وضع داكن
20-04-2024
Logo
الخطبة : 0929 - الشباب والشهوات.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى:

الحمد لله نحمده، ونستعين به، ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضلَّ له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته، وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله، سيد الخلق والبشر، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، ما اتصلت عين بنظر، أو سمعت أذن بخبر، وارضَ عنا وعنهم، يا رب العالمين.
اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمتنا، إنك أنت العليم الحكيم.
اللهم علِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

الشباب والشهوات :

أيها الإخوة الكرام، هذه الخطبة موجّهة إلى كل شاب وشابة يعيشان سن المراهقة.
وموجهة إلى كل شاب صالح وشابة صالحة، يسعيان لإعفاف نفسيهما، ويدركان خطورة الشهوة عليهما.
وموجهة إلى كل شاب وشابة، أطلقا لشهواتهما العنان، ويبحثان الآن عن مخرج.
وموجهة إلى كل شاب وشابة غافليْن، لم يستفيقا بعد من وحل الشهوة.
وموجهة إلى كل أب وأم، يدركان مسؤولية تربية الأولاد.
وموجهة أيضاً إلى كل معلم ومعلمة، يعنيهما واقع هذا الجيل، بمناسبة سعار الشهوات المستعرة، والتفلت الأخلاقي، وأن المرأة تعرض كل مفاتنها في أي مكان، وفي أي مجال، في الصحيفة، وفي المجلة، وفي الإنترنت، وفي الفضائيات، وفي أي مكان، وأن سعار الجنس وصل إلى درجة لم يسبق لها مثيل.
إلى هؤلاء جميعاً، أيها الإخوة الكرام، أوجّه هذه الخطبة.

 

ثمرات العفة :

نبدأ بالإيجابيات، لأن الله سبحانه وتعالى يصف أنبياءه العظام أنهم يعبدون الله رهباً ورغباً، ولابد من التوازن بين الرجاء والخوف.
ثمار العفة، أيها الإخوة الكرام، لا تقدر بثمن:

 

1) الشعور بالفلاح :

من ثمراتها أن صاحب العفة يشعر بالفلاح، ويسمع ثناء الله عليه.
فالناس عادةً يفرحون بثناء البشر والمخلوقين، ويعتزون بهذا الثناء، فالطالب أحياناً يفرح بثناء معلمه عليه، والطالبة تفرح بثناء معلمتها.
وحينما يكون الثناء والتزكية ممن لهم شهرة بين الناس، تعلُ قيمةُ الثناء، فكيف إذا كان هذا الثناء من خالق البشر ربّ العالمين؟ 

وفي الحديث عن عقبة بن عامر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(( إن الله عز وجل ليعجبُ من الشاب ليست له صبوة ))

[ حديث أخرجه أحمد بإسناد حسن ]

شاب مستقيم، وما من شيء أكرم على الله من شاب تائب.

 

أيها الإخوة الكرام، يقول الله عز وجل:

﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (*)الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ (*)وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (*)وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (*)وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (*)إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (*)فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ ﴾

( سورة المؤمنون 1-7)

2) الفوز بالجنة :

أيها الإخوة الكرام، إن ثناء الله عز وجل لا يعدله ثناء، إنه شهادة من الله عز وجل، الله عز وجل في وعده لعبادة المؤمنين بالجنة قال:

﴿ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ ﴾

( سورة الأحزاب : 35)

ثم يقول:

﴿ أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (*)الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾

( سورة المؤمنون 10-11)

والنبي عليه الصلاة والسلام، وهو الذي لا ينطق عن الهوى يقول:

(( مَنْ يَضْمَنْ لِي ما بين رجليه، وما بين لِحْيَيه أَضْمَنْ له الجنة ))

[ حديث صحيح، أخرجه البخاري والترمذي ]

مَنْ ضبط لسانه، وضبط طعامه، فأكل من الحلال، وضبط فرجه، فله الجنة.

أيها الإخوة الكرام، حينما يعفّ الشاب عن محارم الله، وحينما يحفظ جوارحه، ينطبق عليه وعد الله بالجنة.
أيها الإخوة الكرام، اِسألْ عالماً أمضى وقته وحياته في طلب العلم، وتعليم العلم، اِسألْ عابداً تحمَّل متاعب العبادة ومشاقَّها، اِسألْ مجاهداً في سبيل الله، اِسألْ داعيةً واصلَ سهر الليل بكد النهار، وهو يحمل هم الدعوة، اِسألْ هؤلاء جميعاً: لمَ يصنعون ذلك؟
إنهم سيجيبونك إجابةً واحدة: نريد الجنة، ووجهَ الله عز وجل.

والشاب الذي يعفّ عن محارم الله، والشاب الذي يغضّ بصره عن محارم الله، والشابة التي تتحجّب فلا تؤذي عباد الله، هؤلاء جميعاً في نصّ القرآن الكريم، ونصّ السنة النبوية الصحيحة لهم الجنة.

إذاً: هم استحقوا ثناءَ الله عز وجل، ولا ثناء يعدل ثناء الله عز وجل، واستحقوا وعد الله عز وجل بالجنة، والنعيم المقيم، ولا وعد يعدل هذا الوعد العظيم.

3) الشعور بالطمأنينة :

أيها الإخوة الكرام، ثمرة ثالثة للعفة: إنها الطمأنينة، وراحة البال.
راحة البال لا يعرفها إلا من فقدها، فالذي يسير وراء شهوته المحرمة يعاني عذاباً وجحيماً لا يطاق:

﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (*)قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً (*)قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى ﴾

( سورة طه 124-126)

أيها الإخوة الكرام، إن الهمَّ الذي يشغل سائر الناس لا يشغل المؤمن، وإن القلق الذي يعتري سائر الناس لا يعتري المؤمن، وإن الخوف من المجهول الذي هو ديدن الناس لا يصيب المؤمن:

﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى ﴾

( سورة طه : 123)

﴿ فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾

( سورة البقرة : 38)

4) الانتصار على النفس :

أيها الإخوة الكرام، من ثمار العفة والاستقامة وغض البصر وضبط الجوارح: لذة الانتصار على النفس.
ولئن كان اللاهون العابثون يجدون لذة في ممارسة الحرام، فالشاب العفيف والشابة العفيفة يجدان من لذة الانتصار على النفس أعظمَ مما يجده أصحابُ الشهوات.
أصحاب الشهوات في الوحول، وأصحاب الطاعات في جنات القربات، وفرق كبير بين أن تكون في جنة القرب، وأن تكون في وحل الشهوة.

مخاطر اتباع الشهوات :

أيها الإخوة الكرام، أما المخاطر التي تنتظر مَن انساق وراء شهوته:

 

1) خطر عذاب الآخرة :

يقول الله عز وجل:

﴿ وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً (*)يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً ﴾

( سورة الفرقان 68-69)

أيها الإخوة الكرام، وقبل عذاب الآخرة هناك عذاب القبر، وثمة أحاديث كثيرة صحيحة تؤكد أن الزناة لهم عذاب في القبر قبل عذاب النار.
أيها الإخوة الكرام، والذي يلفت النظر أن الآيات الكريمة التي تنهى عن الفاحشة تنهى عن الاقتراب من الفاحشة، لأن طبيعة هذه الشهوة متميزة، فلو بدأ الإنسان بأول الخطوات، فهذه الخطوات الأولى لابد من أن تقوده إلى النهاية الحتمية، لذلك قال تعالى:

﴿ وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً ﴾

( سورة الإسراء : 32)

2) خطر فتنة النساء :

شيء آخر، إن الشيطان يجعل من المرأة أهمّ حبائله، وقد ورد أن النساء حبائل الشيطان، وأنه واثق من هذا الفخ الذي ينصبه للمؤمن:

﴿قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (*)ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ﴾

( سورة الأعراف 16-17)

هذا فعل الشيطان، والمرأة هي شبكته الأولى، وفخّه الأكبر:

عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(( ما تركتُ بعدي فِتْنَة هي أضَرُّ على الرجال من النساء ))

[ حديث صحيح، أخرجه البخاري ومسلم ]

3) خطر خطوات الشيطان :

أيها الإخوة الكرام، قال تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا ﴾

( سورة آل عمران : 155)

أنت حينما تطاوع الشيطان في خطوة أولى، جزئية بسيطة لا تلقي لها بالاً، هذه الخطوة الأولى البسيطة يستطيع من خلالها أن ينفذ إليك:

﴿ اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا ﴾

( سورة آل عمران : 155)

أيها الإخوة الكرام:
أنت حينما تمشي في مكان مفتوح، وتقرأ لوحة مكتوب عليها: ممنوع التقدم، حقل ألغام، لا تجد حقداً في نفسك على من وضع هذه اللوحة، بل لعلك تشكره عليها، لا ترى أن هذه اللوحة هي حد لحريتك، بل هي ضمان لسلامتك، وفرق كبير بين من يفهم حدود الشرع حدوداً لحريته، ومن يفهمها ضماناً لسلامته.

4) خطر زيغ القلوب :

أيها الإخوة الكرام، إن قلب العبد وعاء لا يخلو من محبوب يرتجى، ويخاف فواته، والضدان لا يجتمعان:

﴿ مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ ﴾

( سورة الأحزاب : 4)

فإذا امتلأ القلب بحب الشهوات، فليس فيه مكان للطاعات، وإذا امتلأ القلب بحب خالق الأرض والسماوات، فليس فيه مكان للشهوات.
يجب أن تعلم علم اليقين، أن هذا الوعاء لابد من أن يملأ بصنف واحد، فإذا ملئ محبةً لله عز وجل، وانضباطاً وطاعةً له، وطلباً لمرضاته، فلا مكان فيه للشهوات.
قد يمارس الإنسان الشهوة التي سمح الله بها، وليس في الإسلام حرمان، والدليل قوله تعالى:

﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى ﴾

( سورة طه : 123)

﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ ﴾

( سورة القصص : 50)

المعنى المخالف: أنه من يتبع هواه وفق منهج الله عز وجل فلا شيء عليه.

أيها الإخوة الكرام، يقول ابن القيم رحمه الله، في قوله تعالى:

﴿ بَلِ الإنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (*)وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ﴾

( سورة القيامة : 14ـ15 )

فلو خُيّرَ العاشق بين رضا معشوقه ورضا الله، لاختار رضا معشوقه على رضا ربه، ولقاء معشوقه أحب إليه من لقاء ربه، وتمنيه لقربه أعظم من تمنيه لقرب ربه، وهربه من سخطه عليه أشد من هربه من سخط ربه، يسخِطُ ربَّه بمرضاة معشوقه، ويقدّمُ مصالح معشوقه وحوائجه على طاعة ربه.

هذه حقيقة ثابتة، لأن الله سبحانه وتعالى ما جعل لعبد من قلبين في جوفه.

5) خطر العقوبات الإلهية :

يقول عليه الصلاة والسلام في حديث، وكأنه معنا، وهذا الذي ينبئنا به عن علم الغيب، وعن المستقبل، وعن آخر الزمان، وعن أشراط الساعة، هو مما أعلمه الله به، فالنبي عليه الصلاة والسلام لا يعلم بذاته إلا أن يعلمه الله:

عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قَالَ:

(( أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا معشر المهاجرين، خمس إذا ابتليتم بهن، وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها، إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا،... ))

حينما يقف وزير إيطالي يقول: أنا شاذ جنسياً، في مؤتمر صحفي، وحينما يقف وزير الصحة البريطاني، ويقول: أنا شاذ جنسياً، وحينما تقف ملكة، وتقول: أنا زنيت مرات عديدة، الأولى مع فلان، والثانية مع فلان، وحينما يعيَّن سفير لدولة عظمى، ومعه شريكه الجنسي، فالفاحشة قد ترتكب سراً، أما حينما تصل إلى درجة أن يعلن عنها، وأن يفتخر بها، وأن توضع إشارة في أذن الشاب على أنه منحرف، فهذا شيء بلغ حداً لا يطاق.

أيها الإخوة الكرام، نكمل الحديث:

(( ... ولم ينقصوا المكيال والميزان، إلا أخذوا بالسنين وشدة المئونة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم، إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله، إلا سلط الله عليهم عدواً من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله، إلا جعل الله بأسهم بينهم ))

[ حديث حسن، أخرجه ابن ماجه]

ثلاثمئة مليار دولار مودعة في بنوك الغرب، جمّدت عقب أحداث الحادي عشر من أيلول:

(( .. إلا سلط الله عليهم عدواً من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله، إلا جعل الله بأسهم بينهم ))

[ حديث حسن، أخرجه ابن ماجه]

وكأن النبي عليه الصلاة والسلام معنا، وهذا من إخبار الله له.

أيها الإخوة الكرام، من بعض الإحصاءات المعتمدة:
أن مرض الزهري في إحصائية عام ألف وتسعمائة وسبعة وسبعين، بلغ خمسين مليوناً.
والسيلان مئتين وخمسين مليونًا.
في عام واحد وثمانين، بلغ المصابون بمرض الهيلبس التناسلي عشرين مليوناً في بلد غربي واحد فقط.
وأخيراً ابتلي العصر بطاعون العصر، وهو الإيدز، الذي انتشر بسلسلة هندسية، ويبلغ الذين ينقل إليهم المرض يومياً على مستوى العالم عشرة آلاف إنسان.
وفي كل دقيقة يصاب ستة أشخاص دون الخامسة بعدوى الإيدز.
وفي عام ألفين، لقي ما يقرب من ثلاثة ملايين شخص من حاملي هذا المرض مصرعهم في عام واحد.

وقد تسبب الإيدز في إضافة ثلاثة عشر مليوناً من الأطفال إلى قائمة الأيتام.
ويقدر عدد المصابين في عام ألفين بأربعة وثلاثين مليون مصاب في العالم بهذا المرض.
والحقيقة الرائعة أن العالم الإسلامي بسبب تمسكه بأهداب الدين يعد الحزام الآمن الأخضر لهذا المرض.
أيها الإخوة الكرام، يقول الإمام علي رضي الله عنه: يا بنيَّ، العلم خير من المال، لأن العلم يحرسك، وأنت تحرس المال، والمال تنقصه النفقة، والعلم يزكو على الإنفاق.
رجل ثري ذهب إلى إيطاليا، ونزل في أحد فنادقها، وسمح لنفسه أن يلتقي بامرأة، فكتبت له رسالة على المرآة: مرحباً بك في نادي الإيدز، فما كان منه إلا أن انتحر.
أيها الإخوة الكرام، هذه العقوبات العاجلة في الدنيا، دققوا في قوله تعالى:

﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا ﴾

( سورة الروم : 41)

هذا الطاعون، طاعون هذا العصر، هو بعض الذي عملوا، لعلهم يرجعون.

أسباب الفوضى والإباحية :

أيها الإخوة الكرام، ما أسباب هذا الفلتان؟ ما أسباب هذا السعار؟ ما أسباب هذه الفوضى؟ ما أسباب هذه الإباحية؟

 

1) ضعف الإيمان :

الإيمان أسّ الفضائل، ولجام الرذائل، إن الإيمان بالله عز وجل هو الضمانة والوقاية من المعصية، وهو الصخرة التي تتحطم عليها شهوات النفس الجامحة، فكلما ضعف إيمان العبد كان أكثر جرأةً على محارم الله، وقد أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أن العبد لا يواقع الفاحشة إلا حين يؤتى من ضعف إيمانه:
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(( لا يزني الزَاني حين يزني وهو مؤمن ))

[ من حديث صحيح، أخرجه البخاري ومسلم ]

وأنا حينما أتحدث عن الزنا أقصد به كل مستوياته، فالعين تزني، وزناها النظر، واللسان يزني بالكلام، واليد تزني باللمس، وهناك الزنا الأكبر.
أيها الإخوة الكرام، السبب الأول ضعف الإيمان، إن أردت أن تتحصن من هذه الانحرافات التي شاعت بين الناس، فعليك بتقوية إيمانك، عليك بلزوم مجالس العلم، عليك بأن تكون محاطاً بمؤمنين أطهار:

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(( لا تُصَاحِبْ إِلا مُؤْمِناً، ولا يأكُلْ طَعَامَكَ إِلا تَقِيّ ))

[ حديث أَخرجه أبو داود والترمذي بإسناد حسن ]

2) رفاق السوء :

السبب الثاني: جليس السوء، يقول الله عز وجل على لسان هذا الخاسر:

﴿ يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً ﴾

( سورة الفرقان : 28)

الإنسان عليه أن يقوّم أصدقاءه، ومن يتعامل معهم، ومن يسهر معهم، ومن يلتقي معهم، فإذا كانوا شاردين عن الله عز وجل، يزيّنون للإنسان المعصية، ويبغّضون له الطاعة، فهؤلاء:

﴿ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ﴾

( سورة المائدة : 51)

ثم يقال:

﴿ يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً ﴾

( سورة الفرقان : 28)

هذا يقال يوم القيامة.

 

أيها الإخوة الكرام:
عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:

(( المرءُ مع مَن أحبَّ ))

[ من حديث صحيح، أخرجه البخاري ومسلم ]

فانظر من تحب، هل تحب مؤمناً أم غنياً؟ هل تحب مؤمناً أم فاسقاً؟

 

﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ ﴾

( سورة السجدة : 18)

أيها الإخوة الكرام، في حديث آخر:
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(( المرءُ على دِين خليله، فلينظرْ أحدُكُم مَن يُخَالِلْ ))

[ حديث أخرجه أبو داود والترمذي بإسناد حسن ]


وفي حديث عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، أَنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال:

(( إِنَّمَا مَثَلُ الجليس الصالحُ والجليسُ السوءِ كحامِلِ المسك، ونافخِ الكِيْرِ ))

[ من حديث صحيح، أخرجه البخاري ومسلم ]

أيها الإخوة الكرام، حينما تشعر أن هذا الصديق يزيّن لك المعصية، وأن هذا الصديق ليس ملتزماً، وأن هذا الصديق يبغّضك بالطاعة، فلا ينبغي أن تقطعه تدريجياً، بل ينبغي أن تقطعه فوراً، وبشكل جدي، وإلا كان الهلاك منه.

3) إطلاق البصر :

أيها الإخوة الكرام، السبب الثالث: هو إطلاق البصر.
إطلاق البصر هو الشرارة التي تثير الغريزة المكبوتة، إن هذه الصور التي تخزنت في العقل الباطن، وتكون تحت الشعور بشكل دائم، هي التي تحمِّس الإنسان لارتكاب المعصية، لذلك قال تعالى:

﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (*)وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ﴾

( سورة النور :30ـ31 )

أيها الإخوة الكرام، قال بعض العلماء: النظرة تولّد الخاطرة، والخاطرة تولّد الفكرة، والفكرة تولّد الشهوة، والشهوة تولّد الإرادة، ثم تقوى الإرادة فتصير عزيمة، ثم يقع الفعل.
هذه السلسلة، تبين كيف ينتقل الإنسان من نظرة إلى خاطرة، إلى فكرة، إلى شهوة، إلى إرادة، إلى عزيمة، إلى فعل.
لذلك، الشريف من يهرب من أول خطوة من خطوات الخطيئة، الله عز وجل يقول:

﴿ وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا ﴾

( سورة الإسراء : 32)

الإنسان شهوته كأنها صخرة مستقرة في قمة جبل، فإذا زحزحتها عن مكانها بقصد أن تنحدر في الجبل متراً أو مترين، فلابد أن تستقر في قعر الوادي.
فالبطولة أن تبقي هذه الشهوة مكينة في مكانها، لا أن تزحزحها بقصد حركة بسيطة، ثم يفاجأ الإنسان أنه وصل إلى الفاحشة الكبرى.

4) الوحدة والفراغ :

أيها الإخوة الكرام:
نفسك إن لم تشغلها بالخير شغلتك بالشر، أخطر شيء عند الشباب الفراغ، إذا ملئ وقت الشاب بدراسة جادة، باكتساب مهارة عالية، بنشاط دعوي، بمطالعة كتاب، بلقاء مع إخوته الكرام، حينما يمتلئ الوقت بالإيجابيات يختفي وقت السلبيات. 

علاج مشكلة الشهوة :

أيها الإخوة الكرام، العلاج قوة الإيمان، هذا العلاج يحصل باتباع ما يلي: 

1) اتخاذ مرجع ديني :

أن يكون لك مرجع ديني:
عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه :

(( أن فتىً من قريش أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ائذن لي في الزنا، فأقبل القوم عليه وزجروه، فقالوا: مه مه، فقال: ادنه، فدنا منه قريباً فقال: أتحبه لأمك؟ قال: لا والله جعلني الله فداك، قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم، قال: أفتحبه لابنتك؟ قال: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداك، قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم، قال: أفتحبه لأختك؟ قال: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداك، قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم، قال: أتحبه لعمتك؟ قال: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداك، قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم، قال: أتحبه لخالتك؟ قال: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداك، قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم، قال: فوضع يده عليه وقال: اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصن فرجه، قال: فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء ))

[ حديث رواه أحمد والطبراني، ورجاله رجال الصحيح ]

الإنسان إذا كان له مرجع ديني، وله مسجد يرتاده، وله شيخ يثق بعلمه وورعه يسأله، ويستفتيه: ماذا أفعل؟ فهو بخير.
أما هذا الشارد غير المنضبط، فيرتكب الحماقة تلو الحماقة، ولا أحد ينصحه.
لذلك لابد من تقوية إيمانك، لأن الستة آلاف مليون إنسان في الأرض كلهم من دون استثناء يحبون وجودهم، وسلامة وجودهم، وكمال وجودهم، واستمرار وجودهم، لكنهم يشقَوْن بسبب الجهل، والجهل أعدى أعداء الإنسان، والجاهل يفعل في نفسه ما لا يستطيع عدوه أن يفعله به.

2) الالتجاء إلى الله :

أيها الإخوة الكرام، إذا كنت مع الله كان الله معك:

﴿ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إلا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ ﴾

( سورة الحجر : 42)

﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ﴾

( سورة الأعراف : 201)

أيها الإخوة الكرام، هل من العقل، هل يليق بك وأنت مؤمن، أن تتصفح مجلات داعرة، أو أن تتابع مسلسلات فاجرة، أو أن تكون ممن يتصل ببرامج ليس فيها إلا عرض مفاتن النساء؟
المليارات تملأ جيوب من يديرون هذه البرامج، وأنت لا تشعر، وهناك أناس يموتون من الجوع.

3) الزواج المبكر :

أيها الإخوة الكرام، شيء آخر، الزواج المبكر.
هذا الشاب الذي عنده مأوى من أي نوع، ووجد فتاةً تعجبه، ومناسبة له، وعنده قوت يومه، يجب أن يقبل على الزواج، لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث:
عن علقمة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:

(( يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغضُّ للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وِجَاء ))

[ حديث صحيح، أخرجه البخاري ومسلم ]

يا ترى، هل الصوم عن الطعام والشراب هو المقصود؟
هذا المعنى المتبادر من الكلمة، ولكن هناك معنى آخر: أن تبتعد عن المثيرات، عن طرقات فيها كاسيات عاريات، مائلات مميلات، عن أماكن عامة، تعرض فيها المرأة بأبهى زينتها، عن مجلس يذكر فيه مغامرات الزناة، أن تُعرِض عن موضوع، أو عن عمل، أو عن مسلسل، أو عن مشاهدة لمحطة فيها المرأة تظهر بكل مفاتنها، الصيام يمكن أن يوسع بشكل أو بآخر، والله عز وجل يقول:

﴿ وَأَنْكِحُوا الأيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾

( سورة النور : 32)

والحديث الصحيح الذي يملأ قلب كل شاب ثقةً وأملاً:
عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

(( ثلاثة حق على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله، والناكح يريد أن يستعفف، والمكاتب يريد الأداء ))

[ حديث صحيح، أخرجه الترمذي والنسائي ]

شيء آخر، الإنسان حينما يسعى للزواج فإن له عند الله أجراً كبيراً:

فعن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:

(( وفي بُضْعِ أحدِكم صدقة، قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدُنا شهوتَهُ، ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام، أكان عليه وِزْر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال، كان له أجر ))

[ من حديث صحيح، أخرجه مسلم ]

فأنت حينما تبتغي العفاف، قد لا أملك لك الحل، ولكن الله متكفل لك بالحل، حينما تبتغي العفاف فإن معونة الله تكون معك، وإذا كان الله معك فمن عليك؟

4) اجتناب الصغائر :

أيها الإخوة الكرام، الإنسان حينما يطلق بصره، ويتوهم إطلاق البصر من الصغائر يقع في الكبائر.

أيها الإخوة الكرام، الصغائر يحتقرها الناس، ولكن هذه الصغائر من فتنة الشيطان:

(( إن الشيطان قد أيس أن يعبد بأرضكم هذه، ولكن قد رضي منكم بما تحقرون ))

[ حديث أخرجه الإمام أحمد في مسنده ]

وعن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(( إياكم ومحقرات الذنوب، فإن مثل محقرات الذنوب كقوم نزلوا بطن واد، فجاء ذا بعود وجاء ذا بعود، حتى أنضجوا خبزتهم، وإن محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه ))

[ حديث أخرجه أحمد ورجاله رجال الصحيح ]

لا تنسَ أيها الشاب، ولا تنسي أيتها الشابة، أنكما في معركة دائمة مع عدو لدود يدعوكما للهلاك في كل سبيل:

﴿ ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ﴾

( سورة الأعراف : 17)

لكن المؤمن المعتز بالله، الملتجئ إلى الله، هذا المؤمن في حصن حصين:

﴿ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (*)إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ ﴾

( سورة النحل 99-100)

أيها الإخوة الكرام، الشاب حينما يقع في الصغيرة، ويكرر الوقوع فيها يستمرئها، وتهون عليه، وتصبح جزءاً من عاداته، فيأتي الشيطان فيغريه بالأكبر، وما يزال الشيطان يغريه من صغيرة إلى أكبر، ومن كبيرة إلى أكبر حتى يقع في الفاحشة الكبرى:

﴿ اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا ﴾

( سورة آل عمران : 155)

5) مجالسة الصالحين :

أيها الإخوة الكرام:
من العلاجات النافعة، أن تختار الجلساء من الصالحين الأخيار، عندهم ابتسامة صادقة، عندهم علم غزير، عندهم رحمة، عندهم صدق، يجب أن تختار إخوانك من المؤمنين الصادقين:

﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ﴾

( سورة الكهف : 28)

ورد في الأثر: إن أولياء أمتي إذا رؤوا ذكر الله.
إذا كنت مع المؤمنين كنت في حصن ما دمت معهم، لذلك:

عن حنظلة الأسيدي رضي الله عنه، قال:

(( لَقيَنِي أبو بكر، فقال: كيف أنتَ يا حنظَلَةُ؟ قال: قُلتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ، قالَ: سبحان الله، ما تَقُولُ؟ قال: قُلْتُ: نكونُ عند رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، يُذكِّرُنا بالنَّار والجنَّةِ حتَّى كأنَّا رأيَ عَيْنٍ، فإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، عافَسْنا الأزْواج والأولاد، والضَّيْعات، ونسينا كثيراً ))

[ من حديث صحيح، أخرجه مسلم والترمذي ]

أنت إذا دخلت بيتاً من بيوت الله، والتقيت بإخوانك المؤمنين الأطهار تشعر براحة، وتشعر بسمو، لذلك ورد في الأثر:
إن بيوتي في الأرض المساجد، وإن زوارها هم عمارها، فطوبى لعبد تطهر في بيته، ثم زارني، وحق على المزور أن يكرم الزائر.

أما لو اتخذ الإنسان أصدقاءَ وخلاناً من الشاردين العصاة المذنبين، ينطبق عليه قوله تعالى:

﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً ﴾

( سورة الفرقان : 27)

وفي آية أخرى:

﴿ إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأسْبَابُ ﴾

( سورة البقرة : 166)

هذه كلها آيات تؤكّد أنه لابد من أن تكون مع المؤمنين:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾

( سورة التوبة : 119)

6) الاستقامة على أمر الله :

أيها الإخوة الكرام، الإنسان حينما يعفّ، وحينما يستقيم، يشعر بالأمن الحقيقي.
قال تعالى:

﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (*)الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾

( سورة الأنعام: 81-82)

عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول:

(( سَبْعَة يظِلُّهمُ الله في ظِلِّهِ يوم لا ظِلَّ إلا ظِلُّه: الإمامُ العادلُ، وشابّ نشأ في عبادة الله عز وجل، ورجل قلبه مُعَلَّق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعودَ إليه، ورجلان تحابَّا في الله، اجتمعا على ذلك وتفرَّقا عليه، ورجل دَعَتْه امرأة ذاتُ مَنْصِب وجمال، فقال: إني أخافُ الله، ورجل تَصدَّق بصدقة فأخْفاها حتى لا تعلم شمالُه ما تُنْفِقُ يمينه، ورجل ذَكَرَ الله خاليا ففاضت عيناه ))

[ حديث صحيح، أخرجه البخاري ومسلم ]

أيها الإخوة الكرام، لماذا خصَّ النبيُّ عليه الصلاة والسلام الشباب في هذا الحديث؟
الجواب: لأن الشاب مظنّة غلبة الشهوة، لما فيه من قوة الباعث على متابعة الهوى، وهذا الكلام يشمل الشباب والشابات، ويقول بعض العلماء في شرح هذا الحديث: المتمسكون بأهداب الشرع في آخر الزمان كأن أحدهم يقبض على الجمر.

وأخيراً :

أيها الإخوة الكرام، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وسيتخطى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا.
الكيّس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني، والحمد لله رب العالمين.

* * *

الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله، ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، صاحب الخلق العظيم، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أعمال اليوم والليلة :

أيها الإخوة الكرام، لو تتبعنا سيرة النبي عليه الصلاة والسلام، ماذا كان يفعل في اليوم والليلة؟
هناك من تتبع سيرته، واستخلص الحقائق التالية:

 

1) العمل :

أولاً: كان عليه الصلاة والسلام يعمل.

وفي إحصاء دقيق جداً: أن البلاد المتقدمة بالمقياس المادي فقط، البلاد التي سيطرت على العالم مادياً، يعمل فيها كل مواطن ما يزيد على ست ساعات عمل متواصل.
بينما الناس في بلاد متخلفة، لا يعملون إلا سبعاً وعشرين دقيقة فقط في اليوم.
فلو أردت أن تطبق قوله تعالى:

﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ﴾

( سورة الأنفال : 60)

فلابد من أن تعمل، سواء كنت تاجراً، موظفاً، طالباً، امرأةً في البيت، فلابد من وقت للعمل، العمل الذي أسميه أنا: الجهاد البنائي.
هناك جهاد نفسي، وهو جهاد النفس والهوى، وهناك جهاد دعوي:

﴿ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً ﴾

( سورة الفرقان : 52)

وهناك جهاد بنائي: أعدوا لهم.
ينبغي أن يكون لك اختصاص، ينبغي أن تتقن حرفة، ينبغي أن تكون يدك هي العليا، ينبغي أن تستخدم المال الذي تكسبه في حل مشكلات المسلمين.
لا ينبغي أن تكون عالة، لا ينبغي أن تعيش على فتات الآخرين، ينبغي أن تكون الأول في كل شيء، فلابد من وقت تبذله للعمل.

2) العبادة :

وكان عليه الصلاة والسلام يعبد الله، يصلي الليل.
فلو أنك عاهدت نفسك أن تصلي ركعتين فقط قبل الفجر، وأن تقرأ صفحات من كتاب الله، وأن تذكر الله بالأذكار التي أثرت عن النبي عليه الصلاة والسلام، وأن تصلي الفجر في جماعة، فقد طبقت جانب العبادة في حياة النبي عليه الصلاة والسلام.

3) مخالطة الناس :

ولابد لك من ساعة تمضيها مع الناس، لتمتين العلاقة بهم:
إما مع زوجتك، أو مع أولادك، أو مع أقاربك، أو مع جيرانك، أو مع زملائك، أو في مسجد، أو في دعوة، هذا أيضاً له وقت.

4) العناية بالصحة والجسم :

ولابد من وقت تقوّي به جسمك، المسلمون يدفعون مبالغ فلكية لمعالجتهم من الأمراض التي أهملوا الوقاية منها في شبابهم.

5) الموازنة بين الأعمال اليومية :

فلو أن الإنسان وازن بين أموره، كما يقال في بعض الكتب النفسية: إن ثلاثة أشياء ما من واحدة منها إذا اختلت إلا وأثرت في الجانبين الآخرين: علاقتك بربك، وعملك، وصحتك، وينبغي أن نضيف: أسرتك.
إذاً: أربعة مرتكزات في حياة الإنسان، أيّ خلل بواحدة ينعكس على الجوانب الأخرى:
علاقتك بربك ينبغي أن تكون عامرة بطاعتك له، وأدائك للعبادة، وعملك الصالح.
وعلاقتك بأسرتك، فالآخرون أنت لهم، وغيرك لهم، أما أهلك فمن لهم غيرك؟
وصحتك قوام عملك الصالح
ورزقك قوام كرامتك.
إذاً: حينما تنظم الوقت بين عمل جاد بنائي تحصّل به رزقاً، تكون فيه يدك هي العليا، وبين عناية بالصحة التي هي وعاء العمل، وبين عناية بالعلاقات الاجتماعية من دعوة إلى الله، وأمر بالمعروف، ونهي عن المنكر، وصلة للرحم، وبين أن يكون لك رزق تكسبه، وتمرينات تجريها كي يبقى جسمك عماد حياتك، تكون مقتدياً برسول الله صلى الله عليه وسلم.

الدعاء :

أيها الإخوة الكرام، إني داعٍ فأمّنوا:
اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شرَّ ما قضيت، فإنك تقضي بالحق، ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت، نستغفرك ونتوب إليك.
اللهم اهدنا لصالح الأعمال لا يهدي لصالحها إلا أنت، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت.
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين.
اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك.
اللهم لا تؤمِنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين.
اللهم بفضلك ورحمتك أعلِ كلمةَ الحق والدين، وانصر الإسلام، وأعز المسلمين، وأذل الشرك والمشركين، أذل أعداءك أعداء الدين، يا رب العالمين.
اللهم شتت شملهم، فرق جمعهم، خالف فيما بينهم، اجعل الدائرة تدور عليهم، يا رب العالمين.
اللهم أرنا قدرتك بتدميرهم كما أريتنا قدرتهم في تدميرنا، يا رب العالمين، إنك سميع قريب مجيب الدعاء. 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور