وضع داكن
16-04-2024
Logo
الإيمان هو الخلق - مقومات التكليف - الندوة : 83 - الأسرة ـ أسباب الشقاق الزوجي ـ ميل أحد الأبوين إلى أحد الأولاد
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

الأستاذ علاء :
الإيمان هو الخلق ؛ يسعدنا أن نكون بمعية فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين ، أهلاً وسهلاً بسيدي الأستاذ .
الدكتور راتب :
بكم أستاذ علاء جزاكم الله خيراً .
الأستاذ علاء :
سيدي الكريم توقفنا عند مسألة هامة ودعني أبدأ هذه الحلقة بقوله تعالى بعد بسم الله الرحمن الرحيم :

 

﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنْ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا(54)﴾

(سورة الفرقان)

تحدثنا عن الأسرة وعن أهمية الأسرة وعن الرباط الأسري ، وتحدثنا في حلقات أخرى عن المودة والرحمة وجعل بينكم مودة ورحمة ، ثم تحدثنا عن المظاهر التي نراها في المحاكم الشرعية نتيجة الشقاق الزوجي ، وتحدثنا عن أسباب الشقاق الزوجي بدأنا بضعف الإيمان بالله ، ضعف القناعة ، ضعف الإيمان باليوم الآخر ، التعالي ، الجهل ، سوء التصرف ، وتحدثنا عن التقليد الأعمى وهذا ما يورث الشقاق الزوجي ، ماذا عن إجمال هذه الموضوعات لنبتدئ بموضوع هام هو ميل أحد الأبوين إلى أحد الأولاد .

 

بطولة كل إنسان لا أن يعالج أعراض الداء بل أصل هذا الداء :

الدكتور راتب :
سيدي أحياناً يكون عندنا التهاب عميق بالجهاز الهضمي لهذا الالتهاب العميق أعراض ، ارتفاع حرارة ، أحياناً صداع ، أحياناً ارتفاع حرارة مع برودة (بردية)، فالبطولة لا أن تعالج هذه الأعراض أن تعالج أصل الداء ، فنحن قلت في حلقة سابقة الأصل أن هذا الإنسان غفل عن الله ، غفل عن سرّ وجوده ، غفل عن غاية وجوده ، غفل عن حقيقة الزواج قال سيدنا عمر : أقوم إلى زوجتي ، وما بي من شهوة إلا ابتغاء ولد صالح ينفع الناس من بعدي .
هناك أهداف نبيلة جداً ، أنا سبحان الله في عقود القران أحياناً أذكر آية ما لها علاقة بالزواج إطلاقاً متعلقة بالجهاد لماذا أذكرها في موضوع الزواج ، ما الآية ؟

﴿ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنْ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ (104)﴾

(سورة النساء)

يعني أي شاب أقدم على الزواج أمامه متاعب كبيرة جداً ، تأمين البيت ، تأسيس البيت ، تأمين الحلي للمخطوبة ، الحفلات ، تكاليف فوق طاقته ، أي إنسان أقدم على الزواج أمامه متاعب لا تعد ولا تحصى ، لكن المؤمن يرجو من الزواج ما لا يرجوه غير المؤمن :

 

﴿ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنْ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ (104)﴾

(سورة النساء)

أسعد الناس في الدنيا أرغبهم عنها وأشقاهم فيها أرغبهم فيها :

لذلك موضوع أسباب الشقاق الزوجي أصلها جهل الإنسان بسر وجوده ، وغاية وجوده ، جهل الإنسان برسالته في الحياة لماذا الزواج ؟ ليس للمتعة ، المتعة موجودة ، لكن ليس للمتعة وحدها والفلاسفة ذكروا حقيقة خطيرة جداً ، الإنسان حينما يتوهم أن اللذة تسعده سوف تشقيه ، إن أسعد الناس في الدنيا أرغبهم عنها وأشقاهم فيها أرغبهم فيها ، أنت حينما تعتقد أن اللذة تسعدك هذا أكبر خطأ ، لذلك قالوا : مبدأ اللذة إذا أصبح هدفاً انقلب إلى مبدأ ألم.
فلذلك الزواج برسالته راقٍ جداً ، برسالته سامٍ جداً ، برسالته مسعد جداً لكن من دون رسالة متعة ، الزوجة تمل ، والزوج يمل ، وكل شيء يمل في الحياة ، مادام لا يوجد رسالة ، لا يوجد هدف كبير كل شيء ممتع بدون رسالة يمل ، لذلك ورد في بعض الأحاديث:

(( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا بَعَثَ بِهِ إِلَى الْيَمَنِ قَالَ إِيَّاكَ وَالتَّنَعُّمَ فَإِنَّ عِبَادَ اللَّهِ لَيْسُوا بِالْمُتَنَعِّمِينَ ))

[مسند الإمام أحمد عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ]

ليس القصد ألا تتنعم ، لا ، ألا تجعله هدفاً وغاية ، ألا يكون التنعم محط رحالكم ومنتهى آمالكم ، أنا معي رسالة ، هذه الأمة تصنع تاريخها بأبطالها وأبطال المسلمين صنعوا تاريخاً متألقاً جداً ببطولاتهم ، هم تزوجوا وأنا يغلب على ظني أنهم سعدوا بزوجاتهم لكن معهم رسالة ، إذاً الإنسان يحقق نجاحاً كبيراً بعمله ، في بيته مرتاح ، في أكل ، في شرب ، في زوجة ، لكن هذه الأشياء تعينه على رسالته ، ليس الهدف أن يكون له مقعد مريح في البيت ، ليس له عمل خارج البيت من أين يأتي بالمال ؟ هو له أعمال مهمة وناجح نجاحاً كبيراً لكن في بيته مرتاحاً .

 

المبادئ والقيم والرسالة والإيمان أساس كل علاقة زوجية :


لذلك حينما ننحي المبادئ والقيم والرسالة والإيمان جانباً نقع في إشكال كبير يغدو الزواج مملاً ، أنا مرة كنت في أمريكا لي قريب هناك له صديق أميركي ، على شرفته ألبسة ولادية منشورة ، زاره مرة فسأله كم ولد عندك ؟ قال أنا عندي كلاب ما عندي أولاد ، هذه ثياب الكلاب ، الولد ممل متعب ، المشكلة الكبيرة المجتمع الغربي يتناقص ، سكان أوربا نسبتهم إلى سكان العالم كان خمسة و عشرون بالمئة الآن خمسة عشر بالمئة وسنة 2020م سيكونون خمسة بالمئة في تناقص ، لا داعي للأولاد ، لا داعي أن يكون هناك زواج أصلاً هناك مساكنة فقط ، شاب اختار شابة في الجامعة سكن معها ، عاشرها كزوجة إلى أن يمل منها يركلها بقدمه ، هذه حياة ؟ نحن عندنا زواج ، عندنا مقدسات ، عندنا عقد :

﴿ وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (21)﴾

(سورة النساء)

نحن الزواج مقدس ، الأولاد مقدسة ، مرة كنت في أستراليا فقال لي رئيس الجالية هناك بلغ أخواننا في الشام أن مزابل الشام خير من جنات أستراليا ، يعيشون في جنة هناك المادية طبعاً ، لما سألته لماذا ؟ قال لأن ابنك ليس ملكك هناك ، ابنك في بلاد الشرق أنت مطمئن أنه ابنك سيكون على شاكلتك ، هناك ملحد أو في حلقة في أذنه لها معنى سيئ جداً ، مشكلة كبيرة جداً ، نحن الزواج شيء مقدس .

 

أكبر سبب في الشقاق الزوجي أن نجهل حقيقة وجودنا :


كما تفضلت في بداية الحلقة السابقة قلت نقطة دقيقة جداً أن من دون أن يشعر الإنسان يحقق هدفاً كبيراً في الزواج ، فلذلك أنا أقول إما أن نعالج أصل المرض أو أن نعالج أعراضه ، أعراضه في مئة عرض الحل لا يكون إلا بمعالجة أصل المرض .
لذلك : أن نجهل حقيقة وجودنا ، أن نجهل ما ينتظرنا بعد الموت ، يعدّ أكبر سبب في الشقاق الزوجي ، أما حينما أؤمن أن هذا الزواج مرحلي وله رسالة كبيرة إنجاب أولاد صالحين يعطون المجتمع بناء صحيحاً ، قيماً صحيحة ، أقول قد حققت الهدف من الزواج .
الأستاذ علاء :
سيدي في الحلقة الماضية انتهينا من التقليد الأعمى وقد أشبعنا هذه النقطة ، في البيت الأب أو الأم يميل كل منهما إلى أحد الأولاد ، وهذه قضية تربوية ، وهذه قضية سلوكية من دون أن يشعر الأب أو الأم قد تحدث مشكلة في المنزل تكبر وتكبر حتى تفضي بانهيار الأسرة أحياناً ما حلّ هذه القضية ؟

من بالغ بالعدل بين أولاده ألغى الفروق الفردية بينهم :

الدكتور راتب :
أستاذ علاء لا شك أن هناك فروقاً فردية ، الآن أنطلق من حقيقة علمية ، هناك ولد وسيم وسامته عالية جداً ، وهناك ولد غير وسيم ، هناك ولد ذكي ، وهناك ولد غير ذكي ، فأنت أحد شخصين إما أن أنساق مع رغباتي الفطرية الغرائزية فأهتم بهذا الوسيم وهذا الذكي وأهمل غير الوسيم وغير الذكي أنا أكون بحق الثاني مجرماً وإما أن أكون صاحياً مؤمناً وأعامل الاثنين بأعلى درجة فأخفف الفروق بينهما

أنا حينما أعامل جميع الأولاد باهتمام واحد ، بعدل تام ، بعطاء واحد ، بمودة واحدة ، اعدلوا بين أولادكم في القبل ، أعطِ قطعة حلوى للأول وللثاني مثلها ، أنا حينما أبالغ في العدل بين الأولاد ألغي الفروق الفردية بينهم ، وألغي الأمراض النفسية التي تنشأ عندهم .
والله هناك أطفال يعانون من آلام اتجاه والديهم حتى الموت ، والله أنا أتلقى اتصالات من بعض أخواني تجد البنت متألمة من أبيها ألماً لا يحتمل لأنه فضل أخاها عليها ، لذلك في الآثار ورد : البنت يوم القيامة تقف أمام رب العزة ، تقول : يا رب ، لا أدخل النار حتى أدخل أبي قبلي ، لأنه سبب شقائي في الدنيا ، والله أنا أهيب بالأخوة المشاهدين أن يبالغوا في العدل بين الأولاد ، لذلك النبي صلى الله عليه وسلم :

(( إِنِّي نَحَلْتُ ابْنِي النُّعْمَانَ نُحْلًا ، وَإِنَّ عَمْرَةَ سَأَلَتْنِي أَنْ أُشْهِدَكَ عَلَى ذَلِكَ ، قَالَ : فَقَالَ : أَلَكَ وَلَدٌ سِوَاهُ ؟ قَالَ : قُلْتُ : نَعَمْ ، قَالَ : فَكُلَّهُمْ أَعْطَيْتَ مِثْلَ مَا أَعْطَيْتَ النُّعْمَانَ ؟ قَالَ : لَا ، قَالَ : فَأَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي ))

[أبو داود ، والنسائي عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ]

(( قَالَ : لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ ))

[أبو داود ، والنسائي عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ]

من حرم ولده زاده عقوقاً :

والله تكاد تكون المشكلة الأولى الآن ولا أبالغ عدم العدل بين الأولاد ، أو تحرم البنات ويأخذ الذكور كل شيء . الوهم الشيطاني أن هذا المال سيذهب إلى الصهر ، الصهر زوج ابنتك أقرب إنسان لها ، بالمناسبة النبي صلى الله عليه وسلم سئل :

(( مَن أعظم الرجال حقاً على المرأة ؟ قال : زوجها ، فلما سئل : مَن أعظم النساء حقاً على الرجل ؟ قال : أمه))

[ الجامع الصغير عن عائشة بسند فيه ضعف ]

إنّ أعظم رجل في حياة المرأة زوجها ، وأعظم امرأة في حياة الرجل أمه ، هذا زوجها إذا ورثت من أبيها مبلغاً واشترت سيارة تدعو له طول حياتها ، أنا أقول دائماً قضية العدل بين الأولاد فيها وعيد من الله خطير .
فإنّ الرجل وإن المرأة ليعبدان الله ستين عاماً ، ثم يضران في الوصية فتجب لهما النار ، في رواية إن الزوجين يعبدان الله ستين عاماً ، ثم يضران في الوصية فتجب لهما النار ، ليس شيئاً سهلاً حرمت ولداً و أعطيت ولداً ، يقول لك هذا عاق أنت حينما حرمته زدته عقوقاً ، صار مجرماً بحق أولاده ، منذ مدة انتحر إنسان لأن والده أعطاه كل شيء ، واغتصب أموال والده كلها فأخوته كادوا له بالمحاكم وبالقضاء وبالمالية إلى أن حملوه على أن ينتحر ، خطأ الأب ، فلذلك أنا أهيب بالآباء العدل التام بين الأولاد بكل شيء ، إن كانوا صغاراً حتى بالمودة حتى بالقبل .

 

المودة أساس العدل :


أنا أقول كلاماً آخر للمعلم ، تجد معلم صف ، عنده خمسة وعشرون طالباً ، خمسون طالباً كم طالب أذكياء جداً عينه عليهم فقط ، السؤال لهم وظيفتك يا بني ، والآخر يهمله ، وجد نفسه مهملاً هل تصدق أن من صفات المعلم الناجح أن يمر بعينيه على كل الطلاب بالتسلسل ، حتى الداعية يقف ليلقي كلمة في قسم يحبهم ثلاث أرباع الساعة هكذا والآخرون أهملهم ، تنقل عينك من واحد لواحد حتى يشعر أن له قيمة عندك .
الأستاذ علاء :
أذكر أن مدرسونا حينما يمرون على وظائفنا على المقاعد يعطي وقتاً بالتساوي للكل وتشعر بأنه منحك ما منح الغير من اهتمامه .
الدكتور راتب :
الأب والأم حينما يعدلان بين أولادهما ينشأ مودة ، أما حينما يؤثر الأب ابن أذكى من ابن أو أحياناً يكون الابن بالتعبير العامي بهلول ، يمدح والده كثيراً ، يستأثر بمودته ، والثاني مستقيم لكن ما عنده هذه الإمكانية يقلد أخوه ، ينحرف ، هذا خطأ كبير والله أنا لا أنطلق من فراغ ، والله إنسان ترك ألف مليون أحد أولاده يعمل على السوزوكي ، والثاني عنده ثمانين محضراً باسمه ، يجوز ؟ قريب مليار ، والآخر يعمل على السوزوكي ، أما هذا الذي باسمه ثمانين محضراً صالح جداً بعدما مات والده وزع التركة بالتساوي كان بطلاً ، أنا لا أتكلم من فراغ ، أنا أكبر مشكلة أعاني منها عدم العدل بين الأولاد ، تجعلهم أعداء ، يصبحون وحوشاً بعد الموت .
الأستاذ علاء :
لماذا نلعب بقوانين الميراث ؟

أكثر مشاكل الأسر بعد وفاة الأم والأب هي سوء العدل بين الأولاد :

الدكتور راتب :
الله عز وجل ما سمح للنبي أن يوزع تولاها بذاته ، الميراث وزعه القرآن الكريم ، كل إنسان يشتغل يحرم أخواته البنات .
الأستاذ علاء :
تسمح لي سيدي بهذه الناحية كما تفضلت مررت عليها ، لكن في أريافنا أنا أقول من خلال هواتف تأتينا ، وفي مناطق كثيرة ليس في بلاد الشام وإنما في العالم العربي والإسلامي يعتقدون وخاصة إذا كان الميراث أرضاً يأخذ هذه الأرض الذكور بعد وفاة والدهم وتحرم الإناث قال : حتى لا تتشتت الأرض ولا تذهب إلى الغريب ، وخاصة إذا كان الغريب من قبيلة ثانية أو أسرة ثانية ، ماذا نقول ؟
الدكتور راتب :
أستاذ علاء خلاف الشرع ، المشكلة نحن توهمنا أن الدين صلاة وصوم وحج وزكاة ، الدين والله لا أبالغ خمسمئة ألف بند ، الدين منهج كامل الدين يدخل بأدق العلاقة خصوصية ، بالعلاقات الزوجية وينتهي بالعلاقات الدولية ، الدين متعلق بالميراث ، إذا أنت عادل مع الأولاد كلهم ، الكل مرتاحون ، الكل يتمنون بقاءك ، أما إذا في ظلم أنا أقول لك إن شاء الله لا أبالغ قريب من تسعين بالمئة من الناس لا يعدلون ، وأكثر مشاكل الأسر بعد وفاة الأم والأب هي سوء العدل بين الأولاد .
الأستاذ علاء :
سيدي إذا سمحت لي هنالك كما ورد في الأثر بعض الاستثناءات قال : صغيرهم حتى يكبر ، ومريضهم حتى يصبح صحيحاً ، وغائبهم حتى يعود .

على كل إنسان أن يهيئ لله جواباً عن كل شيء قبل أن يلقاه :


الدكتور راتب :
مثلاً إنسان عنده أربع بنات ، ثلاث متزوجات من تجار أغنياء ، و الرابعة ما أصابها الزواج بقيت عانساً ليس لها أحد ، فكتب لها بيتاً في حياته غير الإرث ، له عند الله جواب مقنع ، لك أن تهاب ما تشاء لكن معك جواب لله ، أحياناً يكون عند الإنسان زوجتان تصر عليه الثانية التي يحبها وهي صغيرة في السن أن يكتب بيتاً لأحد أولادها من زوج آخر فيستجيب لها ، والأولى أم أولادك الوفية يحرم أولادها من كتابة بيت آخر لهؤلاء ، هذا اسمه هبة كيدية يحاسب عليها الإنسان أشد الحساب ، إذا شخص عنده ولد معاق فكتب له بيتاً ودكان في حياته يسكن في بيت ويؤجر الدكان يعيش منها وخلاف أخوته معه لله جواب .

العدل أساس الملك :

لذلك نحن نقول عندنا فرق بين العدل والمساواة ، أنت عندك ابن جامعي وابن في الحضانة ، تعطي ابنك في الحضانة خمسين ليرة ، تعطي الجامعي مئتي ليرة ، عنده مواصلات ، وسندويش ، وعنده كتب ، يا ترى أنت لست عادلاً ؟ لا أنت عادل ، إن أعطيت الصغير خمسين ليرة والكبير ثلاثمئة أنت في منتهى العدل تعطيه حاجته .
هناك نقطة ثانية أكبر ولد يشتري له بيت يزوجه ، يسلمه عملاً ، عنده ولد صغير يجب أن تهيئ للصغير ما أعطيت الكبير هذا خطأ كبير ، يقول لك الإرث بالتساوي لكن أنت آخذ البيضة والتقشيرة ، لذلك هو يفضل أن يكون ما يعطى للكبير ديناً عليه يحسم من نصيبه من الإرث ، هذا عدل ، أنا أمنت لابن كبير بيت وسيارة فرضاً وعمل ، دين عليه لما يموت الأب يوزع الإرث .
أنا مرة أحد الأخوة الكرام توفي والده آخذ بيوتاً لثمانية أولاد ، بيت باثني عشر مليوناً وبيت بخمسة ألف قديماً ، واختلفوا وترك مبلغاً ضخماً ، كان اقتراحي أن يأتوا بخبراء يُقيموا البيوت كلها بالسعر الحالي وكتبوا بيتك الآن ثمنه عشرون مليوناً ، والثاني ثمانية ملايين ، واعتبروا البيوت كلها من الإرث وتوزع المبلغ كله ، كان نصيب الواحد عشرين مليوناً فالذي بيته اثني عشر أخذ ثمانية ، والذي بيته ثمانية أخذ اثني عشر مليوناً .
لا يصلح للناس إلا العدل أبداً ، بالعدل أنت ملك تكون والعدل أساس الملك .
الأستاذ علاء :
رعاية في البيت إذا كان في البيت صغير رعاه أكثر .

المساواة بين الأبناء مستحيلة في ظروف متفاوتة :

الدكتور راتب :
معه جواب إلى الله ، الصغير حتى يكبر ، والمريض حتى يشفى ، والغائب حتى يعود . سبحان الله الآخرون يرضون عن هذا ، أحياناً يقول لك أنا أخذت لابنتي العانس بيتاً لكن أخوتها موافقون ، نقطة مهمة ، الأب إذا كان تصرفه حكيم وإنساني ومعه جواب لله مقبول عند أولاده أيضاً ، أربع بنات ثلاث متزوجات من تجار أغنياء والرابعة ما أصابها الزواج أخذ لها بيتاً أخوتها يرضون عن هذا .
الأستاذ علاء :
لأن هذا مقنع بالعدل .
الدكتور راتب :
العدل شيء والمساواة شيء ، المساواة مستحيلة في ظروف متفاوتة ، شخص مثلاً أرسلته إلى حلب يدرس يحتاج إلى بيت يسكن ويأكل ، أما في الشام نائم في البيت نفسه ويأكل في البيت نفسه فتعطيه مصروف بيته فقط ، أما في حلب يحتاج إلى بيت وقسط جامعة ، أنت ما ظلمت الذي صحّ له في جامعة دمشق ، في كلية حلب يأخذ أكثر منه بكثير .
الأستاذ علاء :
سيدي في هذا الموضع خاصة التعامل مع الصغار مررت أنت في حلقات ماضية كثيراً على هذه المسائل ، عندما جاء سيدنا عمر بشخص ليكلفه أن يكون والياً فرآه يقبل ابنه فقال إننا والله لا نقبل أبناءنا ، فأنهى المهمة وعزله في هذا الملمح يجب أن يتوفر في الأبوين رحمة حاضنة لكل الأولاد .

الإنسان بغرائزه يميل إلى الذكي والوسيم لكن بإيمانه يعدل بينهما :

الدكتور راتب :
أنا سوف أقول لك كلمة دقيقة : الإنسان بغرائزه يميل إلى الذكي ، إلى الوسيم دون أن يشعر بغرائزه ، لكن بإيمانه يعدل بينهما حتى في القبل ، حتى في الابتسامة ، عندما يكون أب حكيم جداً أولاده بالتساوي تماماً ، والله مرة جاءني اتصال هاتفي أن بنتاً زارت أباها في المصيف في العيد أعطاها خمسمئة ليرة ، وقال لها لا تطيلي المكوث لأن عنده زوجة ثانية ، الزوجة الثانية سيأتي بناتها يهتم بالزوجة الثانية قال لها لا تطيلي المكوث هذه خمسمئة واذهبي ، أما الثانية أعطى كل بنت خمسة آلاف وتغدوا عنده ، تقول أكثر من ستة أشهر كلما أتذكر تبكي ألم من أبيها ، أنا ابنتك أعطاها خمسمئة ولا تطيلي المكوث ، وبناته من زوجته الجديدة يأكلون عنده في بلودان ويأكلون لحم مشوي وكل واحدة عيدية خمسة آلاف ، لماذا هذه التفرقة ؟ لذلك البنت كأنك ذبحتها ، كأنك حطمتها ، والله يا أستاذ علاء إذا إنسان كان عادلاً يشعر بسعادة لا توصف .
أنا أؤكد مرة ثانية قضية الوسامة والذكاء متفاوتة ، بطولتك أن تكون عادلاً مع الكل حتى في القبل ، حتى في الابتسامة ، حتى في المودة ، حتى في الهدايا ، حتى مع أزواجهن ، أحياناً ترى هناك زوج لا يهتمون به كثيراً ، و هناك زوج غني محترم جداً ، ليس معقول الزوج الثاني آدمي وصاحب دين وورع وابنتكم مرتاحة عنده ، لكن دخله محدود ، الاهتمام بهذا .
هذه أمراض تنخر في مجتمعنا يا أستاذ ، ليس منا من فرق ، صار في تفرقة ، صار في حزازات ، صار في آلام ، صار في أحقاد .
الأستاذ علاء :
قال رسول كسرى عندما أراد أن يأتي إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه بحث عنه في كل الأرجاء ظن أنه سيرى قصر ، فقالوا : هذا الذي ينام تحت الشجرة وقد توسد بنعليه ، قال حافظ إبراهيم تلك القصيدة : وراع صاحب كسرى أن رأى عمرا ، قال : عدلت فأمنت فنمت . العدل كما تفضلت أساس .

من التزم جانب العدل أصبح بيته متماسكاً :

الدكتور راتب :
لا يوجد أب إلا سوف يموت ، ولا يوجد أب إلا عنده شيء يورثه لأولاده ولو بيته الوحيد ، عندما لا يكون عادلاً يجعلهم أعداء بعد وفاته ، أنا أعلم علم اليقين والله في مشاكل يأتيني اتصالات يومية أستاذ علاء من سوء العدل بين الأولاد ، فأنا أعاني مشكلة أنا أضع يدي على جرح كبير في المجتمع ، التفرقة بين الأولاد ، إن شاء الله ، الله عز وجل يلهم الأخوة المشاهدين أن يلتزموا جانب العدل مع أولادهم يصبح البيت متماسكاً ، أنا أستاذ علاء أحترم الأسرة المتماسكة احترام ما له حدود متماسة ، في مودة بالغة بين الأولاد بعد موت أبيهم ، الأب كان عادلاً ، لما كان عادلاَ ترك سمعة طيبة ، في زيارات ، في لقاءات ، في محبة ، أنس ، في تبادل هدايا .
الأستاذ علاء :
العدل يلغي كل مرض نفسي .
الدكتور راتب :
لذلك الآن في أسر بعد موت الأب لا يتكلمون ، لثلاثين سنة ما دخلت بيته ولا أسلم عليه ، من المرض النفسي الذي أورثه الأب ، العدل قيمة عليا ، الله هو العدل .
الأستاذ علاء :
كنا نود أن نستمر لكن الحقيقة الوقت أدركنا إن شاء الله نكمل البنود التي تتعلق بالشقاق الزوجي ، إن شاء الله لا يشهد بيت من بيوتنا شقاق زوجياً .
الدكتور راتب :
ما وجدت موضوعاً ألصق بهذا العنوان الإيمان هو الخلق ، من هذه الموضوعات.

خاتمة وتوديع :

الأستاذ علاء :
إن شاء الله نكمل في حلقات قادمة ، لا يسعني في نهاية هذه الحلقة إلا أن أشكر فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة على كل ما قدم ، شكراً سيدي الأستاذ .

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور