مقدمة :

الأستاذ علاء :
 أيها السادة المشاهدون سلام الله عليكم ورحمته وبركاته ، وأهلاً ومرحباً بكم في هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم الإيمان هو الخلق ، يسعدنا أن نكون بمعية فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين ، أهلاً وسهلاً سيدي الأستاذ .
الدكتور راتب :
 بكم أستاذ علاء جزاك الله خيراً .

الشرع جاء ليس لتقييد الإنسان وإنما لمصلحته وضمان لسلامته :

الأستاذ علاء :
 سيدي من مقومات التكيف العقل وصلنا إلى الشرع وأفردنا له حلقات عدة ، تبين ملخصاً للحلقات السابقة بأن الشريعة مصلحة كلها ، رحمة كلها ، حكمة كلها ، وأية قضية خرجت من العدل إلى الجور ، ومن الرحمة إلى القسوة ، ومن المصلحة إلى المفسدة ، ومن الحكمة إلى خلافها فليست من الشريعة ، ولو أدخلت عليها بألف تأويل وتأويل .
 هذا أمر انتهينا منه في الحلقة الماضية وتبين أن الشرع جاء ليس للتقييد وإنما للمصلحة وضمان السلامة ، وتبين في حلقات سابقة الربط بين الأمر والنتيجة علاقة علمية أي علاقة سبب بنتيجة ، وأن مخالفة الأمر يقتضي تماماً النتيجة العلمية التي تنعكس على المخالف سواء كان هذا السوء تلقاه في الوقت الراهن أو أنه انعكس عليه في وقت لاحق ، مسألة الزمن تتعلق بأسباب أخرى .

المساحة الحيوية لحركة الإنسان مضبوطة بضوابط الشرع :

 الآن سيدي الإنسان يتحرك في الحياة حركة أفقية تماماً وحركة عامودية ويتحرك على مستوي ويتقاطع مع مستويات أخرى في علم الفراغية ، هذه الحركة للإنسان أو هذه المساحة الحيوية لحركته هي في الشرع مضبوطة تحت عناوين أو تحت شارات ، كما يستخدم الإنسان مركبته على طريق عامة فإما أن يتلقى شارات تحذير أو شارات دلالة أو شارات تنبيه ، هذه الشاخصات تدل السائق على الطريق العامة على بعد المسافة ، أماكن الاستراحة ، أماكن المنحدرات ، محطات الوقود ، كل شيء حتى على تخفيف السرعة ، عدم التجاوز في هذا المكان ، هنا منطقة لا يجوز أن نناور فيها ، كل هذه المسائل إذا أتقنها الإنسان وقرأ هذا القانون المترجم على الطريق سلم ووصل إلى مكانه .
 الإنسان الذي يتحرك في الفراغ في كل هذه المساحة الحيوية ضوابط الشرعية له تندرج تحت مسميات ممكن أن نتعرف إليها ؟

ما من حركة يتحركها الإنسان إلا وفي الشرع ما يغطي حكمها :

الدكتور راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
 أستاذ علاء افتراضاً لو قسنا كتف إنسان وبنينا جدارين بحيث إذا سار بين الجدارين لامس كتفه الأيمن الجدار الأول وكتفه الثاني الجدار الثاني وقلنا له اتجه نحو اليمين أمر ما له معنى إطلاقاً ، لأن الإنسان مخير ولأن الله أودع فيه الشهوات وكل شهوة أودعت في الإنسان بإمكان الإنسان أن يتحرك بدافع منها ومن خلالها مئة وثمانين درجة ، ففي حرية بالحركة وجاء الشرع الحكيم وقدم لهذا الإنسان برنامجاً أو منهجاً أو طريقاً ، بإمكانك من خلال هذه الشهوة أن تتحرك سبعين درجة في مساحات محظورة وفي مساحات مقبولة ومباحة ، لأن هذا الحظر والإباحة من عند خالق الإنسان لذلك نجد في الشريعة مصطلحات ما من حركة يتحركها الإنسان من دون استثناء بكلام مطلق إلا وفي الشرع ما يغطي حكمها .

الله عز وجل  كرّم الإنسان بمنهج إلهي هذا المنهج فيه :

1 ـ الفرض :

 ما من حركة يتحركها الإنسان بأي حركة في حياته إلا وفي الشرع حكم يغطيها فهناك الفرائض يقابلها المحرمات ، هناك الواجبات يقابلها المكروهات ، هناك السنن يقابلها غير المستحبات ، أنا أقول لك بدقة بالغة لأن الإنسان خلق لجنة ولأن الإنسان عنده حرية حركة وعنده شهوات ، في عنده نزوات ومصالح وعنده مبادئ وعنده قيم ، الله عز وجل كرمه بمنهج إلهي ، هذا المنهج فيه فرض .
 نقف عند الفرض قليلاً ، معنى الفرض أن الإنسان لا يحقق سلامته ولا سعادته إلا بأدائه ، فرض على بقاء حياة الإنسان أن يتنفس في أوامر شرعية كالتنفس في بقاء الحياة ، فرض على بقاء الحياة التنفس ، كالهواء والماء والطعام ، كلمة فرض يعني سلامته وسعادته لا تتحققان إلا بأدائه السبب ، الإنسان في شهوات فإذا اتصل بالله عز وجل ألقى الله في قلبه النور رأى الحق حقاً والباطل باطلاً ، يعني سيارة ثمنها خمسة وعشرين مليوناً والطريق منعطفات وعلى اليمين في وادي سحيق وعلى اليسار في وادي سحيق ، إذا ألغينا الإضاءة في الليل الحادث بالمئة مليون محتم ، فرض على أن تقود مركبة في طريق فيه انعطافات وفيه وديان أن تتألق المصابيح لترى الطريق .

الإنسان لا يحقق سلامته وسعادته إلا بأداء الفرض :

 الصلاة فرض وهي فرض متكرر لا يسقط بحال لأنك بالصلاة ترى الحق حقاً فتتبعه وترى الباطل باطلاً فتجتنبه ، بالصلاة التي أرادها الله عز وجل ، صوناً لسلامتنا وسعادتنا :

﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء َالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾

( سورة العنكبوت الآية : 45 )

 تنهى نهياً ذاتياً ، أستاذ علاء أنا ممكن ألخص لك الحضارة الغربية كلها بكلمة ضبط الكتروني ، يعني كل شيء مراقب ، الطرقات مراقبة ، حتى الحدائق مراقبة بالأقمار لو شخص أراد أن يخطئ في تعامله مع الأزهار في ضبط لهذه المخالفة ، حتى في المولات الكبيرة أي غرض في معه مادة إن لم تدفع ثمنها يزمر الباب .
 أنا أقول استقامة الغرب استقامة إلكترونية لا قيمة لها أخلاقياً إطلاقاً ، السبب لما قطعت الكهرباء في نيويورك تمت مئتا ألف سرقة في ليلة واحدة ، الإنسان عاقل وذكي يضع قانوناً للحد من السرعات العالية في الطرقات كيف يكشف المخالفون ؟ بأجهزة ، الإنسان أيضاً ذكي وعاقل اخترع جهازاً يكشف له مكان الأجهزة فقبل ثلاثة كيلو متر أنا كنت مرة راكباً مع أخ في أمريكا سمعت صوتاً ما هذا الصوت ؟ قال لي الآن في أمامنا جهاز رادار نبهني الجهاز ، معنى هذا واضع القانون ذكي وعاقل والمواطن أذكى وأعقل ، انتهى الأمر ، ما دام في إنسان يستطيع أن يعمل عملاً مقابل هذا الأمر انتهى الأمر .
الأستاذ علاء :
 هي صراعات ، ملكات عقلية ، هذا يمتلك فجاء من يمتلك أعلى ، سباق .

من اتصل بالله عز وجل ألقى في قلبه نوراً يضيء طريقه :

الدكتور راتب :
 الإسلام شرع إلهي في نقطة دقيقة جداً أنت حينما تتصل بالله يلقي الله في قلبك نوراً اسألني على الدليل ، لا يستطيع إنسان في الأرض يتكلم في الدين من دون دليل :

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ (28)﴾

(سورة الحديد)

 الصلاة فرض أنت في الصلاة تتزوج إذا واحد ما صلى قد يزني ، الصلاة تكسب المال الحلال يبارك الله لك فيه ، تنفقه على طعامك وشرابك وأهلك وأولادك ، تكون أسعد زوج وأسعد أب بالمال الحلال الذي عرفت الحلال من خلال اتصالك بالله ، مع الاتصال بالله ترفض الدخل الحرام ولو كان بالملايين لأنك تراه أحد أسباب الدمار ، الصلاة نور ، ما معنى فرض تتوقف سلامتك وسعادتك على أدائه .
الأستاذ علاء :
 نعود لنشرح مسألة قد ينضم إلينا أحد المشاهدين الآن ، الصلاة التي أرادها الله .

التفكر في خلق السماوات و الأرض أساس معرفة عظمة الله عز وجل :

الدكتور راتب :
 لذلك :

(( ليس كل مصل يصلي ، إنما أتقبل صلاة ممن تواضع لعظمتي ))

[ أخرجه الديلمي عن حارثة بن وهب ]

 عرف عظمة الله من خلال التفكر في خلق السماوات والأرض ، لما يعلم أن في مجرة بعدها عنا عشرين مليار سنة ضوئية وأن الضوء يقطع في الثانية الواحدة ثلاثمئة ألف كيلو متر هذا الإله العظيم لا يعصى ، لذلك لا بد من أن نعرف الله عن طريق التفكر وأن ندقق في أفعاله عن طريق التأمل .

(( ليس كل مصل يصلي ، إنما أتقبل صلاة ممن تواضع لعظمتي ))

﴿ إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيم ﴾

( سورة الحاقة )

 التركيز على كلمة عظيم لأن إبليس يؤمن بالله قال رب :

﴿ فَبِعِزَّتِكَ ﴾

( سور ص الآية : 82 )

من عظّم الله عز وجل تولد من هذا التعظيم خشية حملته على الطاعة :

 لذلك العبرة أن تؤمن بالله العظيم ،

(( ليس كل مصل يصلي ، إنما أتقبل صلاة ممن تواضع لعظمتي ، وكف شهواته عن محارمي ))

 استقام ، تفكر في خلق السماوات والأرض فاستعظم الله عز وجل ، وتولد من هذا التعظيم خشية ، هذه الخشية حملته على الطاعة فلما أطاع الله اتصل به ولما اتصل به ألقى الله في قلبه هذا النور كشف الحقيقة ، فالإنسان لما يمشي في غلبة في الليل ومعه مصباح شديد أولاً الحجر يحيد عنه والحفرة يحيد عنها والأفعى يبتعد عنها أو يقتلها ، والفاكهة الطيبة يأكلها بهذا الكشاف ، الصلاة هكذا فكل شيء فرضه الله علينا تتوقف على أدائه سلامتنا وسعادتنا في الدنيا والآخرة ، هذا الفرض .
الأستاذ علاء :
 سيدي بعد الفرض .

2 ـ الواجب :

الدكتور راتب :
 الواجب ، أدنى درجة هو عند الأحناف واجب ، عند غير الأحناف ما في واجب فرض وسنة ، الآن الله عز وجل قال :

﴿ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ(6)﴾

( سور المائدة)

 هذه فرائض الوضوء ، السنة النبي غسلها ثلاث مرات ، أداء الفرض بأكمل أداء هو السنة ، قال لك صلِّ ، الإنسان بمشاغل فصلى أربع ركعات قبل الظهر هذه بالتعبير الميكانيكي تحمية محرك ، والسنة البعدية لترميم ما نقص في الفرض ، السنة في أصلها أداء كامل للفرض أو اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم في أداء الفرض ، أو طريق إلى قطف ثمار الفرض .
الأستاذ علاء :
 سيدي هل نستطيع أن نسميها إيجاد الحاضنة السليمة للأداء الفرض .

قضية السنة طريق أمثل لبلوغ أداء الفرض :

الدكتور راتب :
 أنا حينما أؤدي الفرض أداءً كاملاً أكون مطبقاً للسنة ، الزنا محرم ، الآن إطلاق البصر محرم طريق الزنا ، إطلاق البصر صحبة الأراذل ، الانغماس مع أصدقاء ماجنين ، هذا كله يؤدي إلى جريمة الزنا ، الله عز وجل بحكمة بالغة بالغة بالغة ما نهانا عن الزنا لكن نهانا عن أسبابه ، لأن الإنسان إذا اقترب من أسبابه نقلته هذه الأسباب إلى الجريمة الكبرى دون أن يشعر ، لذلك قضية السنة طريق أمثل لبلوغ أداء الفرض .
الأستاذ علاء :
 هنالك من السنن ما هو مؤكد وما هو غير مؤكد ، ما معنى هذا ؟

تطبيق النبي الكريم السنة الغير مؤكدة مرة وعدم تطبيقها مرة أخرى رحمة بالخلق :

الدكتور راتب :
 النبي صلى الله عليه وسلم حينما طبق هذا الفرض بأسلوب مستمر سنة مؤكدة ، طبقها مرة ولم يطبقها مرة أخرى رحمة بالخلق حتى لا يكلفهم فوق طاقتهم ، إذا جاءت السنة غير مؤكدة النبي فعلها مرة وتركها مرة ، مثلاً التراويح سنة صلاها النبي في المسجد وصلاها في البيت إذاً أداء صلاة التراويح في المسجد سنة غير مؤكدة ، إنسان عنده زوجة وأولاد فقام وأمّهم في رمضان وراءه زوجته وأولاده وأخواته صلى فيهم ضمن صلاتهم وضمن التفافهم حوله ، ممكن أن تؤدى هذه الصلاة في البيت .
الأستاذ علاء :
 حتى عدد هذه الركعات نعتبره سنة غير مؤكدة .
الدكتور راتب :
 نعم في إنسان مريض ثماني ركعات ، أنا مرة شخص سألني في الإذاعة على الهواء مباشرة أن التراويح كم ركعة ؟ مشكلة ، أنا منذ أن كنت ناشئاً أعاني هذه المشكلة الخلافية قلت له صلِّ ثمانية ، واثني عشر ، وستة عشر ، وعشرين ، وبالجامع والبيت ولا تفعل مشكلة ، كفانا مشاكل ، ترى في خصومة كبيرة جداً يا ترى ما تعريف التهجد ؟ هناك من يرى التهجد أن تصلي بعد أن تنام ، هناك العكس القيام بعد أن تنام ، شخص مرة كان في جلسة والنقاش احتدم وكادوا يتخاصمون فخبروني في الليل ما تعريف التهجد ؟ أنا أعرف التعريف ، قلت له صلِّ ركعتين لله وقل يا رب لا أعرف ما اسم هاتين الركعتين يا رب تقبلهما مني ، نحن نعيش في قشور .
الأستاذ علاء :
 سيدي أحياناً يصير الخلاف على القيام أن تكون قبل النوم أو بعد النوم والاثنين لا يؤدوا هذه السنة .
الدكتور راتب :
 هذا اسمه الاستغراق في الجزئيات ، ضيعنا أهدافنا ، نسينا وحدتنا ، بأسنا بيننا من كل هذه الخلافيات ، فلذلك السنة المؤكدة فعلها النبي صلى الله عليه وسلم بشكل مستمر ، الغير مؤكدة فعلها وتركها رحمة بنا .

المستحب هو كمال الكمال :

الأستاذ علاء :
 هنالك يعرف في الفقه المستحب .
الدكتور راتب :
 المستحب كمال الكمال مثلاً أنت أديت صدقة إذا كان طفل في العيد أعطه ورقة جديدة ، تزقزق أيام يفرح ، مستحب أن تقدم العملة الجديدة ، إذا دفعت مئة ليرة وقديمة هي مئة ليرة ، لكن إذا كان يريد أن يحفظها وهي جديدة تزقزق ، هذا الاستحباب يعني شيء يؤدى بكمال أعلى ، كان كثير بعض العلماء يعطروا العملة إذا قدموها للفقير تكريماً له ، المستحبات يعني أداء راقٍ جداً للعبادة ، أنت تعطي إنسان صدقة كان الورعون يعطونها بيد سفلى لأن اليد العليا خير يجعل يد الفقير هي العليا هذه من المستحبات .
الأستاذ علاء :
 هذه حالات روحية ونفسية في منتهى اللطف لأداء الصدقة أو لأداء السنة أو أداء الواجب بأعلى درجات الذوق الإنساني .
الدكتور راتب :
 أنت وصديقك في بريطانيا جالسين لكم صديق بريطاني تتكلمون في اللغة العربية فتقدم سكتم وتكلمتم بالإنكليزي ، هذا من المستحب ، لا يتناجى اثنان دون الثالث ، إذا تابعت الحديث بالعربي في صديق بريطاني أن قصة رواها بعض العلماء : طالبان سوريان في بريطانيا لهم صديق بريطاني فكلما اقترب منهما تكلموا الإنكليزية فلفت نظره ذلك سألهم لماذا ؟ قالوا لأن نبينا نهانا أن نتكلم إذا كنا ثلاثة اثنان دون الثالث ، فكان سبب إسلامه .
الأستاذ علاء :
 نستطيع نحن من خلال هذا الكلام بأن الإسلام هو الذي أسس علم الجمال .

الإسلام هو الذي أسس لعلم الذوق و الجمال :

الدكتور راتب :
 أنا لي عن الذوق الإسلامي تذاع عشرات المرات نحن نتوهم أن الذوق فقط جاء من الغرب ، إذا ابن درس في مدرسة أجنبية يكون عنده(سينييه كثير)أذواق عالية ، والله أعلى درجات الذوق في إسلامنا وفي ديننا ، النبي صلى الله عليه وسلم عندما كان يأكل التمر كان يضع التمرات بين أصبعيه لماذا ؟ لو مسكها بيده وضعها على الطاولة ، أمسك تمرة وجدها قاسية جداً تركها وأكل غيرها ماذا حصل ؟ انتقل لعابه إلى تمرة لم يأكلها ، كان إذا أكل التمر يضع هنا النواة وتبقى أصابعه جافة ، ما هذا الذوق ؟ كان إذا دخل بيته لفّ ثوبه ، أيعقل أن يكون حفيف الثوب يوقظ امرأته ؟ ورد في بعض الآثار عنه : لا تحمروا الوجوه . قال لك الحرارة أربعين ، ليس معقول أنت لا تفهم ، طول بالك شيء لا يقدم ولا يؤخر ، قضية ليس لها علاقة بالعقيدة ولا بشيء ، أخطأ إنسان لا تحرجه ، والله في مواقف للنبي وأصحابه بالذوق العقل لا يصدقها .المؤمن ليس بصخاب ولا فحاش ولا لعان ولا بذيء .
الأستاذ علاء :
 حالات ذوقية من أجمل وأروع ما يكون ، أسست لعلم الذوق .
الدكتور راتب :
 أيّكما أكبر أنت أم رسول الله ؟ عمه العباس ، فقال : أنا ولدت قبله ، وهو أكبر مني. هذا من الذوق .
 وقف سيدنا عمر على المنبر فنزل درجة قال : ما كان الله ليراني أن أرى نفسي في مقام أبي بكر ، أدب ، أول درجة للصديق ، سيدنا عثمان نزل الدرجة الثانية وعاد إلى مكانه استغرب الناس لما رجع إلى الدرجة الأعلى ، وقد سأل خليفة أموي وزيره : لمَ لم ينزل درجة ؟ قال : أما والله لو فعلها لكنت في قعر بئر ، هذه أذواق عالية جداً .

الفقرة العلمية :

الأستاذ علاء :
 سيدي هذا الموضوع جميل أن نستمر به لكن الوقت أدركنا ، والآن الأسبوع الماضي أخذنا وقت الفقرة العلمية والآن لن نأخذ وقت الفقرة العلمية فماذا أعددت لنا ؟
الدكتور راتب :

طبعاً أقرب نجم ملتهب إلينا بعده عنا أربع سنوات ضوئية ، الآن طالب من طلاب الصف العاشر أو التاسع بالآلة الحاسبة : الضوء يقطع في الثانية الواحدة ثلاثمئة ألف كيلو متر بالدقيقة ضرب ستين ، بالساعة ضرب ستين ، باليوم ضرب أربع وعشرين ، بالسنة ضرب ثلاثمئة وخمسة وستين ، بأربع سنوات ضرب أربعة ، معنا رقم هذا الرقم يجمعه أي طالب من طلابنا على الآلة الحاسبة لو في طريق لهذا النجم طريقاً معبداً افتراضاً ، معنا مركبة أرضية سرعتها مئة كم نحتاج حتى نصل إليه ؟، نقسم المسافة على مئة كم ساعة ، على أربع وعشرين كم يوم ؟ على ثلاثمئة وخمسة وستين كم سنة ؟ نحتاج إلى خمسين مليون عام كي نصل إلى أقرب نجم ملتهب للأرض .

الإله العظيم جعل هذا الكون مظهراً لأسمائه الحسنى :

 متى نصل إلى نجم القطب الذي يبعد عنا أربعة آلاف سنة ضوئية ؟ آلاف ، متى نصل إلى المرأة المسلسلة تبعد عنا مليوني سنة ضوئية ؟ متى نصل إلى نجم بعده عنا عشرين مليار سنة ضوئية ؟ الأربع سنوات ضوئية نحتاج أن نصل إليها في خمسين مليون عام ، والعشرين مليار سنة متى نصل لهذا النجم ؟ لذلك قال تعالى :

﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ﴾

( سورة الواقعة )

﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ (28)﴾

( سورة فاطر)

 أي العلماء وحدهم و لا أحد سواهم يخشى الله ، لأن الإله العظيم جعل هذا الكون مظهراً لأسمائه الحسنى .

التفكر في خلق الله عز وجل من خلال كلمة مواقع النجوم :

 الآن :

﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ ﴾

( سورة الواقعة )

 لو عالم فلك وقف عند كلمة مواقع النجوم ربما خرّ لله ساجداً لأن هذا النجم كان في هذا المكان قبل عشرين مليار سنة ، وانطلق منه الضوء وبقي الضوء يمشي في الفضاء الخارجي عشرين مليار سنة حتى رأيناه في الأرض ، لكن هذا النجم الذي أطلق هذا الضوء سرعته تقترب من سرعة الضوء ، أين هو الآن ؟ عشرين مليار سنة كان في هذا الموقع أما الآن أين هو ؟ لذلك كلمة موقع تعني أن صاحب الموقع ليس في الموقع ، لو فرضنا الآية فلا أقسم بالمسافات بين النجوم ، هذا ليس قرآناً

﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ ﴾

 النجم أطلق الضوء ومشى ، هذا موقع وليس نجماً ، كان هنا .

خالق الأكوان هو الذي أنزل القرآن الكريم :

 هذه درب التبابنة مجرة متواضعة جداً من عدد يفوق حدّ الخيال ثلاثة آلاف مليار مجرة هذه إحدى المجرات ، المجموعة الشمسية بأكملها نقطة على هذه المجرة ، هذه الأرض ، الأرض كما ترى صورة من القمر مأخوذة حقيقية قال تعالى :

﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ(75)وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ(76)إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ(77)﴾

( سورة الواقعة )

 الذي خلق الأكوان هو الذي أنزل هذا القرآن ، يجب أن نعرف ما معنى القرآن ؟ يعني فضل كلام الله على كلام خلقه كفضل الله على خلقه . لذلك قال تعالى :

﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ﴾

( سورة الواقعة )

خاتمة وتوديع :

الأستاذ علاء :
 لا يسعني في نهاية هذه الحلقة إلا أن أشكر فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة على كل ما قدم وشرحت وإن شاء الله نتمم موضوعنا في حلقات قادمة .