الأدب مع رسول الله.
الأستاذ علاء: 

إذاً: التربية لها أهمية كبرى في استقامة النشء، في استقامة الأولاد، ولكي يؤسسوا على حمل الرسالة، وحمل الخيرية، ولكي يبادروا الأسرة، وبالتالي الأسرة الكبيرة المجتمع.

الدكتور راتب:

الولد الصالح ذخرٌ للوالدين بعد موتهما:

بقي شيء، أن أعمال الإنسان تنتهي عند موته، إنسان أخذ دكتوراه، مات، ويكتب على النعي: الدكتور فلان، انتهت الدكتوراه، كل إنجازات الإنسان في الأعم الأغلب تنتهي عند الموت، إلا أن هناك من الأعمال ما يستمر بعد الموت، منها تربية الأولاد، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: 

(( إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ))

[ مسلم ]

عني أسس، بنى مسجد، بنى مدرسة، بنى مستشفى، بنى ميتم، أسس جمعية خيرية لرعاية المعاقين مثلاً، عمل خيري، هذا العمل الخيري من أعظم الأعمال، هذا يستمر، ولاسيما إذا كان مؤسساتياً نظام دقيق جداً.
والله مرة في بلد إسلامي مؤسسة ضخمة جداً لرعاية المعاقين، والمكفوفين وطلاب العلم الفقراء، ترتبط بجامعات، وبثانويات، طبيب لامع جداً عنده طموح خيري كبير فترك هذه المؤسسة، مات من خمسين سنة، والمؤسسة قائمة، لذلك:

(( إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ ))

لهذا أنا أقول أحياناً: الويل، ثم الويل، ثم الويل لمن ليس له عمل ينقطع، ونحن نقول: العمل الصالح ينقطع عند الموت، لكن هناك أعمال كهذه الأعمال تستمر.
الأستاذ علاء: 

كما قال عليه الصلاة والسلام

(( إن في الجنة قيعانا فأكثروا من غرسها، قالوا: يا رسول الله، وما غرسها ؟ قال: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر ))

[ الطبراني عن سلمان بسند حسن ]

الدكتور راتب:

 

استمرار النجاح بالولد الصالح بعد الموت:

الشيء الدقيق في هذه السلسلة:

((أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ ))

والله أستاذ علاء أنا أقول: الذي يموت ويترك أولاداً صالحين كأنه ما مات كأنه يستمر بأولاده: 

(( أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ ))

 

كل واحد منا مجبول على حب وجوده، شاء أم أبى، وعلى حب سلامة وجوده ، وعلى حب كمال وجوده، وعلى حب استمرار وجوده، وسلامة الوجود بطاعة الله، وكمال الوجود بالإقبال عليه، والبذل من أجل عباده، أما استمرار الوجود فبتربية أولاده، والإنسان يحب أن يستمر وجوده.
لذلك الأشخاص الناجحون جداً إذا ربَّوا أولادهم تربية عالية فنجاحهم يستمر، وأنا الآن أتمنى على كل أب ناجح قد يكون ناجحًا في علاقته مع الله، ناجحًا في تجارته، ناجحًا في صناعته، ناجحًا في وظيفته، ناجحًا في خدمة يقدمها للناس رفيعة المستوى، الأب الناجح المفروض أن يكون ابنه في عمله كي يستمر.
مرة طالب من طلابي جمع 235 علامة، ومن حقه أن يكون طبيبًا، فالتقيت به في الطريق، قلت: ماذا فعلت ؟ قال لي: دخلت قسم الزراعة ! قال لي: أبي عنده أرض مساحتها ثلاثون دنمًا، ومن المفروض أن أرعى هذه الأرض، وأن أزرعها، وأن أقدم للناس إنتاجًا، فاختار شيء يجعل لأبوه عمل مستمر.
أتمنى على كل أصحاب المعامل، والمؤسسات، والتجار، والصُناع، أن يكون الابن عملا ناجحا مستمرا لأبيه، لأن هناك أعمالا شخصية تنتهي بانتهاء صاحبها، وهناك أعمال نمطها مؤسساتي، فلو مات الأب يستمر الابن من بعده، والخير يستمر.
إذاً: أكبر حافز قدّمه لنا الله عز وجل أن أعمال الابن كلها في صحيفة أمه وأبيه، لذلك أكبر تجارة مع الله أن تربي أولادك.
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( إِنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلَ الرَّجُلُ مِنْ كَسْبِهِ، وَإِنَّ وَلَدَ الرَّجُلِ مِنْ كَسْبِهِ ))

[ أخرجه النسائي ]

هناك لقطة لسيدنا عمر، قال: << والله إني أقوم إلى زوجتي وما لي من شهوة إلا ابتغاء ولد صالح ينفع الناس من بعدي >>.

الإنسان أكبر مورد اقتصادي:

هذا هدف كبير جداً، لذلك حينما نربي أولادنا على مبادئ، وعلى قيم، وعلى فضائل، وعلى خبرات عالية في الدنيا فإن الإنسان أكبر مورد اقتصادي، والمال لا يكفي، هناك أموال، وأراضٍ، ومنشآت، وآلات، أهمها المورد البشري، وفي إحصاء دقيق في أوربا عشر شركات أفلست، تسع شركات منها بسبب سوء الإدارة، فلذلك لا المال يكفي بأن يلد المال ولا الأرض، ولا المنشأة، ولا الآلة، بل تحتاج إلى إنسان يحسن إدارة هذا المال.
لذلك في تسلسل الموارد الاقتصادية عدَّ الإنسان أكبر مورد اقتصادي، من هنا تبين أن الإنسان إذا علمته، وأطلقت يده كان ورقة رابحة كبيرة جداً في حياة الأمة، أما إذا أبقيته جاهلاً، وقيدته أصبح عبئاً عليك، فكلما تعلم الإنسان، وكلما أطلقت يده كان في خدمة أمته، أما إذا قُيد وكان جاهلاً مالَ إلى الدعارة، والمخدرات، والجنوح، وما شاكل ذلك. الأستاذ علاء:

إذاً: لا بد من التربية، وهي حاجة ملحَّة وضرورية. الدكتور راتب:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا

هناك أمر إلهي قطعي الدلالة، طبعاً القرآن الكريم كل أمر فيه يقتضي الوجوب، الله عز وجل يخاطب المؤمنين:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ﴾

( سورة التحريم الآية: 6 )

أستاذ علاء، لو أن واحدا سمع ثلاث كلمات بذيئة جداً من ثلاثة أولاد، أحدهم ابنه، فهنا يكاد الأب يخرج من جلده، الثاني ابن أخيه، يكون الألم أخفّ، الثالث صديق ابنه، هنا لا يتألم، يقول له: انصرف، لكن يصبّ جام غصبه على ابنه للصوقه به، فلذلك: 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا ﴾

ورد في بعض الآثار أن المرأة أحياناً حينما تفسد بإهمال تربيتها تقف يوم القيامة بين يدي الله عز وجل وتقول: " يا رب، لا أدخل النار حتى أدخل أبي قبلي "، فالأب الذي يعضل ابنته، ولا يزوجها من أجل مصالحه، من أجل راتبها، من أجل أن تخدمه طوال حياته، يمنعها أن تكون أمًّا في المستقبل هذا مسؤول أمام الله.
هناك نقطة دقيقة جداً، في الثقافة الإسلامية الأب يُحترم جداً في بلادنا، لكن الكلمة القنبلة: ما كل أب محترم يحبه أبناءه، يحترمونه بحكم الثقافة العامة، أما إذا لم يكن محسناً فلا يُحب، بطولتك كأب لا أن تُحترم أن تُحَب، البطولة أن يُحِب الابن أباه، ولن يحبه إلا إذا كان محسناً، إلا إذا قدم إليه شيئاً ثميناً، قدم له علماً، قدم له تربية، أعانه على زواجه.
والله أعرف رجلا في دمشق يقف أولاده أمامه كالجنود أمام أعلى رتبة عسكرية، من شدة محبتهم له، لأنه بذل جهداً كبيراً لتأمين علمهم، وأخلاقهم، وبيوتهم، وزوجاتهم. الأستاذ علاء: 

فهو أبٌ كرّس كل حياته لهذه المهمة.

خاتمة وتوديع:

كنا نود أن نستمر، ولكن الوقت أدركنا، ولا يسعنا إلا أن نشكر فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، ورئيس جمعية حقوق الطفل الخيرية بسورية، ونتابع إن شاء الله في الحلقة القادمة ما كنا قد بدأنا من موضوع هام عن الأطفال، وتربية الأطفال والأولاد في الإسلام، شكراً سيدي الأستاذ.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور