وضع داكن
28-03-2024
Logo
الإيمان هو الخلق - مقومات التكليف - الندوة : 62 - الشرع ـ العلاقة بين الأمر الإلهي نهياً ونتائجه ـ الحياة الاجتماعية للحيوانات 1
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

الأستاذ علاء :
 أيها السادة المشاهدون سلام الله عليكم ورحمته وبركاته ، وأهلاً ومرحباً بكم في هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم الإيمان هو الخلق ، يسعدنا أن نكون بمعية فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين ، أهلاً وسهلاً سيدي الأستاذ .
الدكتور راتب :
 بكم أستاذ علاء جزاك الله خيراً .

 

الفرق بين نوازع الشهوة وما تمليه الفطرة ثمن الجنة :

الأستاذ علاء :
 سيدي الكريم كعادتي في كل حلقة ألخص بعض الأشياء لنربط ما كنا قد بيناه في الحلقات السابقة بالذي نقدمه في الحلقات الجديدة ، كنا قد بدأنا بداية بأن الإنسان كرم بالرسالة والأمانة ، وأن هناك مقومات للتكليف تميز هذا المخلوق المكرم عن غيره ، وفندت لنا بأن مقومات التكليف هي الكون ، وتحدثنا عنها كثيراً ، ثم العقل ، ثم الفطرة ، ثم الشهوة ، وبينت لنا أن المغالبة والفرق بين الفطرة والشهوة نوازع الشهوة وما تمليه الفطرة هي ثمن الجنة ، هذه مجاهدة عملية الفطرة والشهوة ثم الاختيار ، الإنسان يختار فعله فيما كلفه فيه ثم بينت لنا موضوع الشرع .
 في حلقتين سابقتين سيدي بينا أن الإنسان هو أعقد آلة في الكون .
الدكتور راتب :
 لكن هذا التعقيد تعقيد إعجاز لا تعقيد عجز .
الأستاذ علاء :
 وبينت لنا بأن القرآن الكريم ، والسنة المطهرة هما تعليمات الصانع لهذه الآلة المعقدة إعجازاً وليس عجزاً ، وتبينا بأن الله عز وجل جاء بالكتاب والسنة لكي يستقيم الإنسان ولكي يسترشد طريقه نحو الخير ، سيدي نود أن تعطينا فكرة تلخص لنا هذه المسألة ثم أريد أن أتبين أن العلاقة بين الأمر الإلهي ونتائج هذا الشيء في الامتثال أو عدم الامتثال هل علاقة علمية سببية ؟

الشهوات دوافع والعقل مقود والشرع هو الطريق :

الدكتور راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
 أستاذ علاء جزك الله خيراً ، نعود إلى مثل قديم أن الإنسان كمركبة فيها محرك وفيها مقود ، المحرك هو الشهوة والمقود هو العقل ، لكن لا بدّ من طريق تسير عليه المركبة ومهمة العقل والمركبة تنطلق على هذا الطريق ، أن يبقيها على هذا الطريق لا أن تتدهور ، مهمة العقل أن يوقع حركة الإنسان وفق منهج الله ليبقى على الطريق الآمن ، هي صممت لطريق معبد ، فمهمة العقل أن يحافظ على بقاء المركبة على الطريق ، مهمة الشهوة أن تحرك المركبة ، فالشهوات دوافع والعقل مقود والشرع هو الطريق .

الإنسان أعقد آلة في الكون تعقيد إعجاز لا تعقيد عجز :

 لذلك نحن مع تعليمات الصانع ، مع تعليمات الخبير ، قال تعالى :

﴿ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾

( سورة فاطر )

 أنت حينما تحتاج إلى قضية تبحث عن الخبير ، عندما تريد إصلاح آلة تبحث عن الوكالة ، حينما تحاول إصلاح شيء معطوب تبحث عن الخبراء في ذلك ، لذلك الإنسان أعقد آلة في الكون تعقيد إعجاز لا تعقيد عجز ، ولهذه الآلة صانع حكيم ، ولهذا الصانع الحكيم تعليمات التشغيل والصيانة ، فانطلاقاً من حرصنا على سلامة الآلة ، وعلى حسن مردودها نتبع تعليمات الصانع ، بتعبير معاصر انطلاقاً من حبّ الإنسان لوجوده ، ولسلامة وجوده ، ولكمال وجوده ، ولاستمرار وجوده ، يطبق تعليمات الصانع :

 

﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا (46)﴾

( سورة فصلت)

الفرق بين الأمر التنظيمي و الأمر التشريعي :

 الآن في نقطة أحياناً الأب في البيت يعطي أمراً ونهياً ، الأمر علاقته بنتائجه والنهي علاقته بنتائجه وضعي من وضع الأب ، لو كان في البيت بابان فالباب الأول سمح بالدخول منه ، والثاني بالخروج منه ، لو أن الابن خالف هذه التعليمات وأدبه الأب نقول لا يوجد علاقة علمية بين خروج الابن من الباب ، الأب قرر أن هذا الأب للخروج أو للدخول ، مخالفة وضعية لذلك لما الرماة في أحد عصوا رسول الله صلى اله عليه وسلم النبي صلى عليهم لأنهم خالفوا أمراً تنظيمياً ولم يخالفوا أمراً تشريعياً ، في فرق كبير جداً بين الأمر التنظيمي وبين الأمر التشريعي .
الأستاذ علاء :
 سيدي :

﴿ أطيعوا الله وأطيعوا الرسول و أولي الأمر منكم ﴾

( سورة النساء : 59)

 هنا هذه الإطاعة إطاعة تنظيمية ؟
الدكتور راتب :
 طبعاً المطلق على إطلاقه ، الأولى أن نطيع رسول الله تشريعاً وتنظيماً ، لكن لما نخالف رسول الله تنظيماً ؛ هذه المخالفة أقل بكثير فيما لو خالفناه تشريعاً ، الآن أنا قد أضع علاقة بين الأمر ونتائجه علاقة وضعية أنا أضعها ، مثلاً في ظرف اقتصادي عصيب نمنع إخراج العملة من بلدنا ، هذا أمر تنظيمي لكن هو ما في علاقة علمية بين إخراج مبلغ من الدولارات وبين والعقاب علاقة غير علمية لكنها وضعية اقتضتها مصلحة الأمة أما أحياناً يكون في علاقة علمية مثلاً .
الأستاذ علاء :
 سيدي مثلاً لما سيدنا يعقوب طلب من أولاده لا تدخلوا من باب واحد كان ما في علاقة علمية هذه وضعية .

 

الفقيه من فهم أن أوامر الدين من عند الخالق العليم :

الدكتور راتب :
 أما أنا لما أنهى ابني عن أن يلمس المدفأة وهي مشتعلة ، فإذا لمسها وهي مشتعلة تحترق يده ، فالعلاقة بين اللمس والاحتراق علاقة علمية أي علاقة سبب بنتيجة ، أنا حينما أفهم أوامر الدين من عند الخالق العليم الحكيم أن الأمر الإلهي مع نتائجه بينهما علاقة علمية أكون فقيهاً ، مثلاً لو أن وزير الكهرباء وضع لوحة أمام خط توتر عالي ممنوع الاقتراب من هذا الخط ، لو أن مواطناً ساذجاً ظنّ أنه إذا اقترب يخالف من قبل الشرطي ، فنظر هل أحد يراقبه ؟ التيار يعاقبه ، التيار يجعله قطعة فحم بعد دقائق ، أنا حينما أفهم أن أمر الله عز وجل أمر من عند الخبير ، وأن في الأمر بذور نتائجه ، وأن في النهي بذور نتائجه ، عندئذ أكون فقيهاً ، عندئذ أنطلق من تطبيق أمر الله عز وجل لا من رهبة العقاب بل من حبّ المصلحة وحبّ السلامة والسعادة .

الجهل أعدى أعداء الإنسان :

 بالمناسبة الستة آلاف مليون إنسان على وجه الأرض ما منهم واحد إلا ويتمنى السلامة والسعادة ، دون استثناء إلا أن الذي يشقي الإنسان هو الجهل ، والجهل أعدى أعداء الإنسان ، والجاهل يفعل في نفسه ما يستطيع عدوه أن يفعله به ، حدثني أخ من بلد عربي في عامل تنظيف طائرات أثناء تنظيف الطائرة اكتشف أن هناك حجرة واسعة للعجلات ، فلمعت في ذهنه فكرة عجيبة أن يقبع في هذه الغرفة وينتقل من بلد إلى بلد بلا ثمن وبلا فيزا وبلا شروط ، فظن نفسه أنه ذكياً جداً ، ما إن صعد وقعد على أرضية هذه الغرفة وطارت الطائرة أنزل الطيار الأرضية ليرفع العجلات فنزل ميتاً ، ما الذي قتله ؟ جهله ، الجهل أعدى أعداء الإنسان ، أحياناً أخ مزارع اشترى سماداً من أرقى شركة قال له المهندس الزراعي ضع لتراً في البرميل ، وضع لترين ثاني يوم النبات كله احترق .
 نحن مشكلتنا مع الجهل لذلك أزمة أهل النار في النار أزمة علم الدليل :

﴿ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10)﴾

( سورة الملك )

من فهم أن العلاقة بين الأمر الإلهي وبين نتائجه علاقة علمية ضمن سلامته و سعادته :

 أنا حينما أفهم أن العلاقة بين الأمر الإلهي وبين نتائجه علاقة علمية أي علاقة سبب بنتيجة أطبق أمر الله ، وأنا أرى أنني أضمن بهذا الأمر سلامتي وسعادتي .
الأستاذ علاء :
 سيدي العلاقة علاقة سبب بنتيجة كما قلت بأن النهي أو الحض ، في هذا النهي أو الحض بذور النتائج ، هل عامل الزمن يلعب دوراً في مسألة السبب بالنتيجة ، هل كل أمر إلهي يخالفه العبد نتائجه السيئة تظهر بزمن بشكل آني أو بزمن قصير ؟ أم أن هنالك القضية على التراخي ؟
الدكتور راتب :
 والله أنا أعتقد أن منهج الله عز وجل منهج الخبير ، وأنه خاضع للتطبيق في أي زمان ومكان ، لكن قد تكون النتائج مؤلمة في مجتمع نمت فيه القيم ، وقد تكون النتائج غير مؤلمة في مجتمع أصبح متفلتاً من القيم ، مثلاً يقول النبي صلى الله عليه وسلم :

(( كيف بكم إذا لم تأمروا بالمعروف ، ولم تنهوا عن المنكر ؟ قالوا : أوَ كائن ذلك يا رسول الله ؟ قال : وأشد منه سيكون ، قالوا : وما أشد منه ؟ قال كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف ؟ قالوا : أو كائن ذلك يا رسول الله ؟ قال : وأشد منه سيكون ))

[ ابن أبي الدنيا وأبو يعلى الموصلي في مسنده عن أبي أمامة بسند فيه ضعف ]

(( كيف بكم إذا أصبح المعروف منكراً والمنكر معروفاً ؟ ))

انعدام القيم في المجتمع المتفلت :

 الأمر الإلهي حينما لا يطبق النتائج حتمية في كل زمان ومكان ، لكن هذه النتائج تقيّم في ضوء قيم المجتمع ، فالذي يسافر فرضاً وغاب في السفر أربع سنوات وأخبرته أنها أنجبت مولوداً في غيبته يرحب بهذا ويقيم حفل ؟ هذه النتيجة المؤلمة لانعدام القيم في هذا المجتمع لم يبالِ بها ، النتائج هي هي ، لكن بينما نحفل بالإيجابيات ونتألم من السلبيات وبين أن لا نبالي بالسلبيات لأن القيم قد ضعفت في مجتمع ما .
الأستاذ علاء :
 سيدي هنالك من يقول بأن الأوامر والنواهي التي جاء في الكتاب والسنة هي قيد لحرية الإنسان ، تقولون بأن الإنسان مكرم ، وتقولون بأن الإنسان حر في اختياره ، وأن الإنسان يفعل ما يريد دونما إرادة لقصره على فعل ، أو الانتهاء عن شيء معين ، هذا الشرع الذي تفضلت به أليس قيداً لحرية الإنسان الذي أطلقت يده في فعل ما يريد ؟

الأوامر و النواهي التي جاء بها الشرع ليست قيداً لحرية الإنسان بل حفاظاً على سلامته:

الدكتور راتب :
 أنا أجيب عن هذا السؤال أنه ما من أخ كريم مشاهد اقتنى آلة غالية ، وعظيمة النفع ، ومعقدة التركيب ، عنده حرص لا حدود له على تعليمات الصانع ، في تعليمات الصانع افعل ولا تفعل ، فأنت حينما تمسح زجاج السيارة من دون ماء يجرح تعيق الرؤية في الليل ، تحس بانبهار في أضواء السيارات في الليل ، فهذه لمصلحتك ، لو أن الأوامر كثيرة جداً لكن كلها لمصلحة الإنسان ، أنا أقول دائماً إن منهج الله عز وجل يبدأ من فراش الزوجية وينتهي بالعلاقات الدولية ، منهج كامل ، عندما نفهم أن هذا المنهج لمصلحتنا :

﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)﴾

( سورة الأحزاب)

﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا (46)﴾

( سورة فصلت)

 الآيات كثيرة جداً تؤكد هذه الحقيقة :

 

﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا ﴾

( سورة فصلت الآية : 20 )

 الأمراض النفسية كلها انتهت ، الأمراض النفسية أساسها الخوف أو الندم ، بهذه اللحظة أَلَّا تَخَافُوا مما سيأتي وَلَا تَحْزَنُوا ما مضى .

 

من اتبع أوامر الخالق سبحانه لن يضل عقله ولن تشقى نفسه :

﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ﴾

( سورة طه )

 لا يضل عقله ولا تشقى نفسه :

 

﴿ فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾

( سورة البقرة )

 أي لا يضل عقله ، ولا تشقى نفسه ، ولا يندم على ما فات ، ولا يخشى مما هو آت ، أستاذ علاء الفلاح كل الفلاح ، النجاح كل النجاح ، والعقل كل العقل ، والتوفيق كل التوفيق ، والتفوق كل التفوق ، في طاعة الله لأن هذه الأوامر ضمان لسلامتنا وليست حدّاً لحريتنا .
 تمشي في طريق هناك أرض فسيحة رأيت قطعة كتب عليها حقل ألغام ، ممنوع التجاوز ، بالتأكيد لا تشعر إطلاقاً بحقد على واضع اللوحة ، بل تشعر بامتنان له وشكر لأنه ضمن سلامتك بهذه الطريقة ، فأنا حينما أفهم أوامر الله ضماناً لسلامتي وليست حداً لحريتي أكون فقيهاً .

 

خبرة الله عز وجل  قديمة قدم وجوده و خبرة الإنسان تنمو بالتدريج :

 أنا كنت أضرب هذا المثل كثيراً ، إنسانً يركب مركبة ليسافر بها إلى حمص ، ليأخذ مليون ليرة دين له على أحد ، انطلق بمركبته شتاءً ، إدارة المرور المحترمة وضعت لوحة كتب عليها : الطريق إلى حمص مغلقة بسبب تراكم الثلوج في مدينة النبك ، ماذا يفعل ؟ أربع كلمات في ظاهر دمشق ، أربع كلمات أعطته قراراً قطعياً بالرجوع ، لو أن دابة تمشي لم تقف إلا عند الثلج ، ما الذي حكم الدابة ؟ الواقع ، ما الذي حكم العاقل ؟ النص ، الله عز وجل أعطاك نصوصاً واضحة جداً ، افعل ولا تفعل والنص هو خبرة الخالق قديمة .
 أنا أذكر مثلاً أن مركبة مصنوعة عام ألف وتسعمئة معروفة متخلفة جداً ، البوق هوائي ، والتشغيل من أمام المركبة ، وحركات بالمحرك لا يوجد ، المركبة الحديثة ماذا نستنبط من هذا ؟ أن خبرة الإنسان تنمو ليست قديمة تراكمية ، أما الله عز وجل خبرته قديمة قدم وجوده ، ما في عنده إنسان معدل موديل سبعين ، ثمانين ، ما في شيء تلافينا بموديل ووضعناه بموديل ، خبرة الله قديمة ، حتى أنا لا أوافق على كلمة الزائدة الدودية ، مستحيل أنا أسميها الزائدة الدودية المدافعة ، لا زيادة ولا نقص أبداً ، الآن أي تغيير لخلق الله نحو الأسوأ أي الآن أحدث سماد السماد الطبيعي ، عادوا إلى السماد الطبيعي لأن السماد الكيماوي سبب ملوحة للتربة ، وسبب صفات فيزيائية على حساب الصفات الكيماوية في الثمرات ، الآن بدؤوا بالمكافحة الحيوية ، وأوقفوا المكافحة الكيماوية ، الآن كلما غيّر الإنسان شيئاً ورأى النتائج المؤلمة الصارخة عادوا إلى الأصل .
الأستاذ علاء :
 جاء السبب والنتيجة .

توافق أوامر الدين مع العقل والعلم والواقع :

الدكتور راتب :
 الله عز وجل أحياناً بعض البلاد الشرقية قبل أن تنهار حرموا الخمر لا تعبداً ولا طاعة لله ، حرموا الخمر إنقاذاً للأمة ، فالإنسان أحياناً يطيع الله عز وجل ، وهو عند الله عابد له الدنيا والآخرة ، أحياناً بدافع من عقله يطيع الله دون أن يشعر بدافع من سلامته وسعادته ، فلذلك أنا أقول أوامر الدين متوافقة مع العقل ومع العلم ومع الواقع ، بل إن بعض العلماء ابن القيم رحمه الله له كتاب ملخصه حتمية توافق النقل مع العقل .
الأستاذ علاء :
 وإذا تنافرا ؟
الدكتور راتب :
 يكون عدم حدية أحدهما ، عدم قطعية أحدهما ، المقولة العلمية ليست حقيقة نظرية ، أو النص ليس صحيحاً ، أو صحيحاً لكن تأويله ليس صحيحاً ، العقل مقياس أودع فينا من عند الله ، والفطرة مقياس نفسي أودعه فينا ، والواقع خلقه والنقل كلامه .والفروع من أصل واحد .
الأستاذ علاء :
 تفضلت وقلت إما أن تكون المقولة العلمية نظرية وليست حقيقة ما زالت لم تكتمل ، أو أن النص غير صحيح ، أو تأويله غير صحيح ، جرياً على هذا الموضوع الشريعة مصلحة كلها لو رأينا شيئاً أمرت به الشريعة وما كان به مصلحة ؟

الشريعة منهج لسلامة الإنسان وسعادته في الدنيا والآخرة:

الدكتور راتب :
 هذا أولاً مستحيل ، مستحيل ألا يكون مع الشريعة مصلحة ، لكن هذه المصلحة تدركها عقولنا أو لا تدركها ، طفل له لعبة يحبها كثيراً فجاء أبوه وحطمها له لأنه رأى أنها تشغله عن دراسته ، فتحطيم اللعبة ليس في مصلحة الطفل لكن في مصلحته القادمة البعيدة ، فنحن خلقنا للجنة فحينما يأتي أمر يحدّ من حريتنا فيما يبدو لنا يكون هذا التحديد من أجل سلامة إيماننا واتصالنا بالله عز وجل ، أحياناً المصلحة تكون في الدنيا أحياناً في الآخرة ، الطالب لما يدرس يلغي السهرات والزيارات والنزهات ، هو خالف مصلحته القريبة لكن حرص على مصلحته البعيدة ، الشريعة منهج لسلامة الإنسان وسعادته في الدنيا والآخرة .
الأستاذ علاء :
 سيدي لو رجعت بهذه القضية من الأخير ، لو حصل خروج من المصلحة إلى المفسدة هل هذا هو من الشرع ؟

لا معنى لوجود الإنسان من دون منهج يسير عليه :

الدكتور راتب :
 مستحيل المقولة الرائعة الشريعة عدل كلها ، مصلحة كلها ، رحمة كلها ، وأية قضية خرجت من العدل إلى الجور ، ومن المصلحة إلى المفسدة ، ومن الحكمة إلى خلافها ، من الرحمة إلى القسوة فليست من الشريعة ، ولو أدخلت عليها بألف تأويل وتأويل .
 يجب أن يقبل العقل نتائج تطبيق أمر الله ، وأن ترتاح الفطرة لهذا التطبيق ، وأن يأتي منهج الله يؤكد هذا التطبيق وأن يؤكد الواقع هذا التطبيق ، في أربعة أشياء الحق دائرة تتقاطع فيها أربعة خطوط ، خط النقل الصحيح ، وخط العقل الصريح ، وخط الفطرة السليمة ، وخط الواقع الموضوعي ، الإنسان مكرم بهذا المنهج لأن :

﴿ الرَّحْمَنُ (1)عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2)خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3)عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4)﴾

( سورة الرحمن )

 هذا غير معقول أن يعلم الإنسان قبل أن يخلق ، لكن علماء التفسير قالوا : هذا الترتيب ترتيب رتبي ، وليس ترتيباً زمنياً ، أي لا معنى لوجود الإنسان من دون منهج يسير عليه .

﴿ سُبُلَ السَّلاَمِ ﴾

( سورة المائدة الآية : 16 )

 سلام مع أنفسهم ، سلام مع أهلهم ، سلام مع صحتهم ، سلام في أعمالهم ، سلام مع بيئتهم .

 

معاناة البشر بسبب خروج الناس عن منهج الله عز وجل :

 كل مشكلات الأرض من مخالفة منهج الله عز وجل ، كل الفساد الذي في الأرض من مخالفة منهج الله عز وجل :

﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا (41)﴾

(سورة الروم)

 ما يعاني منه البشر من ظلم ، ومن قهر ، ومن حروب أهلية بسبب خروج الناس عن منهج الله عز وجل .
الأستاذ علاء :
 سيدي الوقت المتبقي للفقرة العلمية ماذا اخترت لنا ؟

 

الفقرة العلمية :

  الحيوانات الأليفة (الميركات).


الدكتور راتب :
 نحن في موضوع الحياة الاجتماعية عند الحيوان ، والحقيقة لا بد من ملاحظة مهمة جداً ، أن الحياة الاجتماعية عند الحيوان بأمر تكويني ،بينما حياتنا الاجتماعية وفق منهج الله بأمر تكليفي ، فالإنسان قد يعصي وقد لا يطيع ، فيظهر الفساد في الأرضأما في عالم الحيوان ليس هناك فساد إطلاقاً لأن تنفيذ الحيوان لمنهج الله في أمور الحياة والعلاقات تكويني ، أمر إلهي ليس له الخيرة .
 أستاذ علاء الحيوانات الأليفة هذه المسماة الميركات تعيش بشكل جماعي ،هناك تضامن وتضحية خارقة فيما بينها ، وهذا أمر هام جداً في حياتها ،لأن المنطقة التي تعيش فيها خطيرة جداً وأكثر هذه الأخطار يأتي من الجو .

  تضحية بعض أفراد الميركات تنجي المجموعة كلها:


 تنتشر هذه الحيوانات في الأراضي المحيطة لإيجاد الطعام بعد مراقبة أمينة ،لكل فرد في هذه الجماعة مهمة تتناوب الأفراد الحراسة ،فبعضها يحرس بين الشجيرات لرصد الخطر القادم من خلفها ، وبعضها في قمم الأشجار ،وتقف الواحدة منها لساعات طويلة تحت أشعة الشمس الحارقة دون أكل أو شرب ،
يشعر النسر بوجودها يطلق الحارس إشارات الإنذار التي تنبه الآخرين ، تضحية بعض الأفراد تنجي المجموعة كلهاالمسؤولية الكبرى للفريق تربية الصغار وحمايتها ، يتناوب الأفراد فيما بينهم يومياً لرعاية الصغار فيبقى أحدهم معها في العش وهذه النوبة تكون بالدور كالحراسة آنفاً .
 نظام بديع ورائع ، ولا يتردد المسؤول عن الرعاية بالتضحية بنفسه من أجل الصغار ، هذا خلاف نظرية دارون ، أن الحيوان يحافظ على وجوده ولو على حساب من حوله ، الوجود للأقوى .

رحمة الحيوان بصغاره :


 ها هنا مثال لقد ابتعدت الميركات عن العش لإيجاد طعام لها ، في هذا اليوم الصائب عند عودتها واجهت وضعاً خطيراً ، لقد تربص ابن آوى بها في مدخل العش الذي يوجد فيه الصغار ،تقترب أحد الميركات من العش لإنقاذ الصغار هدفها منع ابن آوى من الوصول إلى الصغار في العش ، خيم الظلام وما تزال الميركات تدافع عن العش بوضع نفسها كدرع أمام الخطر ، عندما انجلى الظلام ظهرت آثار المعركة التي نشبت في ظلمة الليل ، لقد أبعد ابن آوى وأنقذ الصغار لقد ضحى فرد فتي من الميركات بنفسه وجُرح جروحاً بالغة ،تسارع الأم من الاقتراب من هذا الجريح ، الحالة سيئة للغاية لابدّ لهذه الحيوانات من الخروج لأجل الطعام ، ولكن الفدائي لقد أثقلته الجراح فهو يمشي بصعوبة بالغة ، عندما نفذت طاقته استلقى في الحفرة ، لكن الأم لا تترك صغيرها وحدهم بل تظهر وفاءً مثالياً فلا تغادر المكان حتى يغادر صغيرها الحياة ،إن هذه التصرفات المحيرة تجعل الإنسان يسجد لمن ألهمها ذلك .
هذه ومضة من رحمة الحيوان وكأنها درس بليغ للإنسان ، فالذي يهمل أولاده يكون أدنى من الحيوان .

خاتمة وتوديع :

الأستاذ علاء :
 لا يسعني في نهاية هذه الحلقة إلا أن أشكر فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة على كل ما قدم وشرحت ، وإن شاء الله نتمم موضوعنا في حلقات قادمة .

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور