وضع داكن
29-03-2024
Logo
موسوعة الأخلاق الإسلامية - الندوة : 06 - الأسوة الحسنة
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

ترحيب وتقديم :

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام وعلى آله أجمعين إلى يوم الدين .
أما بعد ؛ أيها الإخوة المشاهدون ، يسرُّنا أن نلتقي بكم في حلقة جديدة من برنامجكم موسوعة الأخلاق الإسلامية ، لنلتقي بفضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة في كليات الشريعة ، وأصول الدين ، أهلاً وسهلاً بكم أستاذنا الكريم .
الدكتور :
أهلاً بكم أستاذ أحمد .
الأستاذ أحمد :

سيدي الكريم ، نرى أن الإسلام اتخذ من الأسوة الحسنة باباً من أبواب الرُّقِيّ بالمجتمعات إلى الكمال الإنساني ، الذي يوصِل إلى الكمال الخُلقي ، فوجَّهنا القرآن أول ما وجَّهنا إلى أن نجعل من رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي هو بشر مثلنا ، لكنه يوحى إليه ؛ أن نجعل قدوة حسنة لنا ، فقال عز وجل من قائل :

﴿ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾

( سورة الأحزاب الآية : 21 )

فما هي الأسوة بشكل مجرد ؟ وكيف تكون حسنة ؟ حبذا لو نسمع منكم .
الدكتور راتب :

 

الأسوة الحسنة :

بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .

1 – التقليدُ والمحاكاة من خصائص النفس البشرية :

التقليد من خصائص البشر وهي لصالحه
أستاذ أحمد ، لا بد من التنويه إلى أن من خصائص النفس البشرية التقليد والمحاكاة ، وهذا لصالحها ، لأن الإنسان ربما لا يفكر ، أو ربما لا يستوعب ، أو رأى إنسان على وضع يعجبه ، يحب أن يقلِّده ، ففي أصل تركيب الإنسان رغبة في التقليد والمحاكاة .
فلذلك جعل الله هذه الخصيصة لصالح الإنسان ، من أجل أن يستفيد من تفوق الآخرين ، فإذا قلَّدهم كان له في هذا التقليد تقدم عند الله عز وجل .

 

 

 

2 – ثلاث شخصيات عامة في حياة كل إنسانٍ :

 

 

 

ما هي الشخصية التي تحبها
لكن قال علماء النفس : في حياة كل منا شخصية نكونُها ، وهي نحن ، وشخصية نتمنى أن نكونها ، وشخصية نكره أن نكونها .
النقطة الدقيقة : أن النبي صلى الله عليه وسلم كلفه الله أن يبلِّغ ، ولكن الحقيقة أن قدوته أبلغ من تبليغه ، لأن الناس يتعلمون بعيونهم أكثر مما يتعلمون بآذانهم ، فكان عليه الصلاة والسلام قدوة حسنة .

 

 

 

 

3 – القدوة قبل الدعوة :

 

 

 

 

من هنا كانت لنا قاعدة في التربية وفي الدعوة إلى الله : " القدوة قبل الدعوة " .
لابد أن تكون مثال لمن تدعوهم
إن الإنسان يمكن أن ينتفع من كل العلماء في أمور الدنيا ، طبيب ، مهندس ، محامٍ ، ولا يعني الإنسانَ سلوكُ هذا العالِم ، يعنيه علمُه فقط ، إلا أن رجل الدين وحده لا يمكن أن تنتفع به إلا إذا كان قدوة حسنة ، وهذا لحكمة بالغة ، لأنه كما تفضلت لو أنه كان صادقًا فيما يقول ينبغي أن يطبِّقه ، فإن كان عاجزاً قلنا له : أنت لست مؤهلاً أن تنصح الناس ، فإما أن كلامك غير واقعي ، إذاً سقطت الدعوة ، وإما أنك عاجز ، فأنت لست مؤهَّلاً أن توجِّه الناس .

القدوة الحسنة أساس التعليم
إذاً : القدوة قبل الدعوة ، سيدنا عمر بن الخطاب قالوا عنه : كان إذا أراد إنفاذ أمر جمع أهله وخاصته ، وقال : << إني أمرت الناس بكذا ، ونهيتهم عن كذا ، والناس كالطير ؛ إن رأوكم وقعتم وقعوا ، وايمُ الله ، لا أوَتين بواحد وقع فيما نهيت الناس إلا ضاعفت له العقوبة لمكانه مني >> ، فصارت القرابة من عمر مصيبة ، لأنه كان قدوة حسنة ، بدل أن تكون ميزة ، << وايم الله لا أوتين بواحد وقع فيما نهيت الناس إلا ضاعفت له العقوبة لمكانه مني >> .
سيدنا عمر رأى إبلاً سمينة ، قال : << لمن هذه الإبل ؟ قالوا : هي لابنك عبد الله ، فغضب ، وقال : ائتوني به ، فلما جاء ابنه عبد الله ، ورأى أباه غاضباً قال له : لمن هذه الإبل ؟ قال : هي لي ، اشتريتها بمالي ، وبعثت بها إلى المرعى لتسمن ، فماذا فعلت ؟! أين المخالفة ؟! أين المعصية ؟! فقال سيدنا عمر : ويقول الناس : ارعوا هذه الإبل فهي لابني أمير المؤمنين ، اسقوا هذه الإبل فهي لابني أمير المؤمنين ، وهكذا تسمن إبلك يا ابن أمير المؤمنين ، قال له : بع هذه الإبل ، وخذ رأس مالك ، ورد الباقي لبيت مال المسلمين >> ، لذلك القدوة أساس .

4 – لابد من معرفة سيرة النبي حتى نقتدي به :

الآن هناك ملمح دقيق جداً ، وهو حينما قال الله عز وجل :

﴿ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾

كيف يكون النبي أسوة حسنة إن لم نعرف سيرته ؟
عندنا قاعدة أصولية أستاذ أحمد : " ما لا يتم الفرض إلا به فهو فرض ، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، وما لا تتم السنة إلا به فهو سنة " .
مثل : الصلاة فرض ، لكن الصلاة لا تتم إلا بالضوء ، إذاً الوضوء فرض ، ماذا نستنبط ؟ إذا كان الله عز وجل يبين لنا أن النبي هو قدوتنا في أفعاله ، وفي إقراره ، وفي أقواله ، كيف يكون النبي أسوة حسنة لنا إن لم نعرف سيرته ؟
إذاً : لا تتم أسوة النبي إلا بمعرفة سيرته ، وكما أن كل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب ، فهذا الأمر يقتضي وجوبُه أن نعرف سنة رسول الله .
الأستاذ أحمد :
الرسول صلى الله عليه وسلم كان بين أصحابه أسوة لِمَا رأوه من حاله ، أما نحن فنقل إلينا الخبر الصحيح .
الدكتور راتب :

 

لذلك لا بد من قراءة سيرة النبي حتى نتمكن أن نعرف مواقفه ، وحياته في بيته ، مع أصحابه ، في حله وترحاله ، في سلمه وحربه ، حتى يطبق قوله تعالى :

﴿ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾

5 – فعلُ النبيّ أبلَغُ في التعبير عن فهمه للقرآن :

هناك ملمح آخر : قال بعض العلماء : إن فعل النبي أبلغ في التعبير عن فهمه في لكتاب الله من قوله ، لأن القول يحتمل التأويل ، والفعل حديٌّ .
لو قال لك شخصٌ : أنا أصلي بغير وضوء ، فهذه ليس لها تأويل ، ولو قال لك رجلٌ آخر : أنا أفرّ من رحمة الله ، الله عز وجل جعل المطر رحمة الله ، أو قال لك : أنا أحب الفتنة ، يعني أنه يحب أولاده .

﴿ إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ ﴾

( سورة التغابن الآية : 15 )

إذاً : القول يؤوَّل ، أما الفعل فحديٌّ ، لذلك قال العلماء : " إن فعل النبي أبلغ في التعبير عن فهمه لكتاب الله من أقواله " .
إن سيرة النبي منهج كامل ، كيف أن الله عز وجل جعل كما قال النبي كتاباً وسنة ، كيف أن الكون قرآن صامت ، وكيف أن القرآن كون ناطق ، وكيف أن النبي قرآن يمشي سيرة النبي كتاب وسنة ، وأنا أؤكد أنه لو لم يكن في أيدينا إلا سيرة النبي لكفت ، لأن أقواله ، أفعاله ، إقراره منهج ، وشرح لكتاب الله .
إذاً :

﴿ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾

﴿ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً ﴾

( سورة الأحزاب )

6 – القدوة له أجران إن أحسن ، وإن أساء ضوعف إثمُه :

ولكن هذا الإنسان الذي يحتل مركز قيادي ، أقلّ مركز قيادي الأب في البيت ، المعلم في الصف ، المدير في المدرسة ، أيّ مركز قيادي ، الله عز وجل أغراه ، أو أغرى صاحب المركز ؛ أنك إذا كنت قدوة فلك أجران ، أجرك وأجر مَن قلدك ، وبالمقابل الغرم بالغنم ، وأيّ إنسان يحتل مركزًا قياديا لو أنه دخّن ، وتبعه طالب فدخن يقع عليه إثمه ، وإثم الطالب الذي قلده .
إذاً :

﴿ لقد كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ ﴾

بالمناسبة أستاذ أحمد : الإبلاغ ، والتقرير ، والكلام ، وإلقاء التوجيهات ، تسقط أمام الفعل المخالف للقول ، لو فرضنا بأبسط التعريفات :
لو طُرق الباب ففتح الابن الباب ، قال : يا أبتِ فلان بالباب ، قال له : قل له : ليس موجوداً ، لو ألقى الأب على ابنه آلاف المحاضرات في الصدق فهذه المحاضرات سقطت ، لأنه كذب أمام ابنه .
لذلك الشيء الخطير أن الصغار في السنوات الأولى ، وحتى السبع سنوات يأخذون كل شيء عن الكبار ، فإذا كذبت الأم ، وكذب الأب ، أو وعد فأخلف ، أو وجه ابنه توجيهاً خالفه في مكان آخر ، لذلك لو أن الأب والأم ، لو أن المعلم ، لو أن الموجه ، لو أن الشيخ لم يقل كلمة واحدة ، وكان كاملاً كان كماله أبلغ من أقواله .
لذلك أنا أدعو الآن إلى شيء اسمه الدعوة الصامتة ، كن أميناً ، الأمانة دعوة ، كن صادقاً ، الصدق دعوة ، كن وفياً ، الوفاء دعوة ، المؤمن لأنه مستقيم ، ولأنه يطبق منهج الله هو داعية دون أن يشعر .
الأستاذ أحمد :

 

سيدي الكريم ، بالنسبة لحديث النبي عليه الصلاة والسلام هل في حديثه ما يثبت أسوة رسول الله ، ويحضنا على نأتسي .
الدكتور راتب :

حديثٌ عظيم في القدوة الحسنة والقدوة السيئة :

يقول عليه الصلاة والسلام :

(( مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً فله أجرها وأجر من َعُمِلَ بِهَا إلى يوم القيامة لا يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئاً ))

[ أخرجه ابن ماجه عن جرير ]

الموضوع حساس ودقيق ، الدين توقيفي ، لا يضاف عليه ، ولا يحذف منه ، لأنه من عند الله ، وأيّ إضافة عليه فهي اتهام له بالنقص ، وأي حذف منه فهو اتهام له بالزيادة ، ولكن هذا الحديث :

(( مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً ))

في غير العقائد والعبادات ، في أمور الدنيا ، دفّأنا المسجد ، كبّرنا الصوت ، وضعنا خدمات للمصلين ، هناك مليارات الأعمال الصالحة إذا فعلناها تكون سنة حسنة في غير العقيدة والعبادات ، لأن العقائد والعبادات الأصل فيها الحظر ، ولا تشرع عبادة إلا بالدليل القطعي في دلالته ، وفي ثبوته ، أما الأشياء فالأصل فيها الإباحة ، ولا يحرم شيء إلا بالدليل القطعي الثابت .
إذاً : هذا الحديث الذي يفهم منه أنه :

(( مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً فله أجرها وأجر من َعُمِلَ بِهَا إلى يوم القيامة ))

صندوق تعاوني ، هذا الصندوق في وزارة عمم على كل الوزارات ، حل مشكلة الموظفين ، إذاً : هذا الذي فكر بإنشاء هذا الصندوق له أجره ، وأجر من قلده في كل الوزارات ، هذا شيء لطيف جداً .
إلا أنه في أمور العقائد والعبادات لا يزاد عليها ، ولا يحذف منها ، بل إن تعريف التجديد الحقيقي أن ننزع عن الدين كل ما علق به مما ليس منه .
الأستاذ أحمد :

 

نريد أن نسمع منك إلى مثال تطبيقي عملي يبين لنا كيف تكون الأسوة في حياتنا ؟
الدكتور راتب :

مثال عمليٌّ للأسوة الحسنة :

إن جبلة بن الأيهم كان ملكًا ، أسلم في عهد عمر ، ورحب به أيّما ترحيب ، لأن النبي عليه الصلاة والسلام طلب النخبة ، قال :

(( اللهم أعز الإسلام بأحد العمرين ))

سيدنا عمر مثال للعدل
لما أسلم سيدنا حمزة توقفت قريش عن إيذاء المسلمين ، لما أسلم سيدنا عمر صلى المسلمون في بيت الله الحرام ، إلا أن هذا الملِك ، ملك الغساسنة ، سيدنا عمر رحب به ، وطرب لإسلامه ، وأكرمه ، في أثناء طوافه حول البيت بدويٌّ من قبيلة فزاره دون أن يشعر ، وعن غير قصد داس طرف رداء هذا الملك ، فانخلع رداءه عن كتفه ، فالتفت نحوه وضربه ضربة هشمت أنفه ، أمام هذا البدوي سيدنا عمر ، توجه إليه شاكياً ، سيدنا عمر قدوة في العدل ، استدعى جبلة ، وقف أمام البدوي ، شاعر معاصر صاغ الحوار شعراً :
قال عمر لجبلة :

أصحيح ما ادعى هذا الفزاري الجريح ؟

فقال جبلة :

لست ممن ينكر شيا
أنا أدبت الفتى أدركت حقي بيديَّ

قال عمر :

أرضِ الفتى لا بد من إرضائه
ما زال ظفرك عالق بدمائه
أو يهشمن الآن أنفك
وتنال ما فعلته كفك

فقال جبلة :

كيف ذاك يا أمير ؟!
هو سوقة وأنا عرش وتاج !
كيف ترضى أن يخر النجم أرضا ؟

فقال له عمر :

نزوات الجاهلية ورياح العنجهية قد دفناها
أقمنا فوقها صرحاً جديدا
وتساوى الناس أحراراً وعبيدا

قال جبلة :

كان وهماً ما جرى في خلدي
أنني عندك أقوى وأعز
أنا مرتد إذا أكرهتني

فقال عمر :

عالم نبنيه ، كل صدع فيه يداوى
وأعز الناس بالعبد بالصعلوك تساوى


هذا هو العدل ، لذلك أستاذ أحمد ، البشرية مرت بمراحل ثلاث ، عصر المبادئ ، المبادئ أولاً ، عصر الأشخاص ، عصر الأشياء ، نحن في عصر الأشياء ، يستمد المرء قيمته من مركبته ، بل من رقم من مؤخَّرتها ، قيمة الإنسان متاعه ، لذلك البيت الذي دخل صاحبه السجن يعدُّ أهجى بيت قالته العرب ، هو الآن شعار كل إنسان :

دع المكارم لا ترحل لبغيتها واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
***

الأستاذ أحمد :
وهل هناك من أقول مأثورة نقلت عن بعض العارفين أو العلماء الربانيين تحضنا على الأسوة الحسنة ؟
الدكتور راتب :

 

احذروا من مخالفة الأقوال للأفعال :

التناقض سبب التباعد
الشيخ مثلاً استقامته أبلغ من محاضراته ، المعلِّم سلوكه أبلغ من أقواله ، الأب انضباطه أبلغ من توجيهاته ، فالقدوة قبل الدعوة ، والإحسان قبل البيان ، مبدءان كبيران في الدعوة إلى الله ، كن قدوة ، احذر أيها المعلم ، احذر أيها الأب ، احذر أيها الموجه ، احذر أيها الداعية أن يراك الذي تدعوه على حالة بخلاف ما تدعوه ، عندئذٍ تسقط الدعوة .
الأستاذ أحمد :
مع أنها صحيحة ، وحقيقية .
الدكتور راتب :

ينصرف الناس عن الدعوة حينما يرون الداعية ليس في مستوى دعوته ، هذا الأمر دعانا إلى أن نستمع إلى مقولة رائعة قالها بعض العلماء ، قال : " من دُعي إلى الله بمضمون هزيل غير متماسك سطحي ، أو دُعي بمضمون مقبول ، لكن المدعو لم يجد المصداقية في الداعية ، فهذا المدعو بهذه الطريقة الهزيلة ، والأسلوب غير العلمي والتربوي ، واكتشاف أن الداعية ليس في مستوى هذه الدعوة ، هذا المدعو بهذا المضمون ، وبهذه الطريقة لا يعد عند الله مبلَّغاً ، ويقع إثم تفلته من المنهج على من دعاه بهذه الطريقة " .
الأستاذ أحمد :

سبحان الله ! لأن الكلام لا يغني عن الحال ، الأسوة الحسنة أمر طيب جميل ، لكن لا بد أن له فوائد مرجوة ، فما فوائده ؟
الدكتور راتب :

فوائد الأسوة الحسنة : الأهداف لا تتحقق إلا بالقدوة الحسنة :

فوائد الأسوة الحسنة أن الدعوة إلى أيِّ شيء لا تتحقق إلا بالأسوة الحسنة ، فالتوجيهات إذا فرغت من مضمونها انتهت الدعوة كلياً ، الفائدة العظمى أنك إذا أردت أن تحمل هذا الإنسان على تطبيق مبدئك ودعوتك وتوجيهاتك فلا بد من أن يرى نموذجاً .
الأهداف لا تتحقق إلا بالأسوة الحسنة
لذلك أنا أرى أن قصة معاصرة فيها بطولة أبلغ من آلاف القصص القديمة ، لماذا ؟ لأن القصة كان أبطالها معاصرين لك ، هؤلاء عاشوا الظرف نفسه ، وتحملوا الضغوط نفسها ، وواجهتهم الصوارف نفسها ، وواجهتهم العقبات نفسها .
إذاً : المشكلة أن القصة في أدق تعريفاتها حقيقة مع البرهان عليها ، فإذا انتزعت قصة من مجتمعك ، لإنسان أخلاقي ، إنسان نزيه ، إنسان عفيف ، إنسان أمين ، فهذا الأمين في جو معين ، في جو ليس مَن حوله مثلَه مثلاً ، هو شاهد عليهم ، لذلك جعل الله في كل مجتمع أناساً يُعدُّون حجة على الآخرين ، فتجد القاضي نزيها ، والطبيب مخلصا لا يبتز أموال الناس ، والمحامي صادقا ، والحاكم عدلاً ، هؤلاء المطبقون لمبادئهم ، هؤلاء حجة على مَن سواهم .
فلذلك أكبر ثمار القدوة الحسنة أن الأهداف لا تتحقق إلا بالقدوة الحسنة .
الأستاذ أحمد :
بعض الأخلاق التي مررنا عليها ، والتي سنأتي عليها بإذن الله عز وجل يقتصر تطبيقها على الأفراد ، خُلق فردي يتعامل به الإنسان مع شخص آخر ، هل الأسوة الحسنة من الممكن أن تطبقها المجتمعات بشكل جماعي ، كما يطبقها الأفراد بشكل فردي ؟
الدكتور راتب :

تطبيق الأسوة الحسنة بشكل جماعي :

طبعاً ، نحن حينما نقيم الإنسان بأعماله ، أيام يقيم الشخص بأقواله ، أو بشهادته أما حينما يكون التقييم بالعمل تأخذ القدوة الموقع الأول في حياتنا ، الحقيقة أن كل منصب قيادي في كل مجالات الحياة يحتاج إلى هذه الحقائق الدقيقة حول القدوة الحسنة ، والحقيقة أن الناس حينما يعيشون المثل المتحركة .
ذو الوجهين لا يكون وجيها
بالمناسبة : الناس لا يعنيهم المثَل ، وهي في الكتب ، الكتب ميتة ، يريدون بطلاً أمامهم ، صادقًا ، أمينا ، الذي جعل أكبر قطر إسلامي في العالم إندونيسيا يدخل فيها الإسلام عن طريق القدوة ، عن طريق التجار ، لم تفتح لا بسيف ، ولا بقهر ، إنما بالقدوة الحسنة .
لذلك ورد في بعض الأحاديث :

(( واستقيموا يستقم بكم ))

[ رواه الطبراني عن سمرة بن جندب ]

يكفي أن تكون في مكان ما ، في دائرة ، في مستشفى ، في مدرسة ، في جامعة ، وأن تكون مستقيماً ، وانظر كيف أنك تغدو مضرب المثل ، تغدو مطمح الآمال ، تغدو في مركز يتمنى مَن حولك أن يقلدوك .
لذلك تصلح الدنيا بالقدوة ، ولا تصلح بالعنف ، العنف لا يجدي شيئاً في هذا الموضوع .
الأستاذ أحمد :
رأينا أمثلة عن بعض الدول التي حكمت بالحديد والنار ، من نشر الشيوعية ، كيف أن هذا الكائن أو هذا النظام ظنناه في يوم من الأيام أنه ماردٌ فإذا به ماردٌ ، لكن من وَرق ، ينهار لأنه لم يُبنَ على قناعات ، ولا على احترام ، وإنما بني على رعب ، وعلى خوف .
الدكتور راتب :

 

هنا نقطة دقيقة : أن الكلمة إن لم تكن صادقة تفقد قيمتها ، أقول لك مع الأسف الشديد : أحياناً يكفر الناس بالكلمة ، بمطلق الكلمة ، مع أن الأنبياء جاؤوا بالكلمة فقط ، لكنهم جاؤوا بالكلمة الصادقة ، أما إذا رأى الناس متكلماً فصيحاً ، طليق البيان ، فلما عاملوه وجودوه على غير ما يقول ، سقطت الكلمة ، ونحتاج إلى أمد طويل كي نعيد للناس ثقتهم بالكلمة .
الأستاذ أحمد :

لذلك في هذه الأيام ما أكثر الخطباء ، ما أكثر الخطب التي تقال ، والمواعظ التي تتلى ، لكن لا تؤثر في الناس التأثير الذي كان من قبل ، لأن الكلمة كما تفضلتم فقدت قيمتها وخاصيتها .
سؤالي الآن : رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قدوة حسنة ، الله عز وجل جعل الصحابة يقتدون به لِما رأوه منه ، لكننا نحن معاشر مَن أتى بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أُمرنا أن نجعل من رسول الله قدوة حسنة ، فهل نقل التاريخ والسيرة والسنة ما إلينا ينطبق عليه قول الله عز وجل :

﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾

( سورة الحجر )

مِن حفظ الله لهذه السيرة لنا فيه إعجاز ؟
الدكتور راتب :

 

القدوة الحسنة التي تعاصرك لها أثر كبير :


القدوة المعاصرة لها أثر كبير
الحقيقة أنك إذا قرأت عن رجل في التاريخ عظيم ، أخلاقي ، شجاع ، كريم مصلح ، عالم تتأثر ، لكن كما قلت قبل قليل : إنك إن عاصرت إنساناً مثلاً أعلى في الأخلاق ، هذا يعيش ظروفك ، يعيش الضغوط ، يعيش الإغراءات ، يعيش الصوارف ، يعيش العقبات ، يعيش المعطيات .
فلذلك القدوة الحسنة إن كانت معاصرة فلها تأثير كبير جداً ، بل إن المسلمين اليوم بحاجة إلى مسلم متحرك ، لا إلى إسلام في الكتب ، مسلم متحرك ، له تأثير يفوق حد الخيال ، وألاّ يكتشف الناس أية مسافة بين أقوالك وأفعالك ، هذه قمة في الدعوة إلى الله ، وقمة في التوجيه ، ودعوة إلى الآباء والأمهات والمعلمين أن يكونوا كذلك ، لأن الناس يأخذون عن كبرائهم كل خير ، والكبراء لهم أجران ، والكبراء إذا زلّت قدمهم فعليهم وزر .
الأستاذ أحمد :

 

خاتمة وتوديع :

نشكرك أستاذنا الكريم على هذه الإضاءات اللطيفة ، وإلى أن نلتقي بكم في حلقة أخرى ، ونلتقي بإخواننا المشاهدين ، وأخواتنا المشاهدات ، نستودعكم الله ونقول لكم :
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور