وضع داكن
29-03-2024
Logo
موسوعة الأخلاق الإسلامية - الندوة : 18 - الألفة
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

مقدمة :

  الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين وعلى آله وأصحابه أجمعين إلى يوم الدين.
 السلام عليكم أيها الأخوة المشاهدون وأيتها الأخوات المشاهدات، مع حلقة جديدة من: "موسوعة الأخلاق الإسلامية" مع فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين في دمشق، فأهلاً وسهلاً بكم أستاذنا الكريم.
الدكتور راتب:
 بكم أستاذ أحمد جزاكم الله خيراً.
الأستاذ أحمد:
 سيدي الكريم نتمنى أن نتحدث اليوم وإياكم مع خلق من الأخلاق الإسلامية ألا وهو خلق الألفة، في مثل هذا الخلق يقول سيدنا علي ـ كرم الله وجهه ـ : "فقد الأحبة غربة" وفي هذا الباب يقول سيدنا عمر الفاروق: "لقاء الإخوان جلاء الأحزان"، ويقول الإمام جعفر الصادق: "إذا أحب الله عبداً رزقه حسن الخلق"، والسؤال الآن ما هو تعريف الألفة؟.

 

تعريف الألفة :

الدكتور راتب:
 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
 تعريف الألفة الجامع المانع: اجتماع مع التئام ومحبة، اجتماع النفوس مع الالتئام والمحبة، والتوافق، والانسجام، هذا تعريف يجسد بمواقف كثيرة، فأنت حينما تتمنى أن تجلس مع إنسان وقتاً طويلاً معنى ذلك أنك تألفه، وحينما يتمنى هو أيضاً أن يبقى معك معنى ذلك أنه يألفك، وعلامة الإيمان الألفة، المؤمن يألف ويؤلف، ذلك لأن المؤمن موصول بالله، فبعد أن اتصل بالله اشتق منه الكمال، فالمؤمن متواضع، المؤمن منصف، المؤمن رحيم، المؤمن يقول الحق ولا يكذب، هذه الصفات الراقية إن توافرت في إنسان آخر توافقا، فكانت الألفة هي اجتماع مع الالتئام والمحبة.

أسباب الألفة :

 ولكن لا بد من الحديث عن أسباب هذه الألفة: هي حالة نفسية، شعور، انسجام نفسي، شعور لا يرى بالعين، لكن ما أسبابه؟ أنا متى أسهم في أن تألفني وأنت متى تسهم في أن أألفك؟ الحقيقة طرح السلام، الابتسامة، أن تلقى أخاك بوجه طلق، أن تزوره، أن تتفقده، أن تعاونه، أن تلبي رغبته، أن تلبي دعوته.

(( من لم يجب الدعوة فقد عصى أبا القاسم ))

[ مسلم عن أبي هريرة]

 لذلك ما من تصرف يمتن العلاقة بين المؤمنين إلا أمر النبي به، أن تطرح عليه السلام، أن تزوره في بيته، أن تلبي حاجته، بل أن تعرب له عن محبتك، فكل شيء يمتن العلاقة بين المؤمنين، كل شيء يزيد المودة بينهم، كل شيء يقلل المسافة بينهم، هذا ينبغي أن نفعله.
 لذلك أسباب الألفة أن تكون كاملاً مع أخيك، وأن يكون هو كاملاً معك، أن ترعى شعوره، وأن يرعى شعورك، أن ترعى حاجاته، وأن يرعى حاجاتك، ألا تكون عبئاً عليه، وألا يكون عبئاً عليك، أن يكون ظلك خفيفاً عنده، وكذلك الأمر أن يكون ظلك خفيفاً عنده.
 إذاً الألفة تحتاج إلى جهد، هي في الحقيقة شعور، راحة، انسجام، لكن هذا الانسجام، وتلك الراحة، وهذا الشعور، لهم أسباب طويلة، وجهد كبير.
 لذلك أنا أقول: تصرفات ذكية، وعلمية، وواقعية، مجتمعة تشدك إليّ، وتصرف واحد أحمق غير مدروس، قد يجعلك تنفر مني، فالبطولة أن تربح أخاك الإنسان، لأنك قد تخسره بسبب تافه، لكن ربحه يحتاج إلى جهود كبيرة، ولأن تخسر الدنيا وتربح أخاك الإنسان فأنت الرابح الأول.
الأستاذ أحمد:
 قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(( تَبَسُّمُكَ في وجه أخيك صدقة ))

[أخرجه الترمذي عن أبي ذر الغفاري ]

 هذا من باب الأجر وكأنه للآخرة، لكنه هل هو أيضاً باب من أبواب السعادة؟

 

الألفة والمحبة والانسجام والتوافق صفات تجعل من المجتمع سدّاً منيعاً لا يخرق :

الدكتور راتب:
 أن تلقى أخاك بوجه طلق، أن تزحزح له إذا دخل، قد يكون المكان واسعاً، أما حينما تتحرك قليلاً تكريماً له، حينما تعبر له عن محبتك، والله إني أحبك يا فلان! يقول لك: أحبك الله كما أحببتني.
 إذاً الألفة حالة، وشعور، وإحساس داخلي، لكن لها أسباب هذه الأسباب تحتاج إلى جهد واضح من كلا الطرفين حتى تكون هذه المحبة.
 بالمناسبة: الألفة، والمحبة، والانسجام، والتوافق، هذه تجعل من المجتمع سداً منيعاً لا يخرق، وأية خصومة بين الناس تجعل هذا المجتمع مهلهلاً، فالألفة لها أبعاد سياسية، أنت إن أردت أن يكون هذا المجتمع متماسكاً، محصناً، لا يخترق، لتكن الألفة بين أفراده، الألفة من سمات المجتمع المؤمن.
الأستاذ أحمد:
 أستاذ الكريم أين هو توجيه القرآن الكريم لحثنا على الألفة؟.

الآية التالية تعد أصلاً في موضوع الألفة :

الدكتور راتب:
 الآية التي تعد أصلاً في هذا الموضوع يخاطب الله بها النبي عليه الصلاة والسلام يقول:

﴿ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ﴾

[ سورة الأنفال الآية: 63 ٍ]

 هذه الآية فيها ملمح خطير أن الألفة بين المؤمنين من خلق الله عز وجل، هذه من صنع الله، لذلك ما كان من خلق الله لا تستطيع قوى الأرض أن تقصمه، وما كان من صنع البشر يقصم بالمال، والإغراء.
لذلك:

﴿ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ﴾

 لو أنفقت مال الأرض كي تؤلف بين متضادين لا تستطيع، لكن المؤمنين خلق الله بينهم المودة والرحمة، وحينما قال الله عز وجل:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً ﴾

[ سورة مريم ]

 بعضهم يفهم الآية أن الله عز وجل يجعل بينهم وبينه مودة، هذا معنى مقبول وصحيح، لكن هناك معنى آخر، المؤمنون يجعل الله فيما بينهم مودة ورحمة.
الأستاذ أحمد:
 يؤيده الآية التي ذكرتها، وهل هناك حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم يشير ويحدث عن الألفة؟.

 

السمة البارزة من سمات المؤمن أنه يألف ويؤلف :

الدكتور راتب:
 حديث جامع مانع:

(( المؤمن يألف ويؤلف، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف ))

[أخرجه البزار عن أبي هريرة ]

 السمة البارزة من سمات المؤمن أنه يألف ويؤلف، لازمة من لوازم أخلاقه الرضية، يألف ويؤلف، كما يقال عن رسول الله:

((من رآه بَديهة هَابَهُ. ومن خالطه فعرفه أحبّه ))

[أخرجه الترمذي عن علي بن أبي طالب ]

 وكان كل صحابي يظن أنه أقرب الناس إليه، لأنه يألف ويؤلف، ومن صفات العظماء أن الكبار يألفونهم، وأن الصغار يألفونهم، فالصغار كانوا يحبون رسول الله، ويتحلقون حوله، ويتسابقون إليه، لأنه يألفهم ويألفونه.
الأستاذ أحمد:
 وهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ بيد الطفل الصغير، ويمشي في حاجته، لكن هل في غير سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم غير هذا القول، هل هناك على أرض الواقع من أفعال النبي عليه الصلاة والسلام ما يوجهنا للألفة؟.

 

تفسير الألفة بين المؤمنين :

الدكتور راتب:
 أنا كنت أتمنى أن أطرح موضوعاً قبل أن أصل إلى هذه التطبيقات.
 الموضوع: هل هناك تفسير علمي للألفة؟ الحقيقة أن في شخصية الإنسان سمات، وفيها خصائص، لا بد من ذكر قصة تبين وتوضح ذلك:
 هناك برنامج كمبيوتري من أجل الزواج، متى تكون الألفة بين الزوجين؟ إذا كانت نقاط الاتفاق كثيرة جداً، لذلك يأتي طالب الزواج يُسأل تقريباً خمسمئة سؤال، دقائق حياته، دقائق رغباته، دقائق طباعه، دقائق أهدافه، هذه كلها تسجل في الكمبيوتر، تأتي فتاة تُسأل الأسئلة نفسها، بعد شهر تجري عملية تقاطع، فأنت إذا أردت أن تبحث عن فتاة تألفها وتألفك، لا بدّ من أن تكون نقاط الالتقاء كثيرة، هذا الجهاز وذاك البرنامج يعطيك أقرب فتاة إلى طباعك، وإلى أنماط حياتك، هذا مثل.
 أما ما تفسير الألفة بين المؤمنين؟ نقاط اللقاء بين المؤمنين كثيرة جداً، لأن كلا المؤمنين توجها إلى الله، واشتقا منه الرحمة، والأناة، والحلم، والعطف، والإنصاف، والوضوح، والصدق، والعفة، فنقاط اللقاء بين المؤمنين لا تعد ولا تحصى، هذا تفسير علمي للألفة.

كلما ازدادت نقاط اللقاء بين اثنين كانت الألفة بينهما أشد :

 لذلك:

﴿ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ﴾

 هذا يسميه المناطقة تحصيل حاصل، لأن النقاط المشتركة بين شخصية المؤمنين كثيرة جداً لذلك هناك ألفة، هناك تطبيق عملي، قد تجلس مع إنسان لا تستطيع أن تحدثه في موضوع لأنه يتناقض أصلاً مع كل مبادئك وقيمك، تجد مساحة الحوار ضئيلة جداً، وقد تضيق ذرعاً به، وقد تجد الساعة معه سنة، وقد تجلس مع إنسان ساعات طويلة ولا تشعر، الدليل لأن هناك انسجام:

إن يطل بعدك ليلي، فلكم ...  بتُّ أشكو قصر الليل معك!
***

 الألفة أساسها توافق الخصائص، توافق السمات، توافق نقاط اللقاء.
 إذاً أنا حينما أشترك مع أخي في مبادئه، وفي قيمه، وفي عاداته، وفي تقاليده ، وفي تصوراته، وفي طموحاته، وفي آماله، وفي آلامه، أنسجم معه.
 إذاً هناك تفسير علمي يؤخذ من علم النفس ،مثلاً: أنت تألف النظيف لأنك نظيف، تألف الصادق لأنك صادق، أما الصادق لا يألف الكاذب، والنظيف لا يألف القذر، فكلما ازدادت نقاط اللقاء بين اثنين كانت الألفة بينهما أشد.

 

مجتمع المؤمنين أكمل مجتمع تتحقق فيه الألفة :

 لذلك أكمل مجتمع تتحقق فيه الألفة مجتمع المؤمنين، لأنهم اشتقوا الكمال من الله عز وجل، هذا الذي يدهش أنك إذا زرت إنساناً في أقصى الأرض تشعر بألفة عجيبة معه لأن نقاط اللقاء كثيرة جداً، مع أنك في قارة وهو في قارة، مع أنك في بيئة وهو في بيئة، مع أنك في معطيات وهو في معطيات أخرى، لكن الإسلام جمع بينكما.
 لذلك الدين عامل وحدة، وليس عامل تفرقة، أما المتاجرة بالدين عامل تفرقة، الذي لم يؤمن، ولم يطهر قلبه، ولم يشتق الكمال من الله، لكنه رفع شعار ديني، وله مصالح من هذا الشعار، طبعاً هذه المصالح إن تناقضت وتنازعت بين إنسانين تنشأ العداوة والبغضاء.
 لكن ما دام الحديث عن الألفة لا بد من الحديث عن العداوة والبغضاء، الحقيقة لها قانون، والقانون في آية واحدة:

﴿ فَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾

[ سورة المائدة الآية: 14]

الأستاذ أحمد:
 أستاذي الكريم أعود وأذكرك بأننا نتمنى سماع شيء عن سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه فيما يوثق الألفة فيما بينهم.

 

الألفة بين النبي الكريم و أصحابه :

الدكتور راتب:
 النبي عليه الصلاة والسلام عقب معركة حنين، دانت له الجزيرة العربية من أقصاها إلى أقصاها، وبلغ أعلى قوة وصل إليها، جزيرة بأكملها خضعت للنبي عليه الصلاة والسلام، وجاء بعض أصحابه الكرام سيد الأنصار ليقول له: يا رسول الله ! إن قومي وجدوا عليك في أنفسهم، من أجل هذه الغنائم التي لم يكن لهم منها نصيب، فقال النبي الكريم لهذا الصحابي الجليل: أين أنت من قومك؟ كان صريحاً، وواضحاً، قال: ما أنا إلا من قومي، أي وأنا أيضاً وجدت عليك في نفسي، فقال النبي الكريم: اجمع لي قومك، فلما جمعهم قال:
 يا معشر الأنصار، مقالة بلغتني عنكم، وجدة وجدتموها عليّ في أنفسكم من أجل لعاعة من الدنيا، يا معشر الأنصار! أما لو إنكم لو شئتم لقلتم فلصدقتم، ولصدقتم به، أتيتنا مكذباً فصدقناك، وطريداً فآويناك، وعائلاً فأغنيناك، بماذا ذكرهم؟ ذكرهم بفضلهم عليه، وهو القوي، وهو الذي دانت له الجزيرة العربية من أقصاها إلى أقصاها.
 أي الأقوياء لهم سلوك آخر قد ينهون حياتهم، وقد يهملونهم، وقد يعاتبونهم لمصلحة القوي، وقد يهدرون كرامتهم، ذكرهم وهو القوي بفضلهم عليه، أما إنكم لو شئتم لقلتم فلصدقتم ولصدقتم به، أتيتنا مكذباً فصدقناك، طريداً فآويناك، يا معشر الأنصار! ألم تكونوا ضلالاً فهداكم الله بي؟ وعالة فأغناكم الله؟ وأعداء فألف بين قلوبكم؟ يا معشر الأنصار! أوجدتم عليّ في أنفسكم في لعاعة تألفت بها قوماً ليسلموا ووكلتكم إلى إسلامكم، أما ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير وترجعوا أنتم برسول الله إلى رحالكم؟ فبكوا حتى أخضلوا لحاهم، وقالوا: رضينا برسول الله قسماً وحظاً.
 أنا أعجب من هذه القصة، أين مكانها في السيرة؟ مع رحمته؟ أم مع وفائه؟ أم مع تواضعه؟ أم مع حكمته؟ مع أنه طوق الحادثة وامتص النقمة هو حكيم، وهو ودود، وهو رحيم، وهو وفيّ.
 لذلك قالوا: لعلك تبقى في مكة؟ قال: معاذ الله ! لو سلك الناس شعباً، وسلك الأنصار شعباً لسلكت شعب الأنصار، اللهم ارحم الأنصار، وأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار، كان في أعلى درجة من الحكمة، والرحمة، والإنصاف، والعدل، والمودة، والوفاء، النبي عليه الصلاة والسلام يكفيه أن الله قال في حقه:

﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾

[ سورة القلم ]

الأستاذ أحمد:
 ذكرك هذا يذكرني برأي سيدنا ابن عباس حينما رأى رجلاً فقال: إن هذا ليحبني، قالوا: وكيف علمت؟ قال: إني لأحبه، والأرواح جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف، حبذا لو نسمع منكم تعليقاً عن هذا.

 

الإعلان عن المحبة شيء و المحبة شيء آخر :

الدكتور راتب:
 والله أنا أرى أنك إذا أحببت إنساناً في الأعم الأغلب هو يحبك، أما إذا أعلنت عن حبك لإنسان قد لا يحبك، الإعلان شيء والمحبة شيء آخر، إن أحببت إنساناً حباً حقيقياً فلابدّ من أن يحبك، لأن الحب لن يكون من طرف واحد إلا إذا كان حسياً، إذا كان طبع الحب حسياً قد يكون من طرف واحد كأن يحب دميماً جميلة مثلاً، لكن الحب بالمعنى النفسي لا بد من توافق بين المحبوبين، إلا أن الإعلان عن الحب غير الحب، هذا يتخذه بعض من يريد أن يغوي الآخرين، أما الحب الحقيقي يقابله حب حقيقي.
 فلذلك النبي الكريم عندما قال له أحدهم: إني أحبه، قال: هلا أعلمته؟ أعلمه أنك تحبه، هذا مما يزيد المحبة بين المؤمنين.
الأستاذ أحمد:
 والإنسان ماذا يقطف من ثمار المحبة وإن حصلت وحصّلت الألفة فما هي ثمارها المرجوة؟.

الإنسان يحب الجمال والنوال و الكمال :

الدكتور راتب:
 قبل ثمارها، الإنسان ماذا يحب؟ في أصل طبعه ماذا يحب؟ يحب الجمال، يحب الكمال، يحب النوال والعطاء، تتركز اهتمامات الإنسان فيما يحب، يحب البيت الجميل، المركبة الجميلة، الإطلالة الجميلة، الزهرة الفواهة، يحب الطعام الجميل الطيب، يحب الزوجة الجميلة، يحب الطفل الجميل، هذا شيء في طبع الإنسان، يحب الجمال، ولكن للجمال مستويات وأنواع، هناك جمال روحي، فالمؤمن يحب الله مع أنه لا يراه بعينه، لكن كمالات الله عز وجل محيطة به، لذلك يحب الإنسان الجمال، يحب النوال، يحب العطاء.

(( يا داود ! ذكر عبادي بإحساني إليهم، فإن النفوس جبلت على حب من أحسن إليها ))

[ورد في الأثر]

 أنت حينما تعطي الآخرين تملك قلوبهم، بالبر يستعبد الحر،

(( ذكر عبادي بإحساني إليهم، فإن النفوس جبلت على حب من أحسن إليها ))

 فالإنسان يحب الجمال، ويحب النوال، ويحب الكمال، أنت أمام موقف لا علاقة لك به إطلاقاً، موقف بين إنسانين، كان أحدهما كريماً، أو كان الثاني حليماً، أو كان الأول رحيماً، أو كان الثاني شهماً، فالشهامة، والحلم، والرحمة، والإنصاف، والتواضع هذا يحبه كل إنسان، فأنت تحب الشيء الجميل بكل مستوياته، وبكل أنواعه المادي والمعنوي، أحياناً هناك فعل جميل، أحياناً قول جميل، أحياناً فكرة جميلة، تحب الجميل بكل مستوياته، وأنواعه، وتحب العطاء بكل أنواعه، وتحب الكمال، ولو لم يكن لك علاقة به.

 

الحب للجمال والكمال والنوال أصله عند الله :

 المشكلة أن هذا الحب للجمال والكمال والنوال أصله عند الله، فلذلك يوم القيامة يقول الله عز وجل:

﴿ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً ﴾

[ سورة البقرة الآية: 165]

 هنا القوة قوة الجمال، والكمال، والنوال، هو من أجل الجمال عصى الله، من أجل النوال عصى الله، من أجل محبته للكمال أحب إنساناً فاسقاً لكنه أعطاه، من أجل هذا عصى الله، ولو علم أن أصل الجمال عند الله، وأن أصل الكمال عند الله، وأن أصل القوة عند الله، لذلك:

﴿ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً ﴾

الأستاذ أحمد:
 إذاً لو سأل سائل ماذا يألف الإنسان؟ نقول: الجمال، والكمال، والنوال التي هي أصلاً من الله عز وجل.
الدكتور راتب:
 إذاً ينبغي أن يحب الله.
الأستاذ أحمد:
 لماذا ينبغي أن يحب الله عز وجل؟.

 

على الإنسان أن يحب الله عز وجل لأنه أصل كلّ شيء :

الدكتور راتب:
 لأن هذا الذي يصبو إليه هو عند الله أصلاً، وكل جمال الخلق مسحة من جمال الله، وكل عطاء الخلق شيء لا يذكر أمام عطاء الله، منحك نعمة الإيجاد، ونعمة الإمداد ، ونعمة الهدى والرشاد، وكل الكمال البشري هو اشتقاق من كمال الله، لذلك ينبغي أن نحب الله لأنه أصل الجمال، والكمال، والنوال.
الأستاذ أحمد:
 هذا عن الألفة فما هي فوائدها، وثمراتها؟.

فوائد الألفة و ثمارها :

الدكتور راتب:
 لابد من بعض الأمثلة: أخطر أداة في السفينة العملاقة دفتها، لأنها توجهها، الدفة مرنة، تألف وتؤلف، إذاً هي أقوى شيء في السفينة، بينما اللوح الحديدي ليس مرناً ولا يتحرك، ولا يتقدم، لذلك لا يألف ولا يؤلف.
 الشيء المرن أريد أن أعبر عن الألفة أنها مرنة، فالإنسان المرن الذي يألف ويؤلف هو قوي، الآن أقوى شيء في المركبة مقودها، لأنه مرن، لأنه مرن يقودها في أي اتجاه، إذاً هو عليه المعول.
 فكلما كان الإنسان مرناً، واستوعب من حوله، وأدرك مشاعرهم، وأدرك حاجاتهم، ورأى نفسه واحداً منهم، وتواضع لهم، وتفهم قضاياهم، ولم يستعلِ عليهم، كان مألوفاً، وكان مرناً، وكان حكيماً، وكان أقوى واحد فيهم، أقوى شيء في المجتمع هو الإنسان المرن، وأضعف إنسان هو الجامد الذي لا يعي، ولا يفهم، متشنج، متصلب، عنده نفس عدوانية، هذا أضعف إنسان، القافلة تمشي وتدعه في الطريق.
 فلذلك من ثمار القوة الألفة، أنت كلما كنت كثير الألفة تألف وتؤلف، احتللت موقعاً مرموقاً في المجتمع.
الأستاذ أحمد:
 وهل في الألفة دليل على البراءة من النفاق؟.

المداهنة و المداراة :

الدكتور راتب:
 لا النفاق موضوع ثان، النفاق على حساب مبادئك، وعلى حسابك قيمك، وعلى حساب دينك، هذا موضوع آخر، ذكاء شيطاني، المنافق ذكي شيطاني، أما المؤمن يألف ويؤلف ضمن مبادئه، ضمن قيمه.
 لذلك فرقوا بين المداهنة وشيء آخر وهو المداراة، المداهنة بذل الدين من أجل الدنيا، هذا النفاق، بذل الدين.

﴿ وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ ﴾

[ سورة البقرة الآية: 14 ]

 هذه مرونة، لكنها مرونة شيطانية، على حساب الدين والمبادئ، بينما المؤمن لا يداهن، بل يداري، أي بذل الدنيا من أجل الدين، بذل الدين من أجل الدنيا مداهنة.

﴿ وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ ﴾

[ سورة القمر]

 بينما بذل الدنيا من أجل الدين مداراة، والمؤمن يداري، ولا خير فيمن لا يداري.

 

خاتمة و توديع :

الأستاذ أحمد:
 ليس هناك ألفة بين الأشرار وإنما هناك توافق مصالح.
 جزاك الله خيراً أستاذنا على ما تفضلت به، ونشكر لكم أيها الأخوة المشاهدون والأخوات المشاهدات استماعكم لنا، ولأن نلقاكم في حلقة أخرى من حلقات موسوعة الأخلاق الإسلامية، مع فضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي، أستودعكم الله.

 السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور