وضع داكن
20-04-2024
Logo
الحلقة : 1 - التوحيد.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

برنامج الإسلام والحياة ، لقاء يومي من إعداد : عدنان شيخو .

مقدمة :

 يسرنا أن نلتقي مع الأستاذ محمد راتب النابلسي ، المحاضر في جامعة دمشق كلية التربية، وخطيب جامع النابلسي ، أهلاً ومرحباً بكم .
 تعلمون أن شهر رمضان المبارك شهر القرآن ، شهر تفتح أبواب السماء وتصفيد الشياطين ، ونحن في سوق الجنة هذا التوحيد نراه مرتسماً على المؤمنين سلوكاً وأعمالاً ونيةً طبعاً في الأصل هذه الناحية ، إذا أردنا أن نتعرف على التوحيد في إطاراته المتعددة أو من جوانبه المتعددة نبدأ ذلك من التعريف ، كيف نعرف التوحيد ؟ وماذا نقول في ذلك ؟

التوحيد نهاية العلم :

 بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
 التوحيد نهاية العلم كما قال العلماء ، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد ، والتوحيد هو لب الإسلام بل هو محور رسالات السماء ، ربنا عز وجل يقول :

﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾

[ سورة الأنبياء : 25 ]

 إله واحد خالق كل شيء ، ورب كل شيء ، له الأمر وإليه المصير ، في السماء إلهٌ وفي الأرض إلهٌ ، قال تعالى :

﴿وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾

[ سورة هود : 123]

 هو وحده الجدير أن يعبد فلا يلحد ، وأن يشكر فلا يكفر ، وأن يطاع فلا يعصى ، روى الشيخان البخاري ومسلم عن معاذ بن جبل :

(( عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِي اللَّهم عَنْهم قَالَ : بَيْنَا أَنَا رَدِيفُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ إِلا أَخِرَةُ الرَّحْلِ فَقَالَ : يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ ! قُلْتُ : لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ : يَا مُعَاذُ ! قُلْتُ : لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ : يَا مُعَاذُ ! قُلْتُ : لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ ، قَالَ : هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ ؟ قُلْتُ : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ : يَا مُعَاذُ ابْنَ جَبَلٍ قُلْتُ لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ ، فَقَالَ : هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ إِذَا فَعَلُوهُ قُلْتُ : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ : حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لا يُعَذِّبَهُمْ ))

[ مسلم عن معاذ بن جبل ]

 كأن الله عز وجل أنشأ لعباده حقاً عليه إذا هم عبدوه ألا يعذبهم ، ولا ننسى أن مطلب السلامة والسعادة مطلبان ثابتان لكل إنسان على وجه الأرض ، والتوحيد والعبادة يحققان للإنسان مطلب سلامته وسعادته في الدنيا والآخرة .

لوازم التوحيد :

1 ـ ألا يتخذ الإنسان من دون الله رباً يعظّمه :

 التوحيد أيضاً له سلوك ظاهر على الإنسان ، وهذا السلوك ممكن أن يندرج تحت أمور متعددة ، إذا تحدثنا عن لوازم التوحيد فماذا يمكن أن نشرح ؟
 من أبرز لوازم التوحيد أستاذ عدنان ألا يتخذ الإنسان من دون الله رباً يعظمه كما يعظم الله ، قال تعالى :

﴿قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾

[ سورة الأنعام : 164 ]

 فلو اعتقد أن جهةً غير الله يمكن أن تعطي أو أن تمنع ، يمكن أن تخفض أو أن ترفع ، يمكن أن تعز أو أن تذل مستقلة عن إرادة الله فقد أشرك ، والشرك ذنب لا يغفر ، قال تعالى :

﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً﴾

[ سورة النساء : 48 ]

 لأن المشرك يمشي في طريق مسدود ، قال تعالى :

﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾

[ سورة آل عمران: 26 ]

2 ـ ألا يتخذ الإنسان من دون الله ولياً :

 على هذا يمكن أن يكون من لوازم التوحيد ألا يتخذ الإنسان من دون الله ولياً ، أليس كذلك ؟ هذا شيء صحيح ، فالإنسان حينما يوحد الله عز وجل ينبغي ألا يوالي أحداً إلا الله ، لأن الله ولي الذين آمنوا ، ذلك أن الذين كفروا لا مولى لهم ، ألا يتخذ الإنسان من دون الله ولياً يحبه كحب الله ، قال تعالى :

﴿قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾

[ سورة الأنعام : 14 ]

﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ ﴾

[ سورة فصلت : 30-32]

 نحن خالق الكون ، مبدع السماوات والأرض ، من بيده كل شيء ، من إليه يرجع الأمر كله ، يقول لهذا الإنسان الضعيف : أنا وليك يا عبدي ، إذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان الله عليك فمن معك ؟ يا ربي ماذا فقد من وجدك ؟ وماذا وجد من فقدك ؟ هذا لازم آخر من لوازم التوحيد .

3 ـ ألا يتخذ الإنسان غير الله حكماً يطيعه كما يطيع الله :

 ومن لوازم التوحيد أيضاً ألا يتخذ الإنسان غير الله حكماً يطيعه كما يطيع الله ، قال تعالى :

﴿أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ﴾

[ سورة الأنعام : 114 ]

 أستاذ عدنان هناك نقطة دقيقة جداً ، الله عز وجل من خلال آية سأقرؤها بعد قليل ينفي عن المؤمن الإيمان كلياً إذا احتكم إلى غير الله ، يقول الله عز وجل :

﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُبِيناً﴾

[ سورة الأحزاب : 36 ]

 لأن الإنسان أعقد آلة في الكون ، ولهذا الإنسان خالق عظيم ، وتوجيهات الله في قرآنه الكريم ، وفي سنته سنة نبيه المطهرة هي بمثابة تعليمات الصانع ، والجهة الصانعة هي الجهة الوحيدة التي ينبغي أن تتبع تعليماتها لأنها الجهة الخبيرة ، قال تعالى :

﴿وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ﴾

[ سورة فاطر : 14 ]

 لو أن عندنا آلةً كالحاسوب ، آلة غالية جداً ، لها نفع عظيم ، تقضي لنا حوائجنا الحسابية ، وأصابها خلل ، من منا يدفع هذه الآلة المعقدة إلى بائع خضار طيب نحبه كثيراً ليصلحها لنا ؟ لا يمكن ، لابد من أن ندفعها إلى الخبير ، فالإنسان في تعامله اليومي يبحث عن الخبير لماذا في تعامله مع نفسه ، ومع جسمه ، ومع دنياه ، ومع آخرته ، لا يبحث عن تعليمات الخبير ؟ قال تعالى :

﴿وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ﴾

[ سورة فاطر : 14 ]

 فمن لوازم التوحيد ألا ترجع إلى حكم إلا الله عز وجل .

ثمرات التوحيد :

 الحقيقة كما بينتم من لوازم التوحيد أن الإنسان عندما يتبع هذه اللوازم لاشك أنه سيعطي ثماراً جنيةً واضحةً يحبها الجميع ، وينتفع منها الجميع ، لو تطرقنا إلى ثمرات التوحيد فماذا يمكن أن نقول ؟
 الحقيقة إن الإنسان حينما يؤمن بالله خالقاً هذه حقيقةً حينما يؤمن بها ما فعل شيئاً ، كما لو أن الشمس ساطعة قلت : إن الشمس ساطعة ، أنت ما فعلت شيئاً ، لو قلت خلاف ذلك اتهم عقلك ، أما حينما تقول : إن الشمس ساطعة وهي ساطعة ما فعلت شيئاً ، أما التوحيد فشيء آخر ، التوحيد حينما تتعرف إلى الله ، وتصطلح معه ، وتقيم منهجه في بيتك ، وفي عملك ، تقطف ثماراً يانعة ، ثمار الدين يانعةٌ جداً ، ولكن الإنسان إن لم يقدم الثمن الذي فرضه الله علينا كي يعطينا هذه الثمار يغدو الدين ثقافةً ، يغدو عادات وتقاليد ، يغدو أحياناً فولكلوراً ، وتذهب قيمته الحقيقية ، فحينما نؤدي اللوازم التي أمرنا الله بها ، حينما نؤمن به خالقاً ومربياً ومسيراً ، وحينما نطبق منهجه في بيوتنا وأعمالنا عندئذٍ يسمح الله لنا أن نقطف هذه الثمار .
 التوحيد في الواقع يحرر الإنسان من كل عبودية إلا لربه الواحد الديان ، الذي خلقه فسواه وكرمه ، التوحيد تحرير لعقل الإنسان من الخرافات والأوهام ، التوحيد تحرير لضميره من الخضوع والذل والاستسلام ، التوحيد تحرير لحياته من تسلط الأرباب والمتألهين ، فالتوحيد حرية لا يليق بالإنسان أن يكون لغير الله ، فحينما يوحد الله عز وجل حرر نفسه من كل ألوان الضغوط الأرضية ، وأصبح عبداً لله عز وجل يأتمر بما أمر الله ، وينتهي عما عنه نهى وزجر .
 ومن ثمار التوحيد أيضاً أن التوحيد يعين على تكوّن الشخصية المتزنة قال تعالى :

﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً * إِلَّا الْمُصَلِّينَ ﴾

[ سورة المعارج : 19-22 ]

 هناك نقاط ضعف في شخصية الإنسان أرادها الله لصالح الإنسان ، هذه الآلة المعقدة جداً فيها نقطة ضعف تسمى في التعبير الاصطلاحي ـ فيوز ـ نقطة الضعف هذه في الإنسان لأن الإنسان خلق هلوعاً ، خلقه كثير الجزع ، خلقه كثير الحرص ، خلقه ضعيفاً ، لو أنه خلقه قوياً لاستغنى بقوته فشقي باستغنائه ، خلقه ضعيفاً ليفتقر في ضعفه فيسعد بافتقاره ، فالإنسان عندما يوحد الله عز وجل ما الذي يحصل ؟ تتكون شخصيته المتزنة التي توضحت في الحياة وجهتها ، وتوحدت غايتها ، وتحددت طريقتها ، فليس لها إلا إله واحد تتجه إليه في الخلوة والجلوة ، وتدعوه في السراء والضراء ، وتعمل على ما يرضيه في الصغيرة والكبيرة ، في القرآن الكريم :

﴿ يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ﴾

[ سورة يوسف : 39]

 لو أن موظفاً في شركة علاقته مع عدة أشخاص يكاد يتمزق ، هذا يأمره أن تعال ، هذا يأمره أن اذهب ، هذا يأمره أن اجلس ، هذا يأمره أن يقف ، أما إذا كانت علاقة هذا الموظف مع واحد فيرتاح تماماً ، وهذا هو التوحيد ، أيضاً الله عز وجل يقول :

﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾

[ سورة الزمر : 29 ]

 لذلك من جعل الهموم هماً واحداً كفاه الله الهموم كلها ، اعمل لوجه واحد يكفك الهموم كلها ، لذلك الله عز وجل ما أمرك أن تعبده إلا بعد أن طمأنك أن أمرك كله عائد إليه ، إليه يرجع الأمر كله ، كله توكيد فاعبده وتوكل عليه .

خاتمة وتوديع :

 في ختام هذا اللقاء نشكر الأستاذ محمد راتب النابلسي ، المحاضر في جامعة دمشق كلية التربية ، وخطيب جامع النابلسي ، شكراً لك .

تحميل النص

إخفاء الصور