وضع داكن
28-03-2024
Logo
صور من حياة الصحابة - الندوة : 04 - الصحابي عمر بن الخطاب
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

المذيع:
 أيها الأخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلاً ومرحبا بكم مع بداية هذه الحلقة الجديدة من برنامج صور من حياة الصحابة.
الحديث اليوم عن صحابي جليل جسد في حياته قيم السماحة والعدل، والنبل، والشجاعة، وكان مثالاًً يحتذ في الإيمان إنه عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه.
 يسعدنا أيها الأعزاء أن نلتقي فضيلة الشيخ محمد راتب النابلسي الأستاذ المحاضر في كلية التربية في جامعة دمشق، والمدرس الديني في مساجد دمشق، أستاذ راتب أهلاً بكم ومرحبا.
الأستاذ:
أهلاً بكم ومرحبا أستاذ جمال.
المذيع:
 يا ليت أستاذ راتب مع بداية هذا الحديث أن نسلط الضوء بشيئٍ من الإيضاح حول شخصية سيدنا عمر بن الخطاب الفاروق رضي الله عنه.
الأستاذ:
 سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عملاق الإسلام لقد جسد هذا الخليفة العظيم بسلوكه قيم الحق والخير، في أبها صورها جسدها بمواقفه وأحكامه، فكان بحق بطل مبدأ، مضى نحو تحقيقه من دون أن ينظر إلى الثمن.
 ففي خلافته جاءه إلى المدينة جبلة بن الأيهم آخر ملوك الغساسنة، يعلن إسلامه، يرحب به عمر، لكن بدوياً من فزاره يدوس إزار الملك الغساني، في أثناء طوافه حول الكعبة.
المذيع:
من دون قصد.
الأستاذ:
 من دون قصد طبعاً، فيغضب الملك غضباً شديداً، ويلتفت إلى هذا البدوي فيضربه ويهشم أنفه.
ماذا يفعل هذا الأعرابي ؟ ليس أمامه إلا إن يشكوه إلى عمر شكاه إلى عمر !.
فقال سيدنا عمر: ائتوني به.
فلما مثل جبلة بن الأيهم في حضرة عمر.
 سأله يا ابن الأيهم، جاءني هذا الصباح مشهد يبعث في النفس المرارة بدوي من فزاره، بدماء تتظلم، بجراح تتكلم، مقلة غارت وأنف قد تهشم، وسألناه فألقى فادح الوزر عليك، بيديك، أصحيح ما ادعى هذا الفزاري الجريح.
أخ جمال هذا الحوار صاغه أحد الشعراء شعراً، آثرتم النص الشعري.
فأجاب جبلة: لست ممن ينكر أو يكتم شيئا، أنا أدبت الفتى أدركت حقي بيديا.
 قال عمر: أي حق يا ابن أيهم، عند غيري يقهر المستضعف العافي ويظلم، عند غيري جبهة بالإثم بالباطل تلطم، نزوات الجاهلية ورياح العنجهية قد دفناها، أقمنا فوقها صرحاً جديدا، وتساوى الناس لدينا أحرار وعبيدا، أرض الفتى، لا بد من إرضائه، مازال ظفرك عالقاً بدمائه، أو يهشمن الآن أنفك وتنال ما فعلته كفك.
 قال جبلة متعجباً !! كيف ذاك يا أمير المؤمنين ؟! هو سوقا من عامة الناس، هو سوقة وأنا صاحبه تاج، كيف ترضى إن يخر النجم أرض، كان وهماً ما مشى في خلدي أنني عندك أقوى وأعز، أنا مرتد إذا أكرهتني.
 فقال عمر: عنق المرتد بالسيف تحز، عالم نبنيه كل صدع فيه، بشبا السيف يداوى، وأعز الناس بالعبد بالصعلوك تساوى.
المذيع:
 أستاذ راتب، هذه الصورة عن عدل سيدنا عمر رضي الله عنه الذي سميا بالفاروق حبذا وهذه صورة من صور هذا الصحابي الجليل حبذا لو نتحدث عن صورة في رحمة سيدنا عمر رضي الله عنه.
الأستاذ:
 تعليق قبل أن نتحدث عن رحمته، تعليقي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ببعد نظره، أدرك أن التضحية بأكبر شخص، أفضل ألف مرة من أن يضحي بمبدأ، المجتمعات تنتهي حينما تنهار مبادئها ضحى بجبلة ملك الغساسنة وكانت هذه التضحية عنده أهون من أن يضحي بمبدأ في الإسلام وهو العدل.
المذيع:
نعود إلى رحمته، رحمة سيدنا عمر رضي الله عنه.
الأستاذ:
 كان في الحديث عن رحمة هذا الخليفة العظيم قصص كثيرة من بعضها كان مرة مع سيدنا عبد الرحمن بن عوف، يتجولان في المدينة، فرأوا قافلة قد أقامت في ظاهر المدينة.
 فقال له تعالى نحرسها لوجه الله، جلسا قبالة القافلة، فسمع عمر بكاء طفل فتوجه إلى أمه وقال أرضعيه، فأرضعته، ثم بكى ثانية، وتوجه إليها ثانية وقال أرضعيه، فأرضعته، ثم بكى ثالثة عندئذ أدرك عمر أنها لا ترضعه تتظاهر بإرضاعه، فذهب إليها وكان عصبي المزاج.
قال: يا أمة السوء ألا ترضعينه ؟
قالت: ما شأنك بنا ؟ ومن أنت ؟ إنني أفطمه.
قال: ولما ؟
قالت: لأن عمر لا يعطينا العطاء إلا بعد الفطام.
 تروي كتب السيرة أنه ضرب جبهته، وقال ويحك يا عمر كم قتلت من أطفال المسلمين، توجه إلى المسجد وصلى الفجر بأصحابه، ولم يستمع أصحابه إلى نبرات صوته من شدة بكائه، كان يقول ربي هل قبلت توبتي فأهنئ نفسي أم رددتها فأعزيها، وأصدر من توه قراراً عممه على الأبصار، بأن كل مولد ينال العطاء عند الولادة لا عند الفطام.
 مرة أمتنع عن أكل اللحم أشهر طويلة، بسبب مجاعة ألمت بالمدينة، فخاطب بطنه وقال قرقر أيها البطن أو لا تقرقر، فو الله لن تذوق اللحم حتى يشبع منه صبية المسلمين.
المذيع:
ماذا عن شخصية هذا الصحابي الجليل بشيءٍ من الصور توضح ماهية هذه الشخصية ؟
الأستاذ:
هذا الخليفة العظيم أدرك أن القيم لا تجزأ، لذلك كان قدوة لمن حوله، ولا سيما من يلوذ به.
 فكان هذا الخليفة العظيم إذا أراد إنفاذ أمرٍ، جمع أهله وخاصته وقال إني قد أمرت الناس بكذا، ونهيتهم عن كذا، والناس كالطير إن رأوكم وقعتم وقعوا، وأيم الله، لا أوتين بواحد وقع فيما نهيت الناس عنه، إلا ضاعفت له العقوبة لمكانه مني.
الآن أخ جمال دقق في هذه الكلمة.
فكانت القرابة من عمر مصيبة ! مصيبة ! لأنه سينال العقاب مرتين، مرة لأنه يستحقه، ومرة لأنه يلوذ بعمر.
المذيع:
أستاذ راتب هل من صورة تدل على هذا المعنى الذي تفضلت به ؟
الأستاذ:
نعم: رأى مرة في الطريق إبلاً سمينة، فقال هذا الصحابي الجليل عملاق الإسلام: لمن هذه الإبل ؟
قالوا هي لابنك عبد الله.
فقال أتوني به، وبدا عليه الغضب.
فلما جاءه، قال لمن هذه الإبل ؟
قال هي لي: اشتريتها بمالي، وبعثت بها إلى المرعى لتسمن فماذا فعلت ؟ يعني أي ذنبٍ ارتكبت ؟ أي معصية وقعت فيها ؟
 فقال عمر رضي الله عنه: ويقول الناس: ارعوا هذه الإبل فهي لابن أمير المؤمنين، اسقوا هذه الإبل فهي لابن أمير المؤمنين وهكذا تسمن إبلك يا ابن أمير المؤمنين.
المذيع:
إذاً لها حظوة يعني.
الأستاذ:
 نعم، قال له: وهكذا تسمن إبلك يا ابن أمير المؤمنين، أتعلم لماذا هي سمين لأنك ابني ؟ قال له بعد ذلك: بيع هذه الإبل، وخذ رأس مالك، ورد الباقي لبيت مال المسلمين.
المذيع:
 أستاذ راتب حبذا لو نختم حديثنا عن هذا الصحابي الجليل بصور أخرى من حياته الكريمة.
الأستاذ:
 أخ جمال مرة جاءه رسول من معركة نهوند، فسأله عن واقع المعركة وطمأنه.
لكن هذا الرسول قال: يا أمير المؤمنين مات خلقٌ كثير.
قال من هم ؟
قال: أنت لا تعرفهم.
 فبكى عمر بكاء شديد، وقال قولة تكتب بماء الذهب، قال وما ضرهم أني لا أعرفهم إذا كان الله يعرفهم، وما ضرهم أني لا أعرفهم إذا كان الله يعرفهم.
 هذا الخليفة الراشد كان إذا أصابته مصيبة، كان يقول الحمد لله ثلاثاً، الحمد لله إذا لم تكن في ديني، والحمد لله إذا لم تكن أكبر منها، والحمد لله إذا ألهمت الصبر عليها.
وكان يكره المظاهر الفارغة، فمرة شاهد في أثناء الطواف رجلاً قد التقط لوزة، وصاح بأعلى صوته من صاحب هذه اللوزة.
 فغتاظ منه وقال أكلها يا صاحب الورع الكاذب، كلها، وأرحنا من صوتك هذا ورعٌ كاذب لوزة، من صاحب هذه اللوزة ؟ قال كلها يا صاحب الورع الكاذب.
 من أقواله الشهيرة، لست بالخب ولا الخب يخدعني، أي لست من الخبث بحيث أخدع، ولا من السذاجة بحيث أخدع، هذا الموقف العاقل الذكي.
المذيع:
 إذاً هي صور جميلة ورائعة لهذا الصحابي الجليل سيدنا عمر الفاروق رضي الله تعالى عنه، أهلاً ومرحباً بفضيلة الشيخ محمد راتب النابلسي الأستاذ المحاضر في كلية التربية في جامعة دمشق والمدرس الديني في مساجد دمشق نشكركم أستاذ راتب، أهلاً بكم ومرحبا.

تحميل النص

إخفاء الصور