وضع داكن
28-03-2024
Logo
المجالس الهاشمية - المحاضرة : 1 - قواعد الأخلاق في الإسلام
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

 فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين بالجمهورية العربية السورية ، فليتفضل مشكوراً .
 بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين وعلى صحابته الغر الميامين أمناء دعوته وقادة ألويته و ارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين .
 صاحب السمو الملكي الأمير علي بن نايف مندوب حضرة صاحب الجلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين المعظم ، أصحاب المعالي والسماحة ، الأخوة المؤمنون حضوراً ومشاهدين ومستمعين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

 

من آمن أنه مخلوق للجنة اتقى أن يعصي الله وبنى حياته على العطاء :

 أيها الأخوة الأكارم ، الإنسان هو المخلوق الأول رتبة لقوله تعالى :

﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ﴾

( سورة الأحزاب الآية : 72 )

 هو المخلوق الأول رتبة والمخلوق المكرم :

 

﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً (70)﴾

( سورة الإسراء )

 والإنسان هو المخلوق المكلف ، مكلف أن يعبد الله ، والعبادة علة وجوده وهي في بعض تعاريفها الدقيقة : طاعة طوعية ، ممزوجة بمحبة قلبية ، أساسها معرفة يقينية ، تفضي إلى سعادة أبدية . ولكن حينما يؤمن الإنسان أنه مخلوق للجنة ، ينطلق من هذه العقيدة بحرصه البالغ على طاعة الله يتقي أن يعصيه ، وينطلق من خلال هذه العقيدة على العمل الصالح ، أما حينما يغفل الإنسان أنه مخلوق للجنة ويؤمن بالدنيا وحدها يستغني عن طاعة الله وعن العمل الصالح .

 

الأخلاق استقامة وعمل صالح :

 لذلك الأخلاق في جوهرها استقامة وعمل صالح ، الاستقامة سلبية ، ما كذب ولا خان ولا غش ولا فعل كذا وكذا كلها تبدأ بلاءات ، أما العمل الصالح بذل وعطاء ، بذل من جهدك ، ومن وقتك ، ومن علمك ، ومن جاهك ، فلذلك الأخلاق في جوهرها كفّ عن المنكرات وفعل الطاعات ، فإذا آمن الإنسان أنه مخلوق للجنة اتقى أن يعصي الله وبنى حياته على العطاء قال تعالى ، دققوا :

﴿ فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾

( سورة الليل )

 لأنه صدق بالحسنى وهي الجنة اتقى أن يعصي الله وبنى حياته على العطاء ، لذلك الرد الإلهي التكريمي :

 

 

﴿ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ﴾

 

 

( سورة الليل )

الناس رجلان لا ثالث لهما :

﴿ وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ﴾

( سورة الليل )

 انطلق من أن الدنيا هي كل شيء هي نهاية الآمال ومحط الرحال ، عندئذ استغنى عن طاعة الله وعن الاستقامة وبنى حياته على الأخذ ، لهذا البشر على اختلاف مللهم ، ونحلهم ، وانتماءاتهم ، وأعراقهم ، وأنسابهم ، وطوائفهم ، ومذاهبهم ، لا يزيدون عن رجلين رجل عرف الله فانضبط بمنهجه وأحسن إلى خلقه فسلم وسعد في الدنيا والآخرة ، ورجل غفل عن الدنيا والآخرة وتفلت من منهجه وأساء لخلقه فشقي وهلك في الدنيا والآخرة ، ولن تجد نموذجاً ثالثاً .

 

منطلقات الأخلاق :

1 ـ أن نؤمن أننا مخلوقون للجنة عندئذ نتقي أن نعصي الله ونبني حياتنا على العطاء :

 يقع على رأس الهرم البشري زمرتان الأنبياء والأقوياء ، الأنبياء ملكوا القلوب ، والأقوياء ملكوا الرقاب ، الأنبياء أعطوا ولم يأخذوا ، والأقوياء أخذوا ولم يعطوا ، الأنبياء عاشوا للناس ، الأقوياء عاش الناس لهم ، والناس جميعاً تبعٌ لقوي أو نبي ، لهذا أحب الناس الأنبياء وخافوا من الأقوياء ، وبطولة الأقوياء أن يتخلقوا بأخلاق الأنبياء حتى يحبهم الناس .
 فالمنطلق الأول للأخلاق أن نؤمن أننا مخلوقون للجنة ، عندئذ نتقي أن نعصي الله ونبني حياتنا على العطاء ، هذا البند الأول .

 

2 ـ الشهوات حيادية إما أن توظف في الخير أو في الشر :

 البند الثاني أودع الله فينا الشهوات ، هذه في كل إنسان قال تعالى :

 

 

﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾

( سورة آل عمران الآية : 14 )

 لولا الشهوات ما ارتقينا إلى رب الأرض والسماوات ، لأننا بالشهوات نرتقي مرتين نرتقي صابرين ونرتقي شاكرين ، إذا ارتقينا شهوة لا ترضي الله نرتقي إلى الله صابرين ، أما إذا مارسنا شهوة وفق منهج الله نرتقي إلى الله شاكرين ، فهي سلم نرقى بها أو دركات نهوي بها ، إنها كالوقود السائل إذا وضع في المستودع المحكَم ، وسال في الأنبوب المحكم ، وانفجر في الوقت المناسب وفي المكان المناسب ولّد حركة نافعة ، أقلّتك هذه السيارة أنت وأهلك في يوم جميل ، أما إذا صبّ على السيارة ، أعطها شرارة ، أحرقت المركبة ومن فيها ، إذاً الشهوات حيادية إما أن توظف في الخير أو في الشر .

 

الشهوات سلم للرقي إلى رب السماوات و الأرض :

 الشهوة إما أن تكون سلماً نرقى بها أو دركات نهوي بها ، إما أن تكون قوة دافعة أو قوة مدمرة ، ما الذي يضبطها ؟ منهج الله ، ولأن الإنسان مخير بإمكانه أن يتحرك مئة وثمانون درجة بهذه الشهوات ولكن الشرع سمح له بحيز محدود فإذا أبقى حركته وفق هذا الحيز ارتقى بالشهوات إلى الله ، قال تعالى :

﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ ﴾

( سورة القصص الآية : 50 )

 المعنى المخالف ، الذي يتبع هواه وفق هدى الله لا شيء عليه ، لذلك ليس في الإسلام حرمان ، في الإسلام تنظيم ، ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا جعل قناة نظيفة تسري خلالها ، هذا المنطلق الثاني ، حتى هذه الشهوات هي أداة محركة ، الشهوة في الإنسان كالمحرك في المركبة ، الشرع كالطريق المعبد ، العقل كالمقود ، مهمة المقود أن يحافظ على بقاء المركبة على الطريق وهي تنطلق لفعل الشهوات ، في انسجام ، في دقة بالغة .

 

التوحيد نهاية العلم والتقوى نهاية العمل :

 أيها الأخوة ، شيء آخر علاقة الأخلاق بالتوحيد ، ما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد ، التوحيد نهاية العلم والتقوى نهاية العمل ، فلذلك الإنسان حينما يؤمن أن الله وحده هو الرافع وهو الخافض ، وهو المعطي وهو المانع ، وهو المعز وهو المذل :

﴿ مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا ﴾

( سورة الكهف )

 أنت حينما تؤمن أن الأمر بيد الله وحده تتجه إليه ، وتصمد أمام كل الضغوط .
 لذلك حينما التقى سيدنا ابن عمر راعياً قال له : بعني هذه الشاة ، وخذ ثمنها ، قال له الراعي : ليست لي ، يقول : قل لصاحبها : ماتت ، أو أكلها الذئب ، يقول الراعي : ليست لي ، يقول له : خذ ثمنها ، يقول له الراعي : والله إنني لفي أشد الحاجة إلى ثمنها ، ولو قلت لصاحبها : ماتت ، أو أكلها الذئب لصدقني ، فإني عنده صادق أمين ، ولكن أين الله ؟
 ما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد ، هذا الراعي وضع يده على حقيقة الدين ، أنت حينما تقول أين الله وصلت إلى أربعة أخماس الطريق .

 

الكون مظهر لأسماء الله الحسنى :

 أيها الأخوة الكرام ، الأخلاق والتفكر ، الله عز وجل جعل الكون كله مظهراً لأسماء الله الحسنى قال تعالى :

﴿ أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ ﴾

( سورة البلد )

 أعلى آلة تصوير احترافية رقمية في كل ميليمتر مربع عشرة آلاف مستقبل ضوئي ، في العين في الميليمتر المربع من الشبكية مئة مليون مستقبل ضوئي ، من أجل أن نفرق بين ثمانية ملايين لون ، لذلك الله عز وجل قال :

 

﴿ أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ ﴾

( سورة البلد )

 الآيات الدالة على عظمة الله لا تنتهي ، لذلك هذا الإله العظيم ألا يخطب وده ؟ ألا ترجى جنته ؟ ألا تخشى ناره ؟ الله عز وجل قال :

 

﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾

( سورة فاطر الآية : 28 )

الأخلاق الفاضلة أعظم شيء في هذا الدين :

 بقي شيء أيها الأخوة : من أعظم ما في هذا الدين أن الأخلاق الفاضلة والأخلاق السيئة تعرف بداهة بالفطرة ، لهذه تسمية المعروف معروفاً شيء مدهش أي أن الفطر السليمة تدركه بفطرتها وأن المنكر تنكره الفطر السليمة ، سمي المعروف معروفاً والمنكر منكراً .
 ومرة عين إمام سكن في لندن ، ثم نُقل إلى ظاهر لندن إلى مانشستر ، اضطر أن يركب مركبة كل يوم مع السائق نفسه ، فمرة صعد المركبة ، وأعطى السائق ورقة نقدية كبيرة ، ردّ له السائق التتمة ، عَدّها ، فإذا هي تزيد عشرين بنساً على ما يستحق ، فقال هذا الإمام في نفسه : سأردّ هذه الزيادة للسائق ، لكن بعد أن جلس جاءه خاطر شيطاني ، قال : إنها شركة عملاقة ، ودخلها فلكي ، والمبلغ يسير جداً ، وأنا في أمسّ الحاجة إليه ، فلا عليّ أن آخذه ، لكن الذي حصل أنه قبل أن ينزل دون أن يشعر مدّ يده إلى جيبه ، وأعطى السائق العشرين بنساً ، فابتسم السائق ، وقال له : ألست إمام هذا المسجد ؟ قال : بلى ، قال : والله حدثت نفسي قبل يومين أن أزورك في المسجد لأتعبد الله عندك ، ولكنني أردت أن أمتحنك قبل أن آتي إليك ، وقع الإمام مغشياً عليه ، لأنه تصور عظم الجريمة التي كاد يقترفها لو لم يدفع للسائق هذا المبلغ ، فلما صحا من غفوته قال : يا رب ، كدت أبيع الإسلام كله بعشرين بنساً .
 سبب تخلف المسلمين أنهم باعوا دينهم بتصريح كاذب ، بغش ، بمبلغ من المال أغراهم فعصوا ربهم ، لذلك العبادة التعاملية هي الأصل ، ولن تصح العبادة الشعائرية ونحن في شهر الصيام إلا إذا صحت العبادة التعاملية ، وأرجو الله عز وجل أن ننتفع جميعاً بهذه الحقائق والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
 عليكم السلام ورحمة الله وبركاته وشكر لكم على هذه الإضاءات واللمحات المضيئة والجيدة .

أعظم وسيلة لترسيخ الأخلاق القدوة الصالحة :

 ما دور العلماء الأجلاء في تعزيز وتقوية دعائم وقواعد الأخلاق ؟
 أعظم وسيلة لترسيخ الأخلاق القدوة الصالحة ، سيدنا عمر بن الخطاب كان إذا أراد إنفاذ أمر ، جمع أهله وخاصته ، وقال إني قد أمرت الناس بكذا ، ونهيتهم عن كذا ، والناس كالطير ، إن رأوكم وقعتم وقعوا ، وايم الله لا أوتين بواحد وقع فيما نهيت الناس عنه إلا ضاعفت له العقوبة لمكانه مني ، فصارت القرابة من عمر مصيبة

 شكر الله لكم ....

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور