وضع داكن
19-04-2024
Logo
الخطبة : 0956 - أعذار المقصرين3 .المنافسة وحب الرياسة والعلو - في الغذاء دواء .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى:

 الحمد لله نحمده، ونستعين به، ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته، وإرغاماً لمن جحد  به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله، سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر، أو سمعت أذن بخبر، اللهم صلِّ، وسلم، وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارض عنا وعنهم يا رب العالمين.

أسباب التقصير في العلم والدعوة 3 :

 أيها الإخوة الكرام، في خطبتين سابقتين تحدثت عن أعذار يضعها السالك إلى الله، أو طالب العلم، أو الملتزم لنفسه خطأً، هذه الأعذار والأسباب تقعده عن السير إلى الله عز وجل، وتجعله من المقصرين.

 

  متابعة للخطبتين السابقتين :

 وقد أكدت في الخطبتين السابقتين أن هذه الخطب الثلاث، وهذه الثالثة والأخيرة موجهة إلى طلاب العلم، إلى رواد المساجد، إلى الملتزمين، إلى الدعاة إلى الله عز وجل.
 ونكمل الآن الأسباب المؤدية إلى التقصير في العلم والدعوة:

 

19) التنقل بين البلدان :

 من هذه الثغرات أن طالب العلم عنده رغبة جامحة عمياء في التنقل بين البلدان، وهو لا يدري سلبيات البلد الذي يطمح إليه، بل يلتفت إلى إيجابياته، ولا يدري الإيجابيات التي يعيش فيها، بل يلتفت إلى سلبيات بلده.
 هذه الرغبة الجامحة العمياء في التنقل بين البلدان توقعه في منزلق كبير، ذلك أن البلد الذي ينبغي أن تقيم به هو البلد الذي يمكنك أن تعبد الله فيه، والبلد الذي تستطيع أن تفعل الخيرات فيه، فكم من إنسان هجر بلده، وله دعوة كبيرة في بلده إلى بلد لا يستطيع أن ينطق فيه ببنت شفة، أغراه ما يتوهم من دعة في العيش وحرية في التعبير، ونسي أن بلاداً قد شردت عن الله عز وجل شرود البعير، لا يستطيع أن يأمر فيها بمعروف، ولا أن ينهى فيها عن منكر، لأن المعروف أصبح منكراً، ولأن المنكر أصبح معروفاً.
 أيها الإخوة الكرام، ليس غريباً أن يقول لي أحد المقيمين في بلد، وهو يودعني: أبلغ أهل الشام أن مزابل الشام خير من جنات أستراليا، قلت: لمَ؟ قال: لأن الذي يقيم في بلد مسلم في الأعم الأغلب يكون ابنه مسلم، أما نحن، ونحن في أعلى درجات اليقظة، يمكن أن نفاجأ أن الابن ليس مسلماً، بل يكون ملحداً، وليس مستقيماً، بل منحرفاً أشد الانحراف.
 أيها الإخوة الكرام، من توفيق الله للإنسان أنه إذا أراد أن يقدم على عمل تبصَّر في عاقبته، فقد تأتي على من ترك بلده المسلم حيث يستطيع أن يقيم أمر الله، وحيث يستطيع أن يعمل الصالحات إلى بلد أغرته فيه مظاهر الحياة الراقية، تأتي عليه ساعة يتمنى فيه أن يكون تراباً.
 أيها الإخوة الكرام، الحقيقة أن الإنسان ينبغي أن يعرف هويته، وأن يعرف أهدافه، وأن يعرف ما يناسبه من بيئات، ومن مجتمعات، ومن معطيات، فالصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه يقول: لأن أرابط ليلةً في سبيل الله أحبّ إليّ من أن أقوم ليلة القدر عند الحجر الأسود.
 أنت الأصل، وليس المكان هو الأصل، المكان الذي يسمح لك أن تقيم أمر الله فيه، المكان الذي يسمح لك أن تعمل الصالحات، هو المكان الذي يناسبك، ولو كثرت سلبياته، والمكان الذي تطمح إليه إن منعك من عبادة الله، ومنعك من إقامة أمر الله عز وجل، وكبل يديك في الدعوة إليه، هذا المكان ينبغي أن تغادره، وكنت أقول: البلد جنة على الشبكية، أما إذا ذهبت إلى منطقة الإدراك في الدماغ فتراه جهنم، وبئس المصير.
 أيها الإخوة الكرام، كتب بعض العلماء إلى من يستنصحه: إن الأرض لا تقدس أحداً، إنما يقدس العبد عمله.
 قد تنتقل إلى بلد مقدس فتكبل يداك، فلا تستطيع أن تعمل شيئاً، وقد يكون لك عمل في بلدك، فالانتقال من بلد إلى بلد انتقال أساسه الرغبة العمياء غير المتبصرة، هذا منزلق كبير لطلاب العلم.
 أحد إخواننا الكرام سافر إلى بلد غربي، والتقى بداعية كان في بلده له شأن كبير، قال له: ارتكبت أخطاء، أبعدت عن بلدي، وكم كنت أتمنى أن أبقى في بلدي، وأن أكون على دعوة كبيرة إلى الله ورسوله.
 أيها الإخوة الكرام، البند الأول في هذه الخطبة: الرغبة الجامحة العمياء غير المتبصرة التي تتعامى عن سلبيات البلد الذي تطمح إليه، وعن إيجابيات البلد الذي أنت مقيم فيه، هذه رغبة ليست في صالح من يعمل في الدعوة، ولا من يعمل في الحقل الديني.

 

20) التقاعس بسبب المعصية :

 أيها الإخوة الكرام، منزلق آخر يقع فيه طلاب العلم: لو أن طالب علم زلت قدمه في مخالفة، أو معصية، ماذا يفعل الشيطان معه؟ يستثمر هذه المعصية إلى أبعد الحدود، يأتيه وخز يومي: كيف تدعو إلى الله، وأنت وقعت في هذه المعصية؟ فلا يزال به حتى يقعده عن العمل، ويشل قدرته، ويبعده عن العمل الصالح.
 أيها الإخوة الكرام، طالب العلم هذا نسي أن الحسنات يذهبن السيئات، وأن باب التوبة مفتوح، وأن الله عز وجل يحب التوابين، ويحب المتطهرين، وأن الذي يتوب إلى الله كمن لا ذنب له.

 

21) المنافسة بين الأقران :

 منزلق آخر أيها الإخوة الكرام، يقع فيه طلاب العلم، وهو المنافسة بين الأقران، المنافسة في الأصل مشروعة إن كانت في أمر الآخرة، ولكنها مذمومة إن كانت في أمر الدنيا، وجزء ممن يعمل في حقل الدعوة يقع في منزلق حب الرئاسة، وحب أن يكون متصدراً في المجالس، فالمنافسة بين الأقران أحد منزلقات طلاب العلم، فإذا رأيت أن قرينك قد فاقك في العلم، أو في العمل تعاظم ذلك في نفسك، وكرهت أن تمشي معه في طريق واحد، واعتزلت الحقل الديني، وقبعت في بيتك لئلا توازن معه، وهذا منزلق كبير من منزلقات الشيطان.

 

22) حب الرياسة والعلو :

 أيها الإخوة الكرام، إن الشيطان ذكي، يعرف كيف يصطاد فريسته، قد يحب الإنسان المكانة والعلو في الأرض، فيأتيه من هذا الباب.
 أيها الإخوة الكرام، هذا الذي يعاون دون أن تكون الأضواء مسلطة عليه، قد يرقى عند الله رقياً يسبق من وضع نفسه في الظل من أجله، الله عز وجل رب النيات، فإذا أردت أن تترقى إلى الله عز وجل فاعمل لله، ولا يهمنك في أي موقع أنت، العبرة أن تكون مخلصاً لله، عاملاً في مجال مرضاة الله عز وجل.
 أيها الإخوة الكرام، يقول عليه الصلاة والسلام في هذا الموطن:
 عن كعب بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم:

(( مَا ذئبان جَائِعَانِ أُرسِلاَ في غَنَمٍ، بأفسَدَ لها مِنْ حِرصِ المرء على المال والشَّرَف لدينهِ ))

[ حديث صحيح، أخرجه الترمذي ]

 أكبر شيء يهدم دين الإنسان حرصه على المال وحرصه على المكانة والشرف.
 وقال بعض العلماء: ما أحب أحد الرئاسة إلا أحب ذكر الناس بالنقص.
 هناك نموذج من البشر أينما جلس ينتقص الآخرين، رغبته أن يكون متفرداً، وأن يكون عالياً في الأرض، يدعوه ذلك إلى انتقاص ما عند الآخرين.
 ما أحب أحد الرئاسة إلا أحب ذكر الناس بالنقائص والعيوب، ليتميز هو بالكمال، ويكره أن يذكر الناس أحداً عنده بخير، يتألم، يتغير لونه إذا قيل: فلان ورع، فلان عالم، فلان داعية، ويكره أن يذكر الناس أحداً عنده بخير.
ومن عشق الرئاسة فقد تودع من صلاحه، وعشق الرئاسة هو حب الظهور، وأن يكون في مكان يتصدر فيه المجلس.
 قال عبيد الله بن الحسن: لأن أكون ذنباً في الحق، أحب إلي من أن أكون رأساً في الباطل.

23) اللهو بعمل دنيوي :

 شيء آخر، من منزلقات السير إلى الله عز وجل هناك عمل علمي، أو بناء بيت، أو تأسيس شركة... فهذا العمل يأكل وقته كله، وينسى دعوته، وينسى عمله الصالح، وينسى سر وجوده وغاية وجوده، فلذلك:
عن أسلم أبي عمران رحمه الله، قال:

(( كُنَّا بمدينةِ الرُّوم، فأخرجوا إلينا صَفّاً عظيماً من الرومِ، فَخَرَجَ إليهم مِِن المسلمينَ مِثْلُهم أو أكثرُ، وعلى أهلِ مِصر: عُقْبةُ بن عامرٍ، وعلى الجماعة: فضالة بن عبيد، فحملَ رجل من المسلمين على صفِّ الرُّوم، حتَّى دخل فِيهم، فصاحَ النَّاسُ، وقالوا: سُبْحانَ الله، يُلْقِي بِيَدِهِ إِلى التهْلُكةِ، فقام أبو أيُّوب الأنصاري، فقال: يا أيها النَّاس، إنكم لتؤوِّلونَ هذه الآية هذا التأويلَ؟ وإنما نزَلتْ هذه الآية فينا، معشر الأنصار، لما أعزَّ اللهُ الإسلامَ، وكثر ناصروه، فقال بعضنا لبعض سراً، دون رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ أموالنا قد ضاعت، وإن اللَّهَ قد أعز الإسلامَ، وكثر ناصروه فلو أقمنا في أموالنا، فأصلحنا ما ضاع منها، فأنزل الله، تبارك وتعالى، على نبيه، يردُّ علينا ما قلنا:

﴿ وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾

(سورة البقرة: الآية 195)

 وكانت التهلكة: الإقامةُ على الأموال وإصلاحُها، وترْكُنا الغزوَ، فما زال أبو أيوب شاخصاً في سبيل الله، حتى دفن بأرض الرُّومِ ))

[ حديث أخرجه الترمذي بإسناد صحيح ]

 أيها الإخوة الكرام، التفرغ لعمل، إنشاء منزل، مشروع زواج، تأسيس شركة، هذا عمل مباح ومشروع، لكن دون أن يلغي عملك الصالح، ودون أن يلغي سيرك إلى الله عز وجل.

24) تأثير الظروف الطارئة :

 أحياناً أيها الإخوة الكرام، من منزلقات طريق طلاب العلم، أنه بسبب ظروف طارئة وأحوال عصيبة، وظرف دقيق، وهجمة شرسة، نوقف العمل الدعوي، وننتظر تجلية الأمور، ومن يوم إلى يوم، ومن شهر إلى شهر، ومن عام إلى عام، يتجمد العمل الدعوي، ويتجمد نشاط هؤلاء الذين يبتغون وجه الله عز وجل، هذا منزلق آخر من منزلقات طريق طلاب العلم، ماذا يأمل؟ أن تكشف الغمة، وأن تزاح الشدة، وأن يتلاشى الباطل، وهذا في الحقيقة كسل وخمول ونوم.
 هل جلس أبو بكر رضي الله عنه، وعمر رضي الله عنه، وغيرهم من الصحابة ينتظرون كشف الغمة، أم قاموا على قدم وساق حتى كشفوها بسعيهم وعملهم، وإخلاصهم وصدقهم؟
 ترك العمل نوع من الهروب، ونوع من الكسل، ونوع من الخمول.
 كثير من الناس إذا رأى المنكر أو تغير كثير من أحوال الإسلام جزع، وصار ينوح كما ينوح أهل المصائب، وهو منهي عن هذا، بل مأمور بالصبر والتوكل والثبات على دين الله، وأن يؤمن بأن الله مع الذين اتقوا، والذين هم محسنون، وأن العاقبة للتقوى، وأن ما يصيبه هو بذنوبه، فليصبر، وإن وعد الله، وليستغفر لذنبه:

 

 عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: إِنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

(( بَدَأَ الإِسلامُ غريباً، وسَيَعُودُ غريباً كما بدَأَ، فطُوبَى للغرباءِ ))

[ حديث صحيح، أَخرجه مسلم ]

 ويقول الله عز وجل:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ﴾

(سورة المائدة: الآية 54)

 لعل هذه الموضوعات نحن في ظرف مناسب جداً أن نذكرها، شدة ما بعدها شدة، وضيق ما بعده ضيق، وهجمة ما بعدها هجمة على دين الإسلام، وعلى المسلمين، وعلى كتاب المسلمين، وعلى نبي المسلمين، فلا بد أن نظهر لله عز وجل ثقتنا به، وإخلاصنا له، وتوكلنا عليه، وثباتنا على الحق.
 أيها الإخوة الكرام، لا تجد في كتاب الله حالة اسمها الوقوف، تجد كما قال تعالى:

﴿ إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ (*)نَذِيراً لِلْبَشَرِ (*)لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ ﴾

(سورة المدثر: 35- 37)

 هناك تقدم نحو طاعة الله، ونحو الجنة، وهناك تأخر عن طاعة الله، وعن الجنة، لكن ما في القرآن وقوف وتجميد للوضع، لا بد من حركة، الإسلام دين حركي، فإما أن يكون التحرك نحو طريق الله، ونحو الجنة، ونحو مرضاته، وإما أن يكون التحرك أو الوقوف هو حركة سلبية نحو الطرف المعاكس.
 لو كنت تمشي مع الناس، وتوقفت هذا ليس توقفاً، هذا تراجع، لأن الناس سائرون، أنت بهذا مع أنك تتوهم أنك واقف أنت تتراجع، لأن الركب يسير.
 أيها الإخوة الكرام، حالة اسمها التوقف، ليست موجودة في الإسلام، هناك حركة، إما إلى الله ورسوله، وإلى الجنة، أو إلى المعصية وجهنم، تتصور حالك تتجمد، من لم يكن في زيادة فهو في نقصان، والمغبون من تساوى يوماه.

25) الخوف على المكانة والمنصب :

 أيها الإخوة الكرام، أحياناً الإنسان يكون في مركز مرموق، وفي وظيفة راقية، فيخشى على وظيفته، أو على جاهه، أو على مركزه، أو على دخله، فيبتعد عن العمل، ويسول الشيطان له أن هذه الفترة محدودة تنتهي وتعود إلى ما كنت عليه، وإذا بهذه الفترة تمتد إلى ما شاء الله.
 عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( لا يمنعن أحدكم رهبة الناس أن يقول بحق إذا رآه، ويذكر بعظيم، فإنه لا يقرب من أجل، ولا يباعد من رزق أن يقول بحق أو يُذكِّر بعظيم ))

[ حديث رواه الطبراني في الأوسط ]

 الدعوة إلى الله لا تقف، وكلمة الحق لا تقطع رزقاً، ولا تقرب أجلاً، قضية الخوف على منصب أو على دخل، أو على شركة أو على مكانة، أو على مكتسبات، وأن نصمت، وأن ندع قول الحق، هذا نوع من الشرك، ونوع من الخوف من غير الله عز وجل.

26) تغيير القناعات بغير دليل :

 أيها الإخوة الكرام، هناك موقف دقيق جداً، وهو أن الشيطان يلقي الشبهات في قلب طالب العلم، وبخاصة في وقت الفتن، فيبدأ في مراجعة حساباته لا لتقويمها، وسد ثغراتها، لا، إنما ليبدل قناعاته من غير دليل صحيح، فكرة دقيقة جداً، حينما يرى أن الأقوياء على كفرهم وإباحيتهم لهم الكلمة الأولى في المجتمع، فتضعف ثقته بدينه، تضعف ثقته بقناعاته، يحاول أن يبدل قناعاته من غير دليل، والآن حتى من الدعاة أنفسهم من يدعو إلى الخلاص، لا عن طريق طاعة الله عز وجل، لا عن طريق الاستسلام لأمره، لا عن طريق الإقبال عليه، بل عن طريق الأساليب التي قوي بها الأقوياء، وكأن هذا الدين لم يقدم شيئاً للأمة.
 المشكلة أنه في الظروف العصيبة، وفي وقت الفتن، وفي الهجمة الشرسة على الدين يراجع بعض طلاب العلم حساباتهم، لا لتقويمها، وسد ثغراتها، بل لتبديل قناعاتهم من غير دليل صحيح.
 لذلك يقول حذيفة بن اليمان رضي الله عنه حينما قال له أبو مسعود الأنصاري رضي الله عنه: أوصني، قال:
 إن الضلالة حق الضلالة: أن تعرف ما كنت تنكر، وأن تنكر ما كنت تعرف، وإياك والتلون في الدين، فإن دين الله واحد.
 شيء منكر رأيته معقولاً، ليس منكراً، وصرت تقول: هكذا الحياة، هكذا الدنيا، هكذا الأمم والشعوب، فما كان منكراً في دينك رأيته معروفاً، وما كان معروفاً في دينك تدعمه الآيات والأحاديث الصحيحة، رأيته منكراً فتخليت عنه، هذا منزلق في الدين كبير جداً، أن تنكر معروفاً، أو أن تعرف منكراً بحكم الظروف والفتن والضيق والشدائد، حينما تتغير قناعاتك بلا دليل هذا منزلق كبير عند طلاب العلم.
 يقول عدي بن حاتم رضي الله عنه: إنكم لن تزالوا بخير ما لم تعرفوا ما كنتم تنكرون، وتنكروا ما كنتم تعرفون، وما دام عالمكم يتكلم بينكم غير خائف.
 هذا سبيل النجاة، هذا الذي جاء به الوحيان: الكتاب والسنة هو الحق الخالص، هو الحق الصريح، ولا يمكن أن يتبدل، أو يتغير مع كثرة الفتن، وكثرة الضلالات، والأطروحات التي تتناقض مع الكتاب والسنة.
 وقال بعض العلماء: التلون في الدين من شك القلوب في الله عز وجل.
 وقال مالك: التلون في الدين هو الداء العضال.

 

27) السآمة والملل :

 أيها الإخوة، مطب آخر، وسبب آخر يدعو إلى ترك العمل، يتمثل في رجل كابد، وجاهد نفسه فتعب ومل، وترك العمل، قال تعالى:

﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَاماً ﴾

(سورة العنكبوت: الآية 14)

 ألف سنة إلا خمسين عاماً يدعو إلى الله، أيها الإخوة، يقول بعض العلماء: جاهدت نفسي أربعين سنة حتى استقامت.
 ويقول آخر: كابدت الصلاة عشرين سنة، وتنعمت بها عشرين أخرى.
 يقول بعضهم: صحبت الربيع عشرين عاماً ما سمعت منه كلمةً تعاب.
 ويقول ربيعة بن يزيد: ما أذن المؤذن لصلاة الظهر منذ أربعين سنة إلا، وأنا في المسجد إلا أن أكون مريضاً أو مسافراً.
 أيها الإخوة الكرام، الثبات على المبدأ والثبات على الطاعة والثبات على العبادة، مغنم كبير على كل مسلم أن يصل إليه، يقول بعض العلماء عن الإمام أحمد: صحبته عشرين سنة صيفاً وشتاءً، وحراً وبرداً، وليلاً ونهاراً، فما لقيته في يوم إلا وهو زائد عما كان عليه في الأمس.
 يقول بعضهم أيضاً: إني لأجد من حرصي على العلم، وأنا في عشر الثمانين أشد مما كنت أجده وأنا ابن عشرين سنة.
 وهو في الثمانين حريص على طلب العلم أشد من حرصه عليه وهو في العشرين.
 أيها الإخوة، هذا طريق الإيمان، تعب فيه آدم، وناح لأجله نوح، ورمي في النار الخليل، واضطجع للذبح إسماعيل، وبيع يوسف بثمن بخس، ولبث في السجن بضع سنين، وقاسى الضر أيوب، وزاد على المقدار بكاء داود، وعالج الفقر وأنواع الأذى محمد صلى الله عليه وسلم:
 عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(( لقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد، ولقد أخفت في الله وما يخاف أحد، ولقد أتت علي ثلاث من بين يوم وليلة، ومالي طعام إلا ما واراه إبط بلال ))

[ حديث صحيح، أخرجه الترمذي ]

 أنت في طريق الجنة، أنت في طريق الفوز العظيم، قال تعالى:

﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾

(سورة الأحزاب: الآية 71)

﴿ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾

(سورة آل عمران: الآية 185)

28) تزكية النفس :

 شيء آخر، منزلق آخر، يقول بعض طلاب العلم: الحمد لله، أنا من الأخيار، وليس عندي معاصٍ، وليس كل الناس دعاة إلى الله، هذه تزكية، قال تعالى:

﴿ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ ﴾

(سورة النجم: الآية 32)

 هؤلاء الذين يزكون أنفسهم عاب الله عليهم هذه التزكية، قال تعالى:

﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ ﴾

(سورة النساء: الآية 49)

 أيها الإخوة، يقول بعض العلماء الكبار: ليس الدين ترك المحرمات الظاهرة، بل القيام بالأوامر المحبوبة.
 فالذي لا يعبأ بالأعمال الصالحة، ولا بالأمر بالمعروف، ولا بالنهي عن المنكر، ولا بالنصيحة لله ورسوله وكتابه، فهذه الواجبات الأساسية في الدين لا تخطر لهم على بال، فليس هذا متديناً، لذلك ترك المحرمات ليس بطولة، هذا شأن معظم المسلمين، ولكن البطولة في الأعمال الإيجابية لا يكن دينك كلمة لا، وانظر ماذا قدمت؟ تقول:أنا لا أغتاب، أنا لا أسرق، أنا لا أقتل، هذه بديهيات، لأن الله عز وجل قال:

﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾

(سورة الملك: الآية 2)

 المفروض بداهة ألاّ تعصي الله عز وجل، لكن الامتحان من هو السباق؟ من الفائز؟ من المتفوق؟
 أيها الإخوة الكرام، حينما يقول الله عز وجل:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ﴾

(سورة المائدة: الآية 105)

 من أدق معاني هذه الآية أن المؤمن لا يخاف من الطرف الآخر، فإنهم لن يضروه إذا كان مهتدياً، هذا أول معنى، لا يضركم من ضل إذا اهتديتم: أي لا يستطيع الضال أن يضركم، لا تخف من غير الله، قال تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ﴾

(سورة المائدة: الآية 105)

 يعني ألزموا أنفسكم الطاعة، ارتقوا بها إلى طاعة الله، احملوها على طاعة الله، احملوها على القرب منه، ولا تخشوا في الله لومة لائم.
 المعنى الثاني: ألا تجزع على هؤلاء الشاردين، لأن الله عز وجل يقول:

﴿ وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ ﴾

(سورة النحل: الآية 127)

﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ ﴾

(سورة الأنفال: الآية 36)

 شيء آخر، معنى هذه الآية ألاّ يركن الإنسان إلى الذين ظلموا، وألا يمد عينيه إلى ما أوتوا من سلطان ومال وشهوات، قال تعالى:

﴿ لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ ﴾

(سورة الحجر: الآية 88)

 شيء آخر، ألا يعتدي على أهل المعاصي بزيادة على المشروع، قال تعالى:

﴿ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾

(سورة المائدة: الآية 8)

 وأن يقوم المؤمن بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الوجه المشروع من العلم والرفق، والصبر وحسن القصد، وسلوك السبيل المعتدل، فإن الله عز وجل يقول:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ﴾

(سورة المائدة: 105)

29) اختلال المقاييس :

 أيها الإخوة الكرام، شيء آخر، أن تستوعب الباطل، هذا شيء مستحيل، العمر لا يكفي لاستيعاب الباطل، استوعب الحق وكفى، الحق هو المقياس.
 لو أن الإنسان عاش مئات الأعوام، لا يستطيع أن يستوعب بعض الباطل، أما الحق فيستوعب في عمر محدود، فلذلك اختر الحق، واستوعبه، واجعله مقياساً، ولا تضيع عمرك الثمين في استيعاب الباطل.
 أيها الإخوة الكرام، هناك طلاب علم يركزون على شريحة في المجتمع معينة، هذه الشريحة قد تخيب ظنهم، الإسلام لكل الناس، لكل الطبقات، لكل الشرائح، للمثقفين ولغير المثقفين، للأغنياء وللفقراء، للمتحضرين وغير المتحضرين، الإسلام لكل الناس قال تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ ﴾

(سورة البقرة: 21)

 فلذلك طالب العلم عليه أن يهتم بكل الناس أما إذا اهتم بشريحة، وخيبت ظنه أوقعته في الإحباط.

 عن حارثة بن وهب رضي الله عنه، سمعَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول:

(( ألا أخبِركم بأهل الجنة؟ كلُّ ضعيف مُتَضَعِّف، لو أقسم على الله لأبره، ألا أُخّبركم بأهل النار؟ كل عُتُل جوَّاظ مستكبر ))

[ حديث صحيح، أخرجه البخاري ومسلم ]

 عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(( إنَّهُ لَيَأْتِي الرَّجُلُ الْعَظِيمُ السَّمِينُ يومَ القيامة، لا يَزِنُ عِنْدَ اللّه جَناحَ بَعُوضةٍ ))

[ من حديث صحيح، أخرجه البخاري ومسلم ]

 وعن سهل بن سعد رضي الله عنه، قال:

(( مَرَّ رجل على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فقال لرجل عندهُ جالِس: ما رأيك في هذا؟ فقال: رجل من أشْرافِ النَّاسِ، هذا واللهِ حَرِيّ إن خَطَبَ أن يُنكَحَ، وإن شَفَع أن يُشفَّعَ، قال: فسكت رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، ثم مَرَّ رجل، فقال له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ما رأيكَ في هذا؟ فقال: يا رسول الله، هذا رجل من فُقَراءِ المسلمين، هذا حَرِيّ إن خطب أنْ لا يُنكح، وإن شَفَعَ أن لا يُشَفَّعَ، وإن قال أن لا يُسْمَعَ لقوله، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: هذا خير من مِلءِ الأرض مِثلِ هذا ))

[ حديث صحيح، أخرجه البخاري ومسلم ]

 العبرة أن تعتمد مقاييس الله عز وجل لا مقاييس الدنيا.

30) اعتزال الناس :

 أيها الإخوة، هذا الذي يرى كثرة الفساد، وانتشار الشر، واستحكام كثير من الأقوياء، فيرى أن الأفضل اعتزال الناس، وتركهم، والعزلة سهلة جداً، لكن لا تأتي بخير، البطولة أن تكون مع الناس، الأنبياء كانوا مع الناس.
 خرج رجال من الكوفة، ونزلوا قريباً يتعبدون، فبلغ ذلك عبد الله بن مسعود، فأتاهم، ففرحوا بمجيئه، فقال لهم: ما حملكم على ما صنعتم؟ قالوا: أحببنا أن نخرج من غمار الناس نتعبد، فقال عبد الله: لو أن الناس فعلوا مثل ما فعلتم فمن كان يقاتل العدو؟ ما أنا ببارح حتى ترجعوا.
 الانسحاب من المجتمع والاعتزال سهل جداً، لكن هذا العمل يلغي عملك الصالح، فالبطولة أن تعيش مع الناس، أن تعيش هموم الناس، أن تعيش ما عند الناس من أوهام، وأن تجليها لهم، أن تعيش محنة الناس، أن تسهم في تخفيف الألم عن الناس.
 يقول بعض العلماء: الزهاد المعتزلون في مقام الخفافيش، قد دفنوا أنفسهم بالعزلة عن الناس، وهي حالة حسنة، إن لم تمنع من خير، ومن جماعة، واتباع جنازة، وعيادة مريض، إلا أنها حالة الجبناء، فأما الشجعان فهم يتعلمون، ويعلمون، وهذه مقامات الأنبياء.
 حينما تعتزل المجتمع يلغى عملك، الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم في حدود ما تعرف، ومع من تعرف فقط، والأدلة كثيرة، قال تعالى:

﴿ وَالْعَصْرِ (*)إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (*)إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾

(سورة العصر)

 بل إن الدعوة إلى الله في هذه الأزمان تشتد قيمتها، لكثرة الضلالات والشبهات والطروحات، والفتن والأهواء، والشهوات المستعرة، لذلك كل مسلم عليه أن يكون داعية إلى الله، الحد الأدنى الأدنى أن تكون داعية إلى الله بعملك، استقامتك، صدقك، أمانتك، عفتك، دعوة إلى الله عملية، وقد نحتاج أحياناً إلى الدعوة الصامتة.
 شيء آخر أيها الإخوة الكرام، الدعوة إلى الله لا يمكن أن يحتكرها أحد، ولا فئة، ولا جماعة، ولا طائفة، ولا فترة معينة، ولا مكان، ولا مصر، هي كالهواء للناس، فكل من أكرمه الله بشيء من العلم عليه أن ينقله للآخرين، بلغوا عني ولو آية، والشيء الدقيق جداً:

 عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

(( بادروا بالأعمال فِتناً كَقِطَع الليْلِ المظلم، يُصبحُ الرجلُ مؤمِناً ويُمْسِي كافِراً، ويُمسِي مُؤمِناً ويُصبْحُ كافِراً، يَبيعُ دِينَهُ بِعَرَضِ من الدُّنْيا ))

[ حديث صحيح، أخرجه مسلم والترمذي ]

 والحديث الآخر:

(( بادِرُوا بالأعمال سبعاً: هل تُنْظَرون إلا فَقْراً مُنْسياً، أو غِنىً مُطغياً، أو مَرَضاً مُفسِداً، أو هَرَماً مُفنِداً، أو موتاً مُجْهِزاً، والدجالَ؟ والدَّجَّالُ شَرُّ غائب يُنَتظَرُ، والساعةَ؟ والساعةُ أدْهَى وأمرُّ ))

[ حديث أخرجه الترمذي بإسناد ضعيف ]

 أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم، فيا فوز المستغفرين.

* * *

الخطبة الثانية :

 الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سينا محمد عبده ورسوله، صاحب الخلق العظيم، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

في الغذاء دواء :

 أيها الإخوة الكرام، في مؤتمر الإعجاز العلمي السابع الذي عقد في دبي بحث دقيق، مفاده أن المرض الشائع بين الناس هو التهاب المفاصل الحاد، والمتخصصون في هذا المرض قلة في العالم كله، لذلك ورد في بعض  محاضرات هذا المؤتمر: أن قشر الرمان له مفعول في تخفيف الأورام، أورام المفاصل، وفي إزالة الالتهابات، لا يقل عن الأدوية التي توصل العلم إليها، لذلك قالوا: خير الدواء ما كان غذاء، وخير الغذاء ما كان دواءً، الله عز وجل أودع في هذه الفواكه التي خلقها لنا فوائد علاجية، ووقائية، قد تغيب عن معظم الناس.

 الطب في أربع كلمات :

 أيها الإخوة الكرام، لو أن الإنسان أكل كل شيء، وأكل باعتدال، ثم بذل مجهوداً، ووحّد الله عز وجل، وفي التوحيد راحة نفسية، قال تعالى:

 

﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ ﴾

(سورة الشعراء: 213)

 لو فعل ذلك، لعاش حياة هانئة رضية.
 وإني أرى، في هذه الكلمات الأربع الطب كله، كلْ كلّ شيء لأن كل شيء له دواء وغذاء ووقاية، من عظمة خلق ربنا عز وجل أنه خلق في الأشياء خاصة غذائية، وخاصة وقائية، وخاصة علاجية، فكُلْ كلّ شيء وكل باعتدال، وابذل مجهوداً، ثم توكل على الله، ووحده لئلا تقع في شدة نفسية، فالشدة النفسية قد تكون قاتلة، قال تعالى:

 

﴿ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾

(سورة آل عمران: 119)

 الشدة النفسية قد تسبب جلطة مفاجئة، قد تسبب خثرة بالدماغ، قد تسبب شللاً، قد تسبب ورماً خبيثاً، قال تعالى:

﴿ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾

(سورة آل عمران: 119)

 فلو أننا أكلنا كل شيء، وأكلنا باعتدال، وبذلنا جهداً، ووحدنا الله عز وجل، ورأينا أن أمرنا بيده وحده، قال تعالى:

﴿ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (*)إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾

(سورة هود: 55-56)

الدعاء :

 اللهم ارحمنا فإنك بنا رحيم، ولا تعذبنا فإنك علينا قادر، والطف بنا فيما جرت به المقادير إنك على كل شيء قدير.
 اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق، ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت، نستغفرك ونتوب إليك.
 اللهم اهدنا لصالح الأعمال، لا يهدي لصالحها إلا أنت، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين.
 اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك.
 وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور