وضع داكن
28-03-2024
Logo
موسوعة الأخلاق الإسلامية - الندوة : 25 - صاحب الفضل
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

 بسم الله الرحمن الرحيم ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
 أيها الأخوة المشاهدون ، في حلقة جديدة من حلقات برنامجكم موسوعة الأخلاق الإسلامية ، لننتقل وإياكم في هذه الحلقة مع أستاذنا الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين ، إلى خلق من الأخلاق جديد ألا وهو خلق الاعتراف بالفضل ، فأهلاً وسهلاً بكم أستاذنا الكريم .
الدكتور راتب :
 بكم أستاذ أحمد جزاك الله خيراً .
الأستاذ أحمد :
 سيدي الكريم عندما يقول الله عز وجل واصفاً طبيعة الإنسان :

﴿ فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أهانهن ﴾

( سورة الفجر )

 وكأن في هذه الآية تصوير لجحود بعض البشر من الناس ، فهل الإنسان بطبعه جحود ؟ أم أنه بطبعه معترف بالفضل لذي الفضل ؟ .

 

التكريم عند الله لمن أطاعه لا لمن كان غنياً :

الدكتور راتب :
 بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
 أستاذ أحمد ، لا يمكن أن يكون في أصل خلق الإنسان نقص ، لكن الإنسان له فطرة ، والفطرة لا تعني أنه كامل ، ولكن تعني قطعاً أنه يحب الكمال ، أما حينما يتصل بالله عزّ وجل تكون له الصبغة ، فالصبغة تعني الكمال ، أما الفطرة تعني أن تحب الكمال .
 فلذلك

﴿ فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ ﴾

 طبعاً شيء طبيعي وبديهي ، أن يقول :

﴿ رَبِّي أَكْرَمَنِ ﴾

 لكن متى يظهر ضعفه البشري ؟

﴿ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أهانهن ﴾

  جاء الجواب ردعاً لا نفياً ، قال :

 

﴿ كُلّاً ﴾

( سورة الفجر الآية : 17 )

 يعني يا عبادي ليس عطائي إكراماً ، ولا منعي حرماناً ، عطائي ابتلاء وحرماني دواء ، فالتكريم عند الله لمن أطاعه ، لا لمن كان غنياً ، والذي يحرمه بعض الشيء لعله كما قال عليه الصلاة والسلام : كيف أن الراعي الشفيق يحرم غنمه من مراتع الهلكة بهذا المعنى ، لكن هذا الخلق الاعتراف بالفضل دقيق جداً ، لأن الاعتراف بالفضل يوسع دوائر الفضل في المجتمع ، وجحود الفضل يضيق دوائره .

 

الاعتراف بالفضل ينمي الفضل ويوسع دوائره و جحود الفضل يضيق الفضل و يلغيه :

 نحن إذا ألفنا أن كل إنسان أسدى إلينا معروفاً أن نعترف بهذا المعروف ، وأن نثني على صاحب المعروف ، وأن نشير إليه ، يتشجع هو ومن حوله لفعل المعروف ، أما حينما نجحد المعروف ، تضيق دوائر المعروف .
 هذا الذي كان يركب حصاناً رأى رجلاً في أيام الصيف ، والصحراء شديدة الحر رجل ينتعل رمال الصحراء المحرقة ، دعاه إلى ركوب الخيل رحمة به ، لكن هذا الإنسان أحد لصوص الخيل ، ما اعتلى متن الخيل وراء صاحبها حتى دفعه إلى الأرض وعدا بها لا يلوي على شيء ، فصاح صاحب الفرس : يا هذا لقد وهبت لك هذه الفرس ، ولن أسأل عنها بعد اليوم ، ولكن إياك أن يشيع الخبر في الصحراء فتفقد الصحراء أجمل ما فيها ، إنها المروءة ، إياك أن يشيع الخبر في الصحراء .
 لذلك الاعتراف بالفضل ينمي الفضل ، ويوسع دوائره ، والجحود جحود الفضل يضيق الفضل ، بل يلغي الفضل أحياناً ، لذلك من هم الذين يمنعون الماعون ؟ هم الذين لا يعترفون بالفضل بل يسيؤون إلى صاحب الفضل .

تنمية المعروف لا تكون إلا بالثناء على صاحبه و إكرامه :

 لذلك هناك خطورة كبيرة أن يكون الناس من اللؤم بحيث إذا أسدي إليهم معروف أن يردوا عليه بالإساءة ، لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول :

(( وَمَنْ صَنَعَ إِليكم معروفا فكافئوه . فإن لم تجدوا ما تكافئوه فادْعُوا له ))

[ أخرجه أبو داود والنسائي عن عبد الله بن عمر ]

 يعني أن تقول لكل واحد أسدى لك معروفاً جزاك الله خيراً هذا غير مقبول ، إذا كنت قادراً على أن ترد المعروف بمعروف ، والهدية بالهدية ، والخدمة بالخدمة فافعل ، أما حينما تعجز لك أن تقول : جزاك الله خيراً ، هذا إذاً ينمي المعروف .
 ومن عاداتنا التي ينبغي أن توسع كثيراً أي معروف قُدم إليك ، أي خدمة قدمت لك ، أي معونة جاءتك ، ينبغي أن تبادر إلى شكرها بلسانك ، أو بالهاتف ، أو برسالة ، أو بتصريح بالجريدة ، لابدّ من أن تشجع الناس على فعل الخير ، لذلك إذا كان الدال على الخير كفاعله المشجع عليه كفاعله ، والتشجيع بالمعروف أن تثني على صاحب المعروف .
الأستاذ أحمد :
 كأني فهمت من كلامكم أن تعريف الاعتراف بالفضل هي أن يقرّ الإنسان بالفضل وألا يجحده ، ولا يتناساه ، فلذلك قال تعالى :

 

﴿ وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ﴾

( سورة البقرة الآية : 237 )

 ما المعنى من هذه الآية ؟

 

من ضيّق دوائر المعروف منع الخير :

الدكتور راتب :
 هذه الآية أصل ، يعني إذا إنسان قدم لإنسان شيئاً ، قدم له مساعدة مالية ، أو مساعدة علمية ، مساعدة في خبرته ، مساعدة في جهده ، مساعدة في ماله ، هذا الذي قُدمت له المساعدة ، إذا شكره عليها ، ولم ينسها ، ونوهَ بها ، فهذا الذي قدم المساعدة يتشجع بحكم طبيعته الإنسانية ، الإنسان يحب أن يُشكر على عمله ، أما إذا جحدت هذا المعروف فقد ضيقت دوائر المعروف حتى كنت السبب في منع الخير .
الأستاذ أحمد :
 كثيراً من الناس يضع في صدر متجره عبارة ، وقول الله عز وجل :

﴿هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي ﴾

( سورة النمل الآية : 40 )

 فهل فعل هذا إشارة منه إلى أن يرجع الأمر والفضل والمنة لله عز وجل ؟ .

 

من آمن بالله و شكره حقق الهدف الذي خُلق من أجله :

الدكتور راتب :
 أستاذ أحمد ، يجب أن نعلم جميعاً أن الإيمان نصف شكر ، ونصف صبر ، بل إن علة وجودك في الدنيا أن تؤمن به ، وأن تشكره ، والدليل :

﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ﴾

( سورة النساء الآية : 147 )

 أنت حينما تتعرف إلى الله ، وحينما تشكره على أنه منحك نعمة الإيجاد ، ونعمة الإمداد ، ونعمة الهدى والرشاد ، حققت الهدف من وجودك ، لأن الكون سُخر لك تسخير تعريف وتكريم ، ردّ فعل التعريف أن تؤمن ، وردّ فعل التكريم أن تشكر ، كيف ؟ فرضاً للتقريب :
 لو قدم لك صديق هاتفاً من اختراعه ، له خدمات كثيرة جداً ، يعني في إجابة آلية ، في معرفة الرقم الذي اتصل بك ، في ميزات كبيرة جداً ، قدم لك هذا الهاتف هدية بلا مقابل ، ثم إن هذا الهاتف من صنعه ، أنت تنتابك مشاعر ، أحد هذه المشاعر إعجاب بهذا المنتج ، شعور آخر امتنان منه .
 فلأن الله سخر لنا هذا الكون تسخير تعريف ، وتخسير تكريم ، ردّ فعل التعريف أن نؤمن ، وردّ فعل التكريم أن نشكر ، فلمجرد أننا آمنا وشكرنا حققنا الهدف الذي من أجله خلقنا ، إذاً تتوقف المعالجة ، قال تعالى :

﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُم﴾

 والعذاب معالجة

﴿ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ﴾

﴿ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً ﴾

( سورة النساء )

الاعتراف بالفضل قمة الإيمان :

 إذاً الاعتراف بالفضل قمة الإيمان ، بل إنه إذا كان متوجهاً إلى الله عز وجل هو الشكر ، والشكر أستاذ أحمد ، له مراحل ، أحد أركان الشكر أن تعلم علم اليقين أن هذا الفضل من الله ، لمجرد أن تعزو ما أصابك من خير إلى الله ، فهذا أحد أنوع الشكر ، ومعنى آخر لمجرد أن يمتلئ القلب امتناناً لله عز وجل فهذا نوع أرقى من الشكر ، لكن أرقى أنواع الشكر أن ترد عليه بخدمة الخلق ، قال تعالى :

﴿ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾

( سورة سبأ )

الأستاذ أحمد :
 أو لذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

(( مَنْ لمْ يشْكُر النَّاسَ لَمْ يشْكُر اللّه ))

[أخرجه أبو داود والترمذي عن أبي هريرة ]

مَنْ لمْ يشْكُر النَّاسَ لَمْ يشْكُر اللّه :

الدكتور راتب :
 أستاذ أحمد ، أحياناً أستمع إلى كلمات فيها غلظة ، أنه أنا ما من أحد له فضل عليّ إلا الله ، هذا توحيد ، ولكن توحيد مع غلظة ، الأب الذي كان سبب وجودك ، الأم التي رعتك لسنوات عديدة ، هذا الشريك الذي يعمل معك ، والذي يعفيك من مسؤوليات كثيرة ، هذا الابن الذي يقدم لك كل وده ، وكل خدمته .

(( مَنْ لمْ يشْكُر النَّاسَ لَمْ يشْكُر اللّه ))

 لماذا ؟ هذا الذي خدمك من بني البشر إنسان مخير خدمك باختياره ، إذاً يشكر على اختياره ، لكنك تشكر الله على أنه سمح له أن يقدم لك هذه الخدمة ، وألهمه إياها ، بل مكنه منها .
 إذاً الشكر لله أولاً ، وثانياً لمن جاءت هذه الخدمة على يده ، أما هذا الذي يتبجح ويقول أنا لا أشكر إلا الله هذا كلام ليس واقعياً ، وليس منطقياً ، إذاً كما قال عليه الصلاة والسلام :

(( مَنْ لمْ يشْكُر النَّاسَ لَمْ يشْكُر اللّه ))

 وأول الناس الذين يُشكرون الأب والأم لأنهما سبب وجودك .
الأستاذ أحمد :
 ثانيهما لأن الأب والأم كانا قادرين أن يتخليا عن الطفل في أول ولادته ويتركانه عند دار للأيتام على سبيل المثال ، ولا يتكلفان عناء ومشقة تربيته ، ومع ذلك ينسى كما قال تعالى :

﴿ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ﴾

 ويقول ليس لأحد فضل عليّ في حياتي .

 

من عمل عملاً عظيماً عليه أن يعزوه إلى الإسلام ليرفع شأنه :

الدكتور راتب :
 بل إنني أرى أن الإنسان أحياناً يقوم بعمل عظيم ، لكن بخطأ في عقيدته ، أو في سلوكه يعزوه إليه ، أو إلى تربيته ، أو إلى ثقافته ، أنا أتمنى أنك إذا عملت عملاً عظيماً بسبب إيمانك بالله ، وخوفك منه ، وابتغاء رضوانه ، أن تقول : إنني من المسلمين ، قال تعالى :

﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾

( سورة فصلت )

 أحياناً يدعى إلى شرب خمر من أصدقاء يجهلون تدينه ، يقول معي قرحة ، لا قل أنا مسلم ، هذا شراب محرم في الإسلام ، بيّن عظمة هذا الإسلام ، هناك من يقف موقفاً أخلاقياً ولكن بغطاء علماني ، أو بغطاء تربوي ، لا ، ينبغي أن تقف الموقف الأخلاقي ، وأن تعزوه إلى دينك ، وإلى إسلامك لترفع شأن هذا الدين .
الأستاذ أحمد :
 كأنه يخجل من الإسلام ، أو الانتماء إليه ، بينما لو علم أنه يكبر في عيون هؤلاء الناس لو أنه نسب الأمر إلى الدين .

 

من لم يكن متفوقاً في دنياه لن يُحترم دينه :

الدكتور راتب :
 لكنني لي ملاحظة هنا الوقت مناسب لها : ما لم تكن متفوقاً في دنياك الآن لا يحترم دينك ، لذلك إن أردت أن تقول أنا مسلم يجب أن تكون متفوقاً في علمك ، وفي سلوكك ، وفي انضباطك ، وفي إتقان عملك ، وفي دقة مواعيدك ، وفي رحمتك بالناس عامة ، أنت تقول أنا مسلم حينما تقدم للناس نموذجاً رائعاً ، لذلك قيل : " استقيموا يُستقم بكم " .
 أنت حينما تكون مطبقاً لمنهج الله دون أن تكون داعية تعد عند الله أكبر داعية ، لأن الاستقامة وحدها دعوة ، الأمانة وحدها دعوة ، النبي عليه الصلاة والسلام بماذا جاء ؟ جاء بالخُلق .

(( حتى بعث الله إلينا رسولاً منا نعرف نسبه ، وصدقه ، وأمانته ، وعفافه ، فدعانا إلى الله لتوحيده ، ولنعبده ، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان ، وأمرنا بصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وصلة الرحم ، وحسن الجوار ، والكف عن المحارم والدماء ))

[أخرجه ابن خزيمة عن جعفر بن أبي طالب ]

 فالنبي دعوته أخلاقية .
الأستاذ أحمد :
 الله عز وجل يقول في الحديث القدسي :

(( أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر ))

[أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي ومالك عن زيد بن خالد الجهني ]

 تتمة هذا الحديث وشرحه حبذا لو تعرجون عليه .

 

الإنسان لولا معونة الله عزّ وجل ما كان شيئاً فوجوده كله من فضل الله تعالى :

الدكتور راتب :
 الحقيقة هناك من يعترض على أن تقول كافر ، الحقيقة الكافر صفة وليست تقييماً فالمؤمن كافر ، كيف ؟ قال النبي الكريم فيما يرويه عن ربه :

(( أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر ، فأما من قال : مُطِرْنا بفضل الله ورحمته : فذلك مؤمن بي ، كافر بالكواكب . وأما من قال : مُطِرْنَا بِنَوْءِ كذا وكذا : فذلك كافر بي ، مؤمن بالكواكب ))

[أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي ومالك عن زيد بن خالد الجهني ]

 لذلك الإيمان والكفر إيمان بجهة ، وكفر بجهة ، فالإنسان حينما يعزو الأمطار إلى فضل الله ورحمته فهو مؤمن بالله ، أما إذا قرأ النشرة الجوية ، وتوهم أن هناك منخفضاً باتجاه الشرق الأوسط ، يأتي بعد يومين ، ويحمل كمية أمطار كبيرة جداً فلا يذكر أن هذا المنخفض هو من أثر رحمة الله عز وجل ، بل هو من فضل الله على الناس يعزوه إلى تطورات جغرافية ، ومناخية ساقت هذا السحاب إلى بلاد عطشى فسقتها ، هذا كافر بالله مؤمن بالكواكب .
 لذلك المؤمن الصادق الورع دون أن يشعر على كلمة يقولها ، يقول هذا من فضل الله عليّ مكنني أن أنال شهادة عليا ، مكنني من هذا الزواج ، رزقني هذه الزوجة ، أكرمني بهذا البيت ، ليس هذا من باب الأدب ، هذا من باب الحقيقة ، فالإنسان لولا معونة الله عزّ وجل ما كان شيئاً ، بل إن وجوده كله من فضل الله عز وجل .

 

﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً ﴾

( سورة الإنسان )

الأستاذ أحمد :
 بماذا تقيدون كلمتكم أن المؤمن كافر ، كافر بماذا ؟.

 

الله عز وجل مسبب الأسباب فمن اعتقد غير ذلك فقد ابتعد عن منهج الإيمان الصحيح :

الدكتور راتب :
 حياة الكواكب ، أنا حينما أكفر بما سوى الله ، أنا أكفر بما سوى الله ، أؤمن بالله عزّ وجل ، طبعاً هذا تقييم ، مفهوم البداهة ، أنا حينما أقول أنا مؤمن بالله كافر الكواكب ، أنا لا أرى أن الأمطار تأتي من دون معونة الله عز وجل ، بل في موضوع آخر ، أنا حينما أفهم الزلزال فهماً علمياً جغرافياً محضاً اضطراب في القشرة الأرضية ، ولا أفهمه فضلاً عن فهمه العلمي أنه من فعل الله عز وجل ، أرسله تأديباً لخلقه ، أنا حينما أفهم كل شيء فهماً أرضياً شركياً محضاً ، وأنسى أن مسبب الأسباب هو الله عز وجل أنا عندئذٍ أكون قد ابتعدت عن منهج الإيمان الصحيح .
الأستاذ أحمد :
 عندما قيل حينما فُعل معك معروف فلا تنسه أبداً ، إذا فعلت أنت معروفاً فانسه فوراً .

من كمال الأدب مع الله إذا أسديت لإنسان خدمة ألا تمننه بها :

الدكتور راتب :
 هذا من كمال الأدب مع الله ، إذا أسديت لإنسان خدمة الله عز وجل تفضل عليك وسمح لك أن تقوم بهذا العمل ، وهذا العمل له عند الله أجر كبير ، فلا تمتن عليه من حين إلى آخر ، هناك من يقول لبعض الناس : إن لحم كتفك من خيري ، هذا تطاول ، إذا فعلت مع إنسان معروفاً يجب أن تنساه كلياً ، فيه قلة أدب ، وفيه إساءة ، وفيه شرك ، من أنت ؟ أنت الذي تعطي الناس المال ؟ كان من الممكن أن يجعلك الله عز وجل تتسول هذا المال .
 أنا أقول دائماً من باب التقريب : بستان فيه شجر تفاح ، البستان الرابع في هذه المنطقة ، التفاحة السادسة ، الغصن السابع ، التفاحة الرابعة ، هذه لفلان ، فلان يمكن أن يأكلها شراءً بماله ، ويمكن أن يأكلها هدية ، أو ضيافة ، أو تسولاً ، أو سرقة ، طريقة وصولها إليك باختيارك ، أما هي لك ، فأنت حينما تعزو الفضل إلى الله تكون قد أصبت ووفقت .
الأستاذ أحمد :
 رسول الله صلى الله عليه وسلم حدث زوجته بحديث عُرف بحديث أم زرع وأبي زرع ، وقصّ عليها القصة بتمامها ، غير أنه في نهاية الحديث قال لها : غير أني لا أطلقك ، ما الحكمة المستوردة من هذا الحديث ؟.

الحكم المستوردة من حديث أبي زرع و أم زرع عديدة أهمها :

النبي عليه الصلاة والسلام كان يصغي إلى زوجاته و يجلس معهن :

الدكتور راتب :
 أولاً هناك حكم كثيرة ، الحكمة الأولى أن النبي عليه الصلاة والسلام على عظم شأنه ، وعلى خطورة دعوته ، وعلى أنه الإنسان الأول ، هذا ما كان يمنعه أن يجلس مع زوجاته ، وأن يفضي إليهم ، وأنا أهمس في أذن الأزواج : ما لم تجلس مع زوجتك لوقت ما وتصغي إليها ، لن تكون العلاقة بينك وبينها طيبة ، فقد علمنا النبي الأدب مع الزوجة ، قد يكون لك أفق أكبر بكثير ، قد يكون لك اهتمامات كبيرة جداً ، لكنها زوجتك ، وشريكة حياتك ، ومن حقها عليك أن تستمع إليها ، عليه الصلاة والسلام كان يصغي إلى زوجته .
 مرة حدثته حديثاً طويلاً عن رجل كان نموذجياً ، رائعاً ، وفياً ، كريماً ، شهماً ، بطلاً ، فحدثته حديثاً طويلاً عن أبي زرع ، وكيف عامل أم زرع ، لكن في نهاية المطاف تأسفت أشد الأسف لأن أبا زرع طلق أم زرع ، فقال عليه الصلاة والسلام بأدب جم ، بلطف رائع ، قال : أنا لك كأبي زرع لأم زرع غير أني لا أطلقك ، هذا من أدبه مع زوجته .
الأستاذ أحمد :
 و عليه الصلاة والسلام اعترافه بالفضل ، حبذا لو نسمع شيئاً عن هذا الخلق عند رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حاله مع أخته من الرضاعة أو ما أشبه ذلك .

الإنسان الفاضل من يعرف الفضل لغيره :

الدكتور راتب :
 دخل سيدنا الصديق على مجلس رسول الله ، فكان إلى جانبه علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، لما رأى علي أبا بكر قد دخل على النبي الكريم فقام من مكانه ، وآثر به أبا بكر ، ابتسم النبي ، وقال كلمة رائعة جداً :

(( لا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا أهل الفضل ))

 يعني بيّن النبي أن الذي يعرف الفضل هو إنسان فاضل ، كأنه شجع الناس ، مثلاً : لو وقف شاب في مركبة عامة لشيخ كبير ، ماذا قال النبي الكريم ؟ قال :

(( ما أكرم شاب شيخا لِسنِّه إِلا قيَّضَ اللهُ لهُ مَن يُكرمهُ عندَ سِنِّه ))

[أخرجه الترمذي عن أنس بن مالك ]

 أن تقف أمام عالم بأدب ، أن تقف أمام أب ، أن تمشي وراء الأب ، ألا تسبقه ، ألا تتكلم قبله ، ألا تشوه شمعته ، هذا من الأدب ، أن تتأدب مع من علمني حرفاً ، كنت له عبداً ، هناك في طريق الصحابة أمثلة كثيرة جداً على أدب رفيع بين الصحابة الكرام ، بل بينهم وبين النبي عليه الصلاة والسلام .
الأستاذ أحمد :
 وقصته صلوات الله عليه مع أخته من الرضاعة ؟.

 

عظمة النبي الكريم تتجلى في أخلاقه وأدبه مع الناس جميعاً :

الدكتور راتب :
 التقى بها (الشيماء)، أولاً رحب بها ترحيباً يفوق حدّ الخيال ، مد لها رداؤه ، أثنى عليها ، دعاها إلى أن تقيم عنده ، فلما أصرت على أن تذهب إلى بيت أهلها أكرمها بعطايا وهدايا ، هذا أدبه مع أخته ، ووفاؤه .
 عظمة النبي تتجلى في أخلاقه ، أستاذ أحمد بشكل عام البشر لهم قمم ، زمرة من هذه القمم الأنبياء ، وزمرة أخرى الأقوياء ، الأنبياء ملكوا القلوب ، بأدبهم ، ورحمتهم والأقوياء ملكوا الرقاب ، الأنبياء أعطوا ولم يأخذوا ، الأقوياء أخذوا ولم يعطوا ، الأنبياء عاشوا للناس ، الأقوياء عاش الناس لهم ، الأنبياء يمدحون في غيبتهم ، الأقوياء في حضرتهم والناس جميعاً تبع لقوي أو لنبي .

الأخلاق الحسنة تجذب الناس إلى الدين أكثر من الأقوال :

 لذلك أخلاق النبي عليه الصلاة والسلام منهج لأتباعه من بعده ، فكان عليه الصلاة والسلام متواضع بحيث دخل عليه أعرابي إلى مجلسه ما عرفه ، سأل أيكم محمد ؟ فقال عليه الصلاة والسلام : أنا ، تصور واحد من أصحابه ، ما له مكان متميز ، ما له ثياب متميز بها إطلاقاً ، هذا من أدبه ، دخل عليه رجل أصابته رعدة ، قال له : هون عليك إنما أنا ابن امرأة من قريش ، كانت تأكل القديد بمكة ، صحابي رأى على ثوب النبي ريشة ، فأخذها ، فرفع يديه إلى السماء وقال : جزاك الله خيراً .
 أدبه ، تواضعه ، كان إذا مرّ بالصبيان يسلم عليهم ، مرة تسابق مع الصبيان ، مرة دعاهم إلى ركوب ناقته ، تواضعه ، أنسه ، حياؤه ، أدبه ، هو الذي جذب الناس إليه والحقيقة أن الذي يدعو إلى الله يتأثر الناس بأخلاقه أضعاف ما يتأثرون بأقواله .

خاتمة وتوديع :

الأستاذ أحمد :
 في ختام هذه الحلقة نذكر أن خلق الاعتراف بالفضل سبب لدوام نعم الله عز وجل فلقد قال عز وجلّ من قائل :

﴿ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ﴾

( سورة إبراهيم الآية : 7 )

 نسأل الله عز وجل أن يؤتينا حسن شكر النعمة ، وأن يجعلنا من عباده الصالحين اللهم آمين ، وإلى أن نلقاكم في حلقة أخرى من حلقات برنامجكم موسوعة الأخلاق الإسلامية نستودعكم الله أيها الأخوة المشاهدون ، ونشكر الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور