وضع داكن
29-03-2024
Logo
الخطبة : 0949 - البيت المسلم2 ، وسائل إصلاح البيوت2. تعلّم الأحكام الشرعية - زلزال تسونامي .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى:

الحمد لله نحمده، ونستعين به، ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته، وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله، سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر، أو سمعت أذن بخبر، اللهم صلِ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين.
اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

وسائل إصلاح البيوت 2 :

أيها الإخوة الكرام، نتابع الموضوع حول البيت المسلم، وقد ذكرت في الخطبة السابقة أن الأمة بمجموعها تتألف من بيوت، فإن صلحت البيوت صلحت الأمة، وذكرت نصائح عشر لصلاح البيت المسلم، وهاأنذا أتابع هذا الموضوع.

11) دعوة الصالحين لزيارة البيت :

انطلاقاً من قوله تعالى:

﴿ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَاراً ﴾

(سورة نوح: الآية 28)

أيها الإخوة الكرام، يتضح من هذه الآية أنه ينبغي ألا تصاحب إلا مؤمناً، وينبغي ألا يأكل طعامك إلا تقي، إذاً حينما تدعو الصالحين، ممن تثق بعلمهم، ممن تثق بورعهم، ممن تثق بصحة توجيههم، فتستمع إلى ما في هذا الدين العظيم من حقائق، من عقائد، من بطولات، من نماذج، وحينما تنقل الصوت إلى أهل بيتك فيستمعون معك يكون هذا البيت مباركًا.
أيها الإخوة، هذا الذي يضفي على البيت ما يسميه الناس بالنور، بيت منوَّر، بيت مبارك بيت تتلى فيه آيات القرآن الكريم، بيت تشرح فيه حقائق الدين، بيت يدخله الأخيار الأطهار من طلاب العلم.
فيا أيها الإخوة، حينما يؤم البيت أهل العلم والأخيار، وطلاب العلم والأطهار، فالله سبحانه وتعالى يبارك أهل هذا البيت، هذه نصيحة تأتي ضمن ما ينبغي أن نفعله في بيوتنا.

12) تعلّم الأحكام الشرعية للبيوت :

من هذه الأحكام الشرعية: 

1- تخصيص مكان للصلاة :

أن يكون في البيت مكان للصلاة، فقد قال عليه الصلاة والسلام: 

(( أفضلَ صلاةِ المرءِ في بيته، إِلا المكتوبةَ ))

[ من حديث صحيح، أخرجه البخاري ومسلم ]

وقد ورد في الأثر أن: تطوع الرجل في بيته، يزيد عن تطوعه عند الناس.

يعني إذا صليت صلاة نافلة، هي في بيتك يزيد ثوابها على صلاة التطوع بين الناس، كفضل صلاة الرجل في جماعة على صلاته وحده، فالفريضة إذا صليتها في جماعة يرتفع أجرها، والنافلة إذا صليتها في بيتك يرتفع أجرها.
أول حكم متعلق في البيت أن تصلي فيه النوافل أنت وأهلك.

2- إمامة صاحب البيت في بيته :

من الأحكام الشرعية في البيت ألا يؤم غير صاحب البيت في بيته، فصاحب البيت أولى أن يصلي بمن في البيت، لقول النبي عليه الصلاة والسلام:

(( لا يُؤمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ في سُلطانِهِ، ولا يقعدْ في بيته على تَكْرِمَتِهِ إلا بِإِذنه ))

[ من حديث صحيح، أخرجه مسلم ]

كمثال: مكتب لصاحب البيت، ووراء المكتب كرسي، ينبغي ألا تجلس في مكان صاحب البيت، هذا من آداب النبوة التي وردت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

3- الاستئذان :

من أحكام البيوت الاستئذان، قال تعالى:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (*)فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَداً فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾

(سورة النور27-28)

لو أن إنساناً اتصل اتصالاً هاتفياً ليزور صديقاً له، أو أخاً له، فكان هذا الصديق أو الأخ على موعد مهم، فاعتذر، لماذا الغضب؟ والله عز وجل يقول:

﴿ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا ﴾

(سورة النور: الآية 28)

الآية تقول: إذا وصلت إلى البيت، ولم يؤذن لك فارجع، فكيف إذا اتصلت هاتفياً، وأنت في البيت؟ إذاً من أدب دخول البيوت أن تكون بعد استئذان لأصحابها، فلعل هناك مشكلة، لعل هناك مرضاً، لعل هناك حاجةً، لعل هناك موعداً مهماً. 

