وضع داكن
19-04-2024
Logo
الخطبة : 0957 - الظلم.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى

 الحمد لله نحمده، ونستعين به، ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته، وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله، سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر، أو سمعت أذن بخبر، اللهم صلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين.

الظلم ظلمات :

 أيها الإخوة الكرام، كمنطلق لموضوع هذه الخطبة، أرسل النبي عليه الصلاة والسلام عبد الله بن رواحة ليُقيّم تمر خيبر، بحسب اتفاقيةٍ بين النبي عليه الصلاة والسلام واليهود، فعرض عليه وجهاء خيبر حليَّ نسائهم كرشوة له، لعله يخفض تقييم التمر:

 

 فعن سليمان بن يسار رحمه الله: أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم:

(( كان يبعث عبد الله بن رواحة رضي الله عنه إلى خيبر، فيخرُص بينه وبين يهود خيبر، قال: فجمعوا له حَلْياً من حَلْي نسائهم، فقالوا: هذا لك، وخَفِّفْ عنا وتَجَاوَزْ في القَسْم، فقال عبد الله: يا معشر يهود، والله إِنَّكم لمن أبغضِ خلق الله إِليَّ، وما ذلك بحاملي على أَن أَحيف عليكم، فأمَّا ما عرضتم من الرّشوة فإنها سُحْت، وإِنَّا لا نأكُلُهَا، فقالوا: بهذا قامت السموات والأرض ))

[ حديث حسن، أخرجه الإمام مالك في الموطأ ]

 ألا يطمح كل مسلم على وجه الأرض أن ننتصر على أعدائنا الذين يتربصون بنا؟ ألا يطمح كل عربي أن ننتصر على أعدائنا الذين يكيدون لنا؟ طريق النصر أن نلغي الظلم من بيننا، لذلك:
 في الحديث الصحيح عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

(( الظلم ظُلمات يوم القيامة ))

[ حديث صحيح، أخرجه البخاري ومسلم ]

 لقد جاء الإسلام بالعدل.
 وقال بعض أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام:
 الحمد لله الذي أخرجنا من ظلم الحكام إلى عدل الإسلام.
 في الجاهلية ظلم لا حدود له، لذلك يقول الله عز وجل:

﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾

(سورة النحل: 90)

 البغي هو الظلم.

تعريف الظلم :

 أيها الإخوة الكرام، من تعريفات علماء اللغة للظلم أنهم قالوا: هو وضع الشيء في غير موضعه، وهذا استناداً إلى قوله تعالى:

 

﴿ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾

 

(سورة لقمان: 13)

 حينما تتجه إلى غير الله، حينما تعبد غير الله، حينما تعلق الأمل على غير الله، حينما تخشى غير الله، حينما ترضي غير الله، فخشيتك، ورجاؤك، وخوفك، وذكرك، وعبادتك وضعتها في غير موضعها الصحيح، لأن الله وحده في الكون يستحق العبادة، عبادة الجوارح، وعبادة القلوب، فالتقديس والسجود والركوع والخوف والخشية، وكل أنواع العبادات القلبية والشعائرية يجب أن تكون لله عز وجل، فمن وجّه هذه العبادات إلى غير الله فقد وقع في ظلم كبير، قال تعالى:

﴿ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾

(سورة لقمان: 13)

 الله تعالى منزه عن الظلم :

 إن الله سبحانه وتعالى في آيات لا تعدّ ينفي عن نفسه كل أنواع الظلم، قال تعالى:

 

﴿ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ ﴾

 

(سورة غافر: الآية 17)

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ ﴾

(سورة العنكبوت: الآية 40)

﴿ وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ﴾

(سورة الأنبياء: الآية 47)

﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (*)وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ ﴾

(سورة الزلزلة: 7- 8)

 أما أن تبحث في عقلك عن تناقضات في الحياة، وتتوهمها ظلماً، فأقول لهذا الإنسان: لا يمكن أن تثبت بعقلك عدل الله إلا بحالة مستحيلة، أن يكون لك علم كعلم الله، ولكن يجب أن تكتفي بالآيات المحكمة التي تنفي عن الذات الإلهية كل أنواع الظلم، قال تعالى:

﴿ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ ﴾

(سورة غافر: الآية 17)

﴿ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً ﴾

(سورة النساء: الآية 49)

﴿ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيراً ﴾

(سورة النساء: الآية 124)

﴿ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ ﴾

(سورة فاطر: الآية 13)

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ ﴾

(سورة العنكبوت: الآية 40)

﴿ وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ﴾

(سورة الأنبياء: الآية 47)

 لذلك من دقائق العدل يوم القيامة العدل بين البهائم، كما قال عليه الصلاة والسلام:

 فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال:

(( لَتُؤدُّنَّ الحقوقَ إلى أهلها يوم القيامة، حتى يُقادَ للشاة الجلْحاء من الشاةِ القرْناءِ ))

[ حديث صحيح، أخرجه مسلم والترمذي ]

 الجلحاء: التي لا قرون لها، والقرناء: التي لها قرون.

بعض درجات الظلم :

 للظلم أنواع ودرجات منها:

 

1) الشرك بالله :

 أشد أنواع الظلم أن تظلم نفسك، أشد أنواع الظلم أن تحرمها السعادة الأبدية التي خلقت لها، قال تعالى:

 

 

﴿ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾

 

(سورة الزمر: الآية 15)

 أيها الإخوة الكرام:
 حينما تلا النبي عليه الصلاة والسلام على أصحابه الكرام قوله تعالى:

 

﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾

 

(سورة الأنعام: الآية 82)

 قَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أينا لم يظلم نفسه؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:

﴿ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾

(سورة لقمان: الآية 13)

 إذاً أشد أنواع الظلم الإشراك بالله، بل هو أشد أنواع الظلم، لأن المتضرر منه هو نفسك التي بين جنبيك، إذا توجهتَ إلى غير الله، وعبدتَ غير الله، وخفتَ من غير الله، وعقدتَ الأمل على غير الله، وظننتَ أن أحداً غير الله ينفعك، أو يخفضك، أو يعزك، أو يذلك، فأنت على خطر عظيم، إن لم تتب وتوحد الله.

 2) قتل المؤمن :

 أيها الإخوة الكرام، الظلم الذي يلي الشرك بالله قتل المؤمن، الله عز وجل يقول:

 

﴿ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً ﴾

 

(سورة النساء: الآية 93)

 في القرآن الكريم كله لا تجد وعيداً أشد من هذا الوعيد، قال تعالى:

 

﴿ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً ﴾

 

(سورة النساء: الآية 93)

3) أذية المؤمنين :

 ويتدرج الظلم حتى يصل إلى كلمة قالتها السيدة عائشة، رضي الله عنها، عن أختها صفية:
 فعن عائشة رضي الله عنها، قالت:

(( قلتُ: يا رسول الله، حَسْبُكَ من صفيّةَ قِصَرها، قال: لقد قلتِ كلمة لو مُزِجَ بها البحر لَمَزَجَتْهُ قالت: وحكيتُ له إِنساناً، فقال: ما أحبّ أني حكيتُ إنساناً وأن لي كذا وكذا ))

[ حديث أخرجه أبو داود والترمذي بإسناد صحيح ]

 فالكلمة والغمزة واللمزة في حق المؤمن ظلم.

 

 وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يوماً:

(( أتَدْرُونَ ما المُفْلِسُ؟ قالوا: المفْلسُ فينا من لا درهم له ولا متاع. قال: إن المفْلسَ مَنْ يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شَتَمَ هذا، وقذفَ هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيُعطَى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فَنيَتْ حَسَناتُهُ قبل أن يُقْضى ما عليه، أُخِذَ من خطاياهم فطُرِحَتْ عليه، ثم يُطْرَحُ في النار ))

[ حديث صحيح، أخرجه مسلم والترمذي ]

 4) الاعتداء على الحيوان :

 حتى إن امرأة استحقت دخول النار بسبب ظلمها لهرة:
 فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أَنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال:

(( دَخَلت امْرَأةٌ النَّارَ في هِرَّةٍ، ربطتها، فلم تُطْعِمها، ولم تَدَعْها تأْكُل مِن خَشاشِ الأرض ))

[ حديث صحيح، أخرجه البخاري ومسلم ]

 5) الإضرار بالنبات :

 حتى لو أنك اعتديت على النبات، فأنت ظالم، يقول عليه الصلاة والسلام:

(( من قطع سدرةً صوب الله رأسه في النار ))

[ حديث رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله ثقات ]

 أن تقطع نباتاً ينتفع به المسلمون، أن تقطع نباتاً ينتفع المسلمون بظله أو بفاكهته، فيقول عليه الصلاة والسلام:

(( من قطع سدرةً صوب الله رأسه في النار ))

[ حديث رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله ثقات ]

 أيها الإخوة الكرام، مرة ثانية:

(( الظلم ظُلمات يوم القيامة ))

[ حديث صحيح، أخرجه البخاري ومسلم ]

 6) ظلم الممتلكات :

 يأتي بعد الشرك بالله، وبعد قتل المؤمن متعمداً، وبعد قتل الحيوان متعمداً، وبعد اقتلاع النبات ظلماً وعدواناً، يأتي ظلم الممتلكات:

 

 فعن سعيد بن زيد، رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

(( من اقتطع شبراًَ من الأرض، طوقه الله تعالى يوم القيامة من سبع أرضين ))

[ من حديث صحيح الإسناد، أخرجه الحاكم في مستدركه ]

 معنى طوّقه أي أنه يقطع له هذا الجزء الذي اغتصبه ظلماً من أرض أخيه حتى يصبح طوقاً على رقبته، نعوذ بالله من هذا، فاغتصاب البيوت، واغتصاب الأراضي، واغتصاب الممتلكات، كلها من أنواع الظلم، حتى إن النبي عليه الصلاة والسلام حذر، بل لعن من غيّر منار الأرض، كما جاء في حديث مسلم:

 عن أبي الطفيل رضي الله عنه، قال: كنت عند علي بن أبي طالب، فأتاه رجل، فقال: ما كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُسِر إليك؟ فغضبَ، وقال: ما كان يُسرُّ إليَّ شيئاً يكتمه الناسَ، غير أنه حدَّثني بأربع كلمات، قلت: ما هنَّ يا أمير المؤمنين؟ قال:

(( لعنَ الله من ذبح لغير الله، لعن الله من لعن والديه، لعنَ الله من أوى محدِثاً، لعنَ الله من غيَّرَ منار الأرض ))

[ حديث صحيح، أخرجه مسلم والنسائي ]

 غيّر منار الأرض: أي حدود الأرض، قد يوضع في مكان ما علامة لحد بين أرضين، فيأتي جار، ويقتلع هذه العلامة، ويأخذ متراً من أرض جاره، هذا عند النبي عليه الصلاة والسلام ملعون، ولعن الله من غيّر منار الأرض، أي غيّر حدودها، وإن أخذ أموال الناس، وتعذيبهم، وسبّهم، وحبسهم بغير حق ظلم كبير، يستوي بالعقاب كل من فعل ذلك قوياً كان أو ضعيفاً.

عدل عمر وخشيته لله :

 أيها الإخوة الكرام، عن المسور بن مخرمة رضي الله عنه، قال:

(( لما طُعِنَ عمر جعل يأْلَمُ، فقال له ابنُ عباس وكأنه يُجَزِّعه: يا أمير المؤمنين، ولا كلَّ ذلك، لقد صَحبتَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فأحسنتَ صحبتَهُ، ثم فارقك وهو عنك رَاض، ثم صحبتَ أبا بكر، فأَحسنتَ صحبته، ثم فارقك وهو عنك رَاض، ثم صحبتَ المسلمين، فأحسنتَ صحبتهم، ولئن فارقتهم لتفارقنَّهم وهم عنك راضون، قال: أَمَّا ما ذكرتَ من صُحْبة رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ورِضاه، فإنما ذلك مَنّ مَنَّ الله به عليَّ، وأَمَا مَا ذكرتَ من صحبةِ أبي بكر ورضاه، فإنما ذلك مَنّ مَنَّ الله به عليَّ، وأما ما ذكرتَ من جَزَعي، فهو من أجلك، ومن أجل أصحابك، واللهِ لو أن لي طِلاع الأرض ذهباً لافتديتُ به من عذاب الله قبل أن أراه ))

[ حديث صحيح موقوف، أخرجه البخاري ]

 هذه خشية الله عز وجل.

 

 فكلما علا مقام الإنسان عند الله كان ممكّناً في الأرض أكثر، وكانت مسؤوليته عند الله أكبر، وكان حسابه أدق وأعسر.
 أيها الإخوة الكرام، ورد في الأثر أن سيدنا عمر قال لأحد الولاة:
 ماذا تفعل إذا جاءك الناس بسارق أو ناهب؟ قال: أقطع يده، قال: فإن جاءني منهم من رعيتك من هو جائع أو عاطل فسأقطع يدك، إن الله قد استخلفنا عن خلقه لنسد جوعتهم، ونستر عورتهم، ونوفر لهم حرفتهم، فإن وفينا لهم ذلك تقاضيناهم شكرها، إن هذه الأيدي خلقت لتعمل، فإذا لم تجد في الطاعة عملاً التمست في المعصية أعمالاً، فاشغلها بالطاعة قبل أن تشغلك بالمعصية.

 قدم لعمر بن الخطاب سنام الناقة، وهو أطيب جزء فيها، فقال:
 بئس الخليفة أنا إذا أكلت أطيبها، وأكل الناس كراديسها.
 وقرقر بطنه يوماً، فخاطبه، وقال:
 قرقر أيها البطن أو لا تقرقر، فوالله لن تذوق اللحم حتى يشبع منه صبية المسلمين.
 أيها الإخوة الكرام، يقول هذا الإمام العادل:
 والله لو أن دابة تعثرت في العراق لحاسبني الله عنها، لمَ لمْ تصلح لها الطريق يا عمر؟

 لذلك، الإمام العادل يكون تحت ظل الله يوم لا ظل إلا ظله، لأنه قوي، وأقام العدل.

 وفي حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(( إنَّ المُقْسِطِينَ عند الله على مَنَابِرَ من نُورٍ عن يَمينِ الرَّحْمنِ، وكلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ، الَِّذينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وأَهْلِيهمْ وَمَا وَلُوا ))

[ حديث صحيح، أخرجه مسلم ]

 الظلم يمحق الأرزاق :

 أيها الإخوة الكرام، شيء آخر، الله عز وجل يقول:

 

﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾

 

(سورة هود: الآية 6)

 فكأن الله بهذه الآية أشار إلى أن الله خلق الإنسان، وخلق له رزقاً يكفيه، بل إن الأصل في أرزاق البشر الوفرة لا الندرة، ولكن ظلم العباد فيما بينهم يجعل هذه الأرزاق نادرة.
 من بعض الإحصاءات في العالم اليوم أن عشرة بالمئة من سكان الأرض يملكون تسعين بالمئة من ثرواتها، هذا الفقر الذي نجده في العالم ليس مردّه إلى أن الخيرات مقننة ونادرة، لا والله، الخيرات وفيرة جداً، ولكن ظلم العباد فيما بينهم جعلها قليلة، وجعل الفقراء يئنُّون من الفقر.

 أهم الروادع عن الظلم :

 ما الروادع أيها الإخوة الكرام، التي تردع الناس من أن يقعوا في ظلم بعضهم؟ من هذه الروادع:

 

1) تقوى الله عز وجل :

 تقوى الله عز وجل، أن تؤمن أن الله سبحانه وتعالى سيحاسب كل من ظلم أخاه المسلم حساباً عسيراً يوم القيامة، فمحور الخطبة الظلم ظلمات يوم القيامة، هناك حساب دقيق، وما من قطرة دم تهرق، وما من مال يغصب، إلا وله حساب دقيق، هل هناك من عمل أعظم من أن تقدم حياتك في سبيل الله؟ يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدَّين، لأن حقوق العباد مبنية على المشاححة، بينما حقوق الله مبنية على المسامحة.

 

 2) الإيمان باليوم الآخر :

 

 الذي يردع الناس عن الظلم: الإيمان باليوم الآخر، الإيمان بأن في هذا اليوم تصفية الحسابات، وردّ المظالم، حينما تقف بين يدي الله عز وجل ليسألك: لماذا ظلمت أخاك؟ قال تعالى:

﴿ وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ﴾

( سورة التكوير: 8- 9)

 فالخوف من الله أول رادع من روادع الظلم، والإيمان باليوم الآخر هو الرادع الثاني، لذلك أيها الإخوة الكرام، ما من ركنين من أركان الإيمان تلازما في القرآن كركني الإيمان بالله واليوم الآخر، أنت حينما تؤمن بالله الإيمان الحق الذي يحملك على طاعة الله ينبغي أن تؤمن أيضاً باليوم الآخر الذي يمنعك من أن تؤذي إنساناً، أو أن تأكل حقه المادي والمعنوي.

 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( كلُّ المسلمِ على المسلم حَرَام: دمُهُ، وعِرْضُهُ، ومَالُهُ ))

[ من حديث صحيح، أخرجه البخاري ومسلم ]

6) رقابة السلطان :

 ورد في الأثر: إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.
 إذا كنت مديرًا لمؤسسة، مديرًا لمعمل، مديرًا لمدرسة، مديرًا لجامعة، مديرًا لأي مجموعة، فيجب أن تعلم علم اليقين أن مهمتك الأولى منع الظلم في هذا النطاق الذي أوكل إليك، فكما أن الإيمان بالله وخوف القصاص يوم القيامة يردعان عن الظلم، كذلك مَن كان تحت يده عشرة رجال إمرتهم بيده فمسؤوليته الأولى أن يمنع عن بعضهم الظلم.
 سيدنا أبو ذر الغفاري، رضي الله عنه، سأل النبي عليه الصلاة والسلام الإمارة، فعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قُلْتُ:

(( يا رسولَ الله، ألا تَسْتَعْملُني؟ قال: فَضَرَبَ بيدهِ على مَنْكِبي ثم قال: يا أبَا ذَرٍّ، إِنَّكَ ضَعيفٌ، وإِنَّها أمَانَةٌ، وإنها يومَ القيامةِ خِزيٌ وَنَدَامَةٌ، إِلا مَنْ أَخذَها بِحَقِّها، وَأدَّى الَّذِي عليه فِيهَا ))

[ حديث صحيح، أخرجه مسلم ]

 وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال:

(( إِنَّكم سَتَحرِصُونَ على الإمَارَةِ، وسَتَكُونُ نَدَامَة يوم القيَامَةِ، فَنِعْمَتِ المُرضِعَةُ، وبِئْسَتِ الفَاطِمَةُ ))

[ حديث صحيح، أخرجه البخاري ]

 أثر الظلم على واقع المسلمين :

 أيها الإخوة الكرام، ما بال المسلمين اليوم يأكلون أموالهم بينهم بالباطل، يعتدون على بعضهم، سباً، وشتماً، واغتصاباً، يعتدون على أعراض بعضهم، حينما تمتلئ الأرض ظلماً وجوراً فهذا من علامات الساعة، في آخر الزمان تمتلئ الأرض ظلماً وجوراً:

 

 عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول:

(( المهديُّ مِني، أَجْلى الجبهةِ، أَقْنى الأنف، يملأُ الأرضَ قِسطاً وعَدْلاً، كما مُلِئَتْ جَوراً، وظُلْماً، ويملك سبع سنين ))

[ حديث أخرجه أبو داود والترمذي بإسناد حسن ]

 أيها الإخوة الكرام، هذا الكلام موجه لكل مسلم كائناً من كان، قد تظلم بعض أولادك، وقد تظلم بعض أصهارك، وقد تظلم بعض عمالك، وبعض موظفيك، هذا كلام عام لكل مسلم، ما منا واحد إلا وفي موقع تحت يديه بضعة أشخاص، قد يكون هؤلاء أولاده أو أصهاره أو بناته أو موظفيه أو عماله، لذلك الظلم ظلمات يوم القيامة، وإذا رجونا من الله أن ينصرنا على أعدائنا، وما أكثرهم! فعلينا أن نعدل فيما بيننا، أذكركم بما قاله اليهود لعبد الله بن رواحة:

 فعن سليمان بن يسار رحمه الله: أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم:

(( كان يبعث عبد الله بن رواحة رضي الله عنه إلى خيبر، فيخرُص بينه وبين يهود خيبر، قال: فجمعوا له حَلْياً من حَلْي نسائهم، فقالوا: هذا لك، وخَفِّفْ عنا وتَجَاوَزْ في القَسْم، فقال عبد الله: يا معشر يهود، والله إِنَّكم لمن أبغضِ خلق الله إِليَّ، وما ذلك بحاملي على أَن أَحيف عليكم، فأمَّا ما عرضتم من الرّشوة فإنها سُحْت، وإِنَّا لا نأكُلُهَا، فقالوا: بهذا قامت السموات والأرض ))

[ حديث حسن، أخرجه الإمام مالك في الموطأ ]

 أيها الإخوة الكرام:
 عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال:

(( سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيُّ الذنب أعظم عند الله؟ قال: أن تجعل لله نداً وهو خلقك، قلتُ: إنَّ ذلك لعظيم، ثم أيُّ؟ قال: أن تقْتُلَ ولدَكَ مخافة أن يطْعمَ مَعَك، قلتُ: ثم أي؟ قال: أن تُزاني حليلةَ جارِكَ ))

[ حديث صحيح، أخرجه البخاري ومسلم ]

 الظلم أشد أنواع الذنوب.

 أيها الإخوة الكرام، يقول الله عز وجل:

﴿ وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ ﴾

(سورة القصص: الآية 59)

 هذه آية قرآنية، آية محكمة واضحة، لا تحتاج إلى تفسير، ولا إلى تعليل، ولا إلى تعليق، حينما يظلم العباد بعضهم بعضاً يستحقون الهلاك جميعاً، قال تعالى:

﴿ وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ ﴾

(سورة القصص: الآية 59)

 لذلك بعض العلماء قال: إن الله يؤيد الأمة العادلة الكافرة، على الأمة المسلمة الظالمة.

وأخيراً :

 حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وسيتخطى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا، الكيّس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني، والحمد لله رب العالمين.

 

* * *

الخطبة الثانية :

 الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سينا محمد عبده ورسوله، صاحب الخلق العظيم، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

سرُّ النصر على الأعداء :

 أيها الإخوة الكرام، لا بد من فكرة دقيقة جداً متعلقة بهذا الموضوع، يقول عليه الصلاة والسلام:
 عن أبي الدرداء رضي الله عنه، قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول:

(( أُبْغُوني ضُعَفَاءكم، فإنما تُرزقُونَ وتُنصرون بضعفائكم ))

[ حديث صحيح، أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي ]

 انطلقت في هذه الخطبة من أن كل مسلم على وجه الأرض يتمنى أن ننتصر على أعدائنا، وما أكثرهم، وما أشرسهم، وما أكذبهم، لكن هذا النصر له ثمن، ثمن هذا النصر من خلال هذا الحديث الشريف:

(( .. فإنما تُرزقُونَ وتُنصرون بضعفائكم ))

[ سبق تخريجه ]

 كيف؟
 الأقوياء حينما ينصرون الضعيف يطعمونه إن كان جائعاً، يعالجونه إن كان مريضاً، يعلمونه إن كان جاهلاً، يؤونه إذا كان مشرداً، ينصفونه إن كان مظلوماً، هذا العمل الجليل يستحق من الله التقدير، لذلك يكافَأ هؤلاء الأقوياء الذين نصروا الضعفاء، وهم أقوياء بمكافأة من جنس عملهم، فينصرهم الله على من هو أقوى منهم، هذا كلام النبي عليه الصلاة والسلام، إن أردت أن تنتصر على عدوك القوي فانصر من كان ضعيفاً تحت يديك، ولا يستطيع أن ينتصر بنفسه:

(( .. فإنما تُرزقُونَ وتُنصرون بضعفائكم ))

[ سبق تخريجه ]

 شيء آخر، من روائع ما قاله النبي عليه الصلاة والسلام حينما دخل إنسان بستان أنصاري، وأكل من دون إذن صاحبه، فساقه صاحب البستان إلى النبي عليه الصلاة والسلام على أنه سارق، فقال عليه الصلاة والسلام:

(( ما علمته إذا كان جاهلاً، ولا أطعمته إذا كان ساغباً أو جائعاً ))

[ من حديث صحيح، أخرجه الحاكم في مستدركه ]

 أيْ قبل أن تتهم إنساناً بتهمة ما هل حللت وضعه؟ هل بحثت عن السبب؟ هل فهمت مشكلته؟ هل حللت موقفه؟ هل عانيت ما يعاني؟ هذا أيضاً ملمح آخر في الموضوع.
 الملمح الأول: إنما تنصرون بضعفائكم، والملمح الثاني: يجب أن نبحث عن أسباب ما يجري، من ضعف النفوس، هناك مشكلات كبيرة يجب أن نحلها، ثم نبحث عن حل للمشكلة الأكبر.

التواضع نصر والكبر هزيمة:

 أيها الإخوة الكرام، قال بعضهم: من علامات سعادة العبد، أنه إذا زاد علمه زاد تواضعه، وإذا زاد عمله زاد خوفه، وإذا زاد عمره قلّ حرصه، وإذا زاد ماله زاد سخاؤه، وإذا زاد قدره وجاهه زاد من الناس قربه، وقضيت على يديه حوائجهم.
 ومن الصفات المذمومة، ومن علامات الشقاء في الإنسان أن الكِبر في الإنسان يمنع انقياده إلى الحق، والحسد يمنع بذله للنصيحة، كما يمنع قبولها، وأن الغضب يمنع العدل، وأن الشهوة تمنع التفرغ للعبادة.
 فإذا وفق المبتلى بهذا فانهدم ركن الكبر سهل الانقياد، وإذا انهدم ركن الحسد، سهل بذل النصح، وقبول النصح، وإذا انهدم ركن الغضب سهل العدل، والتواضع، وإذا انهدم ركن الشهوة سهل الصبر والورع والعفاف والتعبد.

 

  لابدَّ من رفع الظلم :

 أيها الإخوة الكرام، هذه الحقائق التي جاءت بها الآيات الكريمة، وهذه الأحاديث الصحيحة التي ذكرها النبي عليه الصلاة والسلام، ينبغي أن تترجم إلى واقع، ينبغي أن لا يظلم بعضنا بعضاً في متاجرنا، أو معاملنا، أو مكاتبنا، أو مؤسساتنا، أو دوائرنا، أو بيوتنا، أو مناسباتنا، بين أولادنا، بين أحفادنا، بين بناتنا، بين أصهارنا، بين جيراننا، حينما نقيم العدل في حياتنا نستحق من الله أن ينصرنا.

 

(( .. فإنما تُرزقُونَ وتُنصرون بضعفائكم ))

[ سبق تخريجه ]

(( الظلم ظُلمات يوم القيامة ))

[ حديث صحيح، أخرجه البخاري ومسلم ]

 أعيد على أسماعكم ما قالته اليهود لعبد الله بن رواحة:

 

 فعن سليمان بن يسار رحمه الله: أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم:

(( كان يبعث عبد الله بن رواحة رضي الله عنه إلى خيبر، فيخرُص بينه وبين يهود خيبر، قال: فجمعوا له حَلْياً من حَلْي نسائهم، فقالوا: هذا لك، وخَفِّفْ عنا وتَجَاوَزْ في القَسْم، فقال عبد الله: يا معشر يهود، والله إِنَّكم لمن أبغضِ خلق الله إِليَّ، وما ذلك بحاملي على أَن أَحيف عليكم، فأمَّا ما عرضتم من الرّشوة فإنها سُحْت، وإِنَّا لا نأكُلُهَا، فقالوا: بهذا قامت السموات والأرض ))

[ حديث حسن، أخرجه الإمام مالك في الموطأ ]

 أيها الإخوة الكرام، أنا أبحث عن البنية التحتية للأمة، هذه البنية التحتية إذا تظالمت عندئذ لا نستحق أن ينصرنا الله على أعدائنا، وما أكثرهم، وما أشرسهم، وما أكذبهم.
 أيها الإخوة الكرام، نحن في محنة كبيرة، لعل الخلاص منها من خلال الآيات الكريمة والأحاديث الصحيحة أن نلغي الظلم في حياتنا، كلٌّ في موقعه، وكلٌّ في دائرة عمله، وكلٌّ في مرتبته التي منحه الله إياها، لا بد من أن نحقق العدل، وأذكركم مرة ثانية أن الدنيا تصلح بالكفر والعدل، ولا تصلح بالإيمان والظلم، الدنيا فقط، الآخرة موضوع آخر، الدنيا تصلح بالكفر والعدل، ولا تصلح بالإيمان والظلم، قال تعالى:

﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ ﴾

(سورة الأنعام: الآية 82)

  اتقِ دعوة المظلوم :

 قد تكون مؤمناً، وأنت من رواد المساجد، ولك باع طويل في الدعوة إلى الله، قد تقع في ظلم في بيتك، أو في عملك، أو مع من تصاحب، هذا الظلم لا بد من أن يحاسب صاحبه.
 علامة إيمانك أنه مهما علا شأنك، ومهما تألق نجمك، إذا وقع منك ظلم فلابد أن تحاسب عليه، هذا عدل الله المطلق.

 

 فيا أيها الإخوة الكرام، مرةً أحد أكبر معاوني هارون الرشيد، كان يتمتع بمكانة لا توصف، فجأة وجد نفسه في السجن، زاره أحد أقربائه، قال له: أنت هنا؟ قال: لعل دعوة مظلوم أصابتني.
 عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بَعَثَ مُعَاذاً إلى اليمن، فقال:

(( اتَّقِ دعوةَ المَظْلومِ، فإنَّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا، وَبَينَ اللهِ حِجَابٌ ))

[ حديث صحيح، أخرجه البخاري ومسلم ]

 اتقوا دعوة المظلوم، ولو كان كافراً.

 دققوا أيها الإخوة الكرام، الله عز وجل يقول:

﴿ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾

(سورة المائدة: الآية 2)

 نحن بحاجة إلى العدل ضمن بيوتنا، بين أولادنا، بين بناتنا، بين أصهارنا، بين إخواننا، بين عمالنا، بين موظفينا، ما لم يقم العدل فلا تبحثوا عن النصر، هذه كلمة مؤصلة من الكتاب والسنة، ما لم نُقِمِ العدل في حياتنا فينبغي أن لا ننتظر من الله أن ينصرنا، فالظلم ظلمات يوم القيامة.
 محور هذه الخطبة أن الظلم ظلمات يوم القيامة، يبدأ الظلم بسفك دم مؤمن، وينتهي بكلمة: قصيرة، التي قالتها السيدة عائشة، رضي الله عنها.
 فعن عائشة رضي الله عنها، قالت:

(( قلتُ: يا رسول الله، حَسْبُكَ من صفيّةَ قِصَرها، قال: لقد قلتِ كلمة لو مُزِجَ بها البحر لَمَزَجَتْهُ قالت: وحكيتُ له إِنساناً، فقال: ما أحبّ أني حكيتُ إنساناً وأن لي كذا وكذا ))

[ حديث أخرجه أبو داود والترمذي بإسناد صحيح ]

 أيها الإخوة الكرام، والله لا أبالغ، يوجد في حياتنا اليومية في بيوت المسلمين، في دوائر عملهم، في مؤسساتهم، يوجد من الظلم ما لا يوصف، وهذا سبب تخلي الله عنا، لا تعتبوا على الله، قال تعالى:

﴿ وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ ﴾

(سورة القصص: الآية 59)

﴿ وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً ﴾

(سورة الإسراء: الآية 16)

  التوبة من الظلم :

 أيها الإخوة الكرام، باب التوبة مفتوح، أزيلوا الظلم، كان الأمراء السابقون إذا واجهوا عدواً شرساً، أول شيء يفعلونه إزالة المظالم في بلادهم، إزالة المظالم، كل واحد منا رب أسرة، موظف، هذا الذي جاء من مدينة بعيدة لا تقل له: تعال غداً، أنجز له عمله، إن كنت معلماً فدرِّس بإتقان، لا تظلم الصغار، أنواع من الظلم في البيع والشراء والتجارة والزراعة، قد نضع مادة مسرطنة كي يزداد حجم الإنتاج على حساب صحة الآخرين، وقد منع استيرادها، تشترى تهريباً، تعامل شخصاً لا يعبأ بصحة الناس، يعبأ بأرباحه فقط.
 أقول لكم: أنا أتحدث عن البنية التحتية فقط، فقط نحن رواد مساجد، أبناء هذه المدينة، نحن نرتكب ظلماً شديداً في تجارتنا، وبيعنا، وشرائنا، ومعاملاتنا، فإذا أردنا أن ننتصر، وهذا طموح كل منا، إذا أردنا أن ننتصر على أعدائنا، وما أكثرهم، وما أقواهم، وما أشرسهم، وما أشدهم حقداً فينبغي أن نزيل الظلم من بيننا، من بين بيوتنا، من مؤسساتنا، من دوائرنا، من بين موظفينا، هذا هو محور الخطبة.

 

  الدعاء :

 اللهم ارحمنا فإنك بنا رحيم، ولا تعذبنا فإنك علينا قادر، والطف بنا فيما جرت به المقادير، إنك على كل شيء قدير.
 اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق، ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت، نستغفرك ونتوب إليك.
 اللهم اهدنا لصالح الأعمال لا يهدي لصالحها إلا أنت، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت.
 اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين.
 اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك.
 وصلِّ اللهم على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور