وضع داكن
19-04-2024
Logo
الحلقة : 7 - توظيف الوقت.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

المذيع :
 مستمعي الكرام ؛ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، أحييكم في هذا اللقاء الجديد من برنامج : "الإسلام والحياة" ، يسرنا أن نلتقي اليوم مع فضيلة الدكتور الأستاذ محمد راتب النابلسي الأستاذ المحاضر في جامعة دمشق كلية التربية ، والمدرس الديني في مساجد دمشق ، وخطيب جامع النابلسي ، أهلاً ومرحباً بكم أستاذ .
الدكتور راتب :
 بكم أستاذ عدنان .
المذيع :
 دكتور تحدثتم عن أشياء كثيرة تتصل بالوقت ، وبينتم أن النذير بأشكاله المتعددة ومعانيه المتعددة أيضاً هي ما يمكن أن تكون للإنسان إنذاراً يدفعه لاستغلال وقته ، ولأن يقوم بالعمل الصالح ، والإنسان أيضاً هو من جعل في الأرض لإعمارها ، والإنسان أيضاً هو خليفة الله في الأرض ، وهو المكلف والمشرف في الوقت نفسه ، وهو وهو . . أشياء عديدة تتصف بإعمال عقله وعمله أيضاً من أجل الغاية التي وضعها لنفسه ، وبالتالي التي يخطط للوصول إليها ، لكن الإنسان ضمن هذا وذاك تتعاوره في حياته الدنيا أشياء كثيرة ، الطفل الصغير مع أصدقائه في المدرسة ، فإذا كبر أيضاً كان له أصدقاء من نوع آخر ومن مستوى آخر ، أيضاً في مرحلة الشباب اهتماماته تغيرت ، وأصدقاؤه قد يكونون هم هم ، وهم أيضاً تغيرت اتجاهاتهم ورؤيتهم للحياة ، والإنسان ضمن ما يعيشه وكما يقال : ابن بيئته . البيئة الآن التي يعيشها الإنسان ترانا هل نستطيع أن نقول إن الإنسان المؤمن ونحن في شهر رمضان شهر التوبة والعودة إلى الله تعالى ، هل نقول إن الإنسان المؤمن يجرف مع التيار كيفما كان التيار صالحاً أو فاسداً أو معتدلاً أم لابد له من وقفة سليمة يستطيع أن يخطط للوصول إلى غايته المنشودة ؟

كيفية وصول الإنسان إلى غايته المنشودة :

الدكتور راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
 أستاذ عدنان هناك نقطة دقيقة ، أنا مضطر أن أضرب مثلاً ، لو أن راكب دراجة يمشي على طريق مستو ، لو أنه بعد حين وصل إلى طريقين ؛ طريق هابط ، وطريق صاعد ، كل معطيات البيئة تدعوه أن يسلك الطريق الهابط كراكب دراجة ، دراجة عادية غير نارية ، يحتاج إلى عضلات ، فالطريق الهابط مريح جداً ، ولاسيما هذا الطريق معبد ، وحوله أشجار وأزهار ، ورياحين وأطيار ، والطريق الصاعد طريق وعر ، فيه أكمات وعقبات وحفر وغبار ، هو أمام طريقين كل ما في الطريق الأول يدعوه أن يسلكه ، معطيات البيئة ، وطبيعة جسمه ، ومكوناته ، وكل ما في الطريق الآخر يدعوه إلى رفضه ، لصعوبته وصعوده ، وأكماته وحفره ، وفجواته وغباره ، لو أن لوحة كتبت على مفترق الطريقين : الطريق الهابط ينتهي بحفرة ما لها من قرار ، فيها وحوش كاسرة جائعة ، والطريق الصاعد ينتهي بقصر منيف ، هو لمن دخله ، هذا البيان الذي على مفترق الطريقين ألا يجعل الإنسان العاقل يتخذ قراراً معاكساً لطبعه ولميله للاستمتاع ورغبته بالراحة ؟ لاشك ، هذا الذي حصل ، الدنيا كلها شهوات ، خضرة نضرة ، تدعوك إليها ، ولكن القرآن يبين لك أن طريق الشهوة ينتهي إلى النار ، أما طريق العمل الصالح، والاستقامة ، وأداء العبادات ، والالتزام بمنهج الله ، فينتهي إلى الجنة ، إذاً هذه اللوحة خطيرة جداً، لذلك يقول عليه الصلاة والسلام :

((عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَسْجِدِ . . . أَلَا إِنَّ عَمَلَ الْجَنَّةِ حَزْنٌ بِرَبْوَةٍ ثَلاثًا أَلَا إِنَّ عَمَلَ النَّارِ سَهْلٌ بِسَهْوَةٍ . . . . . .))

[ أحمد عن ابن عباس ]

 فالإنسان إذا استسلم لرغباته ونزواته وشهواته يسلك الطريق الهابط ، عندئذٍ يكون قد حقق الهلاك ، أما إذا استخدم عقله ، أنا أضرب مثلاً طريفاً ، كإنسان يسكن في حي المهاجرين في الشام ، المركبة العامة تقف في المرجة ، في مركز المدينة ، باتجاه الشرق ، في أيام الصيف الحارة صعد إلى هذه المركبة فإذا بمقاعد الطرف الأيمن كلها شمس حارة ، بينما المقاعد اليسرى في ظل ظليل ، فكر هذا الراكب أن هذه المركبة بعد دقيقة واحدة تدور حول ساحة المرجة فتنعكس الآية ، فجلس في الشمس ، وامتحن الركاب ، الراكب الذي أعمل عقله جلس في الشمس، والراكب الذي أغفل عقله جلس في الظل ، بعد دقيقة من إقلاع المركبة انعكست الآية ، العاقل هو الذي يحتاط للأمور قبل وقوعها ، وهذا يذكرني بقصة وردت لابن المقفع ، أن صيادين رأيا غدير ماء فيه سمكات ثلاثة ، كيسة عاقلة ، وأكيس منها ، وعاجزة - قصة رمزية- فتواعدا أن يرجعا ومعهما شباكهما ليصيدا ما في الغدير من سمك ، سمعت السمكات قولهما ، أما أكيسهن فإنها ارتابت وتخوفت ، وقالت : العاقل يحتاط للأمور قبل وقوعها - هذه سمة الدول المتقدمة بالمقياس الحضاري تعيش المستقبل ، والأقل تقدماً حركتها ردود أفعال ، والدول المتخلفة تعيش الماضي - السمكة الكيسة جداً قالت : العاقل يحتاط للأمور قبل وقوعها ، ولم تعرج على شيء حتى خرجت من المكان الذي يدخل منه الماء إلى الغدير فنجت ، الأولى أكيس من غيرها، أما الكيسة فبقيت في مكانها حتى عاد الصيادان ، فذهبت لتخرج من حيث خرجت رفيقتها فإذا بالمكان قد سد ، مكان الخروج سده الصيادان ، فقالت : فرطت وهذه عاقبة التفريط ، غير أن العاقل لا يقنط من منافع الرأي ، ثم إنها تماوتت ، فطفت على وجه الماء ، منقلبة تارة على بطنها وتارة على ظهرها ، فأخذها الصياد ووضعها على الأرض بين النهر والغدير فوثبت إلى النهر فنجت ، أما العاجزة فلم تزل في إقبال وإدبار حتى صيدت ، لذلك يقول عليه الصلاة والسلام :

(( عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ . . . ))

 ضبطها ، ضبط لسانه ، ضبط عينيه ، ضبط دخله ، ضبط إنفاقه ، ضبط بيته ، ضبط تربية أولاده ، ضبط زوجته :

((وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ))

[ الترمذي عن شداد بن أوس ]

 فنحن في هذا الوقت ينبغي أن نعيش المستقبل ، قيل : ما مضى فات ، لا جدوى من الحديث عنه ، الوقت الذي مضى لا يسترد ، ولا يسترجع ، ما مضى فات ، والمؤمل غيب ، ولك الساعة التي أنت فيها ، بل هناك من يقول : هناك يوم مفقود هو الماضي ، ويوم مشهود هو الحاضر ، ويوم موعود هو الموت ، ويوم مورود هو يوم القيامة ، ويوم ممدود هو الأبد . بين الماضي وبين الحاضر ، وبين حدث الموت وبين يوم القيامة ، وبين الخلود إما في جنة يدوم نعيمها ، أو في نار لا ينفذ عذابها .
المذيع :
 حسناً دكتور من هذه الناحية ، مثل هذا الحديث الناس يسمعون الكثير من المواعظ ، فإن حدثتهم قالوا : والله هذا كلام صحيح وسليم . ومن يقصر في حق الله تعالى كان في زمرة العاجزين وفي زمرة السمكة التي كانت قد صيدت ، رغم أن الإنسان ضمن هذه البوتقة إذا قيل له الوقت والعمل ، يقول : كلامكم سليم . لكن مجال التطبيق لا نجده في هذا الإنسان ، ترى ما هي الخطوات التي يجب أن تدفعه ليكون كالسمكة الأكيس ؟

خطوات تمنع الإنسان من الخروج عن منهج الله :

الدكتور راتب :
 مما ورد في الأثر قال عليه الصلاة والسلام : " أكثروا ذكر هادم اللذات ، مفرق الأحباب ، مشتت الجماعات ".
 عش ما شئت فإنك ميت ، وأحببت من شئت فإنك مفارق ، واعمل ما شئت فإنك مجزي به .
 أستاذ عدنان الهاتف الجوال يشحن مرة واحدة ؟ مستحيل !! لابد من أن يشحن شحناً دورياً ، وكذلك الصلوات الخمسة شحنة دورية ، من صلاة إلى صلاة ، يوم الجمعة صلاتها وخطبتها شحنة أسبوعية ، ورمضان شحنة سنوية ، الحج شحنة العمر ، الجوال له موعظة كبيرة ، ما لم يشحن شحناً دورياً يتوقف ، الإنسان قد يكون في مجلس ، في مسجد ، في ندوة ، يسمع شريطاً يتأثر ، والتأثر ينبغي أن يكون مستمراً ، أي ينبغي أن يحيط نفسه بأجواء دينية ، إذا جلس مرة صدفة في مجلس علم ، ولم يتكرر هذا المجلس ، هذه الشحنة تفقد قوتها ، إجابة عن سؤالك الكريم : لابد من شحنات دورية ، لابد من أن تعرض نفسك أيها الأخ الكريم إلى شحنات إلهية ضرورية ، الصلوات الخمسة ، وصلاة الجمعة ، وصيام رمضان ، والأذكار ، والأدعية ، حتى يكون الموت ماثلاً أمام الإنسان لا من باب التشاؤم لا ، لا سمح الله ، لكن الإنسان حينما يكثر من ذكر الموت يبقى على الطريق ، مركبة على الطريق ، أمامها خطر ، إما أن تتوقف فيحترق محركها ، وإما أن تقع في الوادي ، فكثرة ذكر الموت يحمي راكب المركبة من أن يقع في الوادي ومن أن يقف ، فإيجابيات التفكر في الموت تمنع الوقوف ، وتمنع السقوط في الوادي ، أما الإنسان فيأكل ويشرب ، ويدرس ويتاجر ، ويتفوق ويكسب المال الحلال ، وينفقه على أهله ، يبني وطنه ، ويقدم لأمته الشيء الكثير من دون أن يخرج عن منهج الله .
المذيع :
 في الأصل التخوف من الخطر يمنع من الوقوع في الخطر أيضاً ، في هذه الحالة موضوع الموت توضيح هذا الأمر ، ولكن في مدى نصف دقيقة هل نستطيع أن نقول : إننا إذا ربينا أطفالنا ليكونوا نشئاً جديداً مهتماً بهذه التوصيات التي ذكرتها يمكن أن يتابع فيها أم كل إنسان يمكن أن يتابع فينقلب رأساً على عقب ؟

إدراك أهمية الوقت :

الدكتور راتب :
 لاشك أن الوقت حينما أدرك قيمته ، وحينما أوظفه فيما خلقت من أجله أنجح واُنْجِّح ، وأسعَد وأُسْعِد .

خاتمة وتوديع :

المذيع :
 في ختام هذا اللقاء كل الشكر لفضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي الأستاذ المحاضر في كلية التربية جامعة دمشق ، المدرس في جوامع دمشق ، وخطيب جامع النابلسي ، شكراً لكم .
الدكتور راتب :
 عفواً أستاذ عدنان جزاكم الله خيراً .

تحميل النص

إخفاء الصور