وضع داكن
28-03-2024
Logo
الإيمان هو الخلق - مقومات التكليف- الندوة : 42 - الشهوة - المال - خلق الإنسان للعمل الصالح ـ الضوء شرط أساسي لتكون الألوان
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة وترحيب :

أيها السادة المشاهدون ، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته ، وأهلاً ومرحباً بكم في هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم : الإيمان هو الخلق ، وما زلنا نستزيد من علم الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين في دمشق .
أهلاً وسهلاً ومرحباً .
بكم أستاذ علاء ، جزاكم الله خيراً .
أعود لألخص ما بدأ به البرنامج عندما تكلمت عن مقومات التكليف ، فمررنا على العقل ، وقبل ذلك الكون ، ثم العقل ، ثم الفطرة ، ثم الشهوة ، ووقفنا عندها مليا ، وأخذت منا قسطًا من الوقت مليا ، ولكن كان لا بد من الوقت الذي نصرفه على هذه المحطة ، وهذا المقوم من مقومات التكليف لأهميته ، وللفهم الخاطئ السائد بين المؤمنين والمسلمين عن هذه القضية ، وصححنا ذلك المفهوم ، استناداً إلى الكتاب والسنة النبوية المطهرة .
وقفنا عند مسألة ، وتحدثنا فيها ملياً ، بأن المال من أهم من وسائل التقرب إلى الله تعالى ، لأن فيه قوام الحياة .
وذكرتَ سيدي في الحلقات الماضية بأن المال هو أصدق تعبير عن الحب والمحبة ، ولذلك أتى القرآن ليثني على الزكاة في كثير من المواضع ، الصدقة من الصدق وصدق التوجه ، والصدقية تظهر بشكل جلي من حب الإنسان للمال ، الله أودع في نفسه حب المال ، يستغني عن هذا المال ، ويدفع هذا المال الذي فيه حب دفين له في كينونته ، وفي نفسيته ، فيخرج من ماله ويعطي غيره ، ويعطي المحتاجين ، ويعطي الفقراء ، هذا في مرتبة تميزه عن كل عطاء ، وعن كل التزام .
وقفت عند سيدي الكريم عند مسألة ، وقلت : إن هنالك مفهوما لدى كل الناس ، أن الله يحب الكريم ، وأن الله يحب المنفق ، ولو كان على تقصير ، وشرحت لنا ذلك ، لكن الآن إن الله يحب المنفق ، ويفتح أمامه ، ويعطي المنفق ولو كان في جانب من جوانب حياته على معصية ، بدأت بالإجابة ، ولكن نود أن نستزيد لنبين هذا المفهوم بشكل جلي .
الدكتور راتب :

الإنسان خُلِق للعمل الصالح :

بادئ ذي بدء ، أستاذ علاء جزاك الله خيراً ، الإنسان خُلق للعمل الصالح ، هذا العمل الصالح قوام سيره إلى الله ، بالضبط :
أنا أمام طريق فيه عقبات كبيرة ، فيه مكعبات من الإسمنت المسلح ، هذه العقبات تمنع سيري على هذا الطريق ، فالاستقامة أن أزيل هذه العقبات ، إذا أزلت هذه العقبات ألغيت كل المعاصي والآثام ، والتقصيرات والتجاوزات ، والصغائر والكبائر ، إذا أزلت كل هذه العقبات عن الطريق إلى الله صار الطريق سالكاً إلى الله ، لكن ما الذي يحركني إلى الله ؟ العمل صالح ، فالاستقامة تنظيف الطرق من العقبات ، هناك معصية لكسب المال ألغيتها ، ومعصية في العلاقة مع النساء ألغيتها ، ومعصية بالمظاهر الفارغة ألغيتها ، ومعصية للاحتيال ألغيتها ، ألغيت كل المعاصي والآثام ، الآن صار الطريق سالكا إلى الله ، ما الذي يجعلني أتحرك على هذا الطريق ؟ إنه العمل الصالح ، قال تعالى : 

﴿ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ﴾ 

( سورة فاطر الآية : 10 )

لأن الله عز وجل نحو الأعلى . 

﴿ وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ ﴾

( سورة الزخرف الآية : 84 )

أو : 

﴿ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا ﴾

( سورة الكهف الآية : 110 )

أي إنسان يسألني أنه : لا أشعر في الصلاة القرب من الله ، أقول له : افعل الأعمال الصالحة ، والآية هذه : 

﴿ وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ﴾

( سورة الكهف الآية : 110 )

وكنت أقول دائماً هذا المثل : هناك مجند غرّ له أقلّ مرتبة في الجيش ، لا يستطيع أن يقابل قائد الفرقة اللواء ، مستحيل في النظام العسكري في كل بلاد العالم إلا بالتسلسل ، لكن هذا المجند الغر لو رأى ابن قائد هذا اللواء غريقاً ، وألقى بنفسه في الماء ، وأنقذه يمكن أن يدخل إليه من دون إذن ، وأن يجلسه على جانبه ، ويقدم له الضيافة ، وأن يثني عليه ، ما الذي جعل هذا المجند الغر الممنوع بكل أنظمة الجيش في العالم أن يقابل قائد فرقة ؟ العمل الصالح ألغى الحواجز .

الإحسانُ إلى الخَلق :

حينما تخدم عباد الله مبدئياً ، أستاذ علاء ، هؤلاء البشر عباد الله ، الإسلام أممي الإسلام إنسانيّ ، الإنسان بنيان الله ، وملعون من هدم بنيان الله ، ملعون عند الله من ألقى في قلبه الخوف ، ملعون عند الله من ابتز ماله ، ملعون عند الله من خدعه ، ملعون عند الله من أساء إليه ، حينما تعامل خالق الأكوان في خدمة الإنسان تكون قريباً من الله عز وجل ، لا تقل : مَن فلان ؟ ومِن أين ؟ وأين يسكن ؟ وهل من جماعتنا ؟ هذا كلام جاهلي ، كلام فيه تعصب ، كلام عنصري ، هذا إنسان خلقه الله ، إذا أردت أن تتقرب إلى الله ، وأن تقبل عليه ، هيئ لهذا الإنسان الذي هو أحد عباد الله حاجاته ، لا تلقِ في قلبه الخوف ، لا تهدم بيته ، لا تشرد أولاده ، هذا الذي يجري في الأرض ، لأنه مخالف للفطرة البشرية ، مخالف لكل الرسالات السماوية ، مخالف للمبادئ الإنسانية ، مخالف للمنطق ، مخالف لكل المبادئ التي تنتظم حياة البشر .
لذلك الإنسان بنيان الله ، وملعون من هدم بنيان الله ، لو أنك صنعت شيئاً بجهد كبير لسنوات طويلة ، وجاء من خربه في ثوانٍ قليلة ، الذي نراه على الشاشة شيء لا يحتمل ، تقول : مَن هذا الإنسان ؟! أي قلب له ؟! كيف يقتل هذا الطفل البريء الذي لا علاقة له بكل موضوعات الحرب ؟ .
لذلك القضية الآن قضية إنسانية ، الإنسان بنيان الله ، وملعون من هدم بنيان الله ، وأنا في تصوري أن الإنسان الصالح بالمعنى المادي الدنيوي ، هو الذي خدم البشر ، حل بعض مشكلاتهم ، هيأ فرص عمل ، عالج بعض المرض ، أنفق بعض ماله على إسعاف الفقراء والمساكين ، مبدئياً بأي دافع ، لأيّ تصور ، هذا العمل محفوظ عند الله ، فإما أن يكافئه مكافئة تفوق حد الخيال في الدنيا ، فيغتني ، ويرقى ، ويعلو نجمه ، وإما أن يكافئه الله في الآخرة إذا كان يبتغي في هذا العمل رضوان الله ، وتأتي الدنيا وهي راغمة ، فيكسب الدنيا والآخرة .

وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ

أنا أقول دائماً : طالب العلم يؤثر الآخرة على الدنيا فيربحهما معاً ، والجاهل يؤثر الدنيا على الآخرة فيخسرهما معاً ، إلا أن الآية : 

﴿ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ ﴾

( سورة الأعراف الآية : 196 )

قال بعض العلماء : الذي يقدم أعمالا طيبة للبشر بصرف النظر عن وضعه مع الله ، هذا الإنسان الذي ينطوي على قلب رحيم يحب الخير للناس ، لكنه مقصر مع الله ، الله عز وجل يقول عز وجل :

﴿ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ ﴾

يأخذ بيده برفق إلى أن يوصله إلى الإيمان ، أنا أتفاءل بكل إنسان محسن ، هذا المحسن مصيره أن الله سبحانه وتعالى سيتولاه بذاته العلية ، كي يأخذ بيده إلى جادة الإيمان .
الأستاذ علاء :
مقومات الصلاح موجودة ، النفس الهنية ، النفس الرضية ، النفس البيضاء إن صح التعبير ، النفس التي تحب ولا تكره ، الأرضية موجودة ، فالله عز وجل يأخذ بيده إلى ذاته العلية .
الدكتور راتب :
هذا معنى قوله تعالى :

﴿ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ ﴾

لذلك أنا أشجع العمل الصالح من أي إنسان ، من أي هوية ، من أي تصور ، لأن هذا العمل الصالح يرضي الله ، فإن أراد الدنيا به فقط أعطاه الله الدنيا ، عند الله لا يضيع شيء ، وإن أراد به مرضاته أعطاه الدنيا والآخرة على كلٍ العمل الصالح : 

﴿ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ ﴾

( سورة محمد الآية : 35)

﴿ وَلَن ﴾

لتأبيد النفي ،

﴿ يَتِرَكُمْ ﴾

أن يضيع عليكم ثواب أعمالكم ، لذلك المحسن قريب من الله ، والمحسن يحتاج إلى لفتة بسيطة إلى الله ، هو قلبه رحيم ، وحبه للخير جعله دون أن يشعر قريباً من الله ، بقي عليه من ينصحه ، ويأخذ بيده ، أن يؤدي بعض العبادات ، عندئذٍ يتولى الله هدايته بعناية فائقة .
الأستاذ علاء :
كيف نفهم أن أمة مثلاً من الأمم ، أو شعبا ، أو مجتمعا يؤمن بالله ، ويحب الصلاح ، لكن في جانب من الجوانب هذه مع أمة أخرى ، أو شعب آخر ، أو مجتمع آخر ليس على الإيمان المعهود ، ولكنها تنفي ، وتكره الظلم بين بعضها ، نجد تلك في حالة علو ، وهذه في حالة انحطاط .
الدكتور راتب :

الدنيا قد تصلح بالكفر والعدل ولا تصلح بالإيمان والظلم :


أنا لا أتمنى أن أدلي بهذه المعلومات ، لكني سأدلي بها ، إن الله ينصر الأمة الكافرة العادلة ، على الأمة المسلمة الظالمة ، والدنيا تصلح بالكفر والعدل ، ولا تصلح للإيمان والظلم ، فما لم نعطِ حقَّ الفقير ، ما لم نرحم الفقير ، ما لم نعالج المريض ، ما لم نؤوِ المشرد ، ما لم نعلم الجاهل ، ما لم ننتصر للضعيف ، فالله سبحانه وتعالى لا يمنحنا النصر الذي نتمناه لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول :

(( هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلَّا بِضُعَفَائِكُمْ ))

[ رواه البخاري عن سعد ]

(( إنما ))

أداة قصر وحصر ، وكلام النبي وحي من الله غير متلو .
هذا الضعيف ينبغي أن نطعمه إن كان جائعاً ، ينبغي أن نكسوه إن كان عارياً ، ينبغي أن نؤويه إن كان مشرداً ، ينبغي أن نعلمه إن كان جاهلاً ، ينبغي أن نعالجه إن كان مريضاً ، ينبغي أن ننتصر له إن كان مظلوماً .

مكافأة نصرة الضعيف والمظلوم :

الآن بماذا يكافئنا الله عز وجل ؟ يكافئنا بمكافئة من جنس عملنا ، هو ضعيف وبالإمكان أن نسحقه ، بالإمكان أن نهمله ، بالإمكان ألا نلتفت إليه ، لكننا قدمنا له كل شيء فيكافئنا الله بأن ينصرنا على من هو أقوى منا ، فإذا أردنا أن ننتصر على القوى العاتية الجيارة ينبغي أن نلغي الظلم الاجتماعي ، أحياناً الزوج يضرب بزوجته ، ورب العمل يظلم عماله والقوي يظلم الضعيف ، والغني يأكل الفقير ، وصاحب الوجاهة يعتم على المتفوق ، فما دام هناك ظلم اجتماعي الله لا يرضى عنا ، هذه حقيقة مرة ، وهي عندي أفضل ألف مًَرة من الوهم المريح ، وإن كنا أمة وحي ، نحن أمة الوحي ، نحن أمة ذكَر الله في القرآن أنكم كنتم : 

﴿ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾

( سورة آل عمران الآية : 109 )

هذه الخيرية مقيدة ، وليست مطلقة . 

﴿ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾

( سورة آل عمران الآية : 109)

وقد قال عليه الصلاة والسلام :

(( كيف بكم إذا لم تأمروا بالمعروف ؟ ولم تنهوا عن المنكر ؟ قالوا : أوكائن ذلك يا رسول الله ؟! قال : وأشد منه سيكون ، قالوا : وما أشد منه ؟ قال : كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف ؟ قالوا : أوكائن ذلك يا رسول الله ؟! قال : وأشد منه سيكون ، قالوا : وما أشد منه ؟ ـ هنا ـ قال : كيف بكم إذا أصبح المعروف منكراً ، والمنكر معروفاً ))

[ ورد في الأثر ]

لذلك إذا أصبح المعروف في أمة منكراً ، وأصبح المنكر معروفاً ، تُودّع من هذه الأمة .
لذلك أنا أدعو الله عز وجل أن يعيننا أن نعتني بالضعاف ، بالفقراء ، بالمحتاجين بالمرضى ، بالمشردين ، هذا الذي يفكر بإنشاء مشروع لتزويج الشباب ، لتأمين فرص عمل لهم لتحسين الحياة ، لتأمين الخدمات ليبتغي وجه الله له الدنيا والآخرة ، وإذا ابتغى بهذا العمل الدنيا فله الدنيا ، مستحيل وألف ألف ألف مستحيل أن يضيع الله عز وجل على إنسان عمله الصالح ، لذلك قال تعالى : 

﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾

( سورة المطففين الآية : 26 )

الدنيا درا اختبار للمحسن والمسيء :

وهناك ملمح دقيق جداً في بعض الآيات قال : 

﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ ﴾

( سورة الملك الآية : 2 )

نحن قد نتصور ليمتحن من هو المحسن ، ومن هو المسيء ، قال : لا : 

﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾

( سورة الملك الآية : 2)

المفروض أن يكون البشر جميعاً محسنين ، لكن الامتحان من أجل التفوق فقط ، معظم الناس واقعون في الإساءة للبشر ، هذا الذي يقتل ، يهدم البيت ، يقتل الطفل ، هذا الذي ينهب الثروات ، هذا الذي يحرق المحاصيل ، هذا الذي يهدم الآبار ، هذا الذي يجرف مزارع الزيتون قوام الحياة هذا التدمير ، الإنسان بنيان الله ، وملعون من هدم بنيان الله ، والله الذي لا إله إلا هو أكاد أقول إن أغبى أنواع البشر الطغاة ، لماذا ؟ لأنهم ما أدخلوا الله في حسباتهم . 

﴿ وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ ﴾

اللهُ مطَّلعٌ عليمُ بما يجري :

﴿ وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ ﴾

( سورة إبراهيم الآية : 42)

لأن الناس يتوهمون أن الله غافل ، لماذا جاء النهي ؟ أنت لا تنهى عن شيء لا يكون ، لا تنهى أنه إياك أن تصل للشمس ، مستحيل ، لا تنهى إلا عن شيء واقعي ، هناك أناس الآن يقولون : أين الله ؟

﴿ وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ ﴾

أستاذ علاء ، هل تعتقد أن إيمان المؤمن يستقيم إذا توهم أن الله لا يعلم ماذا يجري ؟ مستحيل ، هل يستقيم إيمان مؤمن إذا توهم أن الله لا يقدر أن يفعل شيئاً ، زلزال تسو نامي مئة مليون قنبلة ذرية ، هل يمكن أن نتوهم أن الله لا يعنيه ما يجرى ؟ . 

﴿ وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ ﴾

( سورة الزخرف الآية : 84 )

هل نظن أن الله لا يعلم ؟. 

﴿ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا ﴾

( سورة الأنعام الآية :59 )

فكيف بالصاروخ ؟ الله عز وجل يعلم ، وهو إله في السماء والأرض ، والله عز وجل أيضاً قادر على كل شيء ، ولكن نرجو الله أن يكشف لنا حكمته البالغة بعد حين .
الأستاذ علاء :
سيدي الكريم ، نأتي إلى هذا المال الذي هو قوام الحياة ، الإنسان مسؤول عن كسبه ، ومسؤول عن إنفاقه ، يمكن أن نقف عند هذه المسألة في مسؤولية الكسب ، ومسؤولية الإنفاق ؟ .
الدكتور راتب :

مسؤولية الإنسان في كسب ماله وإنفاقه :

يقول عليه الصلاة والسلام :

((لاَ تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتّى يُسْأَلَ عَنْ عُمْرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ ؟ وَعن عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ ؟ وعن مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ ؟ وَفيمَ أَنْفَقَهُ ؟ وعن جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلاَهُ ؟ ))

[ أخرجه الترمذي عن أبي برزة ]

مستحيل وألف ألف ألف مستحيل أن تكسب المال عن طريق الغش ، وعن طريق الخداع ، وعن طريق الإيهام ، وعن طريق الاحتكار ، وعن طريق أعمال لا ترضي الله ، ثم تنجو يوم القيامة من المسؤولية ، هذا الذي يبني ثروته على غش الناس ، قد يقدم حاجة غذائية مسرطنة ، لكنها رخيصة ، ويبدل مواصفاتها .
لذلك أنا أقول دائماً كلمة لعلها ليست واردة كثيراً : هذا الذي يقول : الله أكبر ، يوم العيد ، أو عقب عيد الفطر ، ويغش المسلمين ما قالها ولا مرة ، ولو رددها بلسانه ألف مرة ، لأنه رأى أن هذا المال الذي يأتيه من الغش أكبر من طاعة الله ، وهذا الذي يطيع مخلوقاً ، ويعصي خالقه ، يطيع مخلوقاً من أجل الدنيا يطيع هذا المخلوق على حساب دينه ، ومبادئه ، واستقامته من أجل مكاسب من هذا المخلوق ، هذا الذي يفعل هذا ما قال : الله أكبر ، ولا مرة ، ولو رددها بلسانه ألف مرة ، فهذا المال من أين اكتسبه ؟ يا ترى من عمل مشروع ؟ من حرفة نظيفة من خدمة للناس ؟ من تعليم ؟ من طبابة ؟ من هندسة ؟ من تجارة مشروعة رابحة ؟ من خدمات للمجتمع ؟ أم من الكذب والاحتيال ؟ أو من السرقة والنهب أحياناً ؟
بالمناسبة ، أغنى أغبياء العالم تجار مخدرات ، من أجل أن يغتنموا يسببون التلف لشباب الأمة .
فلذلك أن يترك الإنسان سدى هذا من سابع المستحيلات . 

﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى * أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى ﴾

( سورة القيامة الآية : 36 ـ 39)

﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً ﴾

( سورة المؤمنون الآية : 115 )

أستاذ علاء ؟ مستحيل أن تنتهي الحياة من دون تسوية حسابات ، لأن ثمة قويًّ وضعيفًا ، والقوي متجبر كما نرى ونسمع ، وهناك غني يكاد ينتخم من الغنى وهناك فقير ، وصحيح ، ومريض ، وتنتهي الحياة هكذا من دون حساب ؟ هذا مستحيل .
الأستاذ علاء :
الآن سيدي الكريم ؟ كأن الوقت بدأ المخصص للفقرة العلمية ، انتهينا في الحلقة الماضية عند موضوع التمويه ، الآن نبتدئ بأي موضوع سيدي الكريم ؟ .
الدكتور راتب :

الموضوع العلمي : الألوانُ :

1 ـ الألوان في عالم الإنسان والحيوان والطبيعة :

هناك موضوع للألوان دقيق جداً إن شاء الله ، الحقيقة لو تخيلنا الحياة في بيئة مظلمة ، أو على الأقل في بيئة لا ألوان فيها إلا الأبيض والأسود ، بعض الحيوانات لا ترى إلا الأبيض والأسود ، كالقطط ، أما الإنسان فلكرامته عند الله تفرق عينه بين ثمانية ملايين لونٍ ، إن حياة كهذه ستسبب للناس مشقة كبيرة بلا شك ، إلا أن العالم يعج بالألوان ، ألوان السماء ، ألوان النبات ، ألوان الجبال ، الشفق الأحمر ، الورود , الأزهار ، العالم جميل جداً ، لأن الله جميل ، وهذا من أثر اسم الجميل ، وإن الله جميل يحب الجمال ، بالمعنى الإيديولوجي بالمعنى العقائدي ، فالعالم يعج بالألوان ، الحيوانات ، والنباتات ، والزواحف ، والسلاحف هذا كله من عظمة الله عز وجل .
في هذه الموضوعات سيبحث في نعمة من بدائع نعمة الله تعالى التي حباها الله لمخلوقاته ، وتجلت بها روعة الصنع ، إنها نعمة الألوان ، خلق الله عز وجل العالم بانسجام وتناسب تام ، وزينه بألوان جميلة أخاذة ، غابات خضراء ، مياه زرقاء ، جبال عظيمة ، بحار كبير متلاطمة الأمواج .

 

2 ـ الضوء شرط أساسي لتكون الألوان :

والآن لنبحث كيف تتكون واحدة من أعظم معجزات الله عز وجل من خلال الألوان ، الضوء شرط أساسي لتكون الألوان ، والضوء الوحيد الذي يصل إلينا إلى الأرض هو ضوء الشمس ، يقول الله عز وجل مشيراً إلى الشمس : 

﴿ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا ﴾

( سورة الشمس )

وكأن هذه الآية فيها لفت نظر إلى عظمة هذه الآية الدالة على الله عز وجل ، عندما ندقق في أشعة الشمس نرى أن الإنسان قد ضمن لنفسه من خلالها إمكانية العيش كغيره من المخلوقات على سطح هذه المعمورة ، لقد خُلق كل شيء بتوازن دقيق .
 

3 ـ الشمس هي المصدر الأساسي للضوء :

أما النجوم وغيرها من مصادر الضوء في الكون فتطلق إشعاعات ضوئية مختلفة ، لكن الضوء الأساسي يأتينا من الشمس ، وتتميز عن بعضها بطول الموجة والتردد ، طول الموجات في هذا الكون بسعة 10 قوة 25 ، يعني 10 أمام 25 ضعفا ، أشعة الشمس هذه التي تطلقها على شكل ضوء على هذه الساحة العظيمة لا تشكل سوى واحد فقط من هذه السعة العلنية يعني الـ10 أمام الـ 25 صفرا ، أشعة الشمس تشكل واحدا من شموس الكون .
ولكي ندرك حجم هذا العدد يجب أن نضع أمام الرقم 10ـ 25 صفراً ، هذه الأرقام تفوق تصور الإنسان ، ومع هذا ففي الكون أنواع مختلفة من الإشعاعات الضوئية بقدر هذا العدد ، يحتاج الإنسان لضمان بقائه على هذه الأرض ، وتميزه للألوان إلى صفر واحد من بين كل هذه الإشعاعات .
هناك نجم قلب العقرب يتسع للشمس والأرض مع المسافة بينهما ، وهناك شموس بملايين أضعاف الشمس الحالية ، شمسنا متواضعة جداً أمام بقية الشموس ، والشمس تضفي لنا هذه النسبة تماماً من الضوء ، هذه الحقيقة من دلائل خلق الله تعالى للكون : 

﴿ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ ﴾

( سورة فاطر )

4 ـ كيف تصل الشمس إلى الأرض :

لا يصل إلى الأرض سوى الضوء المرئي ، والذي يتكون من أشعة تأخذ مكان في الفراغ بين حدي الضوء المرئي ، وهنا الأشعة تحت الحمراء في الجانب ، والأشعة فوق البنفسجية في جانب آخر ، فالأشعة تحت الحمراء تؤمن الحرارة المناسبة لحياة الكائنات ، أما الأشعة فوق البنفسجية فيخرق قسم منها طبقات الجو ليصل إلينا منه ما نتاجه منه لتامين الطاقة ، بعض أشعة الشمس ضار للأحياء ، وتتخلص الأرض من أثرها الضار بواسطة غلافها الجوي ، الذي يعد كمصفاة ضخمة تحيط بالأرض هذه المصفاة هي طبقة الأوزون ، ولأن الإنسان غيّر خلق الله فقد تخلخلت هذه الطبقة ، وارتفعت نسبة السرطان الجلدي إلى 70 % .
الأستاذ علاء :
الوقت أدركنا سيدي الكريم ، ولا يسعني إلا أن أشكر أستاذنا الدكتور محمد راتب النابلسي ، أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين بدمشق شكراً جزيلاً ، وإلى اللقاء إن شاء الله في حلقة قادمة . 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور