وضع داكن
19-04-2024
Logo
الخطبة : 0205 - نفي الشأن - ما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم - الحديد.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الخطبة الأولى:
 الحمد لله ثمّ الحمد لله ، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنّا لِنَهْتَدِيَ لولا أن هدانا الله، وما توفيقي ولا اعتصامي ولا توكّلي إلا على الله ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقرارًا برُبوبيَّته ، وإرغامًا لمن جحد به وكفر ، وأشهد أنّ سيّدنا محمّدًا صلى الله عليه وسلّم رسول الله ، سيّد الخلق والبشر ما اتَّصَلَت عين بنظر ، أو سمعت أذنٌ بِخَبر ، اللَّهمّ صلّ وسلّم وبارك على سيّدنا محمّد ، وعلى آله وأصحابه ، وعلى ذريّته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدّين ، اللّهمّ علّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علّمتنا وزدْنا علمًا ، وأرنا الحقّ حقًّا وارزقنا اتّباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممَّن يستمعون القول فيتّبعون أحْسنه ، وأدْخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .

نفي الشأن :

 أيها الأخوة المؤمنون ؛ في القرآن الكريم آياتٌ كثيرة مُصدرة بهذه الصّيغة ، قال تعالى :

﴿مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ﴾

[ سورة آل عمران : 179]

 وقال تعالى :

﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ﴾

[ سورة آل عمران : 179]

 وقال تعالى :

﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾

[ سورة الأنفال : 33]

 قال تعالى :

﴿فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ﴾

[ سورة الروم : 9]

 قال تعالى :

﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ﴾

[ سورة التوبة : 115]

 قال تعالى :

﴿وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾

[ سورة يونس : 37]

 قال تعالى :

﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ﴾

[ سورة هود : 117]

 قال تعالى :

﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُبِيناً﴾

[ سورة الأحزاب : 36]

 هناك آيات كثيرة جدًّا مصدّرةٌ بهذه الصِّيَغ .
 أيها الأخوة المؤمنون ؛ قال علماء التفسير : إنّ نفْيَ الحدَث شيء ، ونفيَ الشّاْن شيءٌ آخر ، فقد يقول فلانٌ : لمْ أسْرق ، وهو ينفي عن نفسه فعْلَ السّرقة ، أما إذا قال : ما كان ليَ أن أسرق ، نفى عن نفسه رغبة السّرقة ، ونيّة السّرقة ، والطّموح إلى السّرقة ، والرضا عن السرقة ، أي هي بعيدةٌ عنهُ بعْد الأرض عن السماء ، أيْ أنّ أشدّ صيغةٍ في اللّغة العربيّة للنَّفْي هي هذه الصّيغة ، سمّاهُ علماء النحو والبلاغة نفْيُ الشَّأْن ، ليس من شأن هذا الإنسان أن يسرق ، إنّ جُرْمَ السَّرقة بعيدٌ عنه بعْد الأرض عن السّماء ، لا يفكّر فيها ، ولا يتمنَّاها ، ولا يرضاها ، ولا ينويها ، ولا يطمحُ إليها ، ولا يُعقلُ أن تخطرَ على باله ، فحيثما قرأتم في القرآن الكريم آيةً بهذه الصّيغة فهي أشدّ نوعٍ في اللّغة العربيّة من أنواع النّفي ، فربّنا سبحانه وتعالى يقول مثلاً :

﴿وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَاباً مُؤَجَّلاً﴾

[ سورة آل عمران :145]

 أي حَدَثُ الموت أخْطرُ حدثٍ في حياة الإنسان ، إنّه إنْهاءٌ لِحَياتِهِ ، وانتقالٌ به إلى الدار الآخرة ، إنّهُ خَتْمٌ لعمله ، والحدَث الخطير لن يكون بيَدِ إنسانٍ ، قال تعالى :

﴿وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَاباً مُؤَجَّلاً﴾

[ سورة آل عمران :145]

 من هنا قال عليه الصلاة والسلام : " كلمة الحقّ لا تقطعُ رزقًا ، ولا تقرّب أجلاً " وما كان ؛ أي هذا من المستحيلات ، في علم التوحيد هناك واجب الوجود وهو الله عز وجل ، وهناك ممكن الوُجود ، وهو ما سوى الله تعالى ، وهناك مستحيلُ الوُجود ، في الحياة أشياء واجبة، وأشياء مستحيلة ، وأشياء ممكنة .

 

لكلّ إنسان أجل :

 اخْترْتُ لكم بعض الآيات من هذه الطائفة الكثيرة من هذه الصّيغة التي صُدِّرَتْ بها الآيات الكريمة : ما كان الله ليفعل كذا وكذا . فالآية الأولى :

﴿وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَاباً مُؤَجَّلاً﴾

[ سورة آل عمران :145]

 إنّ المرض لا يُميت ، ولكنّ الذي يُميتُ هو انتهاء الأجَل ، هو إذْن الله عز وجل في إنهاء عمُر الإنسان ، لذلك قال بعض الشّعراء :

إنّ الطبيب له علْمٌ يدل بــــــــــــه  إنْ كان للناس في الآجال تأخير
حتى إذا ما انقضَتْ أيّام رحلته  حـــــــــار الطبيب وخانتْهُ العقــاقير
***

 لك عند الله أجلٌ لا يتقدّم ثانيةً ، ولا يتأخّر ، من هنا يأتي الاستقرار النفسي ، من هنا تأتي الطمأنينة ، من هنا تأتي الشّجاعة ، من هنا يأتي الاستسلام لقضاء الله وقدره ، لذلك نشأَتْ في هذه الأيّام أمراضٌ خطيرة - والأخْطرُ منها الخوف من هذه الأمراض - أمراضٌ نفسيّة لا تقلّ عن الأولى خطرًا ، لذلك قالوا : توَقُّع المصيبة مصيبةٌ أكبر منها، وأنت من خوف الفقْر في فقْر ، وأنت من خوف المرض في مرض .

 

من طبق سنة النبي فهو في مأمن من عذاب الله :

 الله سبحانه وتعالى يقول :

﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾

[ سورة الأنفال : 33]

 قال بعض علماء التفسير : إنّه يستحيلُ أن يُعذّب هؤلاء وبين ظهرانيهم رسول الله صلى الله عليه وسلّم ، إنّ دعوتهُ فيهم ، إنّهم يستمعون إلى دعوته ، لم يتّخذوا موقفًا حاسمًا ، إنّهم في قَبول ، ومن تفسيرات هذه الآية أيْ أنّ النبي عليه الصلاة والسلام ما دام بين ظهرانيهم لن يُعذَّبوا ، فإذا انتقل إلى الرفيق الأعلى يُصبحُ للآية معنًى آخر ، ما دامَتْ شريعتهُ فيهم ، ما دامتْ سنّته قائمةً فيهم ، ما دامتْ محبّته في قلوبهم ، فلن يعذّبهم الله عز وجل ، أما إذا نبذوا سنّته وراء ظهرهم ، أما إذا استخفُّوا بها ، أما إذا تبعوا الأجانب ، ولو دخلوا في جحْر ضبّ لدخلوه ، أما إذا فْتخر الإنسان بالمعصيَة ، وسِعَتْهُ البدعة ، ولمْ تسَعْهُ السنّة ، أما إذا خرج عن شريعة الله عز وجل ، عندئذٍ يعذّبهم الله عز وجل ، قال تعالى :

﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾

[ سورة الأنفال : 33]

 إما أنّك بين ظهرانيهم ، أو أنّ سنّتك وشريعتك وطريقتك بينهم في حياتهم ، وفي بيوتهم ، في أعمالهم ، في تجارتهم ، في زواجهم ، في كلّ حركاتهم وسكناتهم ، إذا كانوا يتّبعون سنّتك ، فما كان الله ليعذّبهم .
 شيءٌ آخر ، هو أنّ الله سبحانه وتعالى يقول :

﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾

[ سورة الأنفال :33]

 فالأب الرحيم الشّفوق إن رأى ولدًا له مقصِّرًا في مادّة الحِساب ، وكان هذا الابن مهتمًّا لهذا التقصير ، فهو يسعى لِجَلْب النَّفْع له ، ويسعى لاستكمال معلوماته ، وأخاه الكبير يسأل معلّمهُ ، يسهر اللّيل ، إذا اطَّلع الأب على هذا الابن ورآه مهتمًّا لِتَلافي هذا التقصير هل يؤدّبهُ ؟ لا ، معنى هذه الآية أنّ العبْد ما دام بصيرًا بِذَنبه ، ويسعى لمغفرة هذا الذّنب ، يسعى لِتَكميل نفسه ، ويسعى لِتَزكيتها ، ويسعى لِتَرقيتِها ، ويسعى للسّموّ بها ، ويسعى لِتَطهيرها من كلّ دنس ، ما دام في هذا السّعي ، وفي هذا الجهْد ، وفي هذا التحرّك نحو الكمال ، فالله سبحانه وتعالى ما كان له أن يعذّب ، أيْ مستحيل ، فمن أراد أن يكون في بحبوحةٍ من أمره ، فليسْعَ لِتَطهير نفسه من العيوب ، وليسْع لِتَحليتها بالكمال ، وليسْع للبُعْد بها عن مزالق المعاصي ، ما دام هناك سعْيٌ حثيث ، وجُهْدٌ دؤوب ، وهمّ كبير ، ما الذي يهمّك ؟ قلْ لي ما الذي يهمّك أقُلْ لك من أنت ، هل تُصبحُ وأكبرُ همّك الدّنيا أم تُصبحُ وأكبرُ همّك الآخرة ؟ من أصبحَ وأكبرُ همّه الدّنيا جعل الله فقرهُ بين عينيْه ، وشتَّتَ عليه شمْلهُ ، ولمْ يؤتِهِ من الدّنيا إلا ما قدِّرَ له ، ومن أصبح وأكبرُ همّه الآخرة جعل الله غِناه في قلبه ، وجمعَ عليه شملهُ ، وأتتْهُ الدّنيا وهي راغمة .
 أيها الأخوة المؤمنون ؛ هذه الآية تبثّ الطمأنينة ، هذه الآية تبثّ الأمْن ، قال تعالى:

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾

[ سورة الأنفال: 33 ]

 سنّتك في بيوتهم ، سنّتك في تجاراتهم ، سنّتك في لقاءاتهم ، سنّتك في زواجهم ، في كلّ حركاتهم وسكناتهم ، إذا كانوا يتّبعون سنّتك فلن يعذَّبوا قال تعالى :

﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً﴾

[ سورة مريم : 59]

 قال تعالى :

﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾

[ سورة الأنفال: 33 ]

 أي لِمُجرّد أن تكون في سعْيِكَ نحْوَ تَطهير نفسِكَ ، واسْتِكمال فضائلها فأنت في بحبوحةٍ ، فمن أراد أن يكون في بحبوحةٍ من أمره ، من أراد أن يكون في حِرْزٍ من عذاب الله الشديد ، من أراد أن يكون في مَأْمَنٍ من عقابه الأليم ، فليُطَبِّقْ سنّة النبي عليه الصلاة والسلام في كلّ مناحي حياته ، ولْيَسْعَ لاستكمال فضائل نفسه ، قال تعالى :

﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾

[ سورة الشمس : 9-10]

الله تعالى ليس بظلام للعبيد :

 يا أيها الأخوة المؤمنون ؛ من المستحيلات أيضًا أنْ يُظلمَ الإنسان لقوله تعالى :

﴿فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ﴾

[ سورة الروم : 9]

 أي أيّة قصّة ، أيّة روايةٍ ، أيّة حادثةٍ ، يظهرُ من ظاهرها أنّ فيها ظُلماً فهذا مستحيلٌ في نصّ هذه الآية ، قال تعالى :

﴿وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾

[ سورة الأنعام : 129]

 إنِّي حرَّمْتُ الظّلم على نفسي - كما جاء في الحديث القدسي - وجعلتهُ بينكم محرّمًا فلا تظالموا ، يا عبادي كلّكم ضالّ إلا من هديْتُه فاستهدوني أهْدكم ، كلّكم جائعٌ إلا من أطعمتهُ فاسْتطعموني أُطعمكم ، كلّكم عارٍ إلا من كسَوْتُه فاسْتكسوني أكْسُكم ، يستحيلُ على الله عز وجل أن يُظلم عندهُ الإنسان ، كيف يُظلم وهو الذي يقول :

﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ﴾

[ سورة الزلزلة : 7-8]

 أعرابيّ جاء النبي عليه الصلاة و السلام ؛ قال : عِظْني وأوْجِز ؟ فتلا عليه النبي الكريم هذه الآية :

﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ﴾

[ سورة الزلزلة : 7-8]

 قال : يا رسول الله قد كُفيتُ ، فقال عليه الصلاة والسلام : فَقُهَ الرجل . قال تعالى:

﴿فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ﴾

[ سورة الروم : 9]

 ما من عَثَرَةٍ ، ولا اخْتِلاجِ عرْقٍ ، ولا خدْش عودٍ ، إلا بما قدَّمَتْ أيديكم وما يعفو الله أكثر . إيّاك أيّها الأخ الكريم أن يذهب بكَ الظنّ إلى أنّ الله قد ظلمَ إذْ حرمَكَ هذا الشيء ، يقول الإمام الغزالي رحمه الله تعالى : ليس في إمكاني أبْدَعُ مِمَّا أعطاني ، لو اطَّلَعْتُم على الغيب لاخترتم الواقع ، حينما يبيّن الله للإنسان يوم القيامة أنّ كلّ شيءٍ ساقهُ إليه إنّما هو مَحْضُ خيرٍ يلْهجُ عندئذٍ بالحَمْد ، قال تعالى :

﴿وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾

[ سورة يونس : 10]

 لا يخافنّ العبْد إلا ذنبه ، ولا يرجُوَنَّ إلا ربّه ، لا يخاف العبد أن يظلمه الله عز وجل لأنّ الله ليس بِظَلاّمٍ للعبيد ، ما كان الله ليظلمهم ، ولكن لِيَخش العبْدُ أن يتلبَّس بالذّنْب الذي يستحقّ عليه العقاب الأليم ، لذلك ينبغي على الإنسان أن يخاف من ذنبه ؛ لأنّ الله سبحانه وتعالى لا يظلمُ الناس شيئًا .

 

الله تعالى لا يضلّ قوماً بعد إذ هداهم :

 أيها الأخوة المؤمنون ؛ آيةٌ أخرى تبثّ الأمْن والطّمأنينة ، وهي من طائفة هذه الآيات المُصدّرة بهذه الصّيغة ، قال تعالى :

﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ﴾

[ سورة التوبة : 115]

 لا يذْهبنّ بك الظنّ إلى أنّ الله يهدي من يشاء ، ويضلّ من يشاء ، إنّما هي آيةٌ ولكنّها آيةٌ محكمةٌ ، فسَّرتها آيات عديدة ، قال تعالى :

﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾

[ سورة الأحقاف : 10]

 قال تعالى :

﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾

[ سورة المنافقون : 6]

 قال تعالى :

﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً﴾

[ سورة النساء : 36]

 قال تعالى :

﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ﴾

[ سورة غافر : 28]

 في اثْنَتَي عشرة آية في القرآن الكريم وضَّحَتْ من الذي يضلّه الله سبحانه وتعالى ، فالله سبحانه وتعالى ما كان له أنْ يضلّ قومًا بعد إذْ هداهم ، إذا أردْتَ الهداية ، والله سبحانه وتعالى دلَّك على الهدى ، لأنّك اخترْت الهدى عندئذٍ لن تُضلّ لأنّك حقَّقت الهدف من خلق الإنسان .

 

نفي الظلم عن الله على مستوى الأفراد و الأمم :

 أيها الأخوة المؤمنون ؛ هذه الآيات الكريمة ينبغي أن تُحملَ على حقيقتها وعلى معناها الدقيق الذي أفادتْهُ تلك الصّياغة ، الله سبحانه وتعالى ينفي أن يظلم الناس ، وينفي أن يظلم الأُمَم ، إنّ الظُّلْم مَنفيّ في هذه الآيات على مُستوى الأفراد ، وعلى مستوى الأُمَم ، قال تعالى :

﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ﴾

[ سورة هود :117]

 قال تعالى :

﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾

[ سورة النحل :112]

 هذه الآية تصديقٌ لهذه الآية :

﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ﴾

[ سورة هود :117]

 قال تعالى :

﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾

[ سورة الأنفال : 33]

الابتلاء سنّة من سُنن الكون :

 آيةٌ أخرى توضّح أنّ الابتلاء سنّة كُبرى من سُنن الكون ، وهي قوله تعالى :

﴿مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾

[سورة آل عمران : 179 ]

 أي الكلّ يدَّعي أنّه مؤمن ، ولكنّ الله سبحانه وتعالى لن يدع هؤلاء يدَّعون الإيمان قبل أن يمْتحنهم أشدّ الامتحان ، إنّ الله عز وجل يضعهم في ظروفٍ دقيقة ، وظروفٍ حرجةٍ ، وظروفٍ كاشفةٍ لصِدْق دَعواهم ، لذلك قال عليه الصلاة والسلام :

((ليس الإيمان بالتحلّي ولا بالتَّمنّي ، ولكن ما وقر في القلب ، وأقرَّهُ اللّسان ، وصدَّقه العمل ))

 من هنا جاء قوله تعالى :

﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾

[ سورة العنكبوت : 2]

 أي هذا الذي يقول : أنا مؤمن ، هل انتهى الأمْر ؟! هل كان هذا الكلام كافيًا لِيَكون مؤمنًا ؟ لابدّ من أن يوضعَ في ظروفٍ دقيقة ، لابدّ من أن يوضعَ في ظروف إغراء ، أو ظروف ضَغطٍ ، لِيَنكشفَ حقيقة إيمانه ، هل ينساقُ بِدَافِعِ الضّغط مع مصالحِهِ على حِساب مبادئِهِ ؟ أم ينْساقُ بِدافعِ الإغراء مع شهواته على حساب دينه ؟ قال تعالى :

﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾

[ سورة العنكبوت : 2]

 لذلك :

﴿مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾

[سورة آل عمران : 179 ]

 هذه الآية تبيّن أنّ الابتلاء ، وكشْف الحقيقة ، وأن يكون الرّجلُ ظاهرهُ كباطنِهِ ، سنّةٌ كبرى من سنن الخلْق التي ذكرها الله في القرآن الكريم .

 

الغيب لا يعلمه إلا الله :

  شيءٌ آخر ، يقول الله عز وجل في سلسلة هذه الآيات المصدّرة بتلك الصيغة :

﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ﴾

[سورة آل عمران : 179 ]

 يُروى أنّ الإمام مالك بن أنس إمام دار الهجرة رأى في المنام ملك الموت فقال : يا ملك الموت ، كم بقيَ لي من عمري ؟ فأشار إليه بكفّه هكذا ؛ أي خمسًا ! فحينما استيقظَ الإمام مالك داخلهُ القلق ، يا تُرَى أبقيَ خمسُ سنين من عمري ؟ أم خمسة أشهر ؟ أم خمسة أسابيع ؟ أم خمسة أيّام ؟ أم خمسُ ساعات ؟ أم خمسُ دقائق ؟ هذه خمس تصدق على أشياء كثيرة ، لذلك توجَّه الإمام مالك إلى الإمام ابن سيرين ، وكان متفوّقًا في تفسير الأحلام ، فقال : يا إمام يقول لك ملكُ الموت : إنّ هذا السّؤال من خمسة أشياء لا يعلمها إلا الله تعالى ! قال تعالى :

﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ﴾

[سورة آل عمران : 179 ]

 الغيب لا نعرفهُ ، حتى أنّ النبي عليه الصلاة والسلام نفى الله عنه علْم الغيب إلا بما أذِنَ له ، قال تعالى :

﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ﴾

[ سورة الجن : 26-27]

 وفي آيةٍ أخرى :

﴿قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلَا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾

[ سورة الأعراف : 188]

 قال تعالى :

﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ﴾

[سورة آل عمران : 179 ]

 كذبَ المنجّمون ولو صدقوا ، من أتى ساحرًا فصدَّقهُ فقد كفر بما أُنزل على محمّد، لأنّ هذه الآية قال تعالى :

﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ﴾

[سورة آل عمران : 179 ]

 فمن صدّق الكاهن في الغيب فكأنّما كفر بهذه الآية ، ومن كفر بكلام الله فقد كفر به ، ويقول عليه الصلاة والسلام : " من أتى ساحرًا فلم يصدّقهُ لم تُقبل له صلاة أربعين صباحًا ولا دعاء أربعين ليلةً " قال تعالى :

﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ﴾

[سورة آل عمران : 179 ]

 هذا من المستحيلات .

 

القرآن الكريم كلام الخالق سبحانه :

 آيةٌ أخرى في سلسلة الآيات المصدّرة بهذه الصّيغة يقول الله سبحانه وتعالى :

﴿وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾

[ سورة يونس : 37]

 أي من المستحيل أن يكون هذا القرآن كلام بشر ، من المستحيل أن يأتي إنسانٌ فيفْتري على هذا القرآن ، ويقول : هذا من عند الله ، وهذا ليس من عند الله ، لأنّ الله تعالى يقول :

﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ* ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ ﴾

[ سورة الحاقة : 44-46]

 أيْ النبي عليه الصلاة والسلام لا يجرُؤ أن يقول كلمةً من عنده ، ولا ينطق عن الهوى ، إن هو إلا وحيٌ يوحى .
 أيها الأخوة المؤمنون ؛ يقول الله سبحانه وتعالى :

﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾

[ سورة الحجر : 9]

من يرفض حكم الله عز وجل فقد انخلعَ الإيمان من قلبه :

 شيءٌ آخر ، الآية الأخيرة في هذا الموضوع قوْل الله عز وجل :

﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُبِيناً﴾

[ سورة الأحزاب : 36]

 مستحيل في منطق الإيمان ، وفي حقّ المؤمن ، أن يكون لله عز وجل حكمٌ واضحٌ في شيءٍ من الأشياء ، أن يكون هذا محرّم ، أو هذا محلّل ، ويرفض حكم الله ، فمن يرفض حكم الله عز وجل فقد انخلعَ الإيمان من قلبه ، وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرًا أيًّا كان ؛ شريعة الله عز وجل تصنّف الأشياء إلى فرضٍ ، وإلى سنّة ، وإلى مباح ، وإلى مكروه ، وإلى محرّم ، فكلّ شيءٍ من هذه الأشياء لابدّ من حكمٍ شرعيّ لها ، فمن جعل الحرام حلالاً ، أو الحلال حرامًا، أو الفرض سنّة ، أو السنة فرضاً ، هذا ينخلعُ الإيمان من قلبه ، بل ليس مؤمنًا بالكليّة ، قال تعالى :

﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ﴾

[ سورة الأحزاب : 36]

 أيها الأخوة المؤمنون ؛ حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزِنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم ، واعلموا أنّ ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا ، وسيتخطّى غيرنا إلينا فلْنَتَّخِذ حذرنا، الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتْبعَ نفسه هواها وتمنّى على الله الأماني .

* * *

الخطبة الثانية :
 أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله ، صاحب الخلق العظيم ، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

الحديد :

 أيها الأخوة المؤمنون ؛ قرأتُ في مقالة في هذا الأسبوع أنّ مؤتمرًا عُقِدَ في عام ألف وتسعمئة وعشرة ، هذا المؤتمر عُقد لِيَبحث في شؤون المعادن التي في خبايا الأرض ، وكان هناك قلق يساورُ المؤتمرين من أنّ الحديد سوف ينتهي مخزونه في الأرض في عام ألفٍ وتسعمئة وسبعين ‍‍!! وأحدث التقارير حول وُجود هذا الفلز العظيم أنّه متوافرٌ في الأرض بِكَميّات كبيرة ، بل إنّ أحْدث الإحصاءات أنّ مادّة الحديد موجودةٌ في القشرة الأرضيّة بِمُعدّل خمسة بالمئة من وزن القشرة الأرضيّة ، بعضهم قدّر فلزات الحديد المتواجدة على سطح الأرض بسبْعمئة وخمسين ألف مليون مليون طنًّا ! هذا شيءٌ لا يعنينا ، ولكنّ الذي يعنينا أن تكون حياتنا نحن بني البشر ، وحياة كلّ كائنٍ حيّ ، وحياة كلّ نبات متوقّفةٌ على الحديد ! هذا شيءٌ قد لا يُصدّق ، إنّ الحديد أيّها الأخوة يدخلُ في تركيب الدّم ، والإنسان إذا افتقرَ إلى ثلاثة غرام فقط من الحديد تُهدّد حياته بالموت ، وزْن الحديد الذي في تركيب دم الإنسان لا يزيد عن هذه الغرامات الثلاثة ، لأنّه داخل في هيموغلوبين الدم ، والحديد هو الذي يجعل الدّم أحمر قانيًا في الإنسان ، وفي كلّ كائنٍ حيّ ، من يصدّق أيّها الأخوة أنّه إذا قلَّتْ مادّة الحديد في جسم الإنسان بماذا يشعر ؟

الدعاء :

 اللهمَّ اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولَّنا فيمن توليت ، وبارِك اللهمَّ لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شرَّ ما قضيت ، فإنك تقضي ولا يُقضى عليك .
 اللهمَّ أعطنا ولا تحرمنا ، أكرمنا ولا تهنا ، آثرنا ولا تؤثر علينا ، أرضنا وارض عنا .
 اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك ، ومن طاعتك ما تبلغنا بها جنتك ، ومن اليقين ما تهوّن به علينا مصائب الدنيا ، ومتعنا اللهم بأسماعنا ، وأبصارنا ، وقوتنا ما أحييتنا ، واجعله الوارث منا ، واجعل ثأرنا على من ظلمنا ، وانصرنا على من عادانا. اللهم استر عيوبنا ، واغفر ذنوبنا ، واقبل توبتنا ، وفكَّ أسرنا ، وأحسن خلاصنا ، وبلغنا مما يرضيك آمالنا ، واختم بالصالحات أعمالنا . اللهم إنا نعوذ بك من الخوف إلا منك ، ومن الفقر إلا إليك، ومن الذل إلا لك ، نعوذ بك من عضال الداء ، ومن شماتة الأعداء ، ومن السلب بعد العطاء . اللهم ارزقنا حجاً مبرورا ، وسعياً مشكوراً ، وذنباً مغفورا . اللهم اكتب الصحة والسلامة للحجاج والمسافرين ، والمقيمين والمرابطين ، في برّك و بحرك من أمة محمدٍ أجمعين. اللهمَّ بفضلك ورحمتك أعل كلمة الحق والدين ، وانصر الإسلام وأعزَّ المسلمين ، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى ، إنك على ما تشاء قدير ، وبالإجابة جدير .

تحميل النص

إخفاء الصور