وضع داكن
19-04-2024
Logo
صور من حياة الصحابة - الندوة : 10 - الصحابي عبد الله بن سلام
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الأستاذ جمال : أستاذ راتب السؤال التقليدي الأول: من هو الصحابي الجليل عبد الله بن سلام ؟
 الأستاذ راتب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، أستاذ جمال، عبد الله بن سلام، هو الحصين بن سلام هو حبر من أحبار اليهود في يثرب، وكان أهل المدينة على اختلاف مللهم ونحلهم، يجلّونه ويعظمونه، فقد كان معروفاً بين الناس بالتقى والصلاح، موثوقاً بلإستقامة والصدق، وكان الحصين يحيى حياةً هادئةً وادعة، لكنها كانت في الوقت نفسه جادةً نافعة، فقد قسم وقته أقساماً ثلاثة، شطرٌ للوعظ والعبادة، وشطر في بستانٌ له يتعهد نخله بالتشذيب والتأبير، وشطر للتفقه في الدين.
 الأستاذ جمال: أستاذ راتب ما معنى كلمة والتأبير ؟
 الأستاذ راتب: تأبير النخل تلقيحه وإصلاحه، وكان كلما قرأ التوراة وقف طويلاً عند أخبارٍ تبشر بظهور النبي عليه الصلاة والسلام في مكة يتمم رسالات الأنبياء السابقين ويختمها، وكان يستحصي أوصاف هذا النبي المرتقب وعلاماته، ويهتز فرحاً بأنه سيهجر بلده الذي بعث فيه، وسيتخذ من يثرب مهاجراً له ومقام، وكان كلما قرأ هذه الأخبار أو مرَّت بخاطره، يتمنى على الله أن يفسح له في عمره حتى يشهد ظهور هذا النبي المرتقب، ويسعد بلقائه ويكون أول المؤمنين به.
 الأستاذ جمال: أستاذ راتب النابلسي، السؤال الذي ورد في ذهني الآن هو بعد هذا التقصي الذي بحث عنه الصحابي الجليل عبد الله بن سلام عن شخصية النبي الأعظم عليه الصلاة والسلام، السؤال: هل التقى وأدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
 الأستاذ راتب: لا شك أن الله استجاب له، استجاب لدعائه، فنفس له في أجله، أي أخر له في أجله، حتى بعث نبي الهدى والرحمة، وكتب له أن يحظى بلقائه وصحبته، وأن يؤمن بالحق الذي أنزل عليه، فلنترك كما فعلنا في حلقةٍ سابقة للحصين الكلام ليسوق لنا قصة إسلامه، فهو لها أروى وعلى حسن عرضها أقدر.
 الأستاذ جمال: إذاً الحديث الآن لعبد الله بن سلام.
 الأستاذ راتب: قال الحصين بن سلام: لما سمعت بظهور النبي صلى الله عليه وسلم، أخذت أتحرى عن اسمه ونسبه وصفاته وزمانه ومكانه، وأطابق بينها وبين ما هو مسطورٌ عندنا في الكتب، حتى استيقنت من نبوته وتثيَّت من صدق دعوته، ثم كتمت ذلك عن اليهود، وعقلت لساني عن التكلُّم فيه، إلى أن كان اليوم الذي خرج فيه النبي عليه الصلاة والسلام من مكة قاصداً المدينة، فلما بلغ يثرب، ونزل بقباء، أقبل رجل علينا وجعل ينادي في الناس معلناً قدومه، وكنت ساعة إذٍ في رأس نخلة أعمل فيها، وكانت عمتي خالدة بنت الحارث جالسة تحت الشجرة، فما إن سمعت الخبر حتى هتفت: الله أكبر الله أكبر، فقالت لي عمتى حين سمعت تكبيري: خيَّبك الله، والله لو كنت سمعت بموسى بن عمران قادماً ما فعلت شيئاً فوق ذلك !! فقلت لها أي عمة، إنه والله أخو موسى بن عمران وعلى دينه، وقد بُعث بما بعث به، فسكتت وقالت: أهو النبي الذي كنتم تخبروننا أنه يبعث مصدِّقاً لمن قبله، ومتمماً لرسالات ربه، فقلت: نعم، قالت: فذلك إذاً. ثم مضيت من توِّي إلى النبي عليه الصلاة والسلام، ورأيت الناس يزدحمون ببابه، فزاحمتهم حتى صرت قريباً منه، وكان أول ما سمعته منه

(( أيها الناس أفشوا السلام، وأطعمو الطعام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام ))

 

فجعلت أتفرَّس فيه، وأتملى منه، فأيقنت أن وجه ليس بوجه كذَّاب، ثم دنوت منه وشهدت أنه لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فالتفت إلي وقال: ما اسمك ؟ فقلت: الحصين بن سلام، قال: بل عبد الله بن سلام. فقلت: نعم عبد الله بن سلام، والذي بعثك بالحق ما أحب أن لي به إسماً آخر بعد اليوم، ثم انصرفت من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيتي، ودعوت زوجتي وأولادي وأهلي إلى الإسلام، فأسلموا جميعاً وأسلمت معهم عمتي خالدة، وكانت شيخةً كبيرة.
 الأستاذ جمال: أستاذ راتب معلوماتنا أن هناك قصة عجيبة لعبد الله بن سلام، ياريت لو تسلط الضوء للإخوة المستمعين حول هذه القصة.
 الأستاذ راتب: حسناً أستاذ جمال، يقول عبد الله بن سلام: ثم رجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقلت له: يا رسول الله إن اليهود قوم بهتانٍ وباطل، وإني أحب أن تدعو وجوههم إليك، وأن تسترني عنهم في حجرةٍ من حجراتك، ثم تسألهم عن منزلتي عندهم، قبل أن يعلموا بإسلامي، ثم تدعوهم إلى الإسلام، فإنهم إن علموا أنني أسلامت عابوني ورموني بكل ناقصةٍ وبهتوني، فأدخلني النبي عليه الصلاة والسلام في بعض حجراته، ثم دعاهم إليه، وأخذ يحضُّهم على الإسلام، ويحبب لهم الإيمان، ويذكِّرهم بما عرفوه في كتبهم من أمره، فجعلوا يجادلوه بالباطل ويمارونه في الحق، وأنا أسمع، فلما يأس من إيمانهم قال لهم: ما منزلة الحصين بن سلام فيكم ؟ فقالوا: سيدنا وابن سيدنا، وحبرُنا وعالمنا، وابن حبرنا وعالمنا، فقال عليه الصلاة والسلام: أفرأيتم إن أسلم أفتسلمون ؟ قالوا: حاشى لله ما كان ليسلم، أعاذه الله من أن يسلم، فخرجت إليهم وقلت: يا معشر اليهود، اتقوا الله واقبلوا ما جائكم به محمد، فوالله أنكم لتعلمون أنه رسول الله، وتجدونه مكتوباً عندكم في التوراة باسمه وصفته، وإني أشهد أنه رسول الله وأومن به وأصدقه وأعرفه، فقالوا: كذبت، والله إنك لشرنا وابن شرنا، وجاهلنا وابن جاهلنا، ولم يتركوا عيباً إلا عابوني به، فقلت: يا رسول الله ألم أقل لك إن اليهود قوم بهتانٍ وباطل، وإنهم أهل غدرٍ وفجور.
 أقبل عبد الله بن سلام على الإسلام إقبال الظاميء الذي شاقَّه المورد، وأولع بالقرآن فكان لسانه لايفتأ رطباً بآياته البيِّنات، وتعلَّق بالنبي صلوات الله وسلامه عليه حتى غدا ألزم له من ظله، ونذر نفسه للعمل للجنة، حتى بشره رسول الله صلَّى الله عليه وسلم بشارةً زاعت بين الصحابة الكرام وشاعت، وكان لهذه البشارة قصة رواها قيس بن عبادة وغيره.
 الأستاذ جمال: ياريت يا أستاذ راتب أن تسلِّط الضوء أكثر على هذه القصة.
 الأستاذ راتب: يقول قيس بن عبادة وغيره: كنت جالساً في حلقةٍ من حلقات العلم في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة، وكان في الحلقة شيخٌ تأنس به النفس ويستروِّح به القلب، فجعل يحدث الناس حديثاً حلواً مؤثراً، فلما قام، قال القوم: من سرَّه أن ينظر إلى رجلٍ من أهل الجنة فالينظر إلى هذا، فقلت: من هذا ؟ قالوا: عبد الله بن سلام، فقلت في نفسي: والله لأتبعنَّه، فتبعته، فانطلق حتى كاد أن يخرج من المدينة ثم دخل منزله، فاستأذنت عليه فأذن لي، فقال: ما حاجتك يا ابن أخي ؟ فقلت: سمعت القوم يقولون عنك لما خرجت من المسجد: من سره أن ينظر إلى رجلٍ من أهل الجنة، فالينظر إلى هذا، فمضيت في إثرك لأقف على خبرك ولأعلم كيف عرف الناس أنك من أهل الجنة، فقال: الله أعلم بأهل الجنة يا بني. فقلت: نعم، ولكن لابدَّ لما قالوه من سبب، قال سأحدثك عن سببه، قال: فقلت هات وجذاك الله خيراً، قال: بينما أنا نائمٌ ذات ليلةٍ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاني رجل فقال لي: قم، فقمت، فأخذ بيدي، فإذا أنا بطريقٍ عن شمالي، فهممت أن أسلك فيها، فقال لي: دعها فإنها ليست لك، فنظرت فإذا أنا بطريقٍ واضحةٍ عن يميني، فقال لي: أسلكها، فسلكتها، حتى أتيت روضةً غنَّاء واسعة الأرجاء، كثيرة الخضرة واسعة النضرة، وفي وسطها عمودٌ من حديد أصله في الأرض ونهايته في السماء، وفي أعلاه حلقةٌ من ذهب، فقال لي: أرق عليه، فقلت لا أستطيع، فجاءني وصيفٌ فرفعني، فرقيت حتى صرت في أعلى العمود وأخذت بالحلقة بيدي كلتيهما، وبقيت متعلقاً بها حتى أصبحت، فلما كانت الغداة أتيت النبي عليه الصلاة والسلام وقصصت عليه رؤياي فقال

(( أما الطريق التي رأيتها عن شمالك، فهي طريق أصحاب الشمال من أهل النار، وأما الطريق التي رأيتها عن يمينك، فهي طريق أصحاب اليمين من أهل الجنة، وأما الروضة التي شاقتك بخضرتها ونضرتها فهي الإسلام، وأما العمود الذي في وسطها، فهو عمود الدين، وأما الحلقة، فهي العروة الوثقى، ولم تزال مستمسكاً بها حتى تموت ))

 الأستاذ جمال: فضيلة الشيخ محمد راتب النابلسي لا يسعنا إلا أن نقول: رضي الله عن سيدنا الصحابي الجليل عبد الله بن سلام، أهلاً بكم ومرحباً في الإذاعة، نشكركم الأستاذ محمد راتب النابلسي الأستاذ المحاضر في كلية التربية جامعة دمشق، وخطيب جامع النابلسي بدمشق، والمدرس الديني في مساجد دمشق، نشكركم.

تحميل النص

إخفاء الصور