4- عدم الاستئذان في بعض الأماكن :

من أحكام البيوت: جواز دخول البيوت التي ليس فيها أحد بغير استئذان، إذا كان للداخل فيها متاع، كالبيت المعد للضيافة، تدخل أنت إلى الفندق من دون استئذان، لأن هذا الفندق قد أعد لضيافة المسافرين، قال تعالى:

﴿ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ ﴾

(سورة النور: الآية 29) 

5- الأكل بلا حرج في بعض البيوت :

من آداب البيوت عدم التحرج في الأكل من بيوت الأقرباء والأصدقاء، وما ملك المرء مفاتيحه من بيوت الأقرباء والأصدقاء، إذا كانوا لا يكرهون ذلك، قال تعالى:

﴿ لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتَاتاً ﴾

(سورة النور: الآية 61)

يعني قد يكون صاحب البيت في أسعد حالاته حينما تأكل من بيته، إذاً الامتناع عن الأكل في بيوت الأقرباء والأصدقاء والإخوة الكرام، هذا نوع من الجفاء.

6- استئذان الأطفال على الأبوين :

من آداب البيوت أيها الإخوة، أن تأمر الأطفال بعدم اقتحام غرف نوم الأبوين بغير استئذان في أوقات النوم المعتادة، قبل صلاة الفجر، ووقت القيلولة، وبعد صلاة العشاء، خشية أن تقع أعينهم على ما لا يناسب، ولو رأوا شيئاً عرضاً في غير هذه الأوقات فيغتفر، لأنهم من الطوافين الذين يشق منعهم، قال تعالى: 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾

(سورة النور: الآية 58) 

7- تحريم الاطلاع على البيوت :

هذا أيضاً من أدب البيوت، تحريم الاطلاع على بيوت الآخرين بغير إذنهم، قال عليه الصلاة والسلام: 

(( من اطّلع في بيت قوم بغير إذنهم ، فَفَقَؤوا عينه، فلا دِيَةَ له ولا قصاص ))

[ من حديث صحيح، أخرجه النسائي ]

القصد أنه محرم أشد التحريم أن تنظر إلى بيوت الآخرين.

8- عدم إخراج المرأة المطلقة :

شيء آخر، يقول الله عز وجل:

﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً ﴾

(سورة الطلاق: الآية 1)

أي عدم إخراج المرأة المطلقة طلاقاً رجعياً من البيت، هذا أيضاً من أحكام البيوت الشرعية.

9- عدم البيات وحيداً في البيت :

أيها الإخوة، ألا يبيت المرء وحيداً في البيت، هذا من توجيه النبي عليه الصلاة والسلام:
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(( نهى عن الوحدة أن يبيت الرجل وحده، أو يسافر وحده ))

[ حديث أخرجه أحمد ورجاله رجال الصحيح ]

هذا النهي أيها الإخوة، من أجل ألا يستوحش الإنسان، من أجل أن يتقي عدواً أو لصاً أو مرضاً مفاجئاً، فالأولى ألا يبيت المرء وحده في البيت، وألا يسافر وحده.

10- عدم النوم على سطح بلا سور :

ومن توجيه النبي عليه الصلاة والسلام ألا ينام على ظهر بيت ليس له سور، حتى لا يسقط فقد قال عليه الصلاة والسلام: 

(( مَنْ بَاتَ على ظهر بيت ليس عليه حِجار، فقد برئت منه الذّمّةُ ))

[ حديث صحيح، أخرجه أبو داود ]

ويقاس على هذا كل شيء يمكن أن يؤدي إلى خطر، أن يكون التيار عالياً، والأشرطة مكشوفة، يصاب الطفل بصعقة مميتة من قبل التيار، أي شيء يقاس على أن ينام الإنسان على سطح بلا سور فيقع فقد عصى أبا القاسم.

13) نقاش أمور الأسرة في البيت :

أيها الإخوة، من وسائل صلاح البيوت،الاجتماعات التي تناقش فيها أمور الأسرة، ففي الاجتماع يستمع الأب إلى وجهات نظر أولاده، يستمع الأب إلى وجهات نظر بناته، يستمع الأب إلى وجهة نظر زوجته، وقد يستمع الأولاد إلى رأي أبيهم، أما أن تبرم الأمور بعيداً عن المشاورة، بعيداً عن مجلس العائلة، بعيداً عن اجتماع على مستوى الأسرة، فهذا ما يفكك البيوت، فمن الأصول المتبعة أن تعقد في البيت اجتماعات تتداول فيها شؤون الأسرة، ويدلي كل واحد منهم برأيه، فتلاقي الآراء قد يهدي إلى الصواب، وأحياناً تعقد في البيت اجتماعات لتداول شؤون الحي، لإصلاح ذات البين، لحل مشكلات الأسرة الموسعة، لحل مشكلات الأزواج، لحل مشكلات اقتصادية، أو تعليمية، أو صحية، أو اجتماعية، حينما يكون البيت مصدر خير، حينما تعقد فيه لقاءات هدفها إصلاح ذات البين، حينما تعقد فيه لقاءات
هدفها نشر العلم، حينما تعقد فيها لقاءات هدفها التعاون على البر والتقوى، هذا أيضاً أحد عوامل صلاح البيوت.

14) إخفاء خلافات الأبوين عن الأولاد :

فكم من أب يأمر ابنه ألا يكلم أمه، وكم من أم تأمر ابنتها ألا تكلم أباها!
أيها الإخوة، ينبغي أن ندقق في أن هذه الخلافات الزوجية إذا انتقلت إلى الأولاد كان لها أثر سلبي بالغ السوء.

 

15) عدم إدخال العصاة إلى البيت :

المتفلت الذي لا ينضبط لا بشرع ولا بمبدأ، ولا بقيمة ولا بآخرة، ولا بخوف من الله،يتكلم كيفما يشاء، ويغري أهل البيت بالمعاصي والآثام، ويدعوهم إلى التفلت، فإذا احتجوا بأن الأب لا يوافق يدعوهم إلى نبذ هذا التسلط، فقد يأتي إنسان إلى بيت، والبيت في أفضل حالة له، هذا الإنسان يفسد العلاقات، وقد ورد في الأثر: ليس من من فرَّق.
فكم من جارة سيئة تفسد على الزوجة علاقتها بزوجها، وكم من جار سوء يفسد على الزوج علاقته بزوجته، وكم من شاب يفسد على الشاب علاقته بأبيه، فينبغي ألا يسمح بدخول إنسان أو إنسانة هدفها إفساد ذات البين، لأن الله عز وجل يقول: 

﴿ فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله ﴾

(سورة الحجرات: 10)

ويقول عليه الصلاة والسلام،يحذرنا من فساد ذات البين يقول:

(( البغضاء هي الحالقة، ليس حالقة الشعر، ولكن حالقة الدين ))

[ من حديث رواه البزار بإسناد جيد ]

وقال عليه الصلاة والسلام:

(( ومثل الجليس السوء، كمثل صاحب الكير، إِن لم يصبك من سواده أصابك من دخانه ))

[ من حديث صحيح، أخرجه أبو داود ]

وقال أيضاً:

(( من أفسد امرأة على زوجها فليس منا ))

[ من حديث صحيح، أخرجه أبو داود ]

16) جلوس الأب مع أسرته :

أن تكون موجوداً في البيت كلما استطعت، أمر مهم جداً، وجود ولي الأمر في بيته يضبط الأمور، يمكنه من الإشراف على التربية، وإصلاح الأحوال في المراقبة، والمتابعة، وعند المؤمنين الأصل أن تكون في بيتك، والأصل في المرأة أن تكون في بيتها، تخرج لأمر ضروري، أما عند معظم الناس فالأصل أن تخرج من البيت، الأصل أن تمضي الوقت خارج البيت، لك أن تخرج من البيت لهدف نبيل، أن تمشي في إصلاح ذات بين، أن تمشي في تعليم علم، أما أن يكون الهدف هو الخروج من البيت دائماً، فهذا يضعف تماسك الأسرة، ويضعف تربية الأولاد، وقد يكون له آثار كبيرة جداً على مستقبلهم، وتحصيلهم، وأخلاقهم، وقيمهم، واستقامتهم.

17) مراقبة أحوال الأسرة :

من هم أصدقاء أولادك؟
هل سبق أن قابلتهم، أو تعرفت عليهم؟
ماذا يجلب أولادك معهم من خارج البيت؟ إلى أين تذهب ابنتك، ومع من؟
هذه أشياء لا يعفى منها أب ولا أم، وكثيراً ما تخرج البنت تحت غطاء كاذب، وتقع الفاحشة، وكثيراً ما يخرج الابن تحت غطاء كاذب، حينما يرى الأب والأم لا يحققون، ولا يدققون، ولا يسألون، ولا يستفسرون، يقول عليه الصلاة والسلام:

 

(( إن الله سائل كل راع عما استرعاه، حفظ أم ضيع، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته ))

[ حديث حسن، أخرجه النسائي وابن حبان ]

ولكن، أيها الإخوة الكرام، يجب أن تكون المراقبة بشكل خفي، وبأسلوب ذكي:
الإسلام يرفض أجواء الإرهاب، الإسلام يرفض أن يحس الأولاد بعدم الثقة من أوليائهم، ينبغي أن يراعى العقاب بما يتناسب مع سن الطفل، ففي سن تضاحكه، وفي سن تؤدبه، وفي سن تراقبه، وفي سن تنصحه، فقضية النصح والعقاب يجب أن تراعى فيها أعمار الصغار، فهناك أحياناً تدقيق من قبل الأهل لا يحتمل، هذا له مفهوم عكسي، ينبغي أن نبتعد عنه أيضاً، نحن لسنا في شركة، وليس الأب ملكاً موكلاً بتنزيل كل الأخطاء، ينبغي أن يراقب، وأن يدقق، لكن بأسلوب ذكي وخفي، من دون أن يشعر أولاده بعدم الثقة، بالمقابل هناك آباء لا يتدخلون إطلاقاً بشؤون أولادهم، إلى درجة أن هذا الابن أو تلك البنت تفسد وتنحرف، لأنها مغطاة من قبل ثقة ساذجة من قبل الأب، هذه الثقة الساذجة تجعلها تتحرك كما تشاء.

18) الاهتمام بالأطفال :

يجب على الأب أن يقرئ أولاده القرآن، يشرح لهم شرحاً مبسطاً معاني الآيات، يقدم لهم المكافآت لحفظه، الصغار يتعلمون آداب الإسلام، ويتعلمون أذكار الأكل، والنوم، والعطاس، والسلام، والاستئذان، ويسرد عليهم بعض القصص، هذا كله مما يؤلف قلوب الصغار في البيت.

 

19) اختيار أصدقاء الأولاد :

أن يخرج أولادك مع كل من دب وهب، هذه مشكلة كبيرة، قد يرجع ومعه قصص ماجنة، قد يرجع ومعه ألفاظ بذيئة جداً، فينبغي أن تعتني باختيار أصدقاء أولادك كما تعتني بأولادك، هناك لعب مسلية، هذه تملأ فراغ الطفل، الأب أحياناً لا يقنع بهذه الألعاب، ألعاب هادفة بريئة مبرمجة، وقد تكون إسلامية، هذه تملأ فراغ الطفل، وهذا الطفل إن لم تشغله بالخير شغلك بالشر، وكان عليه الصلاة والسلام يمازح أهل بيته، كان يداعبهم، كان يلاعبهم، فالأب حينما يهبط إلى مستوى أولاده ينجح، وقد ورد في الأثر: من كان له صبي فليتصابَ له.
الأب حينما ينزل إلى مستوى أولاده فيمازحهم، ويضاحكهم، ويلعب معهم يؤلف قلوبهم وهذا هو الأب الذكي: 

عن يعلى العامري رضي الله عنه:

(( أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى طعام دعوا إليه، فإذا حسين مع الصبيان يلعب، فاستقل أمام القوم ثم بسط يده فطفق الصبي يفر هاهنا مرة، وهاهنا مرة، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى يديه تحت ذقنه والأخرى تحت قفاه، ثم قنع رأسه فوضع فاه على فيه فقبله، وقال: حسين مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسيناً، حسين سبط من الأسباط ))

[ حديث حسن لغيره، أخرجه الترمذي وابن ماجة والحاكم ]

هكذا كان عليه الصلاة والسلام مع أولاده ومع أحفاده.

20) تنظيم أوقات النوم والأكل :

بيوت كثيرة فيها فوضى، كل فرد من أفراد الأسرة يدخل إلى البيت، يأكل كما يتمنى بلا نظام، بلا مواعيد، بلا التئام مع باقي الأسرة، الأكل والنوم والسهر والاستيقاظ مفتوح، فهذا بيت كان أمره فرطاً، أما الأب والأم، فيجب أن يكونا حازمين في تنظيم أوقات الطعام، وأوقات النوم في البيت، فنظام أوقات الطعام والنوم في البيت من أدق الأشياء التي تنتظم بها الأسرة.أيها الإخوة الكرام، هناك نصائح كثيرة، وقد تصل إلى أربعين نصيحة، نتابعها في خطبة قادمة إن شاء الله تعالى.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لكم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم، فيا فوز المستغفرين.

* * *

الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، صاحب الخلق العظيم، اللهم صلِ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

زلزال تسونامي :

أيها الإخوة الكرام، هذا الزلزال الذي حدث في جنوبي شرق آسيا أدى إلى تزحزح جزر كثيرة جداً، قريباً من ثلاثين متراً، لكن الذي لا يصدق أن قوة هذا الزلزال وهذا الطوفان من أمواج البحر تساوي قوة مليون قنبلة ذرية، أخذت هذه المعلومات من مواقع معلوماتية دقيقة جداً ورصينة.
هذه الهزة لم يسبق لها مثيل من ثلاثمئة عام، لكن الأوبئة والأمراض الناتجة عن الجثث في المياه قد تميت قدر الذي أماتته حتى الآن، فحتى الآن مئة وخمسة وعشرون ألف قتيل أيها الإخوة.

﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ ﴾

(سورة البروج: الآية 12)

تحليلات علمية لحادثة تسونامي :

من التحليلات العلمية التي لا تتناقض مع التحليلات التوحيدية، أن هذه الزلازل كانت نتيجة لحركة ألواح الغلاف الصخري للأرض، هذه الحركة إما أن تكون متباعدة، أو مصطدمة، أو منزلقة، فالحمم التي في باطن الأرض تتحرك نحو الأعلى، فإن تحركت نحو الأعلى تباعدت هذه الألواح، والألواح قدَّرَها العلماء باثني عشر لوحاً، أستراليا كلها لوح، جنوب شرق آسيا لوح آخر، الألواح تتباعد أو تصطدم أو تنزلق، ففي ارتفاع الحمم من الأسفل نحو الأعلى تتباعد، وفي نزولها نحو الأسفل تتقارب وتصطدم، هذه الألواح، تطفو فوق طبقة لدنة منصهرة عالية اللزوجة، عالية الحرارة، وحينما تدور الأرض حول محورها تؤدي إلى انزلاق هذه الألواح فوق هذه الطبقة اللزجة، والذي حصل: أن لوحين كبيرين: اللوح الأسترالي واللوح الأورانسي تصادما، فشكلا هذه القوة التي لم يسبق لها مثيل من ثلاثمئة عام.

 الضحايا من البشر فقط :

أيها الإخوة الكرام، الشيء الذي لا يصدق، والأخبار سمعتها اليوم صباحاً أنه لم يعثر على جثة حيوان واحد، مقابل مئة وعشرين ألف جثة إنسان، لأن الحيوانات مزودة بحاسة تشعرها بالخطر قبل خمس عشرة دقيقة، ففرت الحيوانات، وحتى الآن لم يعثر على جثة حيوان واحد، لأن الحيوان غير مكلف بهذه المعالجة، فالإنسان يدعي العبقرية والعلم والذكاء والتقدم، ويؤله نفسه في هذا العصر، هذا فعل من؟
ثلاثة آلاف وستمئة إنسان قتلوا في الحادي عشر من أيلول، قامت الدنيا، ولم تقعد، وجيرت هذه النكبة للعرب والمسلمين، فكانت حرب الأفغان، وحرب العراق، والحصار الاقتصادي، والقتل:

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (*)يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ﴾

(سورة الحج 1-2)

هذه الأمواج أيها الإخوة، سارت بسرعة ألف كيلو متر، واستغرق سيرها من مركز الزلزال إلى شواطئ الهند، وشواطئ إندونيسيا ساعة، الموجة قادرة على أن تحمل صخرة وزنها عشرين طنًا.

درس إلهي لجميع البشر :

أيها الإخوة الكرام، هذا درس إلهي، يوم قال صانعو سفينة تايتانيك: إن القدر لا يستطيع إغراق هذه السفينة، غرفت في أول رحلة، اصطدمت بجبل جليدي، فانشطرت شطرين، قال أحد القساوسة وقتها: إن غرق هذه السفينة درس من السماء إلى الأرض، وهذا الذي حصل أيها الإخوة الكرام، درس من الله للبشر كلهم، هؤلاء المتألهون، هؤلاء الذين يتجبرون، هؤلاء الذين يكيلون الصاع مليون صاع لمن مسهم، هؤلاء رأوا كيف أن الله عز وجل بحركة واحدة، بتصادم بين لوحين من ألواح الغلاف الأرضي الصخري كان هذا الذي حصل، وربما كانت الخسائر أكبر بكثير.
أيها الإخوة الكرام، يقاس الزلزال بمقياس رختر، وهذا المقياس مقسم إلى تسع درجات، نحن في العادة تمر بنا هزات أرضية بدرجة أو درجتين، هذه الدرجة أو الدرجتان ربما تشبه انفجار مئة وثمانين كيلو من مادة (تي إن تي)، أما الدرجة الثالثة فتساوي عشرين مليون طن من (تي إن تي)، على مقياس رختر، وقال بعض علماء الجيولوجيا: لولا هذه الهزات الأرضية التي تحدث لانفجرت الأرض كقنبلة نووية هائلة، هذا نوع من أنواع التنفيس، تنفيس الطاقة الزائدة التي في داخل القشرة الأرضية، ومع ذلك الزلزال جند من جنود الله عز وجل هو عقاب للمذنبين، وابتلاء للصالحين، وإنذار للناجين، لا يتناقض التفسير العلمي المحض مع التفسير التوحيدي، لكن الناس كما قال الله عز وجل: 

﴿ وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة ﴾

(سورة الزمر: الآية 45)

يعني إذا عزوت هذا الزلزال إلى حكمة إلهية، وإلى درس إلهي تشمئز قلوب الكافرين، أما إذا اكتفيت بتفسيره تفسيراً أرضياً شركياً يرتاح له أولئك الناس.
أيها الإخوة الكرام، الفسق والفجور في جنوب شرق آسيا يفوق حد الخيال، وهذه المنتجعات الجميلة هي أرقى منتجعات في العالم، فلا يتناقض التفسير التوحيدي مع التفسير العلمي، بل يتكاملان، لأن الله عز وجل يقول:

﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ﴾

(سورة هود: الآية 117)

لكن الله عز وجل يعاقب بعض المسيئين، ويكافئ بعض المحسنين، أما الحساب الأخير والرصيد الكامل:

﴿ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾

(سورة آل عمران: الآية 185)

الحكمة والعبرة من هذا الحدث :

قد يسأل سائل: هناك بلاد فيها من الفسق والفجور كما في هذه البلاد، لمَ لم تصب؟ الجواب: الله عز وجل لحكمة بالغة يعاقب بعض المسيئين ردعاً للباقين، ويكافئ بعض المحسنين تشجيعاً للباقين، فالذي نجا، أو البلاد التي نجت، أو البلاد التي لم تصب بسوء، ليس معنى هذا أنها مستقيمة، قد تكون في حالة تشبه حالة الذين هلكوا، لكن هذا يعد ردعاً لهؤلاء الناجين.
أيها الإخوة الكرام، مرة ثانية، قال تعالى: 

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (*)يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ﴾

(سورة الحج 1-2)

أيها الإخوة الكرام، إذا قلنا هناك حكمة من هذا الزلزال، كلمة حكمة هي ألطف كلمة، وأوسع كلمة، وأشمل كلمة، المستقيم يعد له ابتلاءً، والمذنب يعد له عقابًا، والناجي يعد له إنذارًا، هذا أدق كلام يقال، إنه درس من السماء للأرض، إنه درس للمتجبرين، ودرس للطغاة، ودرس للمتألهين، ودرس للمستكبرين.
في موقع معلوماتي أيها الإخوة الكرام، عرضوا قصصاً تزيد على الثلاثين قصة عن بعض الذين نجوا، وقد وصفوا ماذا حل بهم، شيء لا يصدق، موجة عاتية تدخل إلى الفندق، تأخذ كل من فيه، الأبواب تقتلع من أماكنها، الشرف تنهار، تأخذهم إلى وسط البحر، الذين نجوا قلائل جداً، في إندونيسيا ستة عشر ألف جزيرة، فالموج يكتسح الجزيرة، وينتقل إلى طرفها الآخر.

فيا أيها الإخوة المؤمنون، ينبغي أن نتعظ، ينبغي أن نصطلح مع الله، ينبغي أن نتوب إليه، ينبغي أن نرجع إليه، فالذين نجوا يجب أن تكون هذه الأحداث عبرة لهم، قال تعالى:

﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ ﴾

(سورة البروج: الآية 12)

الدعاء :

اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق، ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت، نستغفرك ونتوب إليك.
اللهم اهدنا لصالح الأعمال لا يهدي لصالحها إلا أنت، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت.
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين.
اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك.
اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين.
اللهم بفضلك ورحمتك أعل كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام وأعز المسلمين، وأذل الشرك والمشركين، وانصر عبادك المؤمنين يا رب العالمين، إنك على ما تشاء قدير وبالإجابة جدير. 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور