وضع داكن
29-03-2024
Logo
الإيمان هو الخلق - مقومات التكليف - الندوة : 16 - العقل - العقل الصريح مع النقل الصحيح ـ تضحية طائر البطريق تجاه صغاره
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة وترحيب :

أيها السادة المشاهدون ، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته ، وأهلاً ومرحباً بكم في هذه الحلقة الجديدة من برنامجكم الإيمان هو الخلق .
نتابع المسيرة والاستزادة من علوم أستاذنا الدكتور محمد راتب النابلسي ، أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين .
أهلاً وسهلاً ومرحباً بكم .
أهلا بكم أستاذ علاء جزاكم الله خيراً .
الأستاذ علاء :
سيدي الكريم ، كنا قد تحدثنا عن مقومات التكليف ، أنا في كل بداية الحلقة أريد أن أربط ما جرى ، وما تحدثنا عنه ، وحوله من الحلقات السابقة كي أُذكر الذين ينضمون إلينا مثلاً في بداية هذه الحلقة ، ولم يتابعوا أين هم من البرنامج .
تحدثنا عن مقومات التكليف في الكون والعقل ، وأفردنا للعقل مساحات واسعة ، وما زلنا في العقل ، وتحدثنا في الحلقة السابقة عن قضية العلاقة بين العقل والوحي ، ما هي هذه العلاقة ؟ وتبينا بأن العلاقة هي علاقة تكاملية ، فما عجز العقل عن إداركه وفهمه جاء به الوحي ليخبره بالنص الثابت عن ذلك الذي عجز ، وقصر عن إدراكه .
وتحدثنا عن علاقة العقل بالنص ، وقلت لنا : إن للعقل مهمتين ، المهمة الأولى ما قبل النص ، التأكد من صحة النص ، المهمة الثانية هي فهم وإدراك هذا النص .
نتابع في مسألة النص والواقع ، جاءنا نص ، جاءنا العقل ، فقال : هذا النص مثبت صحيح ، وفهمه العقل لهذا النص ، نأتي بالنص مقارنة بالواقع ، ما علاقة النص بالواقع ؟ ومن يؤثر على الآخر ، ثم نتحدث عن مسائل أخرى إن شاء الله .

ما علاقة النص بالواقع ؟

الدكتور :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .

1 ـ لا يُعطَّل العقل أبدا :

أستاذ علاء ، النص والواقع ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ :

(( بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً فَاسْتَعْمَلَ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ ـ وفي رواية أنه كان ذا دعابة ـ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُطِيعُوهُ ، فَغَضِبَ ، فَقَالَ : أَلَيْسَ أَمَرَكُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُطِيعُونِي ؟ قَالُوا : بَلَى ، قَالَ : فَاجْمَعُوا لِي حَطَبًا ، فَجَمَعُوا ، فَقَالَ : أَوْقِدُوا نَارًا ، فَأَوْقَدُوهَا ، فَقَالَ : ادْخُلُوهَا ، فَهَمُّوا ، وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يُمْسِكُ بَعْضًا ، وَيَقُولُونَ : فَرَرْنَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ النَّارِ ، فَمَا زَالُوا حَتَّى خَمَدَتْ النَّارُ ، فَسَكَنَ غَضَبُهُ ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : لَوْ دَخَلُوهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ ))

[ متفق عليه ]

العقل لا يعطَّل أبداً ، يؤكد هذا قول الله عز وجل :

﴿ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ ﴾

( سورة الممتحنة الآية : 12 )

2 ـ لا لتأليه الأشخاص :

الطاعة في المعروف ، لذلك النبي صلى الله عليه وسلم صلى على أصحابه القتلى من الرماة ، الذين عصوه في أحد ، قال كتاب السيرة : لأنهم عصوا أمراً تنظيمياً ، ولم يعصوا أمراً تشريعياً ، وهذه القصة وردت في البخاري ومسلم ، لو اقتحمتموها لازلتم في إلى يوم القيامة ، الذي يعلم الناس ينبغي أن يعطيهم منهج البحث .
سيدنا الصديق قال : << أطيعوني ما أطعت الله ، يعني راقبوني ، فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم >> .
أنا أذكر هذا لئلا يؤخذ الناس أحياناً بتأليه شخص لا يحكمون عقولهم فيما يأمرهم وينهاهم ، هذا يقع في بعض الحلقات أحياناً ، في بعض الجماعات ، يعطل العقل عندهم ، لو اقتحمتموها لازلتم فيها إلى يوم القيامة ، إنما الطاعة في معروف .
حينما يكون العقل يقظاً ، والنص صحيحاً ، وهما في الأصل متوافقان نكون في خطى سريعة نحو التقدم ، إذا كان العقل منضبطاً ، وكان النص صحيحاً يتكاملان كما تفضلتم في الحلقة السابقة .
لكن أضرب بعض الأمثلة ، يقول ابن القيم رحمه الله ، والذي سميت هذه الحلقة بكلمة له مأثورة ، يقول : " لو أنك اطلعت على نص ينبئ أن الله يضع أعداءه الذين ناصبوه العداء طوال حياتهم في الجنة ، وأن أولياءه الذي أفنوا حياتهم في طاعته في النار ، هكذا ورد في النص ، وكلا الأمرين عندك سواء ، ولا تعرف صحة أحدهما من الآخر إلا بدلائل صحة النص ، قال : فأنت لا تعرف الله ، لا تعرف الله إطلاقاً " .
أنا أردت أن اشرح هذا بمثل : إنسان مقيم بدمشق سافر إلى أمريكا ، دخل إلى أعظم جامعة في واشنطن ، دخل إلى قسم الجغرافيا ، اطلع على أكبر أطلس ألفه عشرون دكتورا ، يحمل أعلى شهادة ، فتح على الشرق الأوسط فإذا دمشق فوق بيروت ، وهو ابن دمشق ، وعلى الساحل ، هذا الخبر لا يقبله ، ولو كان ألف دكتور ألف الأطلس .

3 ـ قد يكون الواقع أقوى من النص :

أحيانا يكون الواقع أقوى من أي نص ، ما لم يكن وحياً طبعاً ، مستحيل الوحيان الكتاب وما صح من السنة ، مستحيل وألف ألف ألف مستحيل أن يناقض الواقع ، ولكن الواقع أحياناً أكبر من أي نص لم نتأكد من صحته .

فكما أنني ابن دمشق ، حينما أذهب إلى بلاد بعيدة جداً ، وأرى أكبر مرجع في الجغرافيا ، وأرى مدينتي على الساحل لا أصدق كذلك ، وهذا الذي خلق السماوات والأرض أسماءه كلها حسنة ، صفاته كلها فضلى ، عدل مطلق ، كمال مطلق ، رحمة مطلقة ، عدل مطلق ، عطف مطلق ، يضع عباده الذين ناصبوه العداء طوال الحياة في الجنة ، وأولياءه في النار ، قال تعالى : 

﴿ وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ ﴾

( سورة سبأ )

﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ ﴾

( سورة الزلزلة )

(( إني والجن والإنس في نبأ عظيم : أخلق ويعبد غيري ، وأرزق ويشكر غيري ))

[ أخرجه الحكيم البيهقي ، عن أبي الدرداء ]

" خيري إلى العباد نازل ، شرهم إلي صاعد ، أتحبب إليهم بنعمي ، وأنا الغني عنهم ، ويتبغضون إلي بالمعاصي ، وهم أفقر شيء إليه ، من أقبل علي منهم تلقيته من بعيد ، ومن أعرض عني منهم ناديته من قريب ، أهل ذكري أهل مودتي ، أهل شركي أهل زيادتي ، أهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي ، إن تابوا فأنا حبيبهم ، وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم ، أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من الذنوب والمعايب ، الحسنة عند بعشرة أمثالها وأزيد ، والسيئة بمثلها وأعفو ، وأنا أرأف بعبدي من الأم بولدها " .

[ ورد في الأثر ]

﴿ وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ ﴾

( سورة الكهف الآية : 58 )

أما أنت يا محمد فأرحم الخلق بالخلق .

﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾

( سورة أل عمران الآية : 159 )

الحق دائرة تتقاطع فيها أربعة خطوط :

هناك فكرة دقيقة جداً ، الحق دائرة تتقاطع فيها أربعة خطوط ، خط النقل الصحيح ، وخط العقل الصريح ، وخط الفطرة السليمة ، وخط الواقع الموضوعي ، وتعمدت أن أصف كل كلمة بصفة ، قلت : النقل الصحيح ، لأن هناك نقلاً غير صحيح ، وقلت : العقل الصريح ، لأن هناك عقلاً تبريرياً ، تخرج من جلدك حينما تسمعه ، قتل ، وسلب ، ونهب ثروات ، وإذلال ، وحرية ، من أجل الحرية ، هذا عقل تبريري ، ساقط عند الله ، وعند الناس .
فالعقل صريح ، والنقل صحيح ، والفطرة سليمة لم تنطمس ، والواقع موضوعي ليس مزوراً ، فحينما يأتي النص الصحيح حتماً يجب أن يوافق الواقع ، لأن الواقع خلقه ، والنص كلامه ، والفطرة مقياسه ، والوحي كلامه ، هذه كلها من عند الله عز وجل .
أنا أريد هذا التلاؤم ، والتلاقي ، والتوافق ، بين معطيات العقل ، ومعطيات النقل ، فإذاً : حينما يكون الواقع مناقضاً لنص الواقع أقوى ، أما حينما يكون العقل مناقضاً للنقل ، فالنقل أقوى ، إذا ناقض العقلُ النقلَ فالعقل محدود بواقع ، فالنقل أقوى ـ أما إذا كان الواقع يناقض النص ـ النص العادي لا يرقى به إلى مستوى النص الصحيح ، لا نرقى به إلى النقل الصحيح .
الأستاذ علاء :
سيدي الكريم ، هل يرفع الواقع النص العادي إلى ثبوتية أعلى إن صح التعبير ؟

هل يرفع الواقع النص العادي إلى ثبوتية أعلى ؟

الدكتور راتب :

والله هذا الكلام من بعض الجوانب مقبول ، أحياناً الناس يستمرؤون معصية معينة ، وتشيع هذه المعصية لدرجة أنها تصبح هي الأصل ، فإذا جاء الوحي بنص آخر ينهى عن هذه المعصية ، أنا لا أستطيع أن أجعل شيوع هذه المعصية ، أو أنّ الناس ألفوا هذه المخالفة ، أو أن الناس أصبحت عندهم عادة ، فأن أعدّ هذا الواقع الذي هو في الأصل مخالف للنص الثابت الوحي ، مع نص الوحي أنا أعطل عقلي .
أنت مع طبيب ، ويحمل شهادة ( البورد )، وله مكانة كبيرة ، ولك ثقة بإيمانه ، وورعه واستقامته ، وعمله ، وتفوقه لا تناقشه أبداً .
أما مع الوحي ، الوحي من عند الخبير ، لأن الجهة الصانعة هي الجهة الوحيدة التي ينبغي أن تتبع توجيهاتها ، لذلك بعضهم قال : علّةُ أي أمر أنه أمر .
أنا لا أنسى كلمتين : الأولى : إنسانة دكتورة في الجامعة في مصر كانت في برنامج في إذاعة بريطانية حول التعدد ، فسُئلت عن رأيها في التعدد ، والأنثى لها موقف معروف من التعدد ، فقالت : كيف أدلي برأي في التعدد وقد سمح الله به ؟
الله الذي خلق الكون ، وأبدع هذا الكون هذا كلامه .
الموقف الثاني الذي أحب أن أذكره : أن عالماً مسلماً ذهب إلى بلاد بعيدة ، والتقى بعالم بأعلى درجة من العلم هداه الله إلى الإسلام ، وطُرح موضوع لحم الجنزير ، فهذا العالم المشرقي تحدث عن مضار لحم الخنزير ، وعن الدودة الشريطية ، وعن ، وعن ، وعن ، ساعة ، فكان جواب العالم الآخر أنْ قال له : يكفي أن تقول لي : إن الله حرمه ، وانتهى الأمر .

1 – النص بين المعنى الاحتمالي والمعاني المتعدِّدة المقصودة :

حينما نرى نصاً من الوحيين ، القرآن قطعي الثبوت ، وبعضه قطعي الدلالة ، وبعضه قطعي الثبوت ، وهذا ينقلنا إلى أن النص القطعي في دلالته يغطي الثوابت في الإنسان ، وإلى أن النص الظني في دلالته يغطي المتغيرات في الإنسان ، لكنني أنا كمتكلم أحياناً أستخدم نصًّا احتماليا ، بالضبط كما لو قلت : أعطِ فلاناً 1500 درهم ، هذا النص قطعي الدلالة ، لا يحتاج لا إلى مفسر ، ولا إلى فقيه ، ولا إلى مجتهد ، أما لو قلت : أعطِ فلاناً ألف درهم ونصفه ، هنا مشكلة ، هذه الهاء على من تعود ؟ على الدرهم أن على الألف ؟ .
هذه قضية احتمالية ، أنا حينما أستخدم نصاً احتمالياً أنا أقصد معناً واحداً في هذا النص الفضفاض ، لذلك كلما صدر قانون تؤلَّف لجان لتحديد مفهومات القانون ، قد يكون العبارة فضفاضة تحتمل معاني كثيرة ، يأتي المفسر ويضع معنى محدد .
لكن خالق الكون حينما يأتي في كلامه نص احتمالي يحتمل معاني كثيرة فقد أراد كل المعاني لتغطي كل المتغيرات ، وكل البيئات ، وكل الأزمات .
جاء :

﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ﴾

( سورة النور الآية : 56 )

لو أعطيت إنسانا في دمشق كيسَ قمحٍ ماذا يفعل به ؟ أين يغسله ؟ أين يطحنه ؟ أين يخبزه ؟ الإنسان في دمشق يعطى مبلغاً من المال ، أما الإنسان في الريف فالطاحونة جاهزة ، والتنور جاهز ، وهذا الكيس يكفيه سنة للخبز ، فأحياناً تقدم الزكاة عيناً في بيئة ، ونقداً في بيئة ثانية ، قال تعالى :

﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ﴾

ترك الموضوع احتمالي ، فلما يكون الإله النص في كلامه الله وكلام نبيه احتماليا يقصد به كل المعاني التي تغطي كل المتغيرات .

2 – الجانب الاجتهادي المسموح به :

هناك ملمح آخر دقيق جداً ، الحقيقة هناك حديث شريف حير العلماء :

(( خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ آدَمَ على صُورَتِهِ ))

[ رواه حيى بن جعفر عن أبي هريرة ]

من أجمل ما قرأت عن هذا الحديث أن لكرامة الإنسان عند الله أعطاه بعض صفاته ، فالله عز وجل فرد ، لذلك الإنسان بقزحية عينه فرد ، في الستة آلاف مليون إنسان كلّ فرد برائحة جلده ، بنبرة صوته ، بصمة إصبعه ، بزمرته النسيجية ، فالفردية واضحة تماما ، والآن في بعض البحوث الحديثة بنطفته فرد .
الآن الإنسان لكرامته عند الله سمح له أن يشرع ، فجعل بعض النصوص ظنية الدلالة ، تحتاج إلى مجتهدين ، وكان من الممكن أن تكون كل النصوص قطعية الدلالة ، لا نحتاج لا إلى مفسّر ، ولا إلى عالم ، لكن لحكمة أرادها الله عز وجل سمح للإنسان أن يجتهد ، وقد قبل الله منا أن نعبده باجتهاد المجتهدين ، طبعاً في للاجتهاد ضوابط دقيقة جداً .
الآن : الله عز وجل مريد ، والإنسان أعطاه حرية الإرادة ، والإنسان مخيَّر .

﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ﴾

( سورة الإنسان )

﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾

( سورة البقرة الآية : 148 )

﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾

( سورة الكهف الآية : 29 )

إذاً : الإنسان فرد ، ومبدئ ، ومشرع ، ومخير ، مبدع عن طريق الجينات ، الآن هناك وردة سوداء ، هناك فواكه مأخوذة من أصناف متباينة ، فالله عز وجل لكرامة الإنسان عند الله ، لأنه قَبِل حملِ الأمانة سخر له ما في السماوات وما في الأرض ، وسمح له أن يكون فرداً ، وأن يكون مريداً ، وأن بكون مبدعاً ، وأن يكون مشرعاً ، وقد قَبِل الله أن نعبده باجتهاد المجتهدين ، أليس هناك مذاهب في الفقه ؟ أنا حنفي ، وأنا شافعي ، وأنا مالكي ، وأنا حنبلي ، هذا اجتهاد المجتهدين ، وكل مجتهد معه دليل .
فلذلك هذا الدين دين فيه أصالة ، وهو يصلح لكل زمان ومكان .

﴿ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ﴾

( سورة النساء الآية : 59 )

من أجمل ما قاله الإمام الشافعي عن أولي الأمر قال : " العلماء والأمراء "، معاً العلماء يعلمون الأمر ، والأمراء ينفذون الأمر ، يتكاملان .

﴿ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ ﴾

معهم :

﴿ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ ﴾

في قرآنه :

﴿ وَالرَّسُولِ ﴾

( سورة النساء الآية : 51 )

في سنته ، أن يرجعك الله إلى أصلين ، وتجد فيهما بغيتك ، أيعقل أن يخلو هذا الدين من تشريعات مع الأزمنة المتجددة ، مع التطورات الهائلة ، إنه دين الله .

﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً ﴾

( سورة المائدة الآية : 3 )

أنا قبل أسبوع ألقيت كلمة في مؤتمر البيئة ، الشيء المدهش ، وشيء لا يصدق أن تجد في ديننا كمًّا كبيرا من التوجيهات القرآنية والنبوية للحفاظ على البيئة ، فنحن عندنا عقدة نقص ، كل شيء يأتينا من الغرب نعجب به أشد الإعجاب .
العقل هو أداة معرفة الله عز وجل ، وهذا الكون الذي تحدثنا عنه سابقاً كله ينطق بوجود الله ، ووحدانيته ، وكماله ، والآن نشاهد مقطعا من فيلم علمي عن طائر البطريق بعيش في القطب الجنوبي .
الأستاذ علاء :
نتابع مع السادة المشاهدين ، ونود من حضرتك أن تشرح عن ما يحتفظ به ، وما مكان الله هذا الطائر من خلال وصفات .

الموضوع العلمي : طائر البطريق :

الدكتور راتب :

1 – أين يعيش البطريق ؟

  القطب الجنوبي أبرد منطقة في العالم ، يبقى الشتاء فيها ستة أشهر ، وتربية الصغير في بيئة صعبة كهذه البيئة ، التي تحتاج إلى تضحية كبيرة يصعب تخيلها

 تقوم هذه البطاريق في رحلة إلى المكان الذي سيتحقق فيه اللقاء الكبير ، تستمر هذه الرحلة أسابيع عديدة ، والمسافة التي تقطعها أكثر من مئة كيلومتر

 تقطعها مشياً كما ترون ، وزحفاً كما ترون ، لهذا السبب تقطع طريقها مشياً أحياناً ، وبالتزحلق على بطنها أحياناً أخرى ، تمشي جميعها إلى الجهة نفسها بشكل معجز .
 في نهاية هذه الرحلة ستلتقي آلاف البطارقة في مكان معين بشكل محير

 لهذا اللقاء هدف كبير جداً ، لأن هذه المنطقة التي سوف يصلون إليها يتحقق فيها اللقاء الكبير ، وفي هذا المكان ستولد فيه صغارها ، هذه الرحلة الشاقة هي بداية المصاعب التي تواجهها والتضحيات التي تقوم بها ، والصعوبة الأساسية تبدأ بعد وضع الأنثى بيضها ، لأنه بعد وضع الأنثى بيضها بفترة قصيرة يهجم الشتاء

 الحرارة في هذا الشتاء تنخفض إلى خمسين درجة تحت الصفر ، وتهب رياح حاملة معها الثلج والبرد بسرعة مئة كيلومتر في الساعة.

وضعُ البيض وطريقة حمايتها وحضانتها :

 

 الشيء العجيب أن هذه الإناث تترك البيض عند الذكور ، وتعود إلى البحر

 كي تصطاد لهذه البيضة بعد أن تخرج من البيضة ، وتوكل مهمة حضن البيض للذكور المضحية يجتمع البطارقة هكذا ، بآلاف مؤلفة ، وبدرجة حرارة خمسين تحت الصفر ، يضع البطريق البيضة على رجليه ، ويغمرها بفروته ، فلو أن البيضة وقعت على الأرض لمات ما فيها فوراً التضحية التي تقوم بها تجتاز حدود الخيال

 والبطاريق هؤلاء لا تتغذى أبداً طوال أربعة أشهر ، ولا تدع البيوض تصل إلى الأرض لحظة واحدة ، يمشي مشية خاصة ، لأن البيضة على رجليه ، وقد غلفت بفروته ، بل تبقى واقفة لأجلها على الدوام ،
 أربعة أشهر لا تأكل ولا تشرب حفاظاً على البيضة والحرارة خمسين تحت الصفر ، والرياح سرعتها مئة كيلومتر ، وتحمل معها الثلج والبرد .

الصعوبات التي تلاقيها البطاريق في العيش :

 تصطف البطاريق على شكل دائري ، كي تحتمي من الرياح القاسية ، كل ما تستطيع فعله خلال الشتاء هو الصبر .
 بعد الأشهر الأربعة الصعبة يبدأ الربيع مرة أخرى

 فالبيوض تفقس ، علامات الأزهار في القطب الجنوبي ، الآن البيوض فقست ، وفتحت الصغار أعينها إلى الدنيا حديثاً وما زالت على أقدام آبائها حتى الآن لعدم تكون الطبقة الدهنية التي تحميها من البرد

 الشيء العجيب أن أول غذاء يتلقاه هذا الصغير غذاء محفوظ في حوصلة أبيه من أربعة أشهر ، وأبوه في أشد الحاجة إلى الغذاء ، ويؤثر ابنه على نفسه 

وهذه تعلمنا دروساً في رعاية الأبناء .
 الآن تعود الإناث إلى الأرض ، كانوا في البحر أربعة أشهر ليجمعوا الصيد لصغيرهم ، في هذه الفترة ترجع الأنثى من البحر الواسع إلى الشاطئ لم تبقَ أيضاً هي بلا عمل طوال أربعة أشهر ، بل كانت تخزن الغذاء في حواصلها لأجل الصغار لاصطياد مستمر

 وبمجرد رجوع الإناث تسرع ذكور البطريق التي صبرت على الجوع أشهر إلى البحر ، الآن الذكور تنزل في البحر بالتناوب ، بقيت بلا طعام أربعة أشهر ، وبمجرد إشباع ذكور البطريق ترجع إلى العش ، وتتابع تربية الصغار مع الأم .
 بعد مدة قصيرة تنمو صغار البطريق ، الصغير نما ، وصار قريب من أمه ، وتصل إلى حجم تستطيع التنزه مع آبائها المضحية

 لا يأكل البطريق الأب طوال أربعة أشهر لأجل صغاره ، يبقى واقفاً باستمرار كي لا تمس البيوض الأرض لحظة واحدة .
 الغايةُ من التفكر في السماوات والأرض :
 التفكر في خلق السماوات والأرض أقصر طريق لمعرفة الله ، وأوسع باب ندخل منه على الله

 لأنه يضعك وجها إلى وجه أمام عظمة الله .

﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾

( سورة آل عمران )

لأننا في موضوع العقل ، العقل أداة معرفة الله .
الأستاذ علاء :

خاتمة وتوديع :

لا يسعني إلا أن أشكر الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين ، وقد أدركنا الوقت ، وأمتعتنا بهذه المشاهد ، وهذا التعلق الذي رافق هذه المشاهد عن طائر البطريق وعن تضحيته ، وكيف يرعى أطفاله ، وكيف يرعى أبناءه ، وكيف يصوم من أجلهم ، ولا يعرف الأثرة ، بل يعرف الإيثار ، وكل ذلك من ترتيب الله عز وجل ، ومن خلال هذه المشاهد كما قلت يصل ـ سأعد الإخوة المشاهدين أن يكون في كل لقاء قادم فقرة علمية ، بعض الدقائق لنرى عظمة الله عز وجل ـ .
شكراً لك استأذنا ، وشكراً للسادة المشاهدين على متابعتهم ، وإلى اللقاء في الحلقة القادمة بمشيئة الله ، إلى اللقاء .

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